أوروبا

“زيارات الوداع”.. المُستشارة الألمانية في “موسكو” و”كييف”

توجهت المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”، الجمعة 20 أغسطس 2021، إلى العاصمة الروسية “موسكو” في “زيارة وداع” قبل تركها لمهام منصبها في الخريف المقبل، التقت خلالها بالرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، ثم توجهت بعد ذلك، إلى العاصمة “كييف” لعقد مباحثات مع الرئيس الأوكراني “فلاديمير زيلينسكي”. 

ويُعد اللقاء الأخير بين “بوتين” و”ميركل، هو أول وجهًا لوجه منذ بدء تفشي فيروس كورونا حيث التقيا شخصيًا للمرة الأخيرة بتاريخ 19 يناير 2020 في مؤتمر برلين الدولي لبحث الأوضاع حول ليبيا. 

وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية، “ستيفن سيبرت”، في وقتٍ سابق للزيارة، إن هذه الزيارة تجري في جو سياسي متوتر لأنها تتزامن مع الذكرى الأولى لتسميم زعيم المعارضة الروسية “ألكيسي نافالني”، والذي تلقى معاملة ضيف على المستشارة في ألمانيا، ثم جرى بعد ذلك اعتقاله في موسكو فور عودته من ألمانيا.

المباحثات الثنائية.. “ميركل-بوتين”

توجهت المستشارة الألمانية، للكرملين لإجراء مباحثات مع الرئيس الروسي، بعد أن شاركت في مراسم وضع إكليل الزهور يحمل شرائط ألوان العلم الألماني، على قبر “الجندي المجهول” في حديقة ألكسندر بموسكو، حيث مر إلى جوارها حرس الشرف. 

وقدم بوتين باقة من الزهور للمستشارة ثم جلس ” السياسيان ” بعد ذلك على طاولة أمام المصورين لالتقاط بعض الصور. وأجريا مفاوضات استمرت نحو ثلاث ساعات، كان جزءا كبيرا منها قد تم في شكل مباحثات مغلقة وعقب المحادثات عقد الزعيمان مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا في قاعة ألكسندر داخل الكرملين. وخلال المؤتمر الصحفي، أعلنت المستشارة الألمانية أنه من الضروري الإفراج عن المعارض الروسي “أليكسي نافالني”. فقد طالبت “ميركل” في تصريحات، بالإفراج عن نافالني، مشددة على أننا سنواصل مراقبة هذه القضية”. 

بينما رد الرئيس الروسي من جانبه، “أما بالنسبة للمتهم الذي ذكرته، فقد أدين ليس بسبب أنشطته السياسية، ولكن بسبب جرائم جنائية ارتكبها ضد شركاء أجانب”. كما قال “بوتين”، ردًا على سؤال وجه له من صحفي ألماني، لافتًا إلى أنه لا ينبغي استخدام مكافحة الفساد كأداة للنضال السياسي. 

وأضاف الرئيس الروسي، “بوجه عام، ينبغي أن تكون محاربة الفساد على يد أشخاص يلتزمون بالقانون بدقة، ويعد هذا أحد اهم الشروط التي تجعل منها معركة فعالة”. كما طالبت المستشارة الألمانية من بوتين، خلال المحادثات، بأن يتم استثناء ثلاث منظمات ألمانية غير حكومية عاملة في روسيا من قائمة المنظمات الغير مرغوب فيها.                                                                                     

وفي سياق آخر، قال الرئيس الروسي خلال الزيارة الوداعية، إن الحوار بين موسكو وبرلين خلال عهد المستشارة الألمانية كان صريحًا وذا مغزى ويهدف إلى إيجاد حلول وسط. 

وقال بوتين، “لا يمكنني تقييم عمل المستشارة الألمانية”. مضيفا “إنها مصنفة بحق من بين القادة الأوروبيين والعالميين الأكثر موثوقية، وهذا الأمر لا يمكن أن يُثير إلا الاحترام”. مشددا على ، “إننا سنكون دائمًا سُعداء لرؤية السيدة ميركل في روسيا”.                                                                                                             

    وفيما يتعلق بالشأن الأفغاني، أكد بوتين أن “حركة طالبان تسيطر الآن تقريبًا على كامل أراضي البلاد، بما في ذلك العاصمة.” لافتًا إلى أن هذه باتت حقائق، وينبغي المضي قدمًا في إطار هذه الحقائق.

وتابع بوتين، “من المهم أن يتم منع الارهابيين من دخول دول الجوار بما في ذلك تحت ستار اللاجئين، ويجب أن يُراقب المجتمع الدولي عن كثب عملية إقامة النظام العام على يد طالبان مع وجود دور تنسيقي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”. 

ووصف بوتين ؛ الوضع في أفغانستان بأنه درس للغرب الذي يحاول فرض ” نموذجه الديمقراطي” على دول أخرى باستمرار. 

ومن جهتها، علقت “ميركل” على تطورات الأوضاع في أفغانستان، بالقول إن الأولوية تذهب لمساعدة الأشخاص الذين تعاونوا مع ألمانيا لمدة 20 عامًا. فقد صرحت، “أولئك الأشخاص الذين ساعدونا، بما في ذلك الجيش الألماني والشرطة، يجب أن يكونوا قادرين على مغادرة أفغانستان”. كما طالبت المستشارة الجانب الروسي بالتطرق إلى قضايا المساعدات الإنسانية القادمة من الأمم المتحدة خلال مفاوضاته مع حركة طالبان.                                                      

وتطرق الجانبان إلى الشأن الأوكراني، حيث طلب بوتين من ميركل أن تؤثر على الجانب الأوكراني، خلال زيارتها التالية إلى كييف، من حيث الوفاء بجميع الالتزامات التي سبق وتعهدت بها أوكرانيا في وقتٍ سابق.

ووفقًا لبوتين، فإن موسكو لديها انطباع بأن القيادة الأوكرانية قررت رفض الحل السلمي للأوضاع من حيث المبدأ، وأنها لن تفي باتفاقات مينسك.

وشدد الرئيس الروسي أن تمسك كييف بقانون الفترة الانتقالية في دونباس سيعني الانسحاب الفعلي لأوكرانيا من عملية مينسك.

من جهتها، اعترفت ميركل بأن “صيغة نورماندي” فشلت في تحقيق أهدافها، لكن يظل هذا هو الشكل السياسي الوحيد لمناقشة القضايا الخلافية.  

              وتداول الجانبان النقاش حول عقود نقل الغاز الروسية-الأوكرانية فيما بعد 2024. وفي هذا السياق، تكمن الأزمة، في أن الجانب الأوكراني يتوقع أنه لن يخسر عائداته من نقل الغاز حتى بعد تشغيل خط أنابيب “نورد-ستريم2”. بينما يبرر بوتين للأوروبيين عدم قدرته على توقيع عقد عبور جديد مع أوكرانيا ما إذا لم يكن لديه عقود مؤكدة لتزويد المستهلكين الأوروبيين بالغاز. فقد أوضح بوتين من جانبه، أن خط أنابيب الغاز الجديد هو مشروع اقتصادي وليس مشروعًا سياسيًا، وأضاف أن إمداد الغاز عبر أوروبا أرخص من إمداده عبر أوكرانيا. وقال بوتين، “لكننا مستعدون لنقل الغاز عبر أوكرانيا بعد عام 2024، لكن يجب أن نفهم إلى متى؟ وبأي حجم؟ ولهذا يجب أن نفهم من شركائنا الأوروبيين مدى استعدادهم لشراء الغاز”. 

المُباحثات الثنائية.. “ميركل-زيلينسكي”

وصلت المستشارة الألمانية إلى العاصمة الأوكرانية كييف، الأحد 22 أغسطس، في زيارة قصيرة الأمد استغرقت يومًا واحدًا فقط. وضعت ميركل إكليلاً من الزهور على قبر الجندي المجهول في نصب المجد الأبدي التذكاري، ثم اتجهت لإجراء محادثات استمرت لمدة نصف ساعة فقط مع الرئيس الأوكراني “فلاديمير زيلينسكي”. منحها الرئيس زيلينسكي وسام الحرية لدعمها طويل الأمد لأوكرانيا، مُعبرًا عن أمله في أن تظل ميركل مشاركًا نشطًا في الحياة السياسية لكل من ألمانيا وأوروبا. ولقد تزامن موعد زيارة ميركل إلى أوكرانيا مع عشية قمة منصة القرم، وقبل ذلك بيومين كان يجري الاحتفال بالذكرى الثلاثين لاستقلال أوكرانيا، ولم تشارك ميركل بالاحتفال بأيً من الحدثين.                                                           وخلال الاجتماع الوجيز، ناقش الجانبان، التسوية السلمية في دونباس، وقضايا أمن الطاقة في أوكرانيا على خلفية الانتهاك الوشيك من بناء خط أنابيب “نورد-ستريم 2″، والإصلاحات في أوكرانيا، والأوضاع في أفغانستان. ومن جهتها، أقرت المستشارة الألمانية إنه لا يوجد هناك أي تقدم فيما يتعلق بتسوية سلمية للأوضاع في دونباس. كما أقرت كذلك أن روسيا كانت طرفًا مشاركًا في الصراع، وشددت على أن أوكرانيا فعلت الشيء الصحيح برفضها التفاوض مع القوات المختلطة الموالية لروسياومن جهته، قال الرئيس الأوكراني، إن خط الأنابيب يمثل تهديدًا محتملاً لأمن أوكرانيا. ولفت إلى أن أوكرانيا تواصل النظر إلى خط الأنابيب من منظور أمن الطاقة، ولهذا السبب بدأت بلاده مشاورات مع المفوضية الأوروبية. كما أشار “زيلينسكي”، إلى أن أوكرانيا تتوقع تأكيدات من شركائها الغربيون بما في ذلك ألمانيا، بأن الكرملين لن يكون قادرًا على استخدام هذا المشروع كسلاح ضد أوكرانيا”. وأضاف زيلينسكي، “أريد أن أفهم ما الذي ستحصل عليه أوكرانيا وما قد تخسره دولتنا بعد انتهاء الاتفاقية، التي تبلغ مدتها 24 عامًا، ومن الذي يُعطى ضمانات ملموسة لأوكرانيا”.

 بينما شددت ميركل من ناحيتها، على أن مرور الغاز عبر الأراضي الأوكرانية سوف يستمر بعد عام 2024. ولفتت إلى أن برلين مهتمة بالتعاون مع كييف في مجال الطاقة، وتمديد اتفاقية نقل الغاز عبر أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، شددت على أن ألمانيا سوف تصر على إقرار عقوبات جديدة على روسيا إذا تم استخدام “نورد ستريم 2” كأداة لممارسة الضغوط السياسية.                                                      ووفقًا لـ “زيلينسكي”، فإن الموضوع ذو الأولوية على أجندة المحادثات كان بخصوص الصراع في دونباس. وفي هذا الصدد، قال زيلينسكي، إنه في سياق احتمالات عقد اجتماع في هيئة نورماندي، فإنه ينبغي مواصلة الضغط على روسيا طالما لا يوجد هناك أي تقدم. وأضاف بأن التسوية السياسية يجب أن تستند إلى اتفاقيات باريس. 

تأويلات الخبراء والمحللين للزيارة

قال المُحلل السياسي الألماني، “ألكسندر زاهير”، إن المحادثات بين المستشارة الألمانية والرئيس الروسي لا تشكل نقطة تحول في مسار العلاقات الثنائية، لكنها تعكس رغبة مشتركة في الحفاظ على الحوار.

وأضاف المُحلل، “إن الزيارة لم تتوج بالنجاح من وجهة نظر أولئك اللذين اعتقدوا أنه من الممكن اختراق العلاقات بين موسكو وبرلين”. وقال الخبير الألماني كذلك، إنه من الواضح أن حديث ميركل عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني في روسيا قد أزعج الكثيرون في موسكو. بحيث يُنظر إلى هذا النهج على اعتبار أنه تدخل في الشؤون الروسية الداخلية. لكن خصوصية ميركل تكمن في قدرتها على التحول بمهارة إلى الموضوعات التي تعتبر بناءة على عكس القادة الأوربيون الآخرون. ويرى الخبير أن الشخص الذي سيحل محل ميركل في المستقبل القريب، سيحتاج إلى التعاون مع موسكو بشكل يفوق ما رغبت به ميركل نفسها. لافتًا إلى أن روسيا أصبحت عاملاً هامًا للغاية في السياسة بالنسبة لبرلين.                                                      ومن ناحية أخرى، سلط “ليونيد سلوتسكي”، رئيس لجنة مجل الدوما للشؤون الدولية، الضوء على أن زيارة المستشارة الألمانية تمثل علامة إيجابية بارزة. وقال سلوتسكي، “من الواضح أن زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى موسكو كانت عملية وغير مُسيسة. حيث تضمن جدول أعمال اجتماعها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قضايا ثنائية وأوروبية”. وأضاف سلوتسكي، “لا يسعنا إلا أن نأمل في أن تتطور العلاقات الروسية الألمانية بشكل أكبر، وهذا أمرًا هامًا بالنسبة للقارة الأوروبية بأكملها”.              

      وفي نفس السياق، علقت “أليونا هيتمانتشوك”، مديرة مركز أوروبا الجديدة الأوكراني للدراسات، بأن قالت “إن ميركل، بالطبع حاولت القيام بالكثير من الأشياء الإيجابية لأوكرانيا بعد عام 2014، مما جعل الملف الأوكراني من ضمن أولويات برلين، وهو ما يضمن الوحدة الألمانية الأوروبية فيما يتعلق بالعقوبات.” واستطردت، “لنكن صادقين، نادرًا ما أبدى أي زعيم غربي على مر السنين اهتمامًا بأوكرانيا من حيث المبدأ مثل ميركل”. وتابعت الخبيرة لافتة، إلى أن إرث ميركل في الاتجاه الأوكراني قد يتم تقويضه بسبب حلقتين سلبيتين رئيسيتين، هما مشروع “نورد ستريم-2″، وعرقلة خطة عمل حلف شمال الأطلسي في قمة بوخاريست لعام 2008.                                                                                               
  وعلقت عالمة السياسة الأوكرانية، “أوليسيا ياخنو”، بأن قالت إن العديد من الشائعات الخاطئة قد تفشت في كييف عشية زيارة المستشارة الألمانية، حول مدى نجاح زيارتها إلى موسكو وأنه من الضروري أن ينعكس ذلك بالسوء على كييف. وقالت، “لكن كما نرى، ليس ذلك هو الحال، إذ أن ذلك لم يؤثر على موقف ميركل خلال زيارتها لأوكرانيا”.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

داليا يسري

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى