
دوافع زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى إيران
أجرى رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في الثاني عشر من سبتمبر الجاري زيارة إلى إيران بصحبة عددٍ من الوزراء التقوا خلالها بالرئيس الجديد إبراهيم رئيسي.
وتطرقت اللقاءات إلى ملفات حيوية مشتركة بين الجانبين، كان على رأسها قضايا اقتصادية مثل الكهرباء والغاز اللذين يستورداهما العراق من إيران، والتجارة البينية المشتركة، علاوة على تطورات سياسية أخرى كان أبرز ما تم تناوله خلالها قصف الحرس الثوري الإيراني لمواقع كردية شمالي العراق تتبع للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني (PDKI) والحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي (PDK).
وتكتسب زيارة الكاظمي إلى إيران أهمية خاصة مع قرب إجراء الانتخابات التشريعية في العراق خلال شهر أكتوبر المقبل وفي ظل الصراع القائم حالياً بين مختلف الكتل السياسية في بغداد. ويسعى الكاظمي جاداً إلى ضمان الفوز بولاية ثانية في هذه الانتخابات. وهنا، لا يَخفى أن العديد من التيارات والجماعات العراقية المنخرطة في العملية السياسية داخل هذا البلد تربطها بإيران صلات وثيقة وتمارس الأخيرة نفوذاً كبيراً عليها، ما يمنح إيران دوراً في تحديد مستقبل ونتائج هذه الانتخابات. وفي الوقت ذاته، يحاول الكاظمي ضبط تحركات هذه الجماعات الموالية لإيران داخل العراق من خلال التعاون مع طهران، حيث دعى الكاظمي الأخيرة أكثر من مرة للقيام بهذا الأمر، كان من بينها تهديده في أبريل الماضي بمواجهة هذه الفصائل إن لم تكبح إيران جماحها.
وعلى صعيد آخر، تربط إيران بالعراق علاقاتٌ تجارية واسعة ترغب الجمهورية الإسلامية وحكومة الرئيس “رئيسي” على وجه التحديد في الحفاظ عليها خلال السنوات المقبلة، وهو ما بدا من تصريحات وزير الخارجية الإيراني الجديد، أمير حسين عبد اللهيان، خلال جلسات انعقاد مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة أواخر شهر أغسطس 2021. لذا، فإن الزيارة تجئ مفعمة بملفات وقضايا عدة سيحاول الكاظمي تحريك مياهها الراكدة؛ رغبة في الدفع قدماً بالعراق وكسب معركة الانتخابات المقبلة.
دوافع زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى إيران في هذا التوقيت
سعيٌ لتأمين الدعم في الانتخابات التشريعية
يأتي على رأس اهتمامات رئيس الوزراء العراقي الكاظمي خلال زيارته الأخيرة إلى طهران اقتراب إجراء الانتخابات التشريعية في 10 أكتوبر القادم والتي جاءت بدورها كنتيجة لاحتجاجات أكتوبر 2019. وتُعد إيران ذات نفوذ كبير داخل العراق عند الحديث عن ممارسة ضغوط وثقل على الكتل السياسية المشاركة، أي بمعنى امتلاكها دوراًلا يدع مجالاً للشك في تحديده بشكل كبير هوية الفائز بالانتخابات.
ويتضح هذا عند النظر إلى الكتل السياسية المنخرطة في العملية الانتخابية العراقية، حيث إن أغلبها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بطهران، ومن بينها كتلة “الفتح” وتحالف “سائرون” و”دولة القانون”.
وفي ظل سعي الكاظمي لتأمين فوزه بولاية ثانية بالعراق؛ تشير الزيارة إلى رغبته في كسب دعم إيراني قوي في الانتخابات المقبلة،حيث تُعد طهران أبرز الفواعل السياسيين الأجانب داخل العراق منذ سقوط النظام العراقي السابق برئاسة صدام حسين.وتتعزز هذه الاحتمالية في ظل عدم التوافق بين رؤية الكاظمي للعراق وطبيعة العلاقات الإيرانية العراقية. حيث لا يدعم الكاظمي انخراطاً إيرانياً واسعاً في المشهد العراقي، ما يجعله متوجساً من دور مضاد لطهران في الانتخابات المقبلة ويدفعه هذا الهاجس في الوقت نفسه إلى التنسيق معها.
هذا على الرغم من أن الرجل يقر بالدور الإيراني الإيجابي في القتال ضد تنظيم “داعش” الإرهابي داخل العراق خلال السنوات التي سبقت إعلان بغداد عن هزيمته في أواخر عام 2017.
ولذا، فإن زيارة الكاظمي إلى طهران سعت إلى إذابة كتلة الجليد بين الطرفين؛ من أجل عدم إقدام الجمهورية الإسلامية على دعم مرشح آخر كمرشحي التيار الصدري.
ضمان دعم كردي متواصل
وغير بعيد عن الانتخابات الرئاسية، جاءت ضربات الحرس الثوري الأخيرة ضد مواقع حدودية للأكراد في العراق مع قرب الانتخابات العراقية لتشكل عبئا إضافياً على الكاظمي؛ إذ سيكون في صالح الأخير استمرار ثقة الأكراد به عن طريق حفظ أمنهم مقارنة بمن سبقوه من رؤساء وزراء في العراق خلال الفترة الماضية؛ حيث سيصبح ذلك بمثابة دعم قوي آخر له في الانتخابات التشريعية المقبلة في العراق.
كما أن مرونة هذه العلاقة تيسّر من ناحية أخرى التنسيق المشترك داخلياً على كافة الأصعدة، السياسية والعسكرية والاقتصادية، وعلى الساحة الدولية أيضاً فيما يتعلق بارتباطات بغداد الخارجية. ولذا، فإنه لو تكررت الضربات الإيرانية ضد الأكراد وازدادت وتيرتها فإن الطرف الأخير من غير المرجح أن يميل لدعم الكاظمي في هذه الجولة الانتخابية.
وفي ظل مخاوف إيرانية قوية من مواصلة تمركز الجماعات الكردية المناوئة لها في إقليم كردستان العراقي، يصبح الكاظمي مضطراً إلى الدخول في محادثات جدية مع الإيرانيين من أجل التنسيق بشأن الأكراد وضمان أمن الإقليم والعراق ككل خاصة في هذه اللحظة الحرجة من الانتخابات التي يطمح فيها إلى الفوز بفترة ثانية.
تعزيز العلاقات التجارية بعد فوز إبراهيم رئيسي
يعدُ الكاظمي أوّل حاكم لدولة أجنبية يزور إيران منذ الإعلان عن فوز الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي في يونيو الماضي.ولم تأت هذه الزيارة صدفة؛كما سبق قوله في ظل سعي الكاظمي لتأمين فوزه في الانتخابات المقبلة والحد من ضربات الحرس الثوري ضد مواقع الأكراد لضمان دعمهم وتهدئة الأجواء.
وعلاوة على هذين الأمرين، تمت الزيارة بعد حوالي 40 يوما فقط من تولي إبراهيم رئيسي السلطة في إيران. وعند النظر إلى هذا التوقيت الأخير والأخذ في الحسبان أن الزيارة جرت بالأساس بعد دعوة الرئيس الإيراني “رئيسي” للكاظمي من أجل زيارة طهران بالإضافة إلى تأكيد إبراهيم رئيسي في أول مؤتمر صحفي له في يونيو الماضي على أن الاقتصاد وتحسين الحالة المعيشية للمواطن الإيراني سيكون على رأس أولويته، سنجد أن تعزيز العلاقات التجارية بين إيران والعراق كان أولوية وهدفاً رئيسياً من وراء زيارة الكاظمي الأخيرة إلى العاصمة الإيرانية طهران.
وكان هذا ما أكد عليه بالفعل المسئولون الإيرانيون والكاظمي في مؤتمر صحفي مشترك عقب اللقاء الثنائي، حين قال الأخير إنه قد تمت مناقشة ملفات اقتصادية وزيادة التبادل التجاري بين البلدين، علاوة على إعلانالمتحدث باسم الحكومة الإيرانية “سعيد خطيب زاده” في وقت سابق أن الزيارة تناولت الأبعاد الاقتصادية والتجارية ومشاريع يجري تنفيذها،إلى جانب التعاون في مجال الطاقة والنفط والغاز.
وقبل هذا التأكيد بأيام وخلال مؤتمر بغداد المُشار إليه آنفاً، كان وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان قد أشار هو الآخر إلى أن حجم التبادل التجاري الحالي مع العراق يصل إلى حوالي 13 مليار دولار وأن البلدين يسعيان إلى زيادته لـ 30 مليار ولار.
وعلى الرغم من إعلان طهران إلغاء التأشيرة مع العراق وأنه سيساهم في تسهيل زيارة الإيرانيين للمقدسات الشيعية في العراق، إلا أن هذا القرار ذاته يعزز في النهاية من التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين.
حل خلافات الطاقة والمياه
نشبت خلال السنوات القليلة الماضية خلافات ما بين طهران وبغداد فيما يتعلق بصادرات الكهرباء والغاز الإيرانية إلى العراق. ومؤخراً، أكدت وزارة الكهرباء العراقية أوائل شهر أغسطس الماضي على أن إمدادات الكهرباء من إيران باتت معدومة تماماً، وهو ما أكده الجانب الإيراني. وقد تكرر الأمر نفسه مع الغاز الإيراني المصدر إلى العراق، ما سبب في النهاية أزمة في قطاع الطاقة لدى الأخيرة.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن إيران تملك أموالاً مجمدة في المصارف العراقية قد ترغب في استردادها خلال الأيام المقبلة، وكان هذا سبباً في إيقاف صادرات الطاقة لبغداد في وقت سابق، جنباً إلى جنب مع ما أوضحته شركة الغاز الإيرانية عام 2020 من تأخر العراق في سداد بعض الأموال. وقد أشار الكاظمي ضمناً إلى تناول قضية الأموال هذه عندما أكد في المؤتمر المشترك على أنه “اتخذتُ قراراً أيضاً بشأن المسائل المالية في البلدين ويجب تنفيذها”.
وغير بعيد عن الانتخابات الرئاسية، جاءت ضربات الحرس الثوري الأخيرة ضد مواقع حدودية للأكراد في العراق مع قرب الانتخابات العراقية لتشكل عبئا إضافياً على الكاظمي؛ إذ سيكون في صالح الأخير استمرار ثقة الأكراد به عن طريق حفظ أمنهم مقارنة بمن سبقوه من رؤساء وزراء في العراق خلال الفترة الماضية؛ حيث سيصبح ذلك بمثابة دعم قوي آخر له في الانتخابات التشريعية المقبلة في العراق.
كما أن مرونة هذه العلاقة تيسّر من ناحية أخرى التنسيق المشترك داخلياً على كافة الأصعدة، السياسية والعسكرية والاقتصادية، وعلى الساحة الدولية أيضاً فيما يتعلق بارتباطات بغداد الخارجية. ولذا، فإنه لو تكررت الضربات الإيرانية ضد الأكراد وازدادت وتيرتها فإن الطرف الأخير من غير المرجح أن يميل لدعم الكاظمي في هذه الجولة الانتخابية.
وفي ظل مخاوف إيرانية قوية من مواصلة تمركز الجماعات الكردية المناوئة لها في إقليم كردستان العراقي، يصبح الكاظمي مضطراً إلى الدخول في محادثات جدية مع الإيرانيين من أجل التنسيق بشأن الأكراد وضمان أمن الإقليم والعراق ككل خاصة في هذه اللحظة الحرجة من الانتخابات التي يطمح فيها إلى الفوز بفترة ثانية.
تعزيز العلاقات التجارية بعد فوز إبراهيم رئيسي
يعدُ الكاظمي أوّل حاكم لدولة أجنبية يزور إيران منذ الإعلان عن فوز الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي في يونيو الماضي.ولم تأت هذه الزيارة صدفة؛كما سبق قوله في ظل سعي الكاظمي لتأمين فوزه في الانتخابات المقبلة والحد من ضربات الحرس الثوري ضد مواقع الأكراد لضمان دعمهم وتهدئة الأجواء.
وعلاوة على هذين الأمرين، تمت الزيارة بعد حوالي 40 يوم فقط من تولي إبراهيم رئيسي السلطة في إيران. وعند النظر إلى هذا التوقيت الأخير والأخذ في الحسبان أن الزيارة جرت بالأساس بعد دعوة الرئيس الإيراني “رئيسي” للكاظمي من أجل زيارة طهران بالإضافة إلى تأكيد إبراهيم رئيسي في أول مؤتمر صحفي له في يونيو الماضي على أن الاقتصاد وتحسين الحالة المعيشية للمواطن الإيراني سيكون على رأس أولويته، سنجد أن تعزيز العلاقات التجارية بين إيران والعراق كان أولوية وهدفاً رئيسياً من وراء زيارة الكاظمي الأخيرة إلى العاصمة الإيرانية طهران.
وكان هذا ما أكد عليه بالفعل المسئولون الإيرانيون والكاظمي في مؤتمر صحفي مشترك عقب اللقاء الثنائي، حين قال الأخير إنه قد تمت مناقشة ملفات اقتصادية وزيادة التبادل التجاري بين البلدين، علاوة على إعلانالمتحدث باسم الحكومة الإيرانية “سعيد خطيب زاده” في وقت سابق أن الزيارة تناولت الأبعاد الاقتصادية والتجارية ومشاريع يجري تنفيذها،إلى جانب التعاون في مجال الطاقة والنفط والغاز.
وقبل هذا التأكيد بأيام وخلال مؤتمر بغداد المُشار إليه آنفاً، كان وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان قد أشار هو الآخر إلى أن حجم التبادل التجاري الحالي مع العراق يصل إلى حوالي 13 مليار دولار وأن البلدين يسعيان إلى زيادته لـ 30 مليار ولار.
وعلى الرغم من إعلان طهران إلغاء التأشيرة مع العراق وأنه سيساهم في تسهيل زيارة الإيرانيين للمقدسات الشيعية في العراق، إلا أن هذا القرار ذاته يعزز في النهاية من التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين.
العراق يواصل الوساطة بين إيران والسعودية
حسب السفير الإيراني في العراق، إيرج مسجدي، فإن الرياض وطهران أجريتا خلال الأشهر الماضية 3 جولات من المباحثات المشتركة في العاصمة العراقية بغداد. وأوضح مسجدي أن الجولة الرابعة من الحوار السعودي الإيراني سوف تجري بعد تولي الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي السلطة، مشيراً إلى أن إعادة فتح سفارتيّ البلدين من بين القضايا المطروحة للنقاش.
أما بالتزامن مع زيارة الكاظمي الأخيرة لطهران، فقد صرح مسئول في رئاسة الوزراء العراقية قائلاً إن مسألة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران مطروحة على الطاولة.
وعليه، فبما أن “رئيسي” قد تولى السلطة بالفعل، يُتوقع أن يواصل العراق دوره كوسيط بين البلدين لاستكمال مفاوضاتهما خلال الأيام المقبلة.وسيكون من مصلحة بغداد حدوث توافق سعودي إيراني يقود إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية له، علاوة على أنه سيصب في النهاية في صالح قضايا التهدئة الإقليمية بشكل عام.
الكاظمي يسعى لطمأنة إيران بشأن حراكه الإقليمي
كان من أبرز عوامل الخلاف بين حكومة الكاظمي والجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال الفترة الماضية طبيعة الحراك الإقليمي الذي سلكته حكومة الكاظمي. فقد بدا واضحاً، ومنذ البداية، أن هذه الخطوات التي أقدمت عليها حكومة الكاظمي إقليمياً تغضب إيران. فقد استعرض “الحشد الشعبي” العراقي والفصائل المسلحة الأخرى الموالية لإيران قواتها بشكل مطرد وواضح أعقب في بعض الأحيان تحقيق نهج الكاظمي نجاحات على المستوى الإقليمي.
وقد سعى الكاظمي خلال هذه الزيارة إلى طمأنة طهران بأن هذا الحراك الإقليمي الذي تنخرط فيه بغداد لن يأتي على حساب الجمهورية الإسلامية؛ إذ أن الأخيرة تخشى فقدان دورها في العراق، حتى ولو جزئياً؛ لأن هذا سيقود إلى حصارها على المستوى الإقليمي، وبالتالي عدم رجحان أوراقها الضاغطة المعتادة على المستوى السياسي الدولي.
وختاماً،
لقد اختار رئيس الوزراء العراقي الكاظمي التوقيتَ الصحيح لزيارته إيران قبيل الانتخابات التشريعية بأسابيع قليلة. فإيران لاعب رئيس في الساحة العراقية تستطيع الدفع قدماً ومساعدة الكاظمي في الفوز بالجولة الجديدة من الانتخابات المقبلة، حيث يمكن له أن يصبح “مرشح تسوية” عراقي في ظل رفض الشارع للعديد من السياسيين الآخرين المحسوبين على الفصائل الأخرى. حيث جاء الكاظمي بالأساس نتيجة لحراك الشارع العراقي واحتجاجات المواطنين العام الماضي.
ولكن تلقي الكاظمي هذا الدعم من جانب إيران لن يحدث إلا بعد تقديمه ضماناتٍ لطهران بضبط حركته في الداخل والإقليم، بما يحفظ المصالح الإيرانية داخل العراق.
باحث بالمرصد المصري