
المصيدة الأوكرانية.. ماذا يريد الغرب من فلاديمير بوتين؟
رغم تقسيم أوكرانيا عام 2014 إلا أن هذا الملف اشتعل بغتة فور وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض في يناير 2021، ولم يمض عام على وصول الديمقراطيين للحكم في الولايات المتحدة الأمريكية إلا وقد أصبح حديث “الحرب العالمية الثالثة” هو الأعلى صوتًا منذ يناير 2022 إلى اليوم.
ورغم أن الإعلام الدولي عنون الخلاف بين روسيا ودول حلف الناتو، وتارة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية حصريًا، على أنه خلاف حول نشر قوات أمريكية في أوكرانيا ورفض موسكو لعضوية أوكرانيا المرتقبة في حلف الناتو، إلا أن الخلاف بين الطرفين (روسيا والغرب) حول أوكرانيا يعد أشد تعقيدًا مما تصدح به الشاشات الأجنبية.
غزو المجال الحيوي الروسي
حينما وقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في البرلمان الروسي (دوما) في 18 مارس 2014 يعلن بصفته رئيسًا لجمهورية روسيا الفيدرالية ما أطلق عليه روسيًا “المطلب المقدم من إقليم سيفاستوبول وجمهورية القرم للعودة إلى السيادة الروسية” -وهو أمر ليس ببعيد عن الحقيقة، إذ إن هذه المناطق تضم حركات شعبية موالية لروسيا كانت تسعى إلى العودة إلى سلطة الكرملين عقب إعلان استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي في 24 أغسطس 1991- فإن الرئيس الروسي استخدم مصطلح “العالم الروسي” في إشارة إلى المجال الحيوي الروسي، وهى المنطقة التي وقعت تحت نفوذ الإمبراطورية الروسية بالنسخة القيصرية ثم النسخة السوفيتية لمئات السنين.
والمقصود بالعالم الروسي أو المجال الحيوي الروسي هي آسيا الوسطى والقوقاز والبلقان ودائرة البلطيق ودائرة الدول الاسكندنافية، وكذلك يتم اعتبار دول الكتلة الشرقية أو أوروبا الشرقية (أوروبا السوفيتية سابقًا) من ضمن هذا العالم الروسي.
هذه الرؤية الروسية ليست استعمارًا أو توسعًا، ولكنها إدراك لحقيقة أن الأمن القومي للدول لا يبدأ من العاصمة أو الحدود الجغرافية، ولكنه يمتد إلى أصقاع وأعالي البحار ودروب جغرافية بعيدة المدى، تمامًا مثلما رأى الملك المصري تحتمس الثالث أن أمن مصر القومي يبدأ من الشام والأناضول، وسار على دربه كل من حكم مصر لمئات السنين حتى لو لم يكن مصريًا.
بوتين قال يومذاك إنه من غير المقبول أن يكون لحلف الناتو قاعدة أو ميناء في إقليم “سيفاستوبول” المطل على البحر الأسود، ولكنه -وبلهجة ودية- أضاف انه يمكن للناتو أن يزورنا في ميناء سيفاستوبول.
هذه اللهجة الودية وقتذاك لخصت تموضع روسيا تاريخيًا؛ إذ إن روسيا ليست دولة استعمارية أو توسعية، ولكنها تسعى عبر التاريخ إلى حماية المجال الحيوي أو الأمن القومي الروسي، وكانت تلك العقيدة العسكرية والسياسية من ضمن جملة أسباب أخرى يعود بعضها إلى طبيعة الشخصية الروسية والمناخ الروسي هي التي جعلت الغرب يطلق مصطلح “الدب الروسي” على الثقافة الروسية، فهو دب يسعى إلى حماية عرينه ولا يهاجم إلا من أجل حماية مقدراته فحسب.
لماذا يستهدف الغرب المجال الحيوي الروسي؟
تحكم الغرب سلسلة من شبكات المصالح التي تتخوف من ظهور دولة كبرى في الشرق تضرب تلك المصالح، لذا يظل هاجس الغرب الدائم هو ظهور إمبراطورية قوية في المشرق، ولقد عمد الغرب بعيدًا عن أوهام الصراع الديني على إسقاط الامبراطوريات الشرقية عبر التاريخ لهذا الغرض.
والحاصل أن الصحوة الروسية في سنوات فلاديمير بوتين لم تكتفِ بإحياء هذه المخاوف، وإنما سعى بوتين أيضًا إلى احياء الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، بعد أن قام أسلافه السوفييت بضرب دورها السياسي، وقامت الأرثوذكسية السياسية الروسية بإحياء كافة المشاعر الدينية لدى الروس، وهي سلسلة من الأفكار التي ترى أن روسيا هي روما الثالثة، وأن روما الأولى اختطفها الغرب، وروما الثانية وهي بيزنطة قد سقطت في الأناضول، وهكذا فإن روسيا وكنيستها هي روما الثالثة.
وقد أصبح بوتين هو أول حاكم روسي منذ زمن القياصرة يشارك في الاحتفالات الدينية بهذه الكثافة، حتى أصبح يلقب بـ “أسد الارثوذكسية” في كثير من المحافل الدينية داخل وخارج روسيا.
ولم يوقظ بوتين “الإمبراطورية الروسية” وأيدولوجيا “روسيا الرومانية” فحسب، ولكن أيضًا دفاعه عن كافة الأمم السلافية قد أيقظ فكرة القومية السلافية أو الارتباط السلافي بين روسيا والبلقان، خاصة شعوب يوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا السابقة. وهكذا فإن الشعوب السلافية –أو الصقالبة كما أطلق عليهم العرب– قد نظروا إلى بوتين ومشروع الإمبراطورية الروسية الثالثة بوصفه بعثًا جديدًا للأمة السلافية.
إن كافة تلك الأفكار والرؤى والمشاريع الإمبراطورية مرفوضة في الغرب، بل وترتعد بعض بيوت السياسة وبنوك الأفكار من مجرد ذكرها، القومية الروسية والأمة السلافية وروسيا الرومانية والإمبراطورية الروسية والكنيسة الروسية الأرثوذكسية وريثة بيزنطة أو روما الثالثة، كلها أيدولوجيات روسية يرى الغرب أنها مضادة لكافة شبكات مصالحه الاقتصادية والتجارية والعالمية، قبل أن تكون مضادة للكنائس والقوميات والقيم الغربية.
ولهذا السبب عمد الغرب منذ صعود روسيا القيصرية إلى محاربة وهدم الصعود الإمبراطوري الروسي، حتى وإن سعت بريطانيا لبعض الوقت من أجل استخدام روسيا القيصرية في تطويق الدولة العثمانية، ففي نهاية المطاف كانت رؤية الغرب طيلة الوقت هي منع صعود الإمبراطورية الروسية لما تمثله من خطر داهم على هيمنة الغرب على العالم.
ويرى الغرب أن المشروع الروسي قد وصل إلى الذروة، وأنه يجب تسديد ضربة إلى موسكو شديدة الشبه بضربة انهيار إمبراطورية روسيا القيصرية عام 1918 أو إمبراطورية روسيا السوفيتية عام 1991.
الانتصارات الروسية تعجل بالمواجهة
ولا تشمل مخاوف الغرب حاليًا الفكرة الإمبراطورية بوجه عام، ولكن الانتصارات الروسية في الفترة الأخيرة قد عززت كذلك فكرة حتمية توجيه ضربة إلى موسكو. والحاصل أن روسيا خلال ثلاث سنوات قد قمعت ثورات الغرب الملونة في قيرغيزستان وكازاخستان وبيلاروسيا، بل وأدت تلك الثورات إلى تعزيز الحضور العسكري الروسي في بيلاروسيا وإحياء مشاريع الوحدة مع روسيا.
بجانب أن سيطرة روسيا على سوق الغاز، ومشاركتها مع الأوبك السيطرة على آليات تحديد سعر برميل النفط، رغم محاولات الغرب المستمرة أن يقضي على الدور الروسي في تحديد سعر برميل النفط؛ قد أجج المشاعر الغربية ضد روسيا، وقد أصبحت روسيا هي المصدر الرئيس للغاز إلى أوروبا، وتدار المصانع الأوروبية والرأسمالية والإنتاجية الأوروبية بالكامل بالغاز الروسي، ما عزز الدور الروسي في أوروبا، وأكسبه احترامًا وهيبة.
وعلاوة على ذلك، عززت روسيا من وجودها في القوقاز أثناء حرب أذربيجان وأرمينيا، حينما أرسلت روسيا قوات حفظ سلام إلى أذربيجان خاصة على حدودها مع إيران، وتاليًا عززت روسيا من حضورها أثناء ازمة الحدود بين بلاروسيا وبولندا عام 2021.
وهكذا، فإن روسيا – بوتين في السنوات الثلاث الأخيرة قد عززت من سيطرتها على “المجال الحيوي الروسي”، في أذربيجان وأرمينيا وقيرغيزستان وكازاخستان وبيلاروسيا وحتى بولندا، بينما تنسق الحكومات القومية في أوروبا الشرقية والوسطى مع موسكو بشكل دائم وعلني.
ولم ينس الغرب حتى الآن أن التدخل الروسي في سوريا قد أسقط المخطط الغربي حيال دمشق، بل وأسقط فكرة سيطرة تنظيم داعش على سوريا وتحويل “تنظيم الدولة الإسلامية” إلى جمهورية حقيقية، وأصبح داعش وأخواته في سوريا والعراق ورقة محروقة، وارتضى الغرب بتقسيم مناطق النفوذ في سوريا، لتذهب سوريا الغربية إلى دمشق وتذهب سوريا الشرقية إلى الولايات المتحدة الأمريكية والغرب.
ويعجز الغرب عن ابتزاز روسيا في ملفات الطاقة وربطها بحقوق الإنسان والاستثمار الأجنبي، على ضوء حقيقة أن روسيا لديها اكتفاء ذاتي من كافة مصادر الطاقة، الغاز والنفط والكهرباء والمياه والفحم، مما جعل المواجهة مع روسيا هي مواجهة جيوسياسية مباشرة بامتياز بعد الانتصارات الروسية الحاسمة في السنوات الماضية.
التباين الغربي في التعامل مع روسيا
رغم المخاوف الغربية من روسيا، إلا أن هناك تيارًا سياسيًا نشأ في أوروبا عقب انتهاء الحرب الباردة، مفاده أن روسيا ليست عدوًا طالما سقطت الأيدولوجيا الشيوعية، وأنها جزء من العالم الأوروبي، ويمكن التعاون معها. بل وذهب أنصار هذا التيار إلى اعتبار أن روسيا الاتحادية ضرورة للتوازن مع الهيمنة التي كسبتها أمريكا بحق أوروبا في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية ومشروع مارشال.
وظهرت أقلام وأصوات تشير بوضوح إلى أن أمريكا لا تريد لأوروبا أن تتجاوز الاقتصاد الأمريكي والدور الأمريكي عالميًا، وأن ضرب روسيا في واقع الامر لا يعني إلا ضرب الاقتصاد والصناعة الأوروبية التي تعمل بالغاز الروسي، وأن أي صدام مع روسيا الاتحادية سوف تدفع ثمنه أوروبا، بينما لن تصاب أمريكا بمكروه.
وعلى رأس هذا التيار نجد التيارات القومية، بالإضافة إلى بعض أحزاب اليمين المحافظ، وعلى رأس هؤلاء ظهرت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، وأيضًا زعيم اليمين الإيطالي الرأسمالي سيلفيو بيرلسكوني رئيس الوزراء الأسبق، وحتى الجمهوري الفرنسي نيكولا ساركوزي رئيس الجمهورية الفرنسية الأسبق.
وحاول المستشار الألماني أولاف شولتس أن يكمل سياسة “الحياد الألماني” في النزاع الأمريكي الروسي، إلا أن زيارته إلى واشنطن في فبراير 2022 قد أظهرت استسلامه للإلحاح الأمريكي في ضرورة أن تنحاز ألمانيا بكل أدواتها في هذا النزاع إلى صالح أجندة الغرب.
حكومات أوروبا المغلوبة على أمرها حيال الهيمنة الأمريكية، وإن رفضت هذا النزاع في الغرف المغلقة، إلا أنها مجبرة في العلن على أن تمارس “الطقوس الغربية” في التعامل مع روسيا عبر العصور، فتلك الحكومات هي صنيعة شبكات المصالح الغربية التي لن ترضى بالصعود الروسي.
الموقف في أوكرانيا
وإذا كانت جمهورية القرم وإقليم سيفاستوبول قد أصبحا تحت السيادة الروسية منذ عام 2014 رغم الرفض الأوكراني وعدم الاعتراف الغربي، فإن أوكرانيا قد شهدت سلسلة من التفاعلات منذ عام 2013، وذلك حينما أدرك الغرب أنه خسر معركة الحرب السورية، وقيام ثورة 30 يونيو 2013 المصرية التي أسقطت المشروع الغربي في الشرق الأوسط، وهكذا بدأ الغرب في سنوات إدارة باراك حسين أوباما في فكرة نقل الصراع إلى دوائر أخرى من أجل ضرب الصعود الروسي الذي جرى على وقع سنوات الربيع العربي.
و بحلول نوفمبر 2013، كان على أوكرانيا أن توقع على اتفاقية الشراكة والتجارة الحرة مع الاتحاد الاوروبي، وهو اتفاق يغدق على أوكرانيا انفتاحًا اوروبيًا على حساب عدم مشاركتها في “الاتحاد الجمركي الجديد” الذى قام بوتين بتأسيسه مع كازاخستان وبيلاروسيا، وهو أمر يعني خسارة روسيا لأوكرانيا إلى الأبد في حرب الاقتصاد. وهكذا رفض الرئيس الأوكراني الموالي لموسكو فيكتور يانكوفيتش توقيع الاتفاق، فتحرك النشطاء والأحزاب والكتلة الشعبية المؤيدة للتوجه إلى أوروبا، وهكذا اندلعت الثورة الأوكرانية الثانية (21 نوفمبر 2013 – 23 فبراير 2014).
فشلت الثورة الأوكرانية الثانية في إسقاط النظام الأوكراني الموالي لروسيا، وقبل الغرب بأن يحسم “النازيون الأوكرانيون” الثورة الأوكرانية الثانية في الفترة ما بين 18 فبراير و23 فبراير 2014، حيث نزلوا إلى ميدان الاستقلال الأوكراني وسحقوا جهاز الشرطة.
الخط الأحمر الأوروبي لعدم تقسيم أوكرانيا أو سيادة الفوضى بها زال في أزمة 2013 – 2014 أمام الصحوة الروسية. سابقًا كان الغرب يتخوف على أوكرانيا، أما في أزمة 2013 – 2014 اتبع الغرب سياسة الأرض المحروقة؛ إما أن تكون أوكرانيا أوروبية أو لا أوكرانيا من الأساس، أوكرانيا الروسية لم تعد مقبولة.
في نفس يوم انتهاء الثورة الأوكرانية البرتقالية الثانية، 23 فبراير 2014، اندلعت ثورة شرق وجنوب أوكرانيا، وهي ثورة موالية لروسيا وضد ما جرى في سائر أرجاء أوكرانيا. وتسلح الموالون لروسيا، وأدخلت روسيا جنودًا وأرتالًا عسكرية تأييدًا لهم. وفي 6 أبريل 2014 انتهت ثورة شرق أوكرانيا لكي تتحول إلى حرب شرق أوكرانيا أو الحرب الأهلية الأوكرانية؛ فقد رفضت حكومة أوكرانيا مظاهر الاستقلال التي راحت تزحف على شرق أوكرانيا، وقررت إخضاع شرق أوكرانيا لسلطة الدستور.
أعطى بوتين الضوء الأخضر للانفصاليين في شرق أوكرانيا، فتم إعلان قيام جمهورية دونيتسك الشعبية في 7 أبريل 2014، ثم جمهورية لوجانسك الشعبية في 27 أبريل 2014، وفشلت روسيا في حماية جمهورية خوركييف وهو الإقليم الأوكراني الذي أعلن الاستقلال لبعض الوقت قبل أن تسقط تجربته الانفصالية.
وهكذا انتهت الثورة الأوكرانية وانتفاضة شرق أوكرانيا والحرب الاهلية الأوكرانية عام 2014، عبر استقلال جمهورية “دونيتسك الشعبية” و”جمهورية لوجانسك الشعبية” تحت الحماية الروسية، وانضمام جمهورية القرم وإقليم سيفاستوبول إلى روسيا الاتحادية، بينما ما يطلق عليه أوكرانيا اليوم هو في واقع الأمر “أوكرانيا الغربية”؛ إذ إن أوكرانيا الشرقية والجنوبية تحت الهيمنة الروسية، ما يعني أن أوكرانيا اليوم مقسمة إلى خمس دويلات ما بين روسيا وأوروبا.
فشل الغرب في إدارة أوكرانيا
تولى ألكساندر تورتشينوف رئاسة أوكرانيا (23 فبراير 2014 – 7 يونيو 2014)، وجرت الانتخابات وفاز رجل الاعمال الموالي للغرب بترو بوروشينكو بالرئاسة وأدى اليمين الدستورية في 7 يونيو 2014، ولكنه فشل في القضاء على الفساد والفقر، وتصاعدت المطالب باستقالته.
وفى انتخابات الرئاسة والبرلمان عام 2019، وكما جرت العادة في أوكرانيا وسائر الجمهوريات السوفيتية السابقة، يتنافس تياران لا ثالث لهما، الأول موالٍ للغرب والثاني موالٍ لروسيا، وفاز الموالون للغرب بانتخابات الرئاسة والبرلمان، فوصل فولوديمير زيلينسكي المدعوم غربيًا إلى منصب الرئاسة، ولكن الفشل في حل مشاكل أوكرانيا قد استمر. وتنتظر روسيا الانتخابات البرلمانية عام 2023 والانتخابات الرئاسية عام 2024 من أجل إعادة محاولة إيصال الموالين لها إلى منصب الرئاسة والوزارة.
مخاوف روسيا من الازمة الأوكرانية
وإذا كانت تلك هي مواقف الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والداخل الأوكراني من صعود الإمبراطورية الروسية، فما هي مخاوف روسيا من الأزمة الأوكرانية؟
الكرملين لا يرفض انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو فحسب، وإنما يرفض ضم أي دول من أوروبا الشرقية إلى الناتو بعد اليوم، ويرى أن مثل هذا الاقتراب سوف يهدد الأمن القومي الروسي أو المجال الحيوي الروسي. وعلى سبيل استفزاز روسيا، أعلنت واشنطن أنها سوف ترسل قوات إضافية إلى قواعدها في ألمانيا وبولندا.
إن نشر قوات أمريكية في دول/دائرة البلطيق (أوروبا الشمالية وتشمل ليتوانيا، وإستونيا، ولاتفيا) هو أمر مرفوض في حسابات روسيا، لذا -وعلى سبيل الاستفزاز- أعلنت الولايات المتحدة إرسال قوات إلى ليتوانيا. والأمر ذاته مرفوض حيال دول/دائرة الاسكندنافية (شبه جزيرة إسكندنافيا: السويد، والدنمارك، والنرويج، وفنلندا، وجزر فارو، وأيسلندا). وفى نفس إطار الاستفزاز، أعلنت الولايات المتحدة إرسال قوات إلى الدنمارك.
وواصلت أمريكا الاستفزاز بإعلانها إرسال قوات إلى رومانيا، وإجراء حلف الناتو مناورة في سماء التشيك وسلوفاكيا والمجر. والغرض من كل هذا الاستفزاز هو نصب مصيدة للروس في أوكرانيا، هي نفس المصيدة الغربية التي نصبت للاتحاد السوفيتي في أفغانستان أواخر السبعينات؛ إذ ينتظر روسيا حال دخولها أوكرانيا الغربية سلسلة من العقوبات الدولية، بجانب أن الغرب قد سلح مئات الميلشيات النازية الأوكرانية وبعض المنظمات القومية التركية المتطرفة التي تعمل تحت إمرة المخابرات الأمريكية منذ سنوات الحرب الباردة.
ويقوم الغرب بنفس الحرب النفسية والإعلامية التي قام بها في سبعينات القرن العشرين، حينما أعلن عن مخاوفه من الاجتياح الروسي لأفغانستان ثم صنع مشاكل روسيا انطلاقًا من أفغانستان حتى يصبح الاجتياح هو الحل الأمني الوحيد، واليوم وصلت الاستفزاز الغربية إلى أعتى حالاتها حيال روسيا في دوائر البلطيق وإسكندنافيا وأوروبا الشرقية على أمل أن يسقط بوتين في المصيدة الأوكرانية.
إن نجاة روسيا من الأزمة الحالية مفتاحها الوحيد هو ضبط النفس، هل لوح الثلج الروسي لا يزال صلدًا أمام الاستفزاز الغربي؟ أم أن الغرب قد نجح في إذابة الجليد عن وجه فلاديمير بوتين بعد 22 عامًا من المحاولات الفاشلة؟ هذا هو سؤال اللحظة في أوكرانيا.
باحث سياسي