الاقتصاد المصري

نحو 73%.. كيف تعزز الدولة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني؟

أشار الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال افتتاحات بعض المشروعات التابعة لهيئة الاستثمار والمناطق الحرة يوم 27 سبتمبر 2022 إلى أبرز السبل التي اتبعتها الدولة على مدار السنوات القليلة الماضية بهدف تقوية حركة الاستثمار ودعم خطط المستثمرين، والتي جاء في مقدمتها تعزيز التعاون مع رجال الأعمال خلال المراحل المختلفة لتشييد وتشغيل مشروعاتهم الاستثمارية، بالإضافة إلى تذليل مختلف العقبات البيروقراطية والإدارية أمامهم، فضلًا عن تطوير منظومة التعليم الفني والارتقاء بكفاءة خريجيها؛ وذلك لتوفير عمالة وطنية ماهرة تضاهي في كفاءتها العلمية والعملية أمهر الكوادر الفنية على مستوى العالم.

ونوه الرئيس إلى أهمية المجهودات المبذولة للارتقاء بمراكز البحوث العلمية، والتي تسهم بأعمالها في إيجاد حلول غير تقليدية لمختلف التحديات التي تواجه الصناعات الوطنية، مشددًا على أهمية الحوافز التي توفرها الدولة للمستثمر قبل وأثناء تشغيل مشروعه، مثل تخصيص قطع الأراضي المرفَقَة والمنشآت مسبقة التجهيز، وتبسيط وتيسير الإجراءات الرسمية، وتوفير المواد الخام، وتقوية شبكات سلاسل الإمداد، وهو ما يساعد إجمالا على تحقيق المستثمرين للأرباح المالية، ويؤهلهم لتوسع مشروعاتهم القائمة أو الدخول في مشروعات جديدة من شأنها أن تعزز حركة الاقتصاد وتفتح المزيد من فرص العمل؛ لتحقق الدولة في النهاية هدفها الاستراتيجي المتمثل في الوصول إلى 100 مليار دولار من الصادرات.

حجم الاستثمار الخاص في مصر

شهدت الاستثمارات الخاصة على مدار العشرين عامًا الماضية حالة من الصعود والهبوط المتكرر؛ فمع اهتمام الدولة المصرية بتحفيز دخول القطاع الخاص بقوة إلى الأسواق في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، استطاعت الاستثمارات الخاصة بحلول عام 2005 أن تكون هي رائدة الحركة في الاقتصاد الوطني، لكن فترة التوترات السياسية والأمنية التي شهدتها الدولة المصرية بعد 2011 كانت سببًا في حدوث تراجع بمعدلات تطور الاستثمار الخاص، إلا أن هذا الأخير استمر في موقع الريادة في السوق المصرية لقرابة خمسة أعوام أخرى.

مع حلول عام 2016، تبنت الدولة برنامجًا قوميًا شاملًا لتحسين حالة الاقتصاد الوطني، هذا ما دفعها إلى ضخ مئات المليارات من الجنيهات بالمشروعات العامة، وهو ما أدى إلى تقدم استثمارات القطاع العام على القطاع الخاص لأول مرة منذ عشر سنوات، لكن القطاع الخاص عاد خلال 2018 ليتصدر المشهد؛ وذلك لثقة المستثمرين الأجانب في عملية نمو الاقتصاد المصري، حتى ضربت جائحة كورونا مختلف دول العالم في 2020، وهو ما تسبب في انسحاب الاستثمار الخاص الأجنبي من مصر مع تفضيله أن يستخدم ملاذات آمنة حتى انقشاع تلك الأزمة.

 لكن استثمارات القطاع الخاص أخذت في العودة الهادئة مرة أخرى خلال 2021، وتبين الإحصاءات الرسمية صورة ذلك؛ فارتفع عدد شركات القطاع الخاص الجديدة في مصر خلال العام الفائت ليصل إلى أكثر من 28 ألف شركة برأس مال إجمالي قارب على 84 مليار جنيه مصري، وهنا نشير إلى أن سياسات التخارج التي نفذتها الدولة بشكل مكثف خلال 2021 و2022 كان لها أثر على تصاعد العدد الإجمالي للشركات الخاصة.

ولقد كان ملاحظًا خلال الفترة الاخيرة أن القطاعات التي تمكنت من جذب المستثمرين الأجانب والمحليين على حد سواء هي: السياحة، والفنادق، وتجارة التجزئة، والعقارات، واستخراج الغاز الطبيعي؛ وذلك لاعتماد نجاح تلك القطاعات على البنية التحتية الحديثة التي نفذتها الدولة خلال السنوات والأشهر القريبة الماضية، هذا ما ساعد على رفع نسبة مساهمة استثمارات القطاع الخاص بالناتج المحلي الإجمالي لتبلغ 73.3%. وأوصل صافي الاستثمار المباشر في القطاعات غير البترولية إلى 9 مليارات دولار في العام المالي 2021/2022. 

جهود الدولة لدعم الاستثمار الخاص

اتخذت الدولة المصرية منذ منتصف 2014 وحتى يومنا هذا عشرات الخطوات الرامية إلى دعم مناخ الاستثمار بمختلف مناطق الجمهورية، كان بعضها تشريعي وتنظيمي فيما كان بعضها الآخر عمليًا، ونذكر خلال الفقرات التالية مجموعة من أبرز تلك الخطوات:

  • أصدرت الحكومة في 2017 قانون الاستثمار رقم 72، الذي يعد أداة ناجحة لإجراء إصلاحات تشريعية هيكلية في مجال الاستثمار عامة.
  • تشكيل اللجنة الوزارية لفض منازعات الاستثمار في 2015 بعضوية 6 وزراء وعدد من المسؤولين لإنهاء كافة أشكال منازعات الاستثمار التي تواجه رجال الأعمال.
  •  إطلاق خريطة مصر الاستثمارية في 2018 والتي احتوت على 1000 فرصة استثمارية متنوعة وقت تدشينها.
  • تطوير وافتتاح 15 مركزًا لخدمات المستثمرين في عدد من المحافظات، منها القاهرة والجيزة والإسكندرية وبورسعيد والاسماعيلية وجنوب سيناء وسوهاج وأسيوط وقنا. 
  • تشغيل 10 مناطق استثمارية بعموم البلاد، وتستضيف تلك المناطق حاليًا 1269 مشروعًا قائمًا، وتوفر 86 ألف فرصة عمل. 
  • تشغيل 9 مناطق حرة بنطاق أقاليم الدلتا والقاهرة الكبرى والقناة وجنوب الصعيد.
  • تقديم حوافز تفضيلية بنسب خصم متفاوتة من تكاليف الاستثمار في حال تنفيذ المشروع الاستثماري بمناطق تنموية محددة داخل الجمهورية، أو في قطاعات إنتاجية نادرة الوجود داخل الدولة.
  • تفعيل نظام الرخصة الذهبية على عدد من المشروعات ذات الطبيعة الضخمة مثل: إنتاج الهيدروجين الأخضر، وتحلية المياه، وتشييد البنى التحتية. 

ضرورة دفع عجلة الاستثمار

كان من الطبيعي في هذا التوقيت أن تقوم الدولة بإعادة تأكيد نواياها الصادقة نحو تعزيز حركة الاستثمار الخاص، فالدولة المصرية اجتهدت على مدار السنوات الثماني الماضية في تقوية شبكات البنية التحتية الخادمة لحركة الإنتاج والاستثمار، سواء على المستوى الصناعي أو الزراعي أو الخدمي. وليس أدل على ذلك من مشروع تطوير الشبكة القومية للطرق الذي أضاف 7000 كم جديدة للشبكة، وكذلك مشروع تطوير الموانئ التجارية الذي يجري في إطاره حاليًا تطوير وتحديث 12 ميناءً تجاريًا من أصل 15 ميناءً في عموم البلاد، فضلًا عن تطوير شبكة السكك الحديدية والتي يجري تنفيذ مشروع شامل لها بقيمة 225 مليار جنيه.

ولقد أصبح الوقت مواتيًا الآن لجني ثمار مختلف المجهودات التنموية التي ذكرت الفقرة السابقة جزءًا يسير منها، حيث يعاني العالم الآن وتعاني معه مصر من حالة تباطؤ اقتصادي طويلة المدى، خلّفتها بالأساس مجموعة من الأزمات الإقليمية والدولية المتلاحقة، والتي كان على رأسها أزمة جائحة كورونا الممتدة، والأزمة الروسية الأوكرانية الراهنة. ذلك علاوة على أن رفع الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لمعدلات الفائدة كان سببًا في هروب راس المال الساخن الذي تدفق على مصر بغزارة خلال السنوات الفائتة؛ لكونها واحدة من الأسواق الناشئة الواعدة على المستوى العالمي. كل تلك العوامل السابقة كانت سببًا في توجه الدولة المصرية نحو دفع عجلة الاستثمار بمختلف قطاعاته الإنتاجية؛ فالدولة لا يمكنها أن تكون قوية في وجه الصدمات الاقتصادية الخارجية بدون تقوية الاقتصاد الوطني وترسيخ أسسه.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

مصطفى عبد اللاه

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى