الأزمة الأوكرانيةأوروبا

حدود الدور البريطاني في الأزمة الأوكرانية

قال وزير الدفاع الروسي “سيرجي شويجو” الجمعة الموافق 11 فبراير 2022، خلال لقاء مع نظيره البريطاني بن والاس، وسط الأزمة الروسية الغربية بشأن أوكرانيا “إن العلاقات بين لندن وموسكو بلغت أدنى مستوياتها”. فقد نقلت وكالات الأنباء الروسية عن شويجو قوله: “للأسف، مستوى تعاوننا قريب من الصفر، وسيتدنى قريبًا عن هذا المستوى ويصبح سلبيًا، وهو أمر غير مرغوب فيه”. وهو ما يرجع إلى الدور التصعيدي التي تلعبه المملكة المتحدة بجانب الولايات المتحدة في الأزمة الأوكرانية الأخيرة.

تطورات الموقف البريطاني من الأزمة الأوكرانية

في 17 يناير 2022، أكدت وزارة الدفاع أن المملكة المتحدة ستقدم حزمة مساعدة أمنية جديدة “لزيادة القدرات الدفاعية لأوكرانيا”، بما في ذلك توفير الأسلحة الخفيفة المضادة للدروع. هذه هي المرة الأولى التي تزود فيها المملكة المتحدة أوكرانيا بأسلحة فتاكة، وإن كانت ذات قدرة دفاعية.

في 22 يناير 2022، اتهمت المملكة المتحدة روسيا أيضًا بالتخطيط لتنصيب زعيم “دمية” موالٍ لروسيا في كييف، لأنها “تنظر في غزو واحتلال أوكرانيا”. وقد رفضت روسيا جميع المزاعم، ووصفتها بـ “لا أساس لها” واتهمت “الدول الأنجلو ساكسونية” داخل الناتو بـ “تصعيد التوترات حول أوكرانيا”.

وفي 31 يناير 2022، أكد وزير الخارجية البريطاني أن الحكومة ستقدم تشريعًا يتيح “حزمة غير مسبوقة من العقوبات المنسقة”، بموجب تدابير جديدة، وفي حالة حدوث أي غزو أو توغل روسي في أوكرانيا، ستكون المملكة المتحدة قادرة على استهداف المصالح الاستراتيجية للدولة الروسية على نطاق أوسع، بما في ذلك البنوك الروسية وقطاع الطاقة والأوليجارشية الذين لديهم علاقات وثيقة مع الدولة الروسية. وقد سرى التشريع في 10 فبراير 2022.

وفي 1 فبراير 2022، التقى رئيس وزراء البريطاني “بوريس جونسون” برئيس أوكرانيا “فولوديمير زيلينسكي” في كييف لمناقشة النشاط العدائي الروسي المستمر، بما في ذلك الحشود العسكرية. وقد   اتفقتا على العمل معًا لتعزيز أمن أوكرانيا وقدرتها على الدفاع عن نفسها. فقد أعلن رئيس الوزراء عن 88 مليون جنيه إسترليني من التمويل الجديد لمساعدة الجهود المبذولة لبناء مرونة أوكرانيا وتقليل الاعتماد على إمدادات الطاقة الروسية.

العلاقات البريطانية الأوكرانية

تهتم المملكة المتحدة بتعزيز علاقاتها مع أوكرانيا، في إطار موقفها الأساسي في محاولة احتواء التهديد الروسي للقارة الأوروبية؛ وهو ما يتوافق مع وصفها روسيا في المراجعة المتكاملة للسياسة الخارجية بأنها “التهديد المباشر الأكثر حدة للمملكة المتحدة، وكذلك لحلفائها في منظمة حلف شمال الأطلسي”. حيث ترى المملكة المتحدة أوكرانيا حصنًا جيوسياسيًا. فإذا كانت أوكرانيا مستقلة، فإن روسيا ستكون أقل قدرة على استغلال الفراغ بينها وبين الناتو.

وتُعد العلاقات بين المملكة المتحدة وروسيا في أكثر مراحلها توترًا منذ نهاية الحرب الباردة. وهو ما يرجع إلى دعم المملكة المتحدة دمج دول البلطيق في الناتو، والثورات الملونة في جورجيا وأوكرانيا، الأمر الذي عدّته روسيا اختراقًا لمجالها الحيوي الموروث من الاتحاد السوفيتي. وكذلك فلطالما عدّت الحكومة الروسية المملكة المتحدة واحدة من أكثر دول الاتحاد الأوروبي تشددًا ضدها. فقد كانت المملكة المتحدة مؤيدًا قويًا للعقوبات الصارمة على روسيا بسبب سلوكها في أوكرانيا، وعارضت تدخل موسكو في سوريا. وفي عام 2018، قادت المملكة المتحدة أكبر عملية طرد للدبلوماسيين الروس من قبل الدول الغربية.

ولهذا ابتداءً من عام 2015، أنشأت بريطانيا عملية ORBITAL؛ لتعزيز الفاعلية القتالية للقوات المسلحة الأوكرانية من خلال التدريب المكثف. وحتى الآن، ساعد هذا البرنامج في تدريب أكثر من 18000 جندي. بالإضافة إلى ذلك، واصلت المملكة المتحدة تقديم مبيعات أسلحة محدودة ودعمًا ماليًا للبنية التحتية الأوكرانية، بما في ذلك حزمة بقيمة 1.25 مليار جنيه إسترليني للمساعدة في تنشيط البحرية الأوكرانية. 

وأرسلت بريطانيا أيضًا طائرات حربية تابعة لسلاح الجو الملكي للمشاركة في مهمة بالبحر الأسود التابعة للناتو. وقد نشرت سفنًا حربية تابعة للبحرية الملكية في البحر الأسود لإثبات وجودها. في غضون ذلك، تم نشر قوات المظلات البريطانية في أوكرانيا للمشاركة في التدريبات مع القوات البرية الأوكرانية.

وبالعام الماضي، وقع البلدان شراكة استراتيجية جديدة توفر من خلالها المملكة المتحدة الجيل التالي من الأسلحة المضادة للدبابات لأوكرانيا. وتأمل المملكة المتحدة الآن في إمكانية توسيع التحالف العسكري مع أوكرانيا من خلال جذب حليف بريطاني آخر، وهو بولندا – وهي فكرة أيدها بحماس رئيس الوزراء البولندي “ماتيوز مورافيكي”. إذ يعتبران أن هذا التحالف سيُعد وسيلة لتقريب أوكرانيا من تحالف أمني غير رسمي مع شركاء الناتو دون الانضمام فعليًا إلى الناتو نفسه. ويرى الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي “أن هذا “التحالف الصغير”، كما يسميه، “علامة أمل”. 

محركات الدور البريطاني بالأزمة

تتعدد الدوافع البريطانية تجاه الأزمة الأوكرانية، بخلاف رغبتها في احتواء تمدد النفوذ الروسي، وأهمها:

  • المسؤولية القانونية: يقع على عاتق المملكة المتحدة واجب قانوني للدفاع عن وحدة أراضي أوكرانيا. ففي عام 1994، وقعت المملكة المتحدة -إلى جانب الولايات المتحدة- مذكرة في مؤتمر دولي في بودابست تعد “باحترام استقلال وسيادة أوكرانيا وحدودها الحالية”. كما وعدوا بتقديم المساعدة لأوكرانيا إذا “أصبحت ضحية لعمل عدواني”، في مقابل تخلي أوكرانيا عن ترسانتها الضخمة من الأسلحة النووية، وهو إرث من عضويتها في الاتحاد السوفيتي. وبالرغم من أن المذكرة ليست معاهدة ويختلف المحامون فيما إذا كانت قابلة للتنفيذ قانونًا؛ ولكنه في كل الأحوال التزام رسمي من قبل المملكة المتحدة لدعم أوكرانيا.
  •  أزمة الهجرة: عندما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم في شرق أوكرانيا في عام 2014، أفادت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن 1.5 مليون نزحوا داخليًا في أجزاء أخرى من أوكرانيا. ولهذا إذا اندلعت الحرب في أوكرانيا، فقد يفر العديد من المدنيين إلى البلدان الأوروبية المجاورة لها. فقد صرّح وزير الدفاع الأوكراني “أوليكسي ريزنيكوف” لبي بي سي، إن بإمكان عدة ملايين من الناس المغادرة. وفى حين أنه قد يبقى بعض المهاجرين في بولندا المجاورة ودول أوروبا الشرقية، لكن قد يتجه البعض إلى الغرب وينتهي بهم الأمر في نهاية المطاف في المملكة المتحدة.
  • تعميق أزمة الغاز: على الرغم من أن المملكة المتحدة لا تتلقى الغاز عبر خطوط الأنابيب بشكل مباشر من روسيا، إلا أنها تشتري البعض بشكل غير مباشر من بلجيكا وهولندا. ولكن نظرًا لأن بيع الغاز بالجملة هو سوق متكامل، فإن أي اضطراب في الإمدادات الأوروبية سيرفع الأسعار في المملكة المتحدة أيضًا. 

معوقات الدور البريطاني بالأزمة

يُعد السبب الرئيس الذي قد يدفع الحكومة البريطانية إلى عدم المساهمة بقوة في معالجة الأزمة والتدخل لدعم أوكرانيا، ما تم نشره من دلائل على تواطؤ عناصر من النخبة البريطانية وبخاصة الموجودة بحزب المحافظين الحاكم، مع العديد من المؤثرين بالنخبة الروسية الحاكمة.

فقد نشرت لجنة الاستخبارات والأمن المكونة من تسعة نواب بمجلس العموم، والممثلين للأحزاب السياسية الرئيسة في بريطانيا يوم 21 يوليو، تقريرها عن التدخل الروسي في الحياة السياسية البريطانية. وبالرغم من أن التقرير لم يؤكد وجود تدخل روسي في الانتخابات التشريعية 2019، أو في الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2016. إلا أنه أثار جملة من الاتهامات بالتراخي والاهمال ما يصل لحد التواطؤ من قبل بعض أعضاء النخبة السياسية البريطانية في وجه التدخلات الروسية في النظام البريطاني، إلى حد وصف اللجنة النفوذ الروسي “بالنظام الطبيعي الجديد”. 

ولتلك الاتهامات وجاهة: فقبل عام 2015، كان لدى المملكة المتحدة برنامج تأشيرات ذهبية يشمل عرض الإقامة مقابل الاستثمار في السندات الحكومية. وقد استفاد العديد من الروس من هذه تأشيرات المستثمرين وشكلوا ثاني أكبر مجموعة من المتقدمين بعد الصينيين (2007-2015). وكذلك وفقًا لخبير الجرائم المالية “أوليفر بولوغ”، تدفّق نحو 85 مليار دولار (68 مليار جنيه استرليني) من روسيا إلى الأراضي البريطانية فيما وراء البحار ومحميات التاج مثل جزر فيرجن البريطانية وجراند كايمان وجبل طارق وجيرسي وجيرنسي بين عامي 2008 و2018، ومن المعروف أن تلك المناطق وجهة لتدفق الأموال غير المشروعة.

ذلك بالإضافة إلى وجود أدلة جوهرية على تعرض حزب المحافظين للأموال والروابط الروسية منذ سنوات. فقد كان حزب المحافظين أكبر متلق للمال من المانحين الروس، وفقًا لتحقيق أجرته منظمة الديمقراطية المفتوحة. وعلى الرغم من الدعاية السيئة، رفض المحافظون إعادة الأموال ذات الصلة بالروسية حتى في أعقاب تسمم سكريبال في مارس2018. 

وبالرغم من أن التقرير لم يثبت أن هذا الدعم انعكس على توجهات النواب، أو في مواقفهم تجاه البريكست، إلا أن تلك الروابط خلقت بلا شك بيئة مشككة في مواقف هؤلاء. وقد أضاف “توغندات” رئيس اللجنة البرلمانية الخاصة للشؤون الخارجية، لشبكة بي بي سي مؤخرًا، “إن بريطانيا تتحمل مسؤولية بشكل خاص في الأزمة الحالية المتعلقة بأوكرانيا، لدورها المحوري في غسل أموال من أنحاء العالم”.

وفى الختام، فإن ما تخلّف في ذاكرة الرأي العام البريطاني من التدخل البريطاني غير القانوني والخاطئ في العراق، دعمًا للشريك الأمريكي، وكذلك الخروج الأمريكي من أفغانستان دون التنسيق مع الجانب البريطاني بالرغم من أن مساهمته تعد الأكبر بعد الولايات المتحدة، بالإضافة للضغوط الاقتصادية الداخلية بسبب تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد؛ كل تلك الأسباب وغيرها ستجعل من الصعب الترويج لأي تصعيد أو اشتباك عسكري بريطاني مباشر بالأزمة الأوكرانية. 

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

الشيماء عرفات

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى