أفريقيامصر

سد جوليويوس نيريري واستراتيجية التنمية المصرية في أفريقيا

انتهت الدولة المصرية من تشييد المشروع الحلم في تنزانيا؛ فبعد أربع سنوات من البدء في تشييد سد “جوليوس نيريري” الواقع على نهر “روفيجي”، تحتفل الدبلوماسية المصرية مع الدولة التنزانية في العاصمة دار السلام ببدء ملء بحيرة السد؛ مما يرسخ الاستراتيجية المصرية في التقارب مع دول حوض النيل القائمة على مبدأ التكامل من أجل تحقيق الأمن والتنمية، ودعم مصالح جميع الأطراف.

وذلك لما يتضمنه المشروع من إمداد الدول الأفريقية بالطاقة النظيفة، ودعم سبل الحفاظ على مصادر المياه المختلفة، وحماية الأفراد من أضرار الفيضانات واستثمارها في توليد الطاقة الكهرومائية، في ظل ما تعانيه الدول الأفريقية من تأثيرات المناخ على الأمن المائي وانعكاسه على الأمن الغذائي.

وذلك ضمن مجموعة من السدود ومشروعات المياه التي تنفذها الدولة المصرية في دول القارة السمراء بشكل مستمر واستراتيجي؛ لتحقيق الأمن المائي من خلال مشروعات التنمية في أفريقيا، فما الدور الذي لعبته الدولة المصرية لتحقيق التنمية عبر مفهوم “التكامل” الأفريقي؟ 

الحضور المصري في دار السلام

شارك وزير الخارجية سامح شكري في احتفال تدشين ملء بحيرة سد “جوليوس نيريري” بالعاصمة التنزانية دار السلام، بمشاركة وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية عاصم الجزار، والذي ينفذه التحالف المصري لشركتي المقاولون العرب والسويدى إليكتريك على نهر روفيجى بدولة تنزانيا، وذلك بحضور رئيسة جمهورية تنزانيا الاتحادية “سامية حسن”. ويأتي الافتتاح في فترة قياسية من مشروعات التنمية والمشروعات القومية، فقد تم توقيع التحالف المصري المكون من شركتي “المقاولون العرب والسويدى إليكتريك” في ديسمبر 2018 عقد تنفيذ المشروع بحضور رئيس جمهورية تنزانيا الاتحادية، والدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، بقيمة 2.9 مليار دولار في العاصمة التنزانية دار السلام. 

يشتمل العقد على تنفيذ مشروع بناء سد على طول نهر روفيجي بطول 1025 مترًا عند القمة، بارتفاع 134 مترًا، بسعة تخزينية حوالى 34 مليار متر مكعب، ومحطة توليد كهرومائية بجانب النهر فى 2% فقط من محمية “سيلوس جام” بمنطقة “مورغورو” جنوب غرب مدينة دار السلام – العاصمة التجارية وأكبر مدن دولة تنزانيا- بقدرة 2115 ميجاوات؛ بهدف توليد 6307 آلاف ميجاوات / ساعة سنويًا، تكفي استهلاك حوالي 17 مليون أسرة تنزانية، وسيتم نقل الطاقة المتولدة عبر خطوط نقل الكهرباء جهد 400 كيلو فولت إلى محطة ربط كهرباء فرعية “sub-station”، حيث سيتم دمج الطاقة الكهربائية المتولدة مع شبكة الكهرباء العمومية.

وشمل المشروع كذلك إنشاء 4 سدود فرعية لتكوين الخزان المائى بأطوال 1.4 كم و 7.9 كم و4.6 كم و 2.6 كم و بأقصى ارتفاعات لها  تتمثل في (21.3 م , 14 م ، 12.4 م و5.5 م ) على التوالي، ويبلغ إجمالي مخزونات المياه المتوقعة 33 مليار متر مكعب، وسدين مؤقتين أمام وخلف السد الرئيس، لعمل التجفيف والتحويل أثناء تنفيذ السد الرئيسى، بالإضافة إلى مفيض للمياه بمنتصف السد الرئيس، ومفيض طوارئ ونفق بطول 703 أمتار لتحويل مياه النهر، و3 أنفاق لمرور المياه اللازمة لمحطة الكهرباء، وكوبرى خرسانى دائم، و2 كوبرى مؤقت على نهر روفيجى.

ويتم خدمة منطقة المشروع بإنشاء طرق مؤقتة وطرق دائمة لتسهيل الحركة وربط مكونات المشروع، بجانب إنشاء مجمع سكني متكامل على مساحة 19 ألف متر مسطح، وذلك بحسب بيان شركة المقاولون العرب

ويجدر الإشارة إلى أنه قد سبق وقامت الدولة المصرية على صعيد عمليات التنمية بافتتاح المرحلة الأولى من محطة توليد الطاقة الشمسية بالمزرعة المصرية التنزانية المشتركة، لتنجح الدولة المصرية في استكمال المشروع الحلم للدولة الأفريقية إحدى روافد دول حوض النيل. 

لماذا يُعد السد المشروع الحلم لتنزانيا؟ 

بجانب الأهداف التي استطاع تحقيقها السد بمنطقة  “ستيجلر جورج” بتنزانيا، إلا أن فكرة السد ترجع إلى منتصف القرن العشرين وخاصةً عام 1940، حيث أُجريت أول دراسة للسد وذلك بحسب دراسة أجرتها الباحثة “هايدي الشافعي” على موقع المرصد المصري التابع للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، والتي بدأت بدراسة لسد صغير لحماية الدولة من أخطار فيضن النهر والمساهمة في الزراعة، ثم تطورت الدراسة عبر منظمة الفاو، التي تضمنت إمكانية إنشاء سد أكبر لتوليد الكهرباء.

وحاول الرئيس “نيريري” البحث عن سبل تمويل أجنبي للسد عام 1961؛ إلا أن البنك الدولي رفض آنذاك، وتعقد الأمر بعد دخول المنطقة كمحمية طبيعية أدرجتها اليونسكو على قائمتها 1982، واستمر الحديث حول السد في الحكومات المتعاقبة واعتباره مشروعًا قوميًا وتمويله من الحكومة عام 2017. 

تمكن التحالف المصري تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة من الحصول على مناقصة بناء السد بالتنافس مع شركات مصرية وصينية وتركية وبرازيلية ولبنانية أيضًا، بالشراكة مع شركة تنزانيا للتوريدات الكهربائية “TANESCO”، بتمويل كامل من الحكومة التنزانية. 

أهمية السد للدولة التنزانية

من منطلق الاهتمام الحكومي في تنزانيا بهذا السد، يمكننا تحديد أهمية السد بالنسبة للدولة الأفريقية على كافة المستويات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، في التالي: 

الحماية البيئية والاجتماعية: بدايةً من حماية البلاد من مخاطر السيول والفيضانات الموسمية التي تسهم في تكوين المستنقعات التي ساهمت في انتشار الأمراض مثل الملاريا وغيرها من الأمراض، بجانب توفير المياه النظيفة للشعب التنزاني، والحفاظ على استمرار تدفق المياه عبر تخزينها لتوفير موارد مائية مستدامة للزراعة والحفاظ على “غابة سيلوس” من الجفاف سنويًا والمساهمة في إنقاذ حياة عدد كبير من الحيوانات والكائنات النادرة التي تعيش فيها؛ بما سيسهم في توفير الأمن الغذائي لدول شرق أفريقيا التي تعاني من الجفاف أو السيول والجراد، بجانب اعتبارها من الدول الأكثر تأثرًا بالأزمات العالمية مثل الأزمة الروسية الأوكرانية، وضعف سلاسل الإمداد الغذائية من الحبوب خاصةً عالميًا، بجانب ما يوفره المشروع من تنظيم ممارسة أنشطة الصيد النهري أسفل السد، وتوفير فرص عمل للشعب التنزاني، حيث شارك في أعمال المشروع ما يصل إلى 12 ألف عامل أغلبهم من التنزانيين. 

توليد الطاقة: فبناء محطة للطاقة الكهرومائية سيسهم في توفير الطاقة الكهربائية لأكثر من 17 مليون أسرة تنزانية، لدولة تعاني من انقطاع الكهرباء وعدم وصولها إلا ل ١0% فقط من السكان لشبكة الكهرباءالوطنية، مما يؤثر على الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية للدولة، وفتح باب التنمية، وجذب المستثمرين عن طريق تمهيد البنية التحتية للدولة الأفريقية عبر خطط إنشاء الطرق والمساكن المتكاملة وتوافر البنية التحتية المتكاملة، هذا بجانب توفير مصادر للطاقة كبديل عن قطع أشجار الغابات في ظل الإعلان عن استراتيجية الحفاظ على الغابات التي تم التأكيد عليها خلال أعمال COP27 المقامة في مصر. 

من أكبر سدود العالم: يمثل سد روفيجي من أكبر سدود أفريقيا والسدود على مستوى العالم كذلك، من حيث الطول والسعة التخزينية، والذي يقع على النهر التنزاني داخل الحدود التنزانية فقط، ويبعد حوالي 200 كم جنوبًا عن العاصمة دار السلام، فينبع من جنوب غرب تنزانيا ويصب في المحيط الهندي. 

على مستوى الربط القاري: سيسهم المشروع في تنفيذ مشروعات أخرى بين البلدين في مجالات الطاقة النظيفة، في ظل تحقيق الأجندة الأفريقية والتحول للطاقة النظيفة والمتجددة، انطلاقًا من استضافة مصر لقمة المناخ في دورتها الـ 27 والتزامها نحو أفريقيا.

وفي دراسة للباحثة نسرين صباحي على موقع “المرصد المصري” أوضحت أن تنزانيا تعد حلقة الاتصال بين دول تجمع “جنوب إفريقيا للطاقة (SAPP) وتجمع شرق إفريقيا للطاقة (EAPP، وتم اعتمادها  كمؤسسة متخصصة لتعزيز الربط البيني لنظام الطاقة من قبل رؤساء دول منطقة السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا ”كوميسا” (COMESA)، وانضمت تنزانيا إليها في مارس 2010″، وبالتالي فهي تُعد بوابة العبور لتنفيذ “المبادرة الأفريقية للطاقة المتجددة” بهدف الوصول إلى 300 جيجاوات عام 2030 لتسديد احتياجات أفريقيا بالكامل من الطاقة.  

مصر ومشروعات التنمية المتكاملة في أفريقيا

تدعم مصر مشروعات الربط الأفريقي، من خلال تحقيق الأمن المائي والغذائي، والذي لا يقل أهمية على الأمن القومي العالمي، كما جاء في تصريحات الرئيس السيسي في القمة الأمريكية الأفريقية.

وتنفذ مصر مشروعات مائية في عدة دول أفريقية منذ تولي الرئيس السيسي رئاسة الجمهورية؛ بالنظر إلى الدول الأفريقية بأنها موطن نقل وتوطين التكنولوجيا للاستفادة من الموارد المتاحة بأقصى استفادة وبشكل متكامل، من خلال الإدارة الجيدة لتلك الموارد، وتعظيم الاستفادة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وتوافر الأمطار والأنهار، وبالتالي التنمية عبر الإدارة وإعادة تطوير البنية التحتية.

فلم يكن سد “جوليويس نيريري” في تنزانيا هو الأول، فهناك مشروعات تنموية كبرى أخرى في القارة مثل “مشروع سد واو” بدولة جنوب السودان، ومشروع مقاومة الحشائش المائية بالبحيرات العظمى، ومشروع درء مخاطر الفيضان بمقاطعة كسيسي غرب أوغندا، و “سد أوين” في أوغندا وتساعد فى تمويل سد «إنجا 3» فى الكونغو الديمقراطية، و “خزان جبل الأولياء” في السودان، بجانب العديد من سدود حصاد مياه الأمطار، وحفر 180 بئرًا جوفيًا في كينيا و75 بئرًا أخرى في أوغندا و30 بئرًا في تنزانيا و10 آبار جوفية في ولاية دارفور السودانية و6 آبار جوفية في جوبا بدولة جنوب السودان، وفق بيان وزارة الري، وهي المشروعات التي تستهدف توفير المياه النظيفة في الدول الأفريقية. 

هذا بجانب العمل على مشروعات الربط سواء في البنية التحتية أو الربط بين القارة الأفريقية والقارة الأوروبية عبر كابل أعلن عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال أعمال القمة الأمريكية الأفريقية يمر عبر مصر، بجانب المشروع الذي تتبناه مصر لربط دول شمال أفريقيا بجنوبها وهو مشروع “القاهرة- كيب تاون مشروع الربط المائي “الإسكندرية – فيكتوريا” ويأتي ضمن رؤية مشروع “قارة واحدة – نهر واحد – مستقبل مشترك”، بجانب  مشروع الربط الكهربي بين أفريقيا وأوروبا، وربط مصر بالسودان سواء عبر السكك الحديدية أو نقل الكهرباء، بالاضافة لربط سد أنجا في الكونغو بالسد العالي، وهو ما يسهم في نقل الطاقة المتجددة إلى الدول الأفريقية من جهة وربط القارة بالدول الأوروبية عبر جعل مصر مركزًا إقليميًا لنقل الطاقة. 

يضعنا الطرح السابق أمام حقيقة الهدف المصري من تنمية الشعوب الأفريقية؛ للخروج من مرحلة العوز، والاعتماد على مصادر التنمية، وجعل القارة مصدر جذب للاستثمارات والتجارة الدولية عبر تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية، من خلال العمل على مشروعات التنمية. وتدحض تلك المشروعات المزاعم الإثيوبية بشأن الموقف المصري ضد المصالح الإثيوبية، وأن مصر تدعم التنمية بما لايضر مصالح الشعوب والجور على حقوقها التاريخية كما فعل السد الإثيوبي، ولكن تتبني القاهرة بقيادة الرئيس السيسي مشروعات تحقق التنمية لكافة دول حوض النيل والحفاظ على حقوق شعوبها، وهدفهم من التنمية. بما سيسهم في تطويرهم على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. 

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى