الناتو وروسيا: أفريقيا.. ساحة جديدة للتنافس
في ظل تفاقم العلاقات بين الناتو وروسيا، يبحث الطرفان عن مناطق للنزاع بالوكالة تمثل تعويضًا لهما وتهديدًا للطرف الآخر، فكانت أفريقيا على أجندة الطرفين وخاصةً دول الساحل وغرب أفريقيا التي تعد منبع الهجرة غير الشرعية والإرهاب في أفريقيا، فكانت مالي وليبيا والنيجر وتشاد مسرحًا للتنافس الغربي الروسي.
حاول الطرفان استعادة وفرض نفوذهما في أماكن أخرى، وهو ما ظهر في الزيارة الأولى للمستشار الألماني لدول أفريقيا، وتصريحات وزيرا الدفاع الإسباني والبريطاني في الاجتماع الثنائي بمدريد قبل استضافتها لقمة حلف شمال الأطلسي في أواخر يونيو حول تزايد النفوذ الروسي لتهديد القارة الأوروبية بتدفق اللاجئين كما حدث بين بولندا وبيلاروسيا وعدّه الناتو أنه بدعم من روسيا الاتحادية. وفي المقابل صرح لافروف وزير الخارجية الروسي بنشاط لمجموعة فاجنر الروسية “بشكل تجاري” في مالي وليبيا، مع التأكيد على عدم خضوعها للحكومة الروسية؛ فما دوافع هذه المنافسة، وكيف وصفها الغرب بأنها “حرب باردة جديدة” وتأثير هذا التنافس على الدول الأفريقية ذاتها؟
شكل الوجود الخارجي في المنطقة
حلف شمال الأطلسي (الناتو): لمّا كان الهدف من إنشاء حلف الناتو في ظل القطبية الأمريكية ضمان عدم السيطرة الغربية الأوروبية السياسية والعسكرية لتقويض البزوغ الروسي بعد الحرب الباردة، وعدم سطوع أي قوة أوروبية تتحدى القوة الأمريكية؛ فإن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى من خلال محاولة الاتحاد لتقويض السطوع الروسي من خلال الحفاظ على مناطق النفوذ في الدول المستعمرة السابقة والمرتبطة بوجود تنافس دولي على الثروات والموارد الطبيعية.
فلم تقتصر المهام الجديدة لحلف الناتو على التوسع شرقًا، بل انطلق جنوبًا نحو منطقة البحر المتوسط وأفريقيا، لا سيما أن الولايات المتحدة تهتم كثيرًا بضمان أمن خطوط ملاحتها عبر مضايق “الدردنيل والسويس وجبل طارق وباب المندب ومضيق هرمز”، وكذلك تغير رؤية البعد الأمني للناتو لدول الجنوب الأوروبي لكون التهديدات تأتي من جنوب المتوسط، وهي الرؤية التي تبنتها كل من فرنسا وألمانيا، وأن جذور المشكلة تكمن في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ولذلك لا تكفي القوة العسكرية وحدها لضمان الأمن الأوروبي، ومن ثم يجب وضع سياسة شاملة تتضمن كافة الجوانب، وهو ما يعكس التحول الذي طرأ على مفهوم الأمن بعد الحرب الباردة والتي غيرت من استراتيجية الحلف خلال قمة واشنطن 1999 والتي سمحت له بالتدخل في النطاق الجغرافي خارج حدود الدول أعضاء الحلف لضمان استقراره[i].
ويشارك الحلف في عمليات في أفريقيا منذ يونيو ٢٠٠٧ عبر مشاركته مع بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال “أميصوم”، وأعطت هذه الاستراتيجية الحق للحلف في استصدار قراري 1970 و1973 في مارس 2011 للدخول في ليبيا، وبدلًا من حماية المدنيين كما كان معلنًا قام الحلف بقصف العديد من مناطق التمركز العسكري الليبي في محاولة للسيطرة عل مجريات الأمور والسيطرة على الوضع السياسي قبل وجود جماعات مسلحة في تلك الفترة بحسب تقارير إعلامية وحقوقية[ii]، في إطار عملية “الحامي الأوحد”، فأنهت النظام السياسي بقيادة معمر القذافي بعد خطته لعمل ولايات متحدة أفريقية وفقًا للدراسات[iii]، وجعلت من ليبيا بؤرة للصراع الداخلي الطائفي والنزاع على السلطة والموارد بين الأطراف الليبية.
واعترف الحلف بنتائج عمليته، واعترف الرئيس الأمريكي السابق أوباما بخطأ التدخل العسكري فيما بعد، ويرجع ذلك إلى دخول ساحات تنافس دولية جديدة تهدد وجود دول الناتو في ليبيا كتركيا -وهي عضو في الحلف أيضًا ولكن نتيجة دعمها لبعض العناصر واتهام فرنسا لها بانتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا فأعلنت فرنسا انسحابها مؤقتًا من العملية الأمنية التي شنها حلف شمال الأطلسي (ناتو) “حارس البحر“– هذا إلى جانب روسيا وقطر.
وهو ما يهدد سيطرتهم على نظام الحكم الليبي والموارد وعلى رأسها النفط والغاز الليبي، وخروج المرتزقة وإنهاء العمليات الإرهابية التي تهدد أوروبا عبر الهجرة غير الشرعية والعمليات الإرهابية، فرعت الأمم المتحدة المحادثات “الليبية – الليبية” في مخاض متعثر للوصول لاتفاق سياسي بشأن إدارة البلاد.
دعم النظم السياسية: تعمل الدول الغربية على تعزيز وجودها في القارة الأفريقية من خلال استقطاب أطراف النظم السياسية لتعميق الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية؛ فنتيجة الاستقطاب الروسي للاتفاق العسكري مع مالي -وهي إحدى مناطق النفوذ الفرنسي عقب الانقلابين اللذين أديا إلى الوصول بالحكم العسكري في البلاد بقيادة الكولونيل اسيمي جويتا- وظهور العلم الروسي في مظاهرات تشاد المناهضة للحكم الحالي عقب تولي نجل الرئيس السابق إدريس ديبي الحكم بعد اغتيال الأخير، ليظهر وجود روسي جديد ضد مناطق نفوذ فرنسا؛ فعملت فرنسا على إعادة التمركز في النيجر وبوركينا فاسو، ودعا المستشار الألماني أولاف شولتس قادة دول السنغال –رئيس الاتحاد الأفريقي الحالي– وجنوب أفريقيا لحضور قمة مجموعة السبع التي تستضيفها في أواخر يونيو لجذب حلفاء في المنطقة.
قوات حفظ السلام والوجود العسكري: يظهر الوجود الأجنبي المعلن كذلك في شكل قوات حفظ السلام، إما لدعم عمليات التحول الديمقراطي، أو للحفاظ على الأمن في البلاد، وحفظ السلام، ومراقبة اتفاقيات وقف إطلاق النار وضمان وصول المساعدات الإنسانية في مناطق النزاع. ولما كانت الدول الأفريقية بؤر أزمات بسبب التدخلات الأجنبية التي عززت من الخلافات والنزاعات الطائفية، فأوجدت تلك القوات موطئ قدم لتعزيز العمليات داخل الدول الأفريقية من خلال محاولات الأمم المتحدة إما منفردة أو بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي لقيادة عمليات السلام وحفظ الأمن.
وهو ما ظهر في وجود 25 بعثة تابعة للأمم المتحدة[iv] ومنها على سبيل المثال “بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية “المينورسو”، وتشكيل قوة حفظ سلام مشتركة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لدعم تنفيذ عملية السلام في دارفور بغرب السودان “يوناميد” و”اليونميس” في جنوب السودان، وقوة “يونيسفا” الأمنية المؤقتة لنزع السلاح في منطقة “أبيي” المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان، وبعثة حفظ السلام المتكاملة في أفريقيا الوسطى “مينوسكا”، وقوة حفظ السلام من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في مالي “مينوسما” بقرار من مجلس الأمن في عام 2013، وبجانب العديد من الدول الأفريقية المشاركة بجانب مصر.
فتشارك ألمانيا تلك القوات ومؤخرًا وافق البرلمان الألماني “بوندستاج” على تمديد مشاركة الجيش في البعثة لعام آخر حتى 31 مايو 2023، وزيادة الحد الأقصى للجنود المنتشرين من 1100 إلى 1400 جندي على خلفية انسحاب الجيش الفرنسي من مالي، لعدم ترك الساحة أمام الوجود الروسي عبر التعاون العسكري المعلن والاتفاق مع مجموعة فاجنر الروسية والتي تنفي روسيا علاقتها بها.
وتشارك كذلك ألمانيا في النيجر في قوة قوامها 200 جندي لتدريب نظيرتها في النيجر على مكافحة الإرهاب ضمن مهمة “غزال” -التابعة لبعثة الاتحاد الأوروبي- والتي تنتهي مهامها بنهاية العام الجاري، والتي زارهم مؤخرًا المستشار الألماني “أولاف شولتز” في أول زيارة له لأفريقيا عقب توليه منصبه. ويعد كذلك الوجود الفرنسي في دول الساحل هو الأكبر بوصفها منطقة استعمار سابقة ويتشكل وجودها إما قواعد دائمة أو عمليات خارجية مؤقتة مثل عملية البرخان بالتعاون مع مجموعة الساحل والصحراء والتي أعلنت مالي انسحابها منها مؤخرًا.
وتواجه تلك القوات عددًا من التحديات، منها: تمويل الجماعات المسلحة من القوى المنافسة وانتشار الإرهاب في عدد من المناطق والذي يستهدف قواته، أو النزاع بين السلطات الحاكمة والمعارضة كما حدث من اتهام البعثة في دارفور من التعاون مع قوات الدعم السريع واعتبارها من قبل حركة تحرير السودان بأنها ميلشيات والتي تعرضت مقراتها للنهب بالتزامن مع تقليص تواجدها، مما يؤدي إلى تمديد رقعة الصراع بشكل يفوق قوى السلام، هذا إلى جانب عدم التنسيق مع القوى العسكرية الأخرى كما حدث في مالي بين قوات البرخان وتاكوبا وبالتالي ضعف سبل تحقيق الاستقرار وتحقيق الفاعلية.
إلا أن تلك القوات استطاعت أن تفرض السيطرة على عدد من الأماكن وتكبيل تحركات الإرهاب في بعض الأماكن، ووصول المساعدات الإنسانية للأطراف المتضررة مع انتشار أزمات المجاعات والأزمات الصحية والأوبئة، خاصة سبب أزمات الجفاف وجائحة كورونا وأخيرًا الحرب الروسية الأوكرانية والتي تعتمد هذه الدول على نصف واردتها من القمح الأوكراني وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، فأعلنت تشاد –ثالث أقل دولة نموًا في العالم- “حالة طوارئ غذائية” نتيجة التطورات في أوكرانيا، فوفقًا لبيانات الأمم المتحدة أن 5,5 ملايين تشادي عام 2021 بحاجة إلى “مساعدات إنسانية عاجلة”.
القواعد العسكرية: في سباق القوى الدولية على امتلاك قواعد عسكرية في أفريقيا وخاصةً على الممرات المهمة في البحرين الأحمر والمتوسط، أوضح تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” وجود 16 قاعدة عسكرية في منطقة القرن الأفريقي وحدها، لأهداف تجارية وعسكرية، وتم إنشاء القاعدة الأمريكية التي أصبحت مقرًا للقيادة الموحدة للقوات الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم” ووصلت قواتها إلى 4500 ألف جندي، وتنشط في الدول المجاورة لمواجهة الجماعات الإرهابية مثل “بوكو حرام” في نيجيريا و”حركة الشباب المجاهدين” في الصومال.
وحاولت فرنسا خلق قوى عسكرية في الساحل للسيطرة على الدول المجاورة، فمنحت تشاد فرنسا الحق في إقامة 3 قواعد عسكرية في أراضيها وارتفعت إلى ثمانٍ مع نهاية حقبة إدريس ديبي، وبداية حكم نجله. وتتحكم القوات الفرنسية العسكرية بشمل مطلق في الحركة في الفضاء التشادي وما يجاورها، ومنذ عام 2013 أصبحت تشاد مقرًا لقوات “المهمات المشتركة المتعددة الجنسيات”، واتخذت فرنسا من أنجامينا مقرًا لإطلاق عملية “سيرفال” لمحاربة الحركات المسلحة في مالي.
وفي المقابل تتشابك أهداف الوجود الروسي بالأهداف الجيوسياسية المتمثلة في الاتفاقيات العسكرية وبيع الأسلحة، بجانب الحديث عن القواعد العسكرية، فوقعت ما يقرب من 21 اتفاقية منذ عام 2015، ومثلت الصادرات من المعدات العسكرية الروسية إلى أفريقيا نحو 49% من إجمالي صادراتها، وتمثل حصتها نحو 37.6% من حصة سوق السلاح الأفريقية، تليها الولايات المتحدة 16%، وفرنسا 14% والصين 9%.
هذا إلى جانب القواعد العسكرية على أراضي الدول الأفريقية مثل إعلان دراسة أفريقيا الوسطى لإنشاء قاعدة روسية، عقب التعاون في تدريب الجيش وحراسة رئيسها بجانب دراسة الأمر في دول “إريتريا ومدغشقر وموزمبيق والسودان”، واتجهت موسكو للاعتماد على الاتفاقيات العسكرية وبيع الأسلحة والنشاط العسكري عبر الشركات الأمنية “فاجنر” نتيجة محدودية قدراتها الاقتصادية مقارنةً بالمنافسين التقليدين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
المساعدات الاقتصادية والتمويل: في مقابل التراجع الاقتصادي للتدخل الروسي برزت المساعدات التنموية الغربية لأهداف جيوسياسية، فارتبطت برامج التمويل وخفض الديون للدول الأفريقية بعمليات التحول الديمقراطي وفرض نظم سياسية معينة كما حدث في مالي، أو تمويل مشروعات التي تخدم الأجندة الأوروبية مثل صندوق التنمية الأوروبي للحد من الهجرة، فخصص الاتحاد الأوروبي وفقًا لإعلان المفوضية الأوربية ميزانية إنسانية قدرها 175 مليون يورو في عام 2022 في إطار تضامنه مع السكان المعرضين للخطر في بلدان غرب ووسط أفريقيا، في بلدان “بوركينا فاسو، والكاميرون، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتشاد، ومالي، وموريتانيا والنيجر ونيجيريا”.
وذلك بعد أن توقف “الصندوق الائتماني الأوروبي للطّوارئ من أجل أفريقيا” عن قبول المشاريع الجديدة في نهاية عام 2021، لإعادة هيكلة إنفاقه على التنمية. لدمج عدد من الآليات تحت مسمى “الآلية الأوروبية للجوار والتنمية والتعاون الدولي”، بقيمة 80 مليار يورو لفترة التمويل من 2021 إلى 2027، 10٪ منها مخصصة لبرامج إدارة الهجرة وخاصة “حوكمة الهجرة” وبالتالي مواصلة استخدام أموال المساعدات كأداة لتعزيز مصالح الاتحاد الأوروبي في أفريقيا.
دوافع التنافس الغربي الروسي
تدفق اللاجئين: تمثل المنطقة تهديدًا جيوسياسيًا لتدفق اللاجئين إلى أوروبا في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية والأمنية نتيجة نشاط الجماعات الإرهابية والتي أثرت على شكل الحكم في البلاد، وتزايدت حركة الانقلابات والاغتيالات في المنطقة. وتعد أفريقيا القريبة من القارة الأوروبية بوابة للاجئين كما كانت بيلاروسيا مدخلًا للمهاجرين من سوريا وأفغانستان، وهو ما عدّه وزيرا الدفاع الإسبانية مارجريتا روبلز والبريطاني بن والاس يوم الأربعاء 25 مايو الماضي في مدريد لحضور اجتماع ثنائي قبل استضافة إسبانيا لقمة حلف شمال الأطلسي في أواخر يونيو، بأن تزايد النشاط والنفوذ الروسي بمثابة “تهديد مقلق” لأمن دول الناتو إلى جانب غزوها لأوكرانيا، ويجب على الحلف العسكري معالجته، وذلك في ظل توسع عمليات الدولة الروسية وشركات الأمن الخاصة الروسية مثل مجموعة فاجنر في دول مثل مالي وليبيا، واتهماها بإثارة الجريمة المنظمة والإرهاب، واستخدام تدفقات المهاجرين كسلاح ضد أوروبا؛ فوفقًا للاتحاد الأفريقي تتحرك نسبة متزايدة من المهاجرين بشكل غير نظامي بسبب إما الحاجة إلى الحماية الدولية وزيادة الحواجز أمام الهجرة النظامية، وبالتالي ترتبط بأنشطة الجماعات الإرهابية وتعد أحد أشكال الجريمة المنظمة الدولية، بما في ذلك الإتجار بالبشر.
ويُعد هذا التدخل بمثابة ادعاء لتضمين العقيدة العسكرية للناتو لتضمين الدفاع عن جناحه الجنوبي في مفهومه الاستراتيجي الجديد، والذي ستتم صياغته في قمة مدريد، مع توقع استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقواته البحرية للضغط على أعدائه لوضع أسباب واقعية لتدخل الناتو في أفريقيا لحماية مصالحها؛ فيما تنافس الدول الغربية والولايات المتحدة في أفريقيا بدايةً من التدخلات الاستعمارية والتي تستغلها روسيا لجذب الشعوب الأفريقية ضد الدول الاستعمارية الأوروبية.
الغاز الأفريقي: تتوقع التقارير العالمية أن تعزز الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى صادراتها للغاز الطبيعي المسال إلى 60 مليون طن سنويًا بحلول عام 2025، على أن تصل إلى 74 مليون طن سنويًا إضافية بحلول عام 2030، ولكي تصل البلدان الناشئة مثل موزمبيق ونيجيريا والنيجر وتنزانيا والسنغال المنتجة لكل من النفط والغاز في أفريقيا، يجب الاستثمار لتطوير البنية التحتية، مما يجعل من أفريقيا مصدرًا لتغطية النقص في إمدادات الطاقة الروسية، خاصةً في ظل امتلاك نيجيريا المركز الأول في أفريقيا والسابع عالميًا من احتياطات الغاز.
وبجانب فرنسا وإسبانيا والبرتغال، وقعت ألمانيا وإيطاليا عقودًا لاستيراد الغاز وحقوق التنقيب مع العديد من الدول، من خلال الاستثمار في البنية التحتية كذلك، خاصةً عقب الحديث عن خط الانابيب الذي يربط بين الجزائر والنيجر ونيجيريا عبر الصحراء الكبرى بطول أكثر من 4 آلاف كيلومتر، بمعدل نقل 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا بعد اكتماله.
وبحسب موقع “الطاقة” “يوجد 2.3 مليار برميل نفط مكافئ من احتياطيات الغاز في المياه العميقة الخاصة بمشروع الغاز الطبيعي المسال في موزمبيق، والمتوقع أن تبدأ توتال إنرجي الإنتاج بحلول عام 2028، ويوجد نحو 60% من الاحتياطيات القابلة للاستخراج في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في مناطق المياه العميقة، ومنها ما يقرب من 60% من الغاز، وتهيمن موزمبيق على 52% من إجمالي موارد الغاز القابلة للاستخراج في المنطقة، تليها المنطقة البحرية السنغالية-الموريتانية بنسبة مجمعة 20%، ثم تنزانيا 12%؛ وفيما يتعلق باحتياطيات السوائل النفطية القابلة للاستخراج، والتي تمثّل 40% من إجمالي موارد المياه العميقة في المنطقة، تمثّل نيجيريا وأنغولا الحصة الأكبر بنحو 33% و31% على التوالي.”
فبادرت إيطاليا بتوقيع اتفاق جديد لتوريد الغاز مع الجزائر لزيادة واردات الغاز بنحو 40% وأجرت زيارة في الشهر الماضي شملت “أنجولا والكونغو برازافيل” وتم الاتفاق على صفقات غاز جديدة، والبحث عن فرص في موزمبيق لمحاولة إنهاء اعتمادها على روسيا بحلول منتصف عام 2023.
وأعلن المستشار الألماني أولاف شولتر في زيارته الأولى لأفريقيا للسنغال والنيجر وجنوب أفريقيا، خلال أعمال المؤتمر الصحفي مع الرئيس السنغالي ماكي سال بوصفها ستصبح منتجًا رئيسيا للغاز في المنطقة “إن بلاده تسعى إلى تعزيز التعاون مع السنغال في مجالي الغاز المسال والطاقة المتجددة، مشيرًا إلى أن بلاده بدأت محادثات معمقة مع السنغال حول مشاريع على علاقة بالغاز.”.
وفي المقابل أعلن سال أن ذلك لن يتم “في ظل الشروط الحالية التي تفرضها شركات استغلال حقول الغاز في البلاد، مع تطوير موارد الغاز لإنتاج الغاز المسال في أفريقيا وتصديره إلى أوروبا، وكذلك الغاز المخصص للمحطات الكهربائية المحلية (Gas-to-power)”. هذا إلى جانب العزم على استكشاف حقل غاز قبالة سواحل السنغال، والذي تتوقع له شركة “بي بي بريتش بتروليوم” المشغلة للمشروع توافر 425 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي.
وهو ما يضعنا أمام أهمية كبرى للدول الأفريقية التي لن تكون بديلًا ولكن خطوة للضغط الاستراتيجي على الدولة الروسية من خلال الاستثمار عبر خطوط الأنابيب، سواء التي قيد الإنشاء أو في مراحل التخطيط، لتصبح موردًا عالميًا للمواد الهيدروكربونية في عام 2022 وما بعده.
وبجانب الوجود الأوروبي، تنشط قوات فاجنر في مناطق الغاز الطبيعي إما بهدف استخراجه أو حمايته، فوفقًا لتصريحات سيرجي لافروف فإن وجودها بهدف تجاري في مالي وليبيا، وبحسب تقارير أممية فمازالت تنشط قوات فاجنر الروسية بجانب جماعات المرتزقة الأجانب من عدد من دول الإقليم في ليبيا بالرغم من سحب العديد من قواتها على الحدود الأوكرانية، في مناطق وجود الغاز في حفل شرارة جنوب غرب ليبيا بحسب المؤسسة الوطنية للنفط، بجانب موزمبيق وأفريقيا الوسطى.
حماية المصالح الغربية والروسية، والثروات في المنطقة: تنشط جماعة فاجنر الروسية في مناطق الثروات الأفريقية، فبجانب استخدامها من قبل بعض الحكومات الأفريقية لحراستها ولدوافع أمنية، إلا أنها تنشط في المناطق ذات الموارد الطبيعية والثروات لتغطية نفقاتها في تلك الدول، ولتحقيق الربحية لاستمرار أعمالها؛ فعلي سبيل المثال وقعت جماعة فاجنر شبه العسكرية وعدد من الحكومات الأفريقية كمالي وموريتانيا والكاميرون وغانا وجمهورية أفريقيا الوسطى لحماية منشآت ومناجم الذهب والألماس واليورانيوم، وهو ما يؤثر كذلك على دول الجوار مثل السودان وإقليم دارفور، الذي تزايد النزاع في الفترة الأخيرة فيه عقب مقتل أحد جنود قوات الدعم السريع العائدين من أفريقيا الوسطى بمناجم الذهب.
فحصلت شركة “لوباي إنفيست الروسية” على امتيازات لاستخراج الذهب في البلاد في تحديات جيوسياسية لفرنسا لتشكيل “محور نفوذ عبر السودان في الشمال وأنجولا في الجنوب، وهو ما يفسر زيارة نائب رئيس مجلس السيادة العسكري حميدتي.
وفي المقابل ومع زيادة نشاط جماعة فاجنر الروسية خاصةً في ليبيا ومالي وإزاحة القوات الفرنسية، وسحب قوات تاكوبا الغربية والبرخان الفرنسية، زاد حجم القوات الفرنسية في دول الجوار المتاخمة لمالي وليبيا في مثلث تشاد والنيجر وبوركينا فاسو وذلك لحماية أعمال شركة “أريفا” الفرنسية؛ إذ تعتمد فرنسا على 20% من كهربائها من الطاقة النووية القائمة على استيراد اليورانيوم المستخدم فيها من هناك.
تأثير التنافس الغربي/ الروسي على أفريقيا:
مخاطر الحرب بالوكالة على التكامل الاقتصادي والأمن الاقليمي:
تنشط جماعات داعش في الجنوب الليبي وتمتد إلى دول الجوار، ويسيطر تنظيم القاعدة الإرهابي على المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وبالتالي فإن الانفلات الأمني الممتد إلى عدة مناطق والتي حددت مصادر تمويل تلك الجماعات في عمليات الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، بجانب جذور التمويل من أماكن أخرى؛ أدى إلى تمدد العمليات الإرهابية إلى دول الجوار، والذي تأثر كذلك بانسحاب القوات الفرنسية التي لم تستطع القضاء على الإرهاب وتحقيق حالة من كسل الجيوش في المنطقة لاعتمادها على الجيش الفرنسي والقوات البديلة.
وتتمثل خطورة الهجرة غير الشرعية/ غير النظامية على القارة الأفريقية ذاتها، فأدت النزاعات والإرهاب العابر للحدود والفساد وعدم استقرار أنظمة الحكم والصراعات الطائفية إلى تزايد معدلات الهجرة. فوفقًا لبيانات الاتحاد الأفريقي، على الرغم من التركيز الدولي على تدفقات الهجرة إلى أوروبا، فإن أكثر من 80% من الهجرة الأفريقية تحدث في أفريقيا، وتنتشر في المناطق الغربية والشرقية والجنوبية الأفريقية، وهي مسارات تتطور باستمرار وزادت حدتها على الطريق الشمالي من المهاجرين من دول الغرب والقرن الأفريقي إلى أوروبا عبر الصحراء الكبرى والبحر المتوسط.
ولكنها أقل من الطريق الجنوبي عبر شرق أفريقيا إلى الجنوب الأفريقي نتيجة الاهتمام الأوروبي وتوجيه الموارد نحو تلك المنطقة، فقد دشن الاتحاد الأوروبي “الصندوق الائتماني الأوروبي للطّوارئ من أجل أفريقيا” لمعالجة قضية الهجرة غير النظامية في عام 2015، لمواجهة تعرض قادة الحكومات الأوروبية للكثير من الضغوط للتحرك على نحو عاجل لحل هذه الأزمة، ومنذ تدشين الصندوق وحتى انتهاء العمل به في ديسمبر عام 2021، تم إطلاق أكثر من 250 مشروعًا مازال هناك العديد منها قيد التشغيل.
وهو ما سيؤثر في المقابل على دول المنطقة؛ نتيجة عدم تحقيق أمن الحدود والخلافات السياسية بينهم والتي ظهرت في انسحاب مالي من تجمع “G5” عقب العقوبات المفروضة عليها، مما قد يهدد تكامل القوى اقتصاديًا وعسكريًا مثل دول تجمع الساحل واقتصاديات غرب أفريقيا الإيكواس، وتفعيل وتوقيع برتوكولات الاتحاد الأفريقي لحرية تنقل الأشخاص عبر الحدود بشكل نظامي من خلال حوكمة الحدود، مما يهدد برامج واتفاقيات تحقيق التكامل القاري والتنمية.
ووصفت الكتابات الأمريكية ما يحدث في القارة بأنه مشارف “حرب باردة ثانية” تعيد عملية الاصطفاف الجيوسياسي في القارة بوجود ما لا يقل عن 13 دولة أجنبية تنفذ عمليات عسكرية بها، هذا بجانب الاحتلال الاقتصادي من خلال سيطرة الشركات الأجنبية على موارد القارة لخدمة أهداف الدول الكبرى، وهو ما يؤدي إلى جمود الحدود الاستعمارية، وتقويض التبادل التجاري والتكامل الإقليمي، وجهود إلغاء “تجزئة الاقتصادات الأفريقية”، مما سيعيق تنفيذ الاتفاقيات التجارية وعلى رأسها “اتفاقية التجارة الحرة القارية”، والتي تعد فرصة للاستثمارات داخل القارة والقوى الدولية للتعامل مع القارة ككتلة واحدة، مما يعظم من منافعها ومواجهة معوقات التبادلات التجارية.
الفرص الاستثمارية والتبادل التجاري:
برز التنافس الدولي من حجم الاهتمام بالقارة من الناحية الاقتصادية بوصفها سوقًا قويًا للاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من الدعم الاقتصادي بين البلدان الأفريقية والدول الكبرى، إلا أنه تم توثيق العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري بين أوروبا وأفريقيا منذ القمة الأوروبية الأفريقية الأولى بالقاهرة عام 2000، والتعامل مع القارة ككتلة واحدة، فبلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين أفريقيا وأوروبا في 2020 بواقع 225 مليار دولار، وبلغ إجمالي حجم الواردات الأوروبية من الدول الأفريقية في 2020 نحو 114 مليار دولار، و140 مليار دولار قيمة الصادرات الأوروبية إلى الدول الأفريقية في 2020.
وفي المقابل، عاودت روسيا الاهتمام بالقارة من خلال تبادل الزيارات الدبلوماسية، ولعل آخرها زيارة حمدان دقلو نائب مجلس السيادة السوداني إلى موسكو بالتزامن مع العمليات الروسية على أوكرانيا، وهو ما دفع عدة دول أفريقية إما بالامتناع عن التصويت أو رفض شطبها من مجلس حقوق الإنسان، ووصلت العلاقات الثنائية أشدها عام 2019، بالتزامن مع رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، خلال قمة “سوتشي- أفريقيا” عام 2019، فقامت روسيا بشطب ديون على الدول الأفريقية بقيمة 20 مليار دولار، ووقعت اتفاقيات في مجال الطاقة والتسليح والتجارة بقيمة إجمالية وصلت إلى 12.5 مليار دولار.
ووفقًا للتقرير السنوي الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام عام 2020 ونشره موقع دويتش فيليه فإن الصادرات العسكرية الروسية لأفريقيا مثلت 18٪ من إجمالي صادرات روسيا من الأسلحة في الفترة ما بين عامي 2016 و2020، وسعت إلى بيع التكنولوجيا النووية لعدد من البلدان الأفريقية كزامبيا ورواندا وإثيوبيا ومصر ونيجيريا، حيث تبنى موسكو محطات للطاقة النووية.
تأثير الوضع الجغرافي على التفكك السياسي:
أدت الأهمية النسبية للمصالح الدولية بالتعاون مع الأنظمة الحاكمة من جهة وتعميق الانقسامات الداخلية في محاولة لإيجاد نظام سياسي موائم لمصالحها، وقبول شعبي داخلي، فعمق التنافس الدولي من الخلافات والنزاعات الداخلية ودعم الانقلابات التي تؤثر على حالة الاستقرار في المنطقة.
فعلى سبيل المثال، شهد تولى نجل إدريس ديبي حكم تشاد عقب اغتيال والده تأييدًا غربيًا وخاصةً من فرنسا وأمريكا التي صورت تشاد كقوة عسكرية إقليمية، في المقابل نجحت روسيا التي تصور فرنسا بالمستعمر –التي سيطرت ثقافيًا على البلدان في الساحل- على حشد معارضين من دولة تشاد ضد انفراد محمد ديبي بالسلطة في تجاوز للدستور التشادي الذي ينقل السلطة بصورة تلقائية إلى رئيس البرلمان حتى إجراء الانتخابات خلال شهرين، وحملت المعارضة اسم “وقت تم” أي انتهاء الوقت، وحملت العلم الروسي وطالبت بإنهاء الوجود الفرنسي ورفض سعيها لإقامة قاعدة عسكرية بمنطقة “وُور”، بإقليم تيبستي، في الشمال على الحدود مع ليبيا، في مشهد جديد على الدولة التشادية.
وهو ما يشرح التنافس الدولي في دعم فرنسا للحاكم وغض الطرف عن ضرورة ما أسمته “الانتقال الديمقراطي والوصول بحكم مدني بالبلاد”، عكس فرض عقوبات على مالي وبوركينا فاسو عقب الانقلابات المتوالية في المنطقة والمطالبة بفترة انتقالية للوصول بحكم مدني، ليظهر الهدف الأساسي وهو ضعف النفوذ الغربي مقابل تنامي النفوذ الروسي والصيني الذي لم يرفع شعارات “الديمقراطية” واستراتيجية فرض العقوبات الاقتصادية التي تتخذها القوى الغربية بالتعاون مع المنظمات الاقتصادية في المنطقة كالإيكواس ذريعة للتدخل في البلاد. وهو ما قابلها انسحاب مالي من مجموعة G5 وطرد السفير الفرنسي والانسحاب من كافة الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا؛ فعادة ما كانت مالي والنيجر وبوركينا فاسو أكثر بلدان الساحل التي شهدت مظاهرات شعبية منددة بوجود القوات الفرنسية على أراضيها.
وفي المقابل، تحاصر القوى الروسية الوجود الفرنسي والأمريكي في مناطق نفوذها القديمة، من خلال التعاون العسكري مع قادة الانقلابات في المنطقة “حيث شهدت مالي وبوركينا فاسو وغينيا” عدة انقلابات على مدار العام من ناحية، ووجود جماعة فاجنر شبه العسكرية من جهة أخرى، فعززت فرنسا بالمقابل من تواجدها العسكري في النيجر حيث لا يفصلها عن الحدود التشادية سوى النيجر، وفي المقابل اتهمت الولايات المتحدة فاجنر بتنفيذ عملية اغتيال ديبي، مقابل اتهام فرنسا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في مالي.
وتسبب هذا التنافس في جعل أفريقيا ساحة لشن المعارك ومحاولات إعادة الاصطفاف الجيوسياسي، وتأجيل مبادرات إنهاء النزاع المسلح في القارة ومنها مشروع “إسكات البنادق” الذي كان مقررًا له عام 2020، ليتأخر لعقد آخر من التنفيذ.
ونتيجة لتعقد المصالح في المنطقة، أدى التنافس الدولي إلى تعقيد عملية الانتقال السلمي للسلطة في ليبيا وإجراء انتخابات موحدة، نتيجة عدم وجود موقف دولي موحد، وهو ما ظهر بقوة في تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا مايو الماضي، فرفضت روسيا استمرار ستيفاني ويليامز التي دعمتها الولايات المتحدة مقابل تعيين مبعوث أممي جديد من أفريقيا، فانتقل النزاع من حكومتين متنازعتين على السلطة إلى القوى الحاضرة في المشهد، وهو ما ظهر في عدم الوصول لاتفاق والتمديد 3 أشهر أخرى حتى أواخر يوليو.
وبالتالي، أثر الخلاف الدولي على اتخاذ خطوات حثيثة على الأرض في ليبيا التي تعاني من وجود المرتزقة المدعومين بعدد من القوى الإقليمية والدولية، وبالتالي تهديد إتمام العملية الانتقالية وعدم إخلاء الأراضي الليبية وتنفيذ مهام اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، وصمود وقف إطلاق النار ونزع السلاح وخروج المرتزقة، وتوحيد المؤسسة العسكرية، والوصول للعملية الانتخابية البرلمانية والرئاسية من خلال دستور متفق عليه للحفاظ على السيادة الوطنية للبلاد بعد فشل المجتمع الدولي في ضمان تنظيمها في 24 ديسمبر الماضي، نتيجة التجاذبات الدولية والتخوف من احتلال أحد الأطراف لموضع نفوذ في حال فوز حليفٍ لها بنتائج الانتخابات في ليبيا، مما سيؤثر على عملية التسوية السياسية في البلاد.
فرض العقوبات الاقتصادية وتقديم المساعدات التنموية:
حاولت روسيا تقويض النفوذ الغربي في الساحل الأفريقي، والتي كانت ساحة تنافس إبان الحقبة السوفيتية بين الولايات المتحدة وروسيا، ومع تفكك الاتحاد فقدت أهميتها نسبيًا، ليعود التنافس الدولي لمواجهة العزلة الدولية التي تحاول الولايات المتحدة والغرب فرضها على روسيا عقب ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، من خلال تقديم الدعم العسكري والمعونات العسكرية وتدريب القوات في مناطق النفوذ الغربي؛ فيما يحاول الغرب العودة للمشهد المقوض لوجودهم عبر تقديم المساعدات الإنسانية لاستعادة السيطرة على المشهد في المنطقة. فأعلن المستشار الألماني شولتس خلال زيارته الأخيرة لأفريقيا عن تقديم ألمانيا للمساعدات لمكافحة الجوع والتغيرات المناخية، من خلال عدة مشروعات مستقبلية. وقدمت الحكومة الإسبانية أكثر من 32 ألف يورو، كمساهمة في الجهود الإنسانية في كل من موريتانيا ومالي والنيجر.
يضعنا الشرح السابق أمام حقيقة اختيار أفريقيا كساحة جديدة للتنافس في ظل الاستيعاب المتأخر من قادة حلف الناتو عقب انحسار التواجد الغربي مما زاد من النفوذ الروسي، وهو تنافس قائم على المصلحة المطلقة للقوى الكبرى بغض الطرف عن صالح الإقليم، وانحصار المصالح المشتركة فقط في التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والدبلوماسي والسياسي، إلا أن هذه الأوضاع تتأثر بعد استقرار المنطقة والنظم السياسية الموالية لأحد القوى، مما يضعنا أمام ضرورة إعادة تشكيل التكتلات الاقتصادية وعمليات الاندماج القاري من خلال الأجندة الأفريقية القائمة على التكامل والمصالح المشتركة بعيدًا عن أجندة الغرب.
[i] الأدوار الجديدة لحلف الناتو بعد الحرب الباردة، متاح في: https://www.iasj.net/iasj/download/ec5ee2e18f1f24bc
[ii] https://www.hrw.org/ar/news/2012/05/14/246262
[iii] https://jsst.journals.ekb.eg/article_83750_88e4e2515a6f8a6eb3bf5a5fd395d4c4.pdf
[iv] https://peacekeeping.un.org/ar/past-peacekeeping-operations
باحثة بالمرصد المصري



