
هل يشهد هذا الأسبوع “ولادة” حكومة لبنانية جديدة؟
مر عام على انفجار مرفأ بيروت، والذي أدى لاستقالة الحكومة وانفجار اللبنانيين غضباً في وجه نخبتهم مطالبين بإقصائهم سياسياً ومحاسبتهم على ” الإهمال الجسيم” الذي أدى للكارثة في أغسطس من العام الماضي.
ومع الذكرى السنوية الأولى لانفجار المرفأ، خرج اللبنانيون ليحيوا الذكرى الأولى ولتجديد المطالب بمحاسبة المسؤولين والسياسيين الضالعين في الفساد الذي يعيش اللبنانيون مغباته مع صباح كل يوم ، ولا يرون أملاً في حل لمشكلاتهم مع غياب القدرة على تشكيل حكومة جديدة منذ تكليف سعد الحريري وحتى اعتذاره عن تشكيل الحكومة ومن ثم تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة ، إلا أن المراقبين يرون أن تزامن حادث انفجار مخزن الوقود بعكار بالتزامن مع ذكرى انفجار المرفأ، وضع الرئيس اللبناني “ميشيل عون” والقوى السياسية تحت ضغط أكبر لتشكيل الحكومة والكف عن تعطيل المسار السياسي لحساب التحيزات الطائفية والحزبية.
فبعد حادث انفجار مرفأ بيروت بستة أيام، استقالت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية برئاسة حسان دياب وتم تكليف سعد الحريري بتشكيل حكومة جديدة لكن الأخير اعتذر عن تشكيلها في 9 يوليو الماضي جراء عدم التوافق مع “عون” حول تشكيلته الوزارية، ليكلف رجل الأعمال اللبناني ورئيس الوزراء لمرتين سابقتين في 2005 و2011 نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة الجديدة في 26 يوليو الماضي.
ولا ينص الدستور اللبناني، على مهلة محددة لرئيس الوزراء لتشكيل الحكومة وهو ما أدى بالحريري للاستمرار لمدة تسعة أشهر في محاولة تشكيلها قبل الاعتذار متعللاً بالضغوط وعدم الاتفاق مع الرئيس “عون” حول التشكيل الوزاري.
وعلى الرغم من عدم وجود مهلة محددة، إلا أن رئيس الوزراء الجديد نجيب ميقاتي وضع مهلة “أمان” لنفسه مدتها شهرا، برر المحللون خطوة ميقاتي بأنها ” مهلة لمعرفة حجم الضغوطات وتحديد ما إذا كان سيمضي قدماً في تشكيل الحكومة أم سيعتذر ملقيا الكرة في ملعب عون على الرغم من تصريحات ميقاتي السابقة بوجود دعم دولي له وهو ما تعلل به لقبول ” المهمة الصعبة”.
ويرى المراقبون أن ذات الضغوطات التي أدت بالحريري للاعتذار عن تشكيل الحكومة هي ذاتها المفروضة على ميقاتي الآن ويبقى الرهان على قدرته على تخطي العقبات وتشكيل الحكومة” بدعم دولي”، كما صرح سابقا.
الخلاف بين “الحريري” و”عون” كان حول اختيار الوزراء المسيحيين، حيث اتهم الحريري، عون بالرغبة في الحصول على ” الثلث المعطل” وهي مجموعة من الحقائب الوزارية التي تعطي له أفضلية التحكم في قرارات الحكومة نظرا لاختيار من هم يتبعون للرئيس عون ولــ “التيار الوطني الحر” الذي يقوده صهر الرئيس جبران بسيل الذي يسعى بدوره ليسيطر تياره على حقائب وزارة الدفاع ، الداخلية والعدل لضمان السيطرة على الانتخابات النيابية في العام القادم وإفرازها لبرلمان لبناني مواليا لتيار جبران بسيل.
هذه الحسابات هي ذاتها التي تعطل “ميقاتي” عن تشكيل حكومته الذي طال انتظارها، ويضاف عليها سعي حزب الله لإضاعة مزيد من الوقت دون حكومة حتى ” ينضج” الاتفاق بين إيران والغرب ليعرف “حزب الله” في أي اتجاه يتوجب عليه المضي.
وحتى تحين لحظة ” نضوج ” الاتفاق بين إيران والغرب بقيادة الولايات المتحدة فلا يجد “حزب الله” حرجا في تعطيل تشكيل الحكومة، على الرغم من أنه اختار التصويت لصالح ميقاتي إلا أن ذلك كان فقط لإظهار نفسه بصورة المسهل لعملية تشكيل الحكومة وإبعاد شبهة التعطيل عنه.
وكدليل على ما سبق فإن انخراط “حزب الله” في تصعيد عسكري مع إسرائيل في جبهة الجنوب اللبناني، في السادس من أغسطس الماضي يؤكد استمرار الحزب في تغليب “الأجندة الإيرانية على المصلحة الداخلية”.
ولادة الحكومة الجديدة
وفي أعقاب انفجار عكار، دعا رؤساء الوزراء السابقون إلى ” فك العقدة ” التي تحول دون تشكيل الحكومة، حيث أصدر كل من فؤاد السنيورة، تمام سلامة وسعد الحريري بالإضافة لرئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي بيانا قالوا فيه إن انفجار خزان الوقود بعكار هو من مظاهر انهيار الدولة اللبنانية.
ودعا البيان، كل الأطراف الفاعلة على الساحة اللبنانية بمن فيهم “عون” للتخلي عن التعنت والتحلي بروح المسؤولية تجاه البلاد للسماح بتشكيل الحكومة التي طال انتظارها.
وقد يكون هذا البيان، إشارة للرئيس عون على تكتل القوى السياسية ضد التعنت لتشكيل الحكومة، وهو ما يعني أن عون إما أن يتنازل عن جزء من مطالبه ليتمكن ميقاتي من تشكيل حكومته أو يستمر هو وصهره في تعطيل تشكيل الحكومة وهو ما يجعله خصماً للشارع اللبناني وللمجتمع الدولي الذي يدعم تشكيل ميقاتي للحكومة.
فوفقاً لتقارير صحفية لبنانية، بدأ عون في إبداء مرونة في التعامل مع ميقاتي ومع تشكيله الحكومي حيث أفادت تقارير بأن الجلسة الماضية بين رئيس الوزراء المكلف ميقاتي والرئيس عون شهدت تداولا غير رسمي لبعض الأسماء المرشحة للحكومة، وقد يرى التشكيل الحكومي النور في الجلسة القادمة بينهما.
هذه المرونة التي يبديها عون الآن، ربما جاءت بسبب شعوره أن الضغوطات الدولية بدأت تحاصره باعتباره هو وفريقه الرئاسي يقفان وراء تأخير تشكيل الحكومة، حيث تشير مصادر صحفية لبنانية إلى أن هناك ضغطا دوليا لتهيئة الظروف أمام الإسراع بتشكيل الحكومة بعد إدراك المجتمع الدولي أن عدم تدخله سيؤدي بلبنان للهاوية.
ففرنسا على تواصل دائم مع مكتب عون وكذلك مع رئيس الوزراء المكلف ميقاتي ، وهو ما يعني أن الضغط الفرنسي والذي عول عليه ميقاتي قد أتى بنتائج إيجابية أخيراً ، بدأت بإبداء عون مرونة في التعامل مع رئيس الوزراء المكلف واستعداده للتنازل عن بعض تحفظاته في التشكيل الحكومي والتي تهدف للحفاظ على أفضلية للفريق المحسوب على الرئيس عون ” التيار الوطني الحر” بقيادة صهره جبران بسيل.
ليس فقط الضغط الدولي ولكن أيضا حادث انفجار عكار سيكون بمثابة الحدث المسرع لولادة الحكومة الجديدة، وهو ما أشار له مدير مركز الارتكاز الإعلامي اللبناني سالم زهران حيث تساءل عما “إذا كانت حكومة ميقاتي سترى النور بعد انفجار عكار، مثلما أدى انفجار المرفأ لاستقالة حكومة حسان دياب؟”
تمثل اللحظة الراهنة اختبارا حقيقيا لنوايا عون فقد تكثفت الضغوطات الرامية لتشكيل الحكومة داخليا وخارجيا مع تصاعد الأزمات وتعددها على الشعب اللبناني ، فهو أما أن يرضى بتسوية لتشكيل الحكومة مرتبطة بتنازلات عن الحسابات الحزبية وبالأخص فيما يتعلق بحصول تيار جبران بسيل على امتيازات في التشكيل الحكومي أو الاستمرار دون حكومة وهو ما لن يغتفر له كما وللنخبة السياسية مع الأوضاع الراهنة التي يعيشها اللبنانيون وفي هذه الحالة ستكون الكرة في ملعب الرئيس عون كمسؤول مسؤولية كاملة عن فشل تشكيل الحكومة للمرة الثانية ، لكن يبدو أن الخيار الأول هو الأقرب للحدوث مع تواتر الأنباء حول قرب التوصل للتشكيل الحكومي ، وقد يشهد هذا الأسبوع ميلادا للحكومة الجديدة.
تداعيات اقتصادية
أضحى الاقتصاد اللبناني على شفى الانهيار التام بعد مرور عام على حادث انفجار مرفأ بيروت وهو بالأصل كان يعاني من قبل الانفجار وتداعياته بسبب أزمة المديونية وجائحة كورونا التي أثرت بشكل بالغ على القطاع السياحي الذي يعتبر أحد أهم محركات الاقتصاد اللبناني.
وكنتيجة للتدهور الاقتصادي المستمر، فقدت الليرة اللبنانية 85% من قيمتها ووصل سعر الدولار في السوق السوداء لعشرة ألاف ليرة ما أدى إلى انهيار القدرة الشرائية للمواطنين مع ارتفاع جنوني في أسعار السلع.
ومن المعروف أن استمرار التيار الكهربائي لأكثر من 4 ساعات متصلة أصبح أمرا نادرا في أغلب المناطق اللبنانية، كما أدى شح الوقود لأزمات عدة منها إعلان عدد من المستشفيات والفنادق عدم قدرتها على التشغيل بسبب انقطاع الكهرباء وعدم حصولها على إمدادات الوقود بانتظام الازمة لتشغيل مولدات الكهرباء.
كما اضطرت حكومة “تسيير الأعمال” لرفع سعر المحروقات هذا الشهر ما زاد من صعوبة العيش على اللبنانيين، وكان أخر تداعيات أزمة الوقود في البلاد هو انفجار خزان وقود عكار الذي أودى بحياة 20 شخصا وإصابة أكثر من 100 بحروق بسبب اشتباكات بين المواطنين أمام الخزان والذي قام الجيش اللبناني بتخزين الوقود المسحوب من السوق السوداء فيه.
بالإضافة لما سبق، تستخدم الدولة احتياطيات البنك المركزي من الدولار لدعم استيراد الدواء والقمح والمحروقات، وهو ما يهدد بنفاد احتياطي البنك المركزي اللبناني مما سيؤدي لعدم قدرة الدولة على توفير أبسط الخدمات للمواطنين وهو ما بات جلياً مع عدم توافر الأدوية الأساسية وأبسط السلع في الأسواق والاشتباكات اليومية أمام محطات الوقود وهي كلها مؤشرات لحجم التدهور الذي وصل له الاقتصاد اللبناني.
تحديات الحكومة الجديدة
ظل الحديث طوال الفترة الماضية عن إشكاليات تشكيل حكومة ميقاتي التي يرجح ولادتها قبل نهاية الأسبوع ، وبرغم من أن تشكيل الحكومة يعتبر أولى الخطوات في الطريق الصحيح إلا أن أمام حكومة ميقاتي ” إن تشكلت” تحديات جمة لإنقاذ لبنان ، فسيتعين عليها أولا وضع حد للتدهور الاقتصادي المستمر وإيجاد حلول عاجلة للأزمات المتعاقبة مثل أزمة الكهرباء والوقود وغيرها من الأزمات ، ووضع سياسات نقدية ومصرفية تهدف لتصحيح المسار الاقتصادي والوضع المصرفي في البلاد مما يعيد ثقة اللبنانيين تدريجياً في منظومتهم المصرفية كما في الحكومة الجديدة.
كذلك يتعين على الحكومة الجديدة أن تسعى للتواصل مع الدول العربية الشقيقة للحصول على دعم اقتصادي لإنقاذ الاقتصاد اللبناني كما الحصول على يد العون في أعادة أعمار البلاد على مستوى الإنشاءات والمؤسسات ، بالإضافة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض يستغل في تحسين البنية التحتية وإنشاء محطات الكهرباء مما سيؤدي إلى الإنهاء على مشكلة حياتية يومية كانقطاع التيار الكهربائي مما سيشعر اللبنانيين بقدرة الحكومة الجديدة على الإنجاز وأن ” لبنان واللبنانيين هم الأولوية ” من خلال حل مشكلة يومية يعاني منها كل اللبنانيين.
كما سيتعين على الحكومة الجديدة التحضير للانتخابات البرلمانية العام القادم والتعامل مع ما ستفرزه هذه الانتخابات وتثبيت الوضع بعدها، بالإضافة لضمان شفافية الانتخابات ونزاهتها، وبطبيعة الحال يجب أن تسعى الحكومة الجديدة لإنهاء تحقيقات مرفأ بيروت وضمان شفافيتها وعدم تسيسها ومحاسبة المسؤولين عن كارثة المرفأ وهي الخطوات الازمة لشفاء غليل صدور اللبنانيين كما لعودة الثقة بين الشعب ونخبة الحاكمة وإلا سيكون مصير الحكومة والنخبة هو الإقصاء مجدداً
ختاما، الحكومة اللبنانية المنتظرة بقيادة ميقاتي ستكون في مواجهة تحديات جمة تحتاج منها الكثير من الحنكة وحسن التصرف فالفرصة الحالية هي الأخيرة للنخبة السياسية اللبنانية لإنقاذ البلاد أو مواجهة غضب الشارع والعقوبات الدولية الأمريكية والأوروبية ،لذا يتوجب على الرئيس “عون” ورئيس الوزراء ميقاتي وأعضاء حكومته ” المنتظرة” والتيارات السياسية أن تضع التحيزات الطائفية والحزبية جانباً واتخاذ الخطوات الصحيحة التي تغلب مصلحة لبنان في محاولة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
المصادر :-
https://www.bbc.com/arabic/inthepress-58011404
https://www.alhurra.com/different-angle/2021/08/13/%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D8%AA%D9%85-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%82%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%9F
باحث ببرنامج السياسات العامة



