الاقتصاد المصري

المشروعات القومية الكبرى.. قاطرة النمو والتشغيل

بمراجعة المؤشرات الاقتصادية الكلية في مصر، تبين تحسن عدد كبير من تلك المؤشرات على الرغم من تتابع الأزمات العالمية الكبرى وما ترتب عليها من تداعيات اقتصادية، أثرت بدورها على الاقتصادات المختلفة، لا سيما اقتصادات الأسواق الناشئة والنامية. وقد جاء من أبرز تلك المؤشرات معدل البطالة، الذي تلاحظ تراجعه بشكل ملحوظ منذ عام 2013 حيث سجل 13.2% ليصل إلى 7.4% عام 2021. واستمر في التراجع عام 2022 الذي شهد تبعات الأزمة الروسية الأوكرانية، ليسجل 7.2% خلال الربع الثاني من العام مقابل 7.3% في الربع المقابل من عام 2021.

تطور معدل البطالة السنوي في مصر خلال الفترة (1990-2021)

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

بمراجعة مؤشر البطالة على مدى فترة زمنية أطول، تلاحظ أن عام 2021 شهد أقل معدل بطالة منذ عام 1990. وبتحليل الأوضاع الاقتصادية الكلية المؤثرة على معدلات البطالة والتشغيل، يتبين أنه خلال فترة التسعينيات وحتى عام 2010 شهد الاقتصاد المصري حالة من الانتعاش، حيث تم إعفاء الدولة من بعض الديون، وازدهرت السياحة، وارتفعت إيرادات قناة السويس، وكذلك تحويلات المصريين العاملين في الخارج، وقد انعكس ذلك على ارتفاع معدل النمو الاقتصادي ليسجل 7.2% في عام 2008، ولكن لم ينعكس ذلك على معدل التشغيل والبطالة بل على العكس ارتفعت معدلات البطالة بصورة ملحوظة إذ تراوحت بين 8-11% خلال تلك الفترة. وقد أدى ذلك إلى وصف تلك المرحلة بفترة النمو منخفضة التشغيل “Jobless Growth” وذلك أن النمو المرتفع لم ينعكس على أداء أسواق العمل بصورة مماثلة، وقد تم إرجاع ذلك إلى عدم الموائمة بين مخرجات التعليم والتدريب واحتياجات سوق العمل، وقد أدى ذلك إلى اتجاه الأفراد للقطاع غير الرسمي. 

وقد تأثر الاقتصاد المصري بالاضطرابات الداخلية خلال الفترة بين عامي 2011- 2014، فتراجع معدل النمو ووصل إلى 1.8%، وانعكس ذلك على معدل التشغيل ووصل معدل البطالة إلى 13% عام 2013. وقد اتسمت تلك الفترة بعزوف القطاع الخاص عن المشاركة في الحياة الاقتصادية نتيجة عدم وضوح الرؤية المستقبلية وتدهور البنية التحتية وعدم ملائمة بيئة الأعمال. 

وقد دفعت هذه الأوضاع الحكومة المصرية لتبني برنامج للإصلاح الاقتصادي خلال الفترة بين عامي 2014- 2022، كما أخذت الدولة على عاتقها مسؤولية تنفيذ عدد من المشروعات القومية الكبرى بما في ذلك مشروعات البنية التحتية، وكذلك هدفت إلى تهيئة بيئة الأعمال لتحفيز القطاع الخاص على العودة للمشاركة في الحياة الاقتصادية ثم الانسحاب التدريجي للدولة بعد القيام بدورها لا سيما في سد الفجوة الإنتاجية خلال فترات انخفاض مشاركة القطاع الخاص.

ومنذ أواخر عام 2019 توالت تبعات الأزمات العالمية على الحياة الاقتصادية في مصر، الأمر الذي أثر على مناخ الأعمال بكل عام، وتراجعت الاستثمارات الخاصة مرة أخرى لتظل الدولة قائمة بدورها في الحياة الاقتصادية لدفع معدلات النمو والتشغيل، والحفاظ على مكتسبات الإصلاحات التي تمت منذ عام 2014.

وفي هذا السياق يأتي دور المشروعات القومية الكبرى التي نفذتها الدولة في مختلف القاعات، وتتسم بكونها مشروعات كثيفة العمالة والتي انعكس مردودها على مؤشرات سوق العمل وفقا للبيانات المنشورة. ووفقا لتقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، فقد جاء من أبرز تلك المشروعات على مستوى مشروعات القطاع الزراعي، مشروع الدلتا الجديدة حيث تصل إجمالي المساحة المنزرعة إلى 669 ألف فدان، بينما يبلغ إجمالي مساحة المشروع 2.8 مليون فدان، ويوفر نحو 5 ملايين فرصة عمل جديدة مباشرة وغير مباشرة بحلول 2025.   

وكذلك تتضمن قائمة المشروعات مشروع توشكى بإجمالي مساحة 1.1 مليون فدان، ويصل إجمالي المساحة المنزرعة إلى 180 ألف فدان، وكذلك مشروع تنمية شبه جزيرة سيناء بإجمالي مساحة 1.1 مليون فدان، وتصل المساحة المنزرعة 285 ألف فدان. 

وعلى مستوى مشروعات الثروة الحيوانية والإنتاج الداجني والاستزراع السمكي، يأتي مشروع غليون المتكامل للاستزراع السمكي والذي يضم تنفيذ 5907 حوض استزراع ضمن مشروع الفيروز للاستزراع السمكي، بالإضافة إلى تنفيذ أكثر من 4000 حوض ضمن مشروع الاستزراع السمكي بهيئة قناة السويس. 

وتشمل المشروعات كذلك المشروع القومي للبتلو، حيث يستفيد منه أكثر من 41 ألف مستفيد بعدد أكثر من 464 ألف رأس ماشية، بقيمة تمويل أكثر من 7 مليارات جنيه كمنح لصغار المربين والمزارعين، إلى جانب مشروعات تطوير الثروة الداجنة، حيث يصل حجم الاستثمار الداجني نحو 100 مليار جنيه، في حين توفر صناعة الدواجن 3 ملايين فرصة عمل. 

وجاء المشروع القومي لتطوير الريف المصري “حياة كريمة” من أبرز المشروعات القومية، والذي يوفر أكثر من 450 ألف فرصة عمل دائمة، بإجمالي استثمارات بلغت نحو 4.4 مليارات جنيه. وكذلك أيضًا مشروع مدينة الجلود بالروبيكي والذي بلغت حجم استثماراته نحو 7.2 مليارات جنيه حتى الآن، ويوفر نحو 35 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وقد تم الانتهاء من المرحلة الأولى للمشروع بإجمالي 213 وحدة إنتاجية.

وقد كان لقطاع الإسكان نصيب من المشروعات القومية التي توجهت إليها الدولة، خاصة مشروعات الإسكان الاجتماعي وذلك لمواجهة الفجوة بين العرض والطلب في سوق الإسكان وتلبية لطلبات شريحة عريضة من المجتمع المصري، فضلًا عن كون قطاع الإسكان أحد القطاعات الرئيسة الدافعة لمعدل النمو الاقتصادي، نظرا لتعدد روابطه الأمامية والخلفية مع عدد كبير من القطاعات الأخرى، بالإضافة إلى أنه قطاع كثيف العمالة.

وإدراكًا لأهمية المشروعات المتوسطة والصغيرة في توفير الوظائف والنمو الاقتصادي، فقد تم تأسيس جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، والذي تولى وضع وتنفيذ برنامج قومي لتنمية المشروعات وتشجيع المواطنين على دخول سوق العمل، حيث تم ضخ 41.9 مليار جنيه قروض ميسرة لدعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، ساهمت في توفير نحو 2.7 مليون فرصة عمل خلال الفترة من يوليو 2014 حتى أغسطس 2022.

وقد انعكست تلك المشروعات على مؤشرات سوق العمل وآفاقه المستقبلية؛ حيث أكدت أحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء تراجع معدل البطالة من 7.3% خلال الربع الثاني من عام 2021 إلى 7.3% خلال الربع المناظر له عام 2022، وسجلت نسبة الزيادة في قوة العمل 3%، وبلغت نسبة الزيادة في عدد المشتغلين 3.1% بينما بلغت الزيادة في عدد المتعطلين نحو 1.4% خلال ربعي المقارنة. ويوضح الشكل التالي التوزيع النسبي للمشتغلين في القطاعات الاقتصادية المختلفة خلال الربع الثاني من عام 2022.

التوزيع النسبي للمشتغلين طبقا لأهم الأنشطة الاقتصادية (خلال الربع الثاني من عام 2022)

وقد ساهمت المشروعات القومية التي تبنتها الدولة، في تحول عدد كبير من المشتغلين إلى بعض القطاعات الإنتاجية، على رأسها قطاع الزراعة الذي شهد تحول نحو 259 ألف مشتغل خلال الربع الثاني من عام 2022، وكذلك قطاع النقل والتخزين بواقع 148 ألف مشتغل، وقطاع الصناعات التحويلية الذي تحول إليه 70 ألف مشتغل خلال الربع الثاني من عام 2022.

وعلى مستوى الآفاق المستقبلية لسوق العمل في مصر؛ فإنه وفقًا لرؤية المؤسسات الدولية توقعت مؤسسة فيتش استمرار انخفاض معدل البطالة خلال السنوات المقبلة، مسجلة 7.3% عام 2023، و7.2% عام 2024، و7% عام 2025، و6.8% عام 2026. بينما يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل معدل البطالة في مصر خلال عام 2023 إلى 6.9%، مع استمرار انخفاض معدلات البطالة خلال السنوات الخمس المقبلة لتصل إلى 6.4% عام 2027.

إجمالًا، على الرغم من دور المشروعات القومية الكبرى في تحسن مؤشرات سوق العمل المصري، إلا إنه يجب الانتباه إلى أن معدلات النمو السكاني السريع تلتهم نتائج وثمار جهود التنمية، بالإضافة إلى ضرورة الاستمرار في متابعة تطوير العملية التعليمية لتواكب متطلبات سوق العمل، فضلًا عن ضرورة العمل على توفير كافة مستويات الوظائف التي تتناسب مع المؤهلات العليا ومستويات التعليم المختلفة التي تتضمنها قائمة البطالة؛ حتى يصبح سوق العمل المصري قادرًا على خلق وظائف جديدة وليس فقط استيعاب العمالة، فبالإضافة إلى توفير عدد كبير من فرص العمل، يتم العمل على تحسين جودة الفرص المتاحة وملائمتها لاحتياجات جانب العرض في سوق العمل.

+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

أسماء رفعت

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى