
بيع الأصول: هل يعد صندوق هيئة قناة السويس خطوة لبيع ممتلكات القناة؟
بيع أصول قناة السويس، ذلك هو الموضوع الذي يشغل قلق المصريين في الوقت الحالي، بعد تداول أقاويل كثيرة حول مشروع قانون لتعديل المادة 15 مكرر 2 من قانون رقم 30 لسنة 1975 والخاص بهيئة قناة السويس، والذي بموجبه ينشأ صندوق له شخصية اعتبارية يمكنه مشاركة والشراء والاستئجار وبيع بعض الأصول. فقد كان رأي البعض أن ذلك الصندوق يشكل تهديدًا على قناة السويس، بينما كان الرأي الآخر أن ذلك الصندوق يحرم الموازنة العامة للدولة من إيرادات القناة، ودافع آخرون عن مشروع القانون لكونه يساعد هيئة قناة السويس على تحقيق التنمية الشاملة. فكيف يمكن فك ذلك الاشتباك والتعرف على الحقيقة؟
القوانين التي تنظم عمل قناة السويس
يتم ضمان حرية الملاحة بقناة السويس من خلال معاهدة القسطنطينية التي تعود إلى عام 1888؛ إذ تضمن تلك المعاهدة حرية الملاحة بالقناة، والحفاظ على أمنها وسلامة منشآتها في أوقات السلم والحرب. ظلت القناة تحت رعاية دولية حتى عام 1956 عندما اتخذ الرئيس جمال عبد الناصر قرارًا بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية كشركة مساهمة مصرية، تُدار من خلال هيئة مستقلة تكون لها الشخصية الاعتبارية ويكون لها ميزانية مستقلة يتم اعتمادها من رئيس الجمهورية.
في عام 1963 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 124 لسنة 1963 والذي منح هيئة قناة السويس القدرة على تأسيس شركات مساهمة دون أن يُشرَك معها مؤسسون آخرون (طبقا لقانون الشركات فإن تأسيس الشركات المساهمة يستلزم وجود ثلاثة مساهمين)، ومنح الهيئة الحق في تداول أسهم هذه الشركات بمجرد تأسيسها، والمقصود بالتداول هنا هو الحق في البيع وإعادة الشراء. ثم تم إصدار قرار رئيس الجمهورية رقم 161 لعام 1963 والذي نظم الرسوم والمبالغ المستحقة بالهيئة.
ثم صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 30 لسنه 1975، وهو القانون الأساسي الذي ينظم عمل هيئة قناة السويس حتى الوقت الحالي، وهو يتكون من 17 مادة. منح ذلك القانون لهيئة قناة السويس الحق في القيام على شؤون مرفق قناة السويس، وإدارته واستغلاله وصيانته وإنشاء مشروعات مرتبطة به أو متصلة بقناة السويس، بشكل منفرد أو بالشراكة مع آخرين. ومنح الهيئة في مادته الثانية الشخصية الاعتبارية المستقلة، ونص على أن تكون للهيئة ميزانية مستقلة تتبع في وضعها القواعد المعمول بها في المشروعات التجارية مع عدم الإخلال برقابة الجهاز المركزي للمحاسبات على الحساب الختامي للهيئة (أي أن الهيئة تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات).
وتناولت باقي المواد مسائل تنظيمية تتعلق بإدارة الهيئة وحقوق وامتيازات العاملين بها، وتحديد الرسوم الملاحية والمرور. لكن المادة الأهم هنا هي المادة رقم (9) والتي منحت الهيئة الحق في تملك الأراضي والعقارات بأي طريقة بما في ذلك نزع الملكية للمنفعة العامة (تم إلغاؤها فيما بعد بالقانون رقم 30 لسنه 1975)، وللهيئة الحق في استئجار أراض وعقارات مملوكة للغير سواء للأغراض التي أنشئت من أجلها أو تحقيقًا لرفاهية العاملين بها. أما المادة رقم (10) فقد نصت على اعتبار أموال الهيئة أموال خاصة، وهو ما يعني أن الأموال المملوكة للهيئة هي أموال لا تؤول إلى الموازنة العامة للدولة.
وتعد آخر القوانين التي تم إصدارها هو القانون رقم 90 لسنة 2015 والذي ورد به تعديل لقانون 124 لسنة 1963 بمنح الهيئة الحق في تأسيس مختلف الأنواع من الشركات وعدم اقتصارها على الشركات المساهمة، حيث سمح القانون للهيئة بتأسيس شركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسؤولية المحدودة.
تعديل القانون المطروح بالبرلمان
وفقًا لما تداولته الصحافة، فقد أرجأ مجلس النواب التصويت النهائي على مشروع قانون مقدم من الحكومة يقضي بإنشاء صندوق جديد لهيئة قناة السويس بغرض المساهمة بمفرده أو مع الغير في تأسيس الشركات، أو زيادة رؤوس أموالها، والاستثمار في الأوراق المالية، وشراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصوله الثابتة والمنقولة والانتفاع بها. وهو ما واجه معارضة من البعض، وظهرت أصوات عديدة تطالب بعدم تعديل القانون. لكن قبل بناء رأي حول تلك التعديلات، هل سيحصل الصندوق على حق إضافي لم يكن من ضمن حقوق الهيئة حاليا؟
وفقا لما سبقت الإشارة إليه في الجزء الخاص بالقوانين التي تنظم عمل هيئة قناة السويس، فإن المادة (9) من قانون رقم 30 لسنه 1975 منحت الحق للهيئة في تملك الأراضي والعقارات واستئجار أراض وعقارات مملوكة للغير، سواء للأغراض التي أنشئت من أجلها أو تحقيقا لرفاهية العاملين بها هذا، فضلًا عن أن المادة (10) نصت على اعتبار أموال الهيئة أموال خاصة.
وهو ما يعني أن تعديل القانون بإنشاء صندوق لم يطرح جديدًا في ذلك الشأن؛ إذ إن هيئة قناة السويس هي هيئة اقتصادية لها موازنة مستقلة يتم إعدادها وفقًا لمعايير الجهاز المركزي للمحاسبات، ولا يتم رصد بنود لها من جانب الموازنة العامة للدولة، بل تلتزم تلك الهيئات بالمساهمة بفوائضها (بعد سداد مصروفاتها) إلى الموازنة العامة للدولة، وعليه فإنه سواء تم التملك من خلال الهيئة أو من خلال صندوق فالنتيجة واحدة، وأموال الهيئة هي ملكية خاصة مثلها مثل ما يطرحه الصندوق. إذا ماذا يطرح ذلك التعديل؟
يطرح التعديل لهيئة قناة السويس تأسيس صندوق للهيئة يمكنها تجنيب به جزء من إيراداتها وبعض من أصولها المملوكة للهيئة حاليًا بعد موافقة رئيس الوزراء (وفقا للقانون رقم 4 لسنه 1998 والذي أشار إلى تبعيه الهيئة لرئيس مجلس الوزراء، واشتراط موافقة المجلس على قرارات الهيئة)، ومن ثم فإنه بإنشاء ذلك الصندوق يمكن للهيئة بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء تجنيب بعض من إيراداتها في الصندوق؛ لغرض إعادة الاستثمار وبهدف تعزيز التنمية.
وحيث إن الصندوق هو صندوق خاص يُسمح له بشراء وتأجير وتأسيس شركات وغيرها، فإن وجود حق البيع ضمن حقوقه هو أمر منطقي؛ ففي حال تأسيس الصندوق لشركة خدمات على سبيل المثال بالشراكة مع مساهمين آخرين وتمكين الشركة من العمل وتحقيق أرباح، يمكن للصندوق التخارج من حصته بالشركة من خلال ببيعها لمستثمر محلي أو أجنبي، ثم الاستفادة من تلك الأموال في تأسيس شركة أخرى.
وهو أمر بديهي في فكرة إدارة صناديق الأسهم الخاصة أو أي صناديق خاصة؛ إذ إن منعه من حق البيع يعني أن ذلك الصندوق سيؤسس شركات ويظل طرفًا بها مدى الحياة، وانتظار حصوله على توزيعات أرباح من تلك الشركات، بل وإن كانت تلك الشركات تحقق خسائر فلا يمكنه بيع حصته وإغلاق الصفقة، وسيستمر في تحمل تلك الخسائر السنوية سنة تلو الأخرى، وعليه فمن البديهي والمنطقي أن يكون هناك حق للتخارج (البيع) مثل وجود حق الدخول (الشراء أو التأسيس).
أما إذا كان الطرح يشير إلى أن الهيئة يمكنها بيع أصول الدولة المملوكة للمصريين، فإن جميع قرارات الهيئة لا يمكن تنفيذها دون موافقة رئيس مجلس الوزراء، وهو منصب يتم تعيينه من جانب رئيس الجمهورية، ورئيس الجمهورية يتم انتخابه من الشعب وفقًا للدستور، أي أنه بنهاية الأمر تبقي السلطة في يد الشعب المصري.
وحتى في ذلك الافتراض، فإن الممر الملاحي يبقي ممرًا مصريًا متاحًا للاستخدام الدولي، وممتلكات الهيئة لا تتعدى الأراضي المجاورة للقناة، وحصص ملكية في الشركات التي تقدم خدماتها للسفن المارة. وعليه، فإن الهيئة هي فقط مشغل للقناة يمكن استبداله بأي جهة أخرى، وستظل مصر هي المالك الوحيد للقناة وإيراداتها، وستظل فوائض هيئة قناة السويس أحد مصادر الإيرادات الرئيسية للموازنة العامة المصرية، ويبقى فقط جزء من فوائض الهيئة هو ما يتم تجنيبه بالصندوق ملكًا للهيئة لإعادة استثماره. لكن ما هو أثر إنشاء مثل ذلك الصندوق على الموازنة العامة للدولة؟!
لا يمكن إنكار أن لكل قرار آثار إيجابية وسلبية، ويختلف تقييمنا للقرار من حيث حجم الآثار الإيجابية مقابل تلك السلبية، في حال تأسيس الصندوق، سيتم الحصول على موافقة رئيس مجلس الوزراء لتجنيب جزء من فوائض الهيئة للضخ بالصندوق لغرض إعادة الاستثمار، فإن ذلك الجزء فقط لن يذهب إلى الموازنة العامة للدولة في ذلك العام فقط، لكن باقي فوائض الهيئة تذهب إلى الموازنة العامة للدولة وفقًا للنظام الحالي.
إذا اعتبرنا أن ذلك أثر سلبي، فهو الأثر الأوحد في ذلك الطرح، وبخلافه لا توجد آثار أخرى؛ فالصندوق يتم الرقابة عليه من جانب الجهاز المركزي للمحاسبات، ويسدد الضرائب الواجبة عليه بعد تحقيق أرباح وفقًا للقانون، ويعمل وفقًا للقانون المصري، ومملوك لهيئة قناة السويس التي تمثل إحدى الهيئات الاقتصادية المملوكة للدولة.
لكن من الجانب الآخر، تتعدد الآثار الإيجابية لذلك الصندوق؛ فهو يضمن للهيئة الحفاظ على مرونتها حتى في أوقات الأزمات، من خلال تجنيب جزء من الأموال وإعادة استثمارها بشكل يحقق التنمية لإيرادات الهيئة، ويمنحها القدرة على تطوير أعمالها وتجديد أسطولها البحري والحفاظ عليه، بل والتوسع وشراء شركات أخرى محلية وإقليمية، أو موانئ أخرى حتى في أسوأ الظروف دون التأثير على الفوائض التي تحصل عليها الموازنة العامة للدولة فيما بعد.
تعديل القانون لم يطرح جديدًا؛ فالهيئة تعمل وفقًا لقانون الهيئات الاقتصادية، وينص القانون على أن أموالها هي أموال خاصة (أي أن فوائضها هي التي تؤول إلى الموازنة العامة للدولة وليس إيراداتها)، وعليه فإنها تسهم في الموازنة العامة للدولة فقط بفوائضها، ولها الحق في تملك واستئجار واستغلال الأصول بغرض ممارسة نشاطها.
ويعد الهدف الأساسي من تعديل القانون وتأسيس الصندوق هو منح الهيئة المرونة والقدرة المالية لتنمية مواردها وتنمية أعمالها والحفاظ على أصولها، وتنمية محور القناة من خلال تجنيب جزء من الفوائض التي تحققها الهيئة بعد الحصول على موافقة رئيس مجلس الوزراء، لتكون هيئة قناة السويس أكثر ملاءة مالية وصلابة، وقادرة على التوسع وتنويع محفظة الخدمات المقدمة، بل ومنحها القدرة على مواجهة أي أزمات قد تحدث مستقبلًا.
باحث ببرنامج السياسات العامة



