
العقوبات الأمريكية على ممولي القاعدة… تنظيم “الجهاد” يعود إلى الصورة مرة أخرى
ليست هذه المرة الأولى التي توقع فيها الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على شخصيات أو كيانات متهمة بدعم تنظيم القاعدة؛ فخلال السنوات الماضية، أخضعت وزارة الخزانة الأمريكية عشرات الأفراد والمؤسسات المرتبطة بهذا التنظيم ماليًا أو اقتصاديًا، لكن تتسم العقوبات التي أصدرتها الوزارة منذ يومين بسمة خاصة تختلف عمّا سبقها من عقوبات.
فقد أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية أول أمس على لائحة الإرهاب الأمريكية محمد نصر الدين الغزلاني ومجدي محمد محمد سالم، وهما قياديان في تنظيم الجهاد الإسلامي الذي كان من أهم التنظيمات الإرهابية في مصر خلال حقبة الثمانينيات ومنتصف تسعينيات القرن الماضي، ويقطنان حاليًا على الأراضي التركية. أدرجت الوزارة على قائمة الإرهاب أيضًا، أسماء ثلاثة أتراك، هم نور الدين مصلحان، وسيبرايل جوزيل، وسونر جورلين. تتهم الوزارة الأمريكية هؤلاء الخمسة بارتباطهم بتنظيم القاعدة، عن طريق تيسير التمويل والخدمات المالية له، وكذلك تسهيل تنقل وسفر أعضاء التنظيم بين عدة دول.
السمة الأساسية في هذه العقوبات أنها الأولى التي تطال أفراد في التنظيم المصنف إرهابيًا على المستوى الدولي، منذ عودة حركة طالبان إلى العاصمة الأفغانية كابول، منتصف الشهر الماضي. يضاف إلى ذلك حقيقة أنها تطال خمسة أفراد موجودين حاليُا على الأراضي التركية، من بينهم شخصان يحملان الجنسية المصرية، كان لهما تاريخ طويل في العمل ضمن التنظيمات الأصولية المتطرفة، منذ سبعينات القرن الماضي وحتى اللحظة المعاشة.
محمد نصر الدين فرج الغزلاني
الاسم الأبرز في الأسماء المضافة إلى قائمة العقوبات الأمريكية هو محمد نصر الدين فرج الغزلاني، المولود في الخامس من سبتمبر 1968، في منطقة كرداسة بمحافظة الجيزة، وهو من الأسماء المعروفة في تنظيم الجهاد الإرهابي، خاصة وأن سبعة أفراد آخرين من عائلته، انخرطوا ضمن هذا التنظيم منذ نشأته، منهم والده نصر الدين الغزلاني، وعمه محمد الغزلاني، وابنه صهيب.
عُرف محمد الغزلاني باسم “أمير كرداسة” أو “الدكتور”، وقد كان قياديًا ناشطًا ضمن خلايا تنظيم “الجهاد الإسلامي”، أحد التنظيمات الإرهابية الرئيسة في تلك الفترة، والذي كان متأثرًا بشكل كبير بتعاليم وفكر سيد قطب. شارك محمد الغزلاني في عدة عمليات إرهابية ضد الشرطة المصرية وقطاع السياحة خلال فترة الثمانينيات، ثم انضم أواخر ثمانينات القرن الماضي، وتحديدًا عام 1987، لتنظيم “طلائع الفتح”، الذي تم تشكيله داخل منطقة كرداسة، وهو جناح منبثق عن تنظيم الجهاد، أسسه كبار قادة تنظيم الجهاد، مثل ناجح إبراهيم، وكرم زهدي، ومحمد عبد السلام فرج، عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وتولى قيادته مجدي محمد سالم، المصري الثاني الذي وقعت عليه وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات في القرار الذي نحن بصدده.
كان لهذا الجناح المسلح ارتباطات عديدة بأيمن الظواهري، حيث استهدف تدريب وتسليح نحو ألف عنصر إرهابي على الأراضي الأفغانية، ومن ثم إرسالهم إلى مصر من أجل قلب نظام الحكم، اعتمادًا على تكتيكات حرب العصابات والعمليات التخريبية، وقد نفذ هذا التنظيم عدة عمليات إرهابية ضد قطاع السياحة خلال النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، منها عملية إرهابية تمت في حي “خان الخليلي” عام 1994.
تمكنت الأجهزة الأمنية حينها من كشف هذا الجناح المسلح، وألقت القبض ما بين عامي 1993 و1994 على معظم المنتمين له، ومن بينهم محمد الغزلاني، الذي تم الحكم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عامًا، بتهمة الانضمام إلى تنظيم إرهابي متطرف، ورفضت الأجهزة الأمنية المصرية عام 2008 محاولات تمت للإفراج عنه، علمًا أنه حصل خلال هذه الفترة على درجة الدكتوراه في القانون المقارن.
ظل محمد الغزلاني قابعًا في السجن حتى عام 2011، وبخروجه من السجن، بذلك مرحلة جديدة من مراحل أنشطته الإرهابية، حيث عمل منذ خروجه من السجن كحلقة اتصال، بين قيادات جماعة الإخوان والعناصر التكفيرية شمالي سيناء، وتم اختياره ضمن اللجنة التي شكلها الرئيس المعزول محمد مرسي في مايو 2013، للتفاوض مع العناصر الإرهابية التي اختطفت عددًا من عناصر الشرطة والجيش في سيناء، وقد ضمت هذه اللجنة نحو 40 عضوًا من أعضاء جماعة الجهاد الإسلامي وتنظيم الجماعة الإسلامية.
بعد سقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين، وفض الاعتصامات المسلحة في ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة عام 2013، بدأ محمد الغزلاني في استخدام مخزن كان يمتلكه في منطقة أبو رواش بمحافظة الجيزة كمعسكر لتدريب عناصر الجناح المسلح لتنظيم الإخوان على استخدام الأسلحة النارية وتجهيز العبوات المتفجرة، وساهم في دعم التنظيمات الإرهابية المرتبطة بجماعة الإخوان في سيناء.
من أخطر الهجمات التي ساهم الغزالي في تنفيذها خلال هذه الفترة، كانت الهجمات التي شهدتها منطقة كرداسة، وعلى رأسها الهجوم على قسم الشرطة الموجود في المنطقة، ما أسفر عن استشهاد 13 فردًا، وكذا الاشتباك مع قوات الشرطة التي داهمت المنطقة لتطهيرها من العناصر الإرهابية، ما أسفر عن استشهاد اللواء نبيل فراج. وجراء دوره في هذه الأحداث، تم اتهامه في قضيتين رئيسيتين، وتم الحكم عليه فيهما غيابيًا بالإعدام شنقًا.
تمكن الغزلاني من الهروب من مصر متجهًا إلى الكويت أواخر عام 2013، وظل هناك إلى أن اضطر للهرب برفقة شخصين أخرين إلى قطر في يوليو 2019، هما عبد السلام زكي بشندي وهشام كامل عبد الحكيم إسماعيل، وهما من ضمن قيادات جماعة الإخوان الذين كانوا مسؤولين عن إدارة نشاط اللجان النوعية التي عملت على تخريب المنشآت الحكومية والخاصة في فترة ما بعد عام 2013.
اضطرار الغزلاني للفرار من الكويت جاء بعد أن ضبطت السلطات الكويتية خلية تابعة لجماعة الإخوان، ضمن ثمانية مصريين صدرت ضدهم أحكام غيابية بسبب ضلوعهم في أنشطة إرهابية، علمًا أن السلطات في القاهرة قامت بإدراج الغزلاني على القائمة المصرية للعناصر الإرهابية عام 2017.
بعد وصول الغزلاني إلى تركيا عام 2019، التقى هناك بمجدي سالم، وحظيا برعاية خاصة من جانب السلطات التركية، إلا أنها قامت باعتقال الغزلاني لفترة وجيزة بسبب علاقة المكتب الحقوقي الذي أسسه في تركيا بتنظيم داعش في سوريا، ثم أفرجت عنه في سبتمبر 2020، بعد أن قدم معلومات ساهمت في القبض على عدد من أعضاء التنظيم.
ظلت المظلة العلنية لوجود الغزلاني في تركيا حتى الآن، هي عضويته بما يسمى “الرابطة العالمية للحقوق والحريات”. ويتهم مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية الغزلاني بأنه كان ضالعًا في توصيل الأموال والتحويلات النقدية لتنظيم القاعدة، وكذلك توفير الدعم النقدي لأسر قياديي وأعضاء التنظيم، المعتقلين في السجون المختلفة.
مجدي محمد سالم قنديل
أما عن العنصر الإرهابي الثاني الذي تم توقيع العقوبات الأمريكية عليه، فهو المحامي مجدي محمد سالم قنديل، فهو أيضًا أحد قيادات تنظيم الجهاد، وحاصل على ماجستير في القانون، وتولى اختيار أعضاء التنظيم المسافرين إلى أفغانستان للتدريب هناك خلال تسعينيات القرن الماضي، بتعليمات من أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة. وقد تزعم خلال تلك الفترة تنظيم “طلائع الفتح” السالف ذكره.
وقد سبق أيضًا اعتقاله على يد السلطات المصرية عام 1993، وصدر ضده حكم بالسجن لمدة 15 عام، ثم تم الإفراج عنه عام 2011، ومن ثم انخرط في صفوف “الحزب الإسلامي المصري”، وتولى منصب نائب رئيس الحزب، وكان عضوًا في اللجنة التي فوضها الرئيس المعزول محمد مرسى للتفاوض مع الإرهابيين من أجل الأفراج عن الجنود المختطفين في سيناء عام 2012، وقد كان عضوًا أساسيًا في هيئات الدفاع عن المعتقلين الجهاديين، مثل عضويته في هيئة الدفاع عن المتهمين في قضية “خلية مدينة نصر” عام 2012.
فر قنديل بعد ذلك إلى تركيا بعد سقوط نظام الإخوان المسلمين عام 2013، وكانت المظلة العلنية لقنديل في تركيا هي عضويته عام 2014 بما يسمى “المجلس الثوري” الذي أسسته جماعة الإخوان في تركيا، ثم عضويته بما يسمى “التحالف الوطني لدعم الشرعية”، ممثلًا لما يسمى “الحزب الإسلامي المصري”، وقد تزوج قنديل أرملة محمد عبد السلام فرج، أحد المدانين في قضية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات. وتتهم واشنطن قنديل بأنه أحد الأطراف الرئيسة المساهمة في تيسير الأنشطة المالية الداعمة لتنظيم القاعدة، علمًا بأن القاهرة وضعته على قوائم الإرهاب عام 2017.
يضاف إلى الغزلاني وقنديل، ثلاثة أتراك، الأول هو انور الدين مصلحان، المولود في مايو 1974، وهو من ضمن الدائرة المسؤولة عن تسهيل عمليات تمويل تنظيم القاعدة، وكان على اتصال مباشر مع القيادة العليا للتنظيم، خاصة زعيمه عبد الله محمد رجب عبد الرحمن، المعروف أيضا باسم أبو خير المصري. الثاني هو سيبرايل جوزيل، مواليد يوليو 1993، والثالث هو سونر جورلين، مواليد يونيو 1988، وكليهما ساعدا نور الدين مصلحان في تنفيذ مهامه.
جدير بالذكر أن آلية فرض العقوبات الأمريكية على العناصر المتهمة بتمويل ودعم الإرهاب، تقتضي أن يتولى كل من وزير الخارجية ووزير الخزانة، بالتعاون مع وزير العدل، تقديم الأدلة والبيانات الكاملة عن الجرائم التي ارتكبتها هذه العناصر، إلى الكونجرس، وتأكيد المخاطر الجدية التي تشكلها أنشطة هذه العناصر على الأمن القومي الأمريكي، أو أمن المواطنين الأمريكيين، أو المصالح الأمريكية في الخارج، على أن يبدي الكونجرس رأيه حول هذه الأدلة خلال سبعة أيام من تاريخ تقديمها، وذلك طبقًا للمادة 219 من قانون الهجرة والجنسية الأمريكي، الخاص بتصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية.
في حالة الموافقة على إدراج هذه الأسماء ضمن قوائم الإرهاب، سيترتب على هذا حظر دخولها إلى أراضي الولايات المتحدة، وتجميد كافة أرصدتها وأصولها، سواء في المؤسسات المالية الأمريكية أو في المؤسسات الخاضعة لنفوذ وسيطرة مواطنين أمريكيين، وكذا التحفظ على ممتلكاتهما الواقعة في الولايات المتحدة أو التي تندرج ضمنها. وكذا يحظر على المواطن الأمريكي أو المؤسسات الأمريكية، خاصة البنوك والمؤسسات المصرفية، الدخول في معاملات مع أصحاب هذه الأسماء، على أن يتم اعتبار أي شخص يوفر الدعم المادي أو الموارد المالية لهذه الأسماء مرتكبًا لجريمة فيدرالية.
على هذا الأساس، يمكن اعتبار إدراج كل من الغزلاني وقنديل على لائحة الإرهاب الأمريكية، بمثابة إخطار للشعب الأمريكي والمجتمع الدولي، بأن كليهما عناصر إرهابية، يجب منعها من الاستفادة من النظام المالي الأمريكي بأي شكل من الأشكال. ويمثل هذا القرار أيضًا تحذيرًا للحكومات الأخرى من المخاطر التي يمثلها هؤلاء على الأمن العالمي، ويساند هذا القرار الدول التي تعمل على مواجهة المجموعات الإرهابية، وعلى حرمان هذه المجموعات من الموارد اللازمة للتخطيط لهجمات إرهابية.
باحث أول بالمرصد المصري