دول الخليج العربيمصر

زيارة الرئيس السيسي إلى السعودية.. الكتلة العربية ومواجهة التحديات الاستراتيجية

ثمة تطورات إقليمية وسياسية تجري في الفترة الأخيرة تستدعي حضورًا مصريًا لافتًا، وذلك للطبيعة المركزية والأهمية الجيوسياسية التي تجعل مصر تتموضع في أي خريطة تفاعلات جديدة، أو تدشين مواقف طارئة ومغايرة. فزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى المملكة العربية السعودية تحمل دلالات تستجيب لحقائق التاريخ والجغرافيا، بالإضافة إلى أنها تتوافق مع كافة التطورات السياسية التي شهدتها المنطقة وخبرتها على مستوى عديد الملفات الساخنة مؤخرًا، والتي ألقت بظلالها عبر أكثر من محور يشتبك مع الأوضاع بالإقليم. كذلك ترتبط بهدف استراتيجي مشترك يتمثل في ضرورة العمل على تهدئة الأجواء في هذه المرحلة الانتقالية، وأن تضحى القوى العربية الفاعلة خاصة القاهرة والرياض ناجزة في ضبط منسوب العمل السياسي بما يتواءم مع أهداف المرحلة.

من الصعوبة النظر إلى زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى جدة، مساء الأحد الثاني من شهر أبريل الجاري، للقاء سمو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعيدًا عن مسارات عديدة تقاطعت فيها الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، بينما عبرت بشكل واضح عن عمق التغيرات الجيوسياسية، ثم كشفت في بعض وقائعها وأحداثها عن ضرورة التحرك بخطوات مدروسة لتعزيز الحضور العربي وتفرض كلمته. الأمر الذي يسمح بدوره بتعزيز كافة سبل المقاربة العربية نحو دفع آليات العمل المشترك حيز الواقع، وبما يحقق الأهداف والاستراتيجيات الواقعية في إطار الشرق الأوسط الكبير، لا سيما في تلك المرحلة الانتقالية التي يشهدها العالم بأسره.

ليس ثمة شك أن اللحظة الحالية بكل ما تحمله من دقة في حسابات المشهد السياسي، ورهانات الواقع، وتصورات المستقبل، تفرض بشكل كبير تصور بنية من العمل السياسي يتأسس على فهم حقيقي لحجم التحولات الهائلة في المشهد السياسي الدولي، وما يتبعه من تداعيات على السلم والنظام الإقليمي، مما يستلزم الاستفادة من روابط العلاقات العربية وتفاهمات التاريخ وتلاحمات الجغرافيا، الذي يبدو جليًا في مسار العلاقات المصرية السعودية، خلال عقود طويلة مضت. وبالتالي يضحى التحرك نحو رهانات الأفق المنظور أكثر وضوحًا وأقل كلفة، خاصة مع قبول الحدود المقبولة من الأهداف لكل طرف عبر الملفات المتعددة والمتباينة والمتشابكة أحيانًا أخرى.

وفيما يبدو أن العديد من الملفات الساخنة، التي تتاخم جسد الشرق الأوسط وترفع درجة حرارته وتبعث بالسيولة القائمة نحو الحدود القصوى، ينبغي أن تتم مواجهتها عبر نموذج من التحالفات السياسية التي يتعين معها الإدراك بعمق ماهية الضلع الناقص في كل معادلة سياسية مشتركة، وأن ذاك الضلع هو المكمل في معادلة أخرى.

إن مفهوم العالم العربي الذي ينبغي أن يتم العمل على تنمية بواعثه وأهدافه، عليه أن يدرك بيقين تام المدخلات الواقعية للمشهد السياسي الحالي، والذي يقر بحدود معلومة نحو المصلحة الوطنية لكل دولة، والتي هي في الأساس تعبر بصدق عن تفاعلات مباشرة فيما بين الدول، فضلًا عن ضرورة فهم وإدراك واقع المصالح المشتركة عبر مسار يقر ويؤمن بأحقية كل دولة في سعيها نحو تحقيق أهدافها الخاصة المتعلقة بالأمن القومي، والتنمية الشاملة والاستقرار السياسي والقيمة والمكانة الإقليمية والدولية.

بيد أن ذلك كله لا ينفي ضرورة فهم مدركات التفاعل بين الدول العربية العربية، وأن عمق إدراك حجم التحولات الحادة في المشهد الإقليمي كفيل أن يضمن للكتلة العربية أن تضحى الصوت الأبرز في القضايا الرئيسة والنواة الصلبة إزاء أي تحد استراتيجي.

ربما قد يبدو من المنطقي فهم دوافع ميكانيزمات التوافق التي بدت بين القوى الإقليمية الرئيسة، خاصة ما جرى، مؤخرًا، من إتمام اتفاق بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية برعاية الصين، والزيارات الدبلوماسية بين مصر وتركيا، مما وضع أكثر من مستوى ومعيار للفهم والتحليل، خاصة ما يرتبط بتهيئة الأجواء لفرض الاستقرار على مسرح الأحداث الساخن وتهدئة تلك الأجواء الملتهبة، الأمر الذي يسمح بتعظيم الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية وتوظيف الآليات المتاحة والبنى التحتية للتجارة العالمية والاستفادة من كافة الفرص المتاحة، والتي تعطلت لسنوات طويلة نتيجة تفجر الأحداث خلال العقد المنصرم.

بالإضافة إلى أن ذلك كله سيضع جملة من التداعيات الإيجابية على عدد من الملفات، ومن أبرزها الملف السوري الذي يشهد تطورات لافتة خلال الشهور الأخيرة، والتي بدت أبرزها مع حادثة الزلزال وتفجر المساعدات الإنسانية من الدول العربية، نحو المناطق المتضررة في سوريا وظهور وزير الخارجية المصري سامح شكري في العاصمة السورية دمشق، وكذا زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى القاهرة.

إلى ذلك قد يبدو من المرجح في تقديري أن الدوائر العربية الفاعلة ستتوافق على سيناريو دعوة سوريا لحضور القمة العربية المقبلة في المملكة العربية السعودية المقرر عقدها في مايو القادم، وأن ثمة فرصة لاحت في ليل جدة لمناقشة هذا الأمر يكون على إثره أن تعطي المملكة العربية السعودية الضوء الأخضر للجامعة العربية، بتوجيه الدعوة إلى سوريا للحضور استنادًا لكونها الدولة التي ستستضيف أعمال القمة على أراضيها.

ليس ثمة شك أن القاهرة والرياض في سياق علاقاتهما الاستراتيجية والتاريخية، يدركان حقيقة الواقع الراهن وأهمية العمل المشترك فيما بينهما، والتفاعل مع بقية القوى العربية بغية استثمار اللحظة، وبحث ماهية المسارات المتاحة لتجسير كافة روابط الصلة نحو، معادلة إقليمية مستقرة تسبر أغوار التحولات الدولية وتتفاعل معها. 

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى