
“حياة كريمة” .. مشروع بناء الإنسان المصري
قد يكون الفقر بمثابة مؤشر لخلل واضح في التعليم والتدريب والتأهيل لسوق العمل، وعدم مواكبة المناهج التعليمية لاحتياجات سوق العمل، كما يعد كاشفًا لبعض المفاهيم الاجتماعية المغلوطة كالزهد عن امتهان الحرف اليدوية البسيطة، بل وتفضيل التسول عليها، وتلك عوامل قوية لهدم دولة بالكامل مهما عظمت مواردها وثرواتها.
لكن الواقع الاقتصادي والاجتماعي فرض ضرورات تصبح معالجتها وفق خطة منهجية شاملة أمرًا لا مناص منه لتحقيق الأهداف المنشودة ضمن استراتيجية التنمية الشاملة. ويتحقق هذا الأمر بالنظر إلى الواقع الاقتصادي للكثير من الأسر في مصر، وما يمثله “الفقر” من تحدٍ أمام الدولة والمواطنين على حد سواء؛ إذ إنه يلتهم أي بوادر تنمية اقتصادية واجتماعية منشودة، ويكون مسببًا لظواهر أخرى مثل الفساد والجهل وتزايد معدلات الجريمة والبطالة وتردي الصحة العامة.
معدلات فقر متزايدة
رغم تطور وتحسن الأداء الاقتصادي بصفة عامة، إلا إنه قابلها تحديات جسام أبرزها ارتفاع معدل نمو السكان، الذي وصل إلى 2.5% مع نسبة إعالة مرتفعة، الأمر الذي مثل ضغط على موارد الدولة وخدماتها، مما أثر على كفاية وجودة الخدمات المقدمة. وهو ما انعكس بدوره على معدلات الفقر التي ارتفعت إلى 32.5% عام 2017/2018 بالمقارنة بـ 27.8% عام 2015.

وقد حدد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء خط الفقر القومي للفرد في السنة -وهو تكلفة الحصول على السلع والخدمات الأساسية للفرد -عند 8.8 ألف جنيه سنويًا عام 2017/2018. فيما ارتفع حد الفقر وفقًا لنتائج بحث الدخل والإنفاق للعام 2019-2020، إلى 10.2 ألف سنويًا بمتوسط قيمة شهرية تقدر بـ 857 جنيه.

فيما حدد قيمة خط الفقر المدقع للفرد- هو عدم القدرة على الانفاق للحصول على الغذاء فقط (تكلفة البقاء على قيد الحياة)- في السنة عند 5.9 ألف جنيه سنويا عام 2017/2018.


وتختلف قيمة خط الفقر باختلاف المكان والاسعار بكل منطقة وكانت أعلى خطوط الفقر بين أقاليم الجمهورية ببحث الدخل والإنتاج 2019/2020 بالمحافظات الحضرية لتبلغ 11285 جنيه سنويًا، بينما كان خط الفقر المدقع عند 7071 جنيه سنويًا بينما كانت أقلها بحضر الوجه البحري بقيمة 9755 لخط الفقر الكلي و 6304 لخط الفقر المدقع.
وبلغت نسب الفقر في ريف الوجه البحري عام 2019-2020 22% مقارنة بـ 27% بعام 2017-2018، فيما بلغت النسبة في ريف الوجه القبلي 48% عام 2019-2020 مقارنة 52% عام 2017-2018.
وأكد بحث الدخل والانفاق لعام 2019-2020 زيادة نسب الفقراء مع زيادة عدد أفراد الأسرة، وهو ما يؤكد على ضرورة ضبط معدلات النمو السكاني لما يمثله من ضاغط وملتهم لكافة جهود التنمية.

فقد أكدت نتائج بحث الدخل والانفاق 2017/2018 وعام 2019/2020 أيضًا كذب مقولة “المولود بيجي برزقه”، حيث أن نسب الفقر تتزايد بتزايد عدد أفراد الاسرة، فنجد أن نسب الفقراء بين العائلات التي تتكون من فردين على الأكثر لم تتخطى (7.5%)، بينما وصلت نسب الفقر إلى ما يزيد عن 80% بين العائلات التي تزيد أعدادها عن 10 أفراد.
ومع تزايد حجم الاسرة يقل مخصصات كل فرد بها، وتنحسر مجالات الانفاق على الاحتياجات الأساسية للحياة فقط، دونما الاهتمام بالجانب الصحي والتعليمي لأفراد الأسرة. وبالتالي نجد سلسلة متوارثة من الفقراء بين أجيال تتوارث الفقر والجهل والمرض.

فانخفاض المستوى التعليمي هو أكثر العوامل ارتباطًا أيضًا بخطر الفقر، والذي يعتبر سبب ونتيجة في آن واحد فتأثير التعليم والفقر تأثير متبادل، فكلما زاد الفقر كلما زاد العزوف عن التعليم، وقلة المنفق على العملية التعليمية، وكلما قل التعليم كلما زاد اللجوء إلى الاعمال الهامشية زاد العائد المنخفض، أو لجوء البعض للتسول والسرقة لتأمين احتياجاته اليومية، حيث تتناقص معدلاته كلما ارتفع مستوى التعليم. فبلغت نسبة الفقراء بين الاميين 35.6% عام 2019/2020، مقابل 9.4% لمن حصل على شهادة جامعية.

كما كشف تعداد مصر 2017 عن كثير من صورة الفجوة بين الحضر والريف قبل إطلاق مبادرة حياة كريمة، متمثلة في انخفاض مستوى الخدمات والمرافق والطرق وجودتها، والانفاق على التعليم، وكان من أبرز ملامح الوضع في 2017 ما يلي:

وكشف التعداد أن هناك حوالي مليون و800 فرد بالريف – من إجمالي 54564390 فرد يمثلوا 13112300 أسرة يعيشوا في الريف- يعيشون بوحدات مشتركة (حجرة أو أكثر في وحدة سكنية)، منهم حوالي 25.5 ألف أسرة لا يوجد لديهم مطبخ، و4639 أسرة ليس لديهم حمام. بينما تخطت الأعداد 450 ألف أسرة لمن لديهم مطبخ وحمام مشترك.
كما يعيش ما يزيد عن 1.2 مليون أسرة ريفية بحجرة مستقلة بما يزيد عن مثيلتها في الحضر بحوالي مليون أسرة، أغلبهم يستخدم مطبخ وحمام مشترك، بينما لا يوجد لدى 63109 أسرة مطبخ، كما لا تملك 9160 أسرة منها حمام على الاطلاق.

كما أكدت بيانات تعداد 2017، أن معدل التزاحم (عدد الأفراد/عدد الأسر) بالريف أعلى منها بالحضر وتعادل 1.21%، بينما سجلت 1.14% بالحضر، كما يزيد متوسط حجم الاسرة (عدد الأفراد/عدد الأسر) بالريف عن نظيره بالحضر بحوالي 0.27% مسجلة 4.16% بالريف.

ووصلت نسب التغطية بالريف لمياه الشرب الآمنة حوالي 95.4%، وعلى الرغم من ارتفاع النسبة خاصة بالمقارنة مع نظيرتها بالحضر والتي سجلت 98.7% عام 2017. إلا إنه بإمعان النظر بهذه النسبة نجد 90% فقط من أسر الريف لديهم صنبور مياه تابع للشبكة العامة للمياه داخل المسكن، بينما تستخدم حوالي نصف مليون أسرة (أكثر من مليوني شخص) صنبور مياه داخل المبنى السكني له. فيما تعاني حوالي 140 ألف أسرة (حوالي 586 فرد) من الاعتماد على حنفية مرتبطة بالشبكة العامة خارج المبنى السكني.

ويعتمد حوالي 37% من سكان الريف (حوالي 218 ألف أسرة) على مياه الطلمبة للشرب، كما يعتمد حوالي 8% من سكان الريف (حوالي 50 ألف أسرة) على مياه الآبار بينما يضطر أكثر من 50% من سكان الريف (حوالي 309 ألف أسرة) إلى استخدام المياه المعبأة.
عدد السكان الذين يستخدمون خدمات مأمونة للصرف الصحي عام 2017

أما عن الصرف الصحي، فيصل حجم التغطية بكلًا من الشبكات العامة والأهلية حوالي 47% فقط من إجمالي الريف، في حين تصل النسبة في الحضر إلى 92% تقريبًا، أما النسبة المتبقية من سكان الريف (والذين يمثلوا حوالي 6.7 مليون أسرة، بإجمالي 28.7 مليون فرد) فتعتمد على الترنش، في التخلص من الصرف الصحي الخاص بهم.

فيما يقدر إجمالي الأسر التي تتصل بمرفق الكهرباء فقط 1.44 مليون أسرة، منهم حوالي 84% بالريف.

فيما تقدر حجم تغطية الغاز الطبيعي واعتماده كوسيلة للطهي بالريف بحوالي 3.4% بينما كانت النسبة في الحضر حوالي 54%، حيث يعتمد غالبية الأسر الريفية على أنبوبة البوتاجاز. والتي يتأثر وجودها وسعرها وفقًا للمواسم، مما يزيد من معاناة المواطن الريفي اليومية.
ضعف شبكة المرافق، والتنمية، والخدمات الصحية والتعليمية، كانت عائق كبير أمام عملية التنمية والتطوير التي تشهدها كافة ربوع الدولة، وأصبح الأمر يزداد تعقيدًا مع الثورة التنموية التي تشهدها حضر كافة المحافظات وبناء مدن جديدة، الأمر الذي تطلب وقفة بضرورة تطوير الريف والقضاء على الفقر المدقع، والذي كان له بالغ الأثر على حجم الانفاق على التعليم والغذاء بالريف، فكان معدل ضعف الوصول إلى الغذاء بالريف يصل إلى 21.3% بالريف بينما كانت النسبة نفسها 8.8% في الحضر.

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء- مسح الدخل والانفاق والاستهلاك 2015
كورونا تزيد الفقر

وجاءت جائحة كورونا لتزيد من تأزم الوضع الراهن، فخلال الجائحة كشفت دراسة للجهاز المركز للتعبئة العامة والاحصاء عن تأثر الحالة العملية لـ 61.9% للأفراد المشتغلين من ظهور فيروس كورونا بمصر، فترك 26% منهم العمل نهائيًا، وخاصة بين الذكور. كما ترتفع النسبة قليلا في الحضر لتصل إلى 63.5% مقابل 60.7% في الريف.

كما أوضحت الدراسة أن حوالي ربع الافراد لم يتأثر دخلهم، أما أغلبية الافراد (73.5%) أفادوا بأن الدخل قد انخفض منذ ظهور الفيروس، كما أوضحت الدراسة أن أصحاب المؤهلات العليا هم الأقل تأثرًا بانخفاض الدخل، بينما كان التأثير الأكبر لذي شهادة الثانوي العام/ الازهري وما دونها.
وقد أثر فيروس كورونا على النمط الاستهلاكي اليومي للمواطن المصري فقد انخفضت قيم استهلاك البروتينات بنسب تصل إلى الربع فيما ارتفع استهلاك المنظفات بنسبة تزيد عن 65%. وكانت زيادة أسعار السلع وانخفاض دخل الاسرة أهم أسباب انخفاض استهلاك الاسر من السلع الغذائية (لحوم- طيور- أسماك) لحوالي 70% من أسر العينة. وواجهت حوالي 40% من الاسر الامر بالاقتراض(السلف).

وأوضحت الدراسة أن ثلث الأسر تعاني من عدم كفاية الدخل للوفاء بالاحتياجات خلال الشهر الماضي، وقد ارتفعت النسبة قليلا بالريف لتصل إلى 34.3% مقابل 31.8% بالحضر. وأوضحت الدراسة أن أقل نسبة لعدم كفاية الدخل بلغت 29.8% للأسر صغيرة الحجم (1-4 أفراد)، وارتفعت النسبة تدريجيا مع ارتفاع عدد أفراد الاسرة لتصل 38.7% للأسر التي عدد أفرادها (7 أفراد فأكثر).
وفي سبيل ذلك اتخذت الدولة عدد من الإجراءات الحمائية لمجابهة أثر فيروس كورونا على الأسر الأكثر فقرًا كصرف منحة 500 جنيه للعمالة غير المنتظمة، توسيع تغطية برنامجي تكافل وكرامة اللذين يقدمان تحويلات نقدية مشروطة، وتوزيع المستلزمات الطبية والصحية على القرى الفقيرة.
ولأن هدف الحكومة هو وضع مصر على مسار قوي نحو التعافي. من خلال اتخاذ إجراءات تيسيرية للسياسة المالية العامة من شأنها دعم الاقتصاد وتلبية الاحتياجات المترتبة على الأزمة، بما في ذلك الإنفاق الصحي والحماية الاجتماعية، والقضاء على الفقر، وتقليص الفجوة بين الحضر والريف بغض النظر عن وجود الجائحة من عدمه.
لذا اتخذت الدولة عدة خطوات لمحاولة تطوير قرى الريف والقضاء على الفقر المستشري بها، خاصة وأن نسبة الفقراء بإقليم ريف الوجه القبلي تصل إلى 51.9%، بينما كانت النسبة 27.3% بريف الوجه البحري عام 2017/2018، بل أنه وصلت معدلات الفقر بعدد من القرى إلى 90%.
إلا أن هذه الخطوات لم تستطع الصمود أمام تراكمات تاريخية من الفقر وتدني المرافق والخدمات بالريف، فكان لابد من خطة للتغيير الشامل للريف، وإعادة تقويم حياة المواطنين للصعود من الحضيض إلى العيش في حياة كريمة.
وكان أولى هذه الإجراءات إعداد خريطة للفقر لتحسين الاستهداف الجغرافي للفقراء، تم فيها تحديد الاسر الفقيرة وخصائصها السكانية. هذا فضلا عن برامج الدعم المختلفة، كتوسيع وضبط منظومة الدعم الغذائي، وبرنامج الدعم النقدي المشروط “تكافل وكرامة”، وبرامج الحماية الاجتماعية كسكن كريم، ومبادرة حياة كريمة.
وهو ما بدا يؤتي ثماره بنهاية عام 2019، فقد انخفضت نسب الفقر على مستوي الجمهورية لأول مرة منذ عام 1999/2000 مسجلة نحو 29.7% مقارنة مع 32.5% في البحث السابق الذي تم إجراؤه في عام 2017-2018. كما انخفضت نسبة الفقر المدقع بإجمالي الجمهورية في عام 2019/ 2020 إلي نحو 4.5% مقابل 6.2% في عام2017/ 2018.
نحو القضاء على الفقر

ولأن الفقر يمثل عقبة أساسية في سبيل تحقيق التنمية المستدامة ورفع معدلات النمو الاقتصادي، فضلا عن مخاطره على الاستقرار السياسي والاجتماعي. تعهدت الحكومة باستهداف الفقر، والفجوات التنموية بين محافظات الجمهورية، وقد كلف الرئيس السيسي وزارة التنمية المحلية بوضع برنامج قومي لتنمية وتطوير جميع القرى المصرية البالغ عددها 4741 قرية وتوابعها (30888) عزبة وكفر ونجع اجتماعيا واقتصاديا وعمرانيا بهدف تحسين جودة حياة أهل القري بمشاركتهم الفعلية، لتجد كل قرية نصيباً عادلاً من الخدمات المتنوعة في البنية الأساسية والخدمات العامة، وأيضاً نصيباً عادلاً في المشروعات الاقتصادية ليتحسن دخل أبناء القرى ويجدوا فرصاً للعمل الشريف المنتج.
وتم عمل دراسات ميدانية حينها لتحديد أولوية القرى وفقًا لعدة معايير، أهمها:
- انخفاض مستوى البنية الأساسية (رصف، كهرباء وإنارة، مياه شرب، صرف صحي)
- انخفاض عدد الخدمات الحكومية (وحدة صحية ـ مدرسة ـ مركز شباب … إلخ)
- ارتفاع نسبة البطالة
- ارتفاع نسبة الأمية
- انخفاض مؤشرات الرعاية الصحية.
- انخفاض نصيب القرية من موازنة الدولة خلال السنوات العشر الأخيرة.
- توفر أراضي يمكن تنفيذ المشروعات عليها.
وتشمـل أهداف البرنامج الآتي:
- تحسين مستوى خدمات البنية الأساسية وتشمل: مياه الشرب – الصرف الصحي – الطرق – الاتصالات – المواصلات – الكهرباء – النظافة والبيئة – الإسكان – وغيرها.
- تحسين مستوى الخدمات العامة وتشمل: التعليم – الصحة – الشباب – المرأة – الطفل – ذوي الاحتياجات الخاصة – الثقافة – التدريب وإكساب المهرات وغيرها.
- تحسين مستوى الدخول ويشمل: زيادة الإنتاج، وفرص العمل، وتنويع مصادر الدخل، والاستفادة من كل معطيات التنمية الاقتصادية زراعياً وصناعياً وتجارياً وسياحياً وخدمياً، واستخدام أساليب إنتاج متقدمة فنياً، تتوافق مع البيئة، وتحفظ حق الأجيال القادمة في الرصيد المتوارث من الموارد الطبيعية والمادية.
- تدعيم مؤسسات المشاركة الشعبية وتشمل: تدريب وتأهيل المواطنين على المشاركة الشعبية، وإتاحة فرص أوسع لكافة فئاتهم في هذه المشاركة في كل مراحل تخطيط وتنفيذ وإدارة وتشغيل المشروعات والخدمات.
وكان من المتوقع أن يتم تنفيذ البرنامج على 5 مراحل هي: الاستكشاف والتعرف، استنهاض المجتمع، التخطيط، تنفيذ الخطة التي وضعها أهل القرية، تقييم الإنجاز على ما تحقق، تبدأ من العام المالي 2014/2015 وتنتهي بنهاية العام المالي 2029/2030، وذلك على النحو التالي:
- المرحلة الأولى: عدد 78 قرية تبدأ اعتبارا من 1-10-2014 وتنتهي في 30-6-2019
- المرحلة الثانية: عدد 130 قرية تبدأ اعتبارا من 1-7-2018 وتنتهي في 30-6-2022
- المرحلة الثالثة: عدد 520 قرية تبدأ اعتبارا من 1-7-2021 وتنتهي في 30-6-2025
- المرحلة الرابعة: عدد 1040قرية تبدأ اعتبارا من 1-7-2023 وتنتهي في 30-6-2027
- المرحلة الخامسة: عدد 1300قرية تبدأ اعتبارا من 1-7-2025 وتنتهي في 30-6-2029
- المرحلة السادسة: عدد 1672قرية تبدأ اعتبارا من 1-7-2026 وتنتهي في 30-6-2030
لكن لم تسر وتيرة العمل وطريقة العمل بالشكل الذي يحوز على رضا القيادة السياسية، فطالما حلم الرئيس السيسي بواقع حياة المواطنين بالريف بشكل جذري بما يتضمن ذلك تحسين الأحوال السكنية والمعيشية والثقافية للمواطنين وألا يقتصر الأمر على بضع مشروعات لتطوير المرافق والطرق وترك المواطن يأن من ضيق ذات اليد وانخفاض الرواتب، وتدهور حالة المسكن داخل منزله.
حياة كريمة .. مبادرة ثورية ضد الفقر وأبعاده

لذا كان أمام الدولة خيارين إما التحسين الشكلي والذي يتوقع إنهياره بعد بضعة سنوات أو حتى عقود لعدم معالجة أساس المشكلة وفكر وثقافة المواطنين بهذه القرى، فيمكن وصف الوضع في هذا الحال بأنه تطوير فوق بركان من الغضب والفقر والجهل.
أو الخيار الثاني وهو التغيير الجذري للأوضاع المعيشية للسكان ومساكنهم هذا إلى جانب تحسين البنية التحتية بالريف. لكن هذا له تكلفته، لكن مكاسبه غير محدودة على كافة المستويات.

واختارت القيادة السياسية الخيار الأصعب، بضرورة تغيير وجه الحياة بالريف بشكل كامل، وأعلن الرئيس السيسي عن إطلاق مبادرة “حياة كريمة” في 2 يناير 2019 – وهي أحد مكونات برنامج التنمية المحلية لتطوير القرى المصرية- لتحسين مستوى الحياة للفئات المجتمعية الأكثر احتياجًا على مستوى الدولة، في مبادرة هي الأكبر عالميًا في العصر الحديث، فالمشروع يمكن اعتباره مشروع القرن للألفية الجديدة، وأيقونة مصرية للجمهورية الجديدة.
فالمشروع يعد إعادة لرسم خريطة مصر وتوزيع البشر والإمكانات الاقتصادية على كافة ربوع مصر بما يستجيب لمشكلات الحاضر وتحديات المستقبل.
وتهدف المبادرة إلى:
- التخفيف عن كاهل المواطنين بالتجمعات الأكثر احتياجا في الريف والمناطق العشوائية في الحضر.
- التنمية الشاملة للتجمعات الريفية الأكثر احتياجا بهدف القضاء على الفقر متعدد الأبعاد لتوفير حياة كريمة مستدامة للمواطنين على مستوى الجمهورية.
- الارتقاء بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي والبيئي للأسر المستهدفة.
- توفير فرص عمل لتدعين استقلالية المواطنين وتحفيزهم للنهوض بمستوى المعيشة لأسرهم وتجمعاتهم المحلية.
- اشعار المجتمع المحلي بفارق إيجابي في مستوى معيشتهم.
- تنظيم صفوف المجتمع المدني وتطير الثقة في كافة مؤسسات الدولة.
- الاستثمار في تنمية الإنسان المصري.
- سد الفجوات التنموية بين المراكز والقرى وتوابعها.
- احياء قيم المسؤولية المشتركة بين كافة الجهات الشريكة لتوحيد التدخلات التنموية في المراكز والقرى وتوابعها.

وبدأت المبادرة من حيث انتهى الأخرون فتم تقسيم القرى الأكثر إحتياجاً والمستهدفة وفقاً لبيانات ومسوح الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بالتنسيق مع الوزارات والهيئات المعنية، ويمكن تقسيم مراحل المشروع إلى:
- المرحلة التمهيدية: والتي إطلاقها في 2019، وتشمل تطوير القرى الأكثر فقرًا، من خلال تنفيذ عدد من التدخلات بـ 375 قرية، والتي كانت تستهدف الأساس تطوير أفقر 1000 قرية، لكن التجربة أثبتت ضرورة التطوير الشامل لكافة المراكز بقراها وتوابعها لتتكامل عملية التنمية.
- المرحلة الشاملة: والتي تم إطلاقها في 15 يوليو 2021، لعمل تطوير شامل للريف المصري، وتشمل تنمية كاملة للريف المصري من خلال تنفيذ كافة التدخلات بـ 175 مركز، و4584 قرية.
فالمرحلة الأولى والتي تم إطلاقها رسميا في منتصف الشهر الجاري، تشمل 52 مركز، بإجمالي 1413 قرية، و10611 تابع، بتكلفة تقديرية 260 مليار جنيه.
وارتكزت المبادرة على عدد من التدخلات الرئيسية بكافة قرى المشروع:
تحسين مستوى خدمات البنية الأساسية
ومن المتوقع بنهاية المشروع تحقيق تغطية خدمات الصرف الصحي بكافة القرى المحرومة، فمن المستهدف زيادة نسبة التغطية إلى 100%، وهي بالمناسبة تمثل 82% من قرى المرحلة الأولى. فيوجد بعض التغطية بـ 217 قرية، إلا إنه لا يوجد تغطية بعدد كبير من توابع هذه القرى وبالشوارع والامتدادات المستجدة نتيجة البناء المخالف والتعدي على الأراضي الزراعية. هذا في حين أن هناك 1143 قرية محرومة من خدمات الصرف الصحي، بالإضافة إلى أكثر من 10 ألف تابع سيتم مد شبكات غير تقليدية لها.
وهو ما يستلزم إقامة 130 محطة معالجة جديدة بطاقة أكثر من 2 مليون م3 / يوم لمعالجة مياه الصرف لجميع المناطق المحرومة، وتحسين جودة مياه المصارف الزراعية.
أما عن مجال مياه الشرب، فعلى الرغم من أن شبكة تغطية مياه الشرب أصبحت 100%، إلا أن هناك مشكلة باستدامة المياه، فغالبًا ما يتم اعتماد طريقة “المناوبات” بالريف، ويستهدف المشروع استدامة المياه بشكل كامل.
وهو ما يتطلب إنشاء 51 محطة تنقية مياه الشرب، بطاقة 1 مليون م3 / يوم، كما سيتم رفع كفاءة عدد من المحطات الصغيرة القائمة بعدد 421 مشروع، هذا بالإضافة إلى إحلال وتجديد 3 آلاف كم مواسير متهالكة.
كما من المستهدف توصيل الغاز الطبيعي للقرى، فمن بين 1337 قرية محرومة من الخدمة يوجد 59 قرية فقط مخدومة بالغاز، فمن المستهدف توصيل الغاز الطبيعي لنحو 4 ملايين وحدة سكنية بـ 1227 قرية، وتنفيذ مواسير بأطوال 16 ألف كم طولي، وذلك لرفع العب عن المواطنين في الوصول للطاقة، وتسهيل فرص الاستثمار في بناء المصانع والمنشئات التجارية، وتقليل الانبعاثات الضارة والتوسع في الطاقة النظيفة.
أما عن الاتصالات ومكاتب البريد، فلأول مرة سيتم إدخال خدمة الانترنت فائق السرعة للريف المصري، كذلك تحسين تغطية شبكات المحمول داخل القرى، كذلك تعديل وتطوير أماكن البريد المصري للتوائم مع الاعداد السكانية.
وعلى الرغم من أن تغطية الكهرباء 100%، إلا أن المبادرة تستهدف تأمين واستقرار التغذية الكهربائية بكافة القرى، وتغيير نظام التغذية من مصدر واحد إلى مصدرين، لضمان استقرار التيار الكهربائي، وتقليل فترات الانقطاع، واستيعاب الاحتياجات الحالية والمستقبلية.
وفي سبيل ذلك من المقرر تغيير شامل لكافة عناصر المنظومة، كتعديل حوالي 4.5 مليون عداد إلى فئة العداد مسبق الدفع، ومد 17 ألف كم كابلات جهد متوسط، و124 ألف عمود، و17 ألف كشك بالمحول، و1.1 ألف لوحة كهرباء، وغيرها من المشروعات الفرعية.
هذا بخلاف المشروع القومي لتأهيل وتبطين الترع، فخلال المرحلة الأولى من المقرر تأهيل وتبطين الترع بالمرحلة الأولى بإجمالي أطوال 2.5 ألف كم، تم الانتهاء من 37% منهم بإجمالي 900 كم، هذا إلى جانب مشروعات الحماية من السيول.
وعن الزراعة، فمن المستهدف التسهيل على الفلاح الحصول على جميع الخدمات الزراعية بمكان واحد بشكل لائق، فمن المقرر إنشاء 333 مجمع زراعي، هذا إلى جانب التوسع في منظومة مراكز تجميع الألبان.
كما من المقرر إنشاء مجمعات حكومية، تضم كافة الخدمات الحكومية المقدمة من قبل الوزارات الحكومية، وتم الانتهاء من عدد كبير من الهياكل الخرسانية الخاصة بالمجمعات الحكومية، وسيتم تنفيذ أعمال التشطيب خلال الفترة القادمة.
وعن الطرق الداخلية والكباري، فقد تم رصف وتثبيت جميع الشوارع بالقرية بما يتناسب مع البيئة الريفية بإجمالي أطوال 14.5 ألف كم، بعدد 2047 طريق. كما من المقرر إنشاء 617 مشروع كوبري تنقسم إلى (470 كوبري سيارات، و147 كوبري مشاه)، هذا بالإضافة إلى تنفيذ 2700 كم طرق للربط بين القرى والمراكز. هذا إلى جانب تحديث أكثر من 80 عبارة للمساهمة في سهول نقل المواطنين.
بناء الإنسان المصري
ففيما يخص البنية التعليمية من المستهدف خلال هذه المرحلة إنشاء أكثر من 14 ألف فصل جديد، بالإضافة إلى صيانة ورفع كفاءة 25% من المدارس القائمة بواقع أكثر من 1250 مبنى مدرسيا قائما، وذلك لإتاحة التعليم الأساسي، والعمل على حل مشكلات زيادة معدلات الكثافات داخل الفصول، وتعدد الفترات الدراسية، إلى جانب العمل على خدمة المناطق المحرومة من الخدمات التعليمية، وزيادة نسبة استيعاب رياض الأطفال، من خلال إقامة المزيد من الحضانات وتوفيرها للأطفال الاقل من أربع أو خمس سنوات
وفى مجال الصحة، فهذا المشروع العملاق سيسهم في تجهيز البنية الأساسية والعمرانية بكافة القرى المستهدفة في المرحلة الأولى من المشروع لتعجيل تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل، وذلك من خلال رفع كفاءة كافة المنشآت الصحية الموجودة في الريف المصري، حيث أنه من المقرر خلال المرحلة الأولى فقط إنشاء 24 مستشفى مركزية جديدة، و1374 مركزا ووحدة صحية، إلى جانب توفير نقاط إسعاف جديدة، وقافلة علاجية تصل إلى 1000 قافلة، بالإضافة إلى توفير 40 سيارة قافلة أشعة مقطعية متنقلة، مجهزة بأحدث التقنيات العالمية في هذا المجال، وذلك لأول مرة؛ سعياً لتلبية متطلبات توفير خدمات صحية متكاملة لقاطني تلك القرى المستهدفة.
أما في مجال الشباب والرياضة، فمن المستهدف إنشاء وتطوير ما يقرب من 1000 مركز شباب، منها 271 مركزا إنشاء جديد، وذلك لرعاية النشء والشباب بقرى الريف المصري.
وفى مجال الثقافة، فهناك العديد من التدخلات التي تستهدف العمل على إحياء وتعزيز الهوية المصرية ونشر الوعي الثقافي، وإعادة ثقافة القراءة والكتابة لكافة قرى الريف المصري، من خلال تنفيذ العديد من المبادرات والأنشطة والفعاليات من خلال وزارة الثقافة.
التدخلات الاجتماعية وسكن كريم
ففي إطار المشروع القومي لتطوير الريف المصري، فهذه التدخلات تستهدف العمل على توفير مظلة حماية اجتماعية وتمكين المرأة اقتصادياً وجعلها شريكا رئيسيا في تنمية الريف. وفي هذا الصدد، فمشروع “سكن كريم” يأتي على رأس هذه التدخلات الاجتماعية، فمن المخطط أن يصل عدد المنازل للمستحقين لـ “سكن كريم” إلى 120 ألف منزل في 52 مركزاً بـ 20 محافظة بإجمالي تكلفة مقدرة حوالي 72 مليار جنيه. واتساقًا مع مبدأ التوسع الرأسي كبديل عن التوسع الافقي الذي يتسبب في التعدي على الأراضي الزراعية، فمن الممكن مضاعفة أعداد الوحدات السكنية المقرر بناؤها لتصل إلى 360 ألف وحدة سكنية بدلا من 120ألف منزل، وهو ما سيضاعف من التكلفة المقررة لتصل إلى 72 مليار جنيه، لكنه سيحافظ في النهاية على الرقعة الزراعية.
وفيما يتعلق بتنمية الأسرة المصرية، والارتقاء بالخصائص السكانية، وضبط النمو السكاني، فمن المستهدف خلال تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع القومي لتطوير الريف المصري، أن يتم رفع كفاءة 125 مستشفى تكامل بالمراكز المستهدفة، وهي المستشفيات التي تم بناؤها على مدار السنوات الماضية ولم تستغل لتصبح مراكز تنمية متكاملة، تشمل تقديم الخدمات الصحية وخدمات الأسرة، وتشغيل 200 مشغل خياطة ملحق بتلك المستشفيات، إلى جانب تشغيل20 مركز تنمية أسرة، وتمويل 350 ألف مشروع متناهي الصغر، فضلاً عن توفير وإتاحة خدمات ووسائل تنظيم الأسرة، وميكنة تلك الخدمات وربط قواعد البيانات الخاصة بها.
وحول التدخلات الاجتماعية لذوى الهمم، فمن المخطط إنشاء 20 مركز خدمة جديد لذوى الاحتياجات الخاصة وذلك بالشراكة مع وزارة الصحة والسكان، لتقديم مختلف الخدمات المطلوبة لهم، كما نوه رئيس الوزراء إلى التدخلات الخاصة بتطوير وحدات التضامن الاجتماعي، والتي من المقرر أن تشمل تطوير 64 وحدة تضامن خلال المرحلة الأولى من تنفيذ المشروع القومي لتطوير الريف المصري، وذلك لتقديم مختلف الخدمات الاجتماعية لقاطني تلك القرى.
التنمية الاقتصادية والتشغيل
كافة أوجه التنمية التي يتم تنفيذها في الريف المصري لابد أن تصحبها توفير فرص عمل لأهالينا في القرى، حيث أن عدم توفير فرص العمل يجعل التنمية تنمية منقوصة، وهو ما يدفع إلى استمرار الهجرة إلى المدن أو خارج مصر، مؤكداً أن الهدف من هذا المشروع الضخم هو توفير فرص عمل دائمة ومؤقتة أثناء تنفيذ عملية التنمية والتطوير، بالإضافة إلى تنفيذ العديد من برامج التدريب المهني للشباب والسيدات بهذه القرى.
ففيما يخص التشغيل الدائم فهناك العديد من المبادرات يتم تنفيذها سواء من خلال جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أو غيره، حيث من المستهدف ضخ 1.4 مليار جنيه لتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر بقرى المرحلة الأولى، أو تلك التي يتم تنفيذها من جانب وزارتي التنمية المحلية، والتخطيط والتنمية الاقتصادية، وكذا البنوك المصرية، لإقامة مشروعات تستهدف تشغيل الشباب ومحدودي الدخل، كما أنه من المستهدف أيضا إقامة 333 مجمع حرفي صغير بكل وحدة محلية قروية على مساحة تقترب من فدان يحتوى على ورش ومعارض تعتمد على الحرف والفرص التي تتميز بها كل قرية، على أن تدار من خلال القطاع الخاص ويقوم بتسويق منتجات تلك المشروعات.
هذا إلى جانب توفير مئات الآلاف بل ملايين فرص العمل للشباب من خلال التشغيل المؤقت، مما يتطلب توفير تدريب لهم، وتم بالفعل توفير برامج تدريب متعددة لتعليمهم الحرف الأساسية، وتدريبهم على التقنيات الحديثة في ظل ما يشهده العالم حالياً من تحول رقمي، وما فرضته جائحة كورونا من ضرورة إسراع الخطى في هذا المجال.
وفيما يتعلق بالشمول المالي، وبمبادرة من البنك المركزي والبنوك المصرية بالإضافة إلى هيئة البريد، يتم إتاحة ماكينات الصراف الآليATM في كل القرى المصرية، وتطوير فروع البنك الزراعي المصري، وفتح حسابات للفلاحين يستطيعون من خلالها إجراء كافة معاملاتهم المالية.
هذا المشروع العملاق هو بحق الأصعب من بين كل المشروعات الكبيرة التي يتم تنفيذها على مدار السنوات السبع الماضية، حيث يتم تنفيذه على نطاق 4500 قرية، كل واحدة منها لها ظروفها وطبيعتها الخاصة.
وحجم العمل المقدر لم يكن بالسهولة التي يمكن لأجهزة الحكومة القيام به بمفردها، فقد قامت المبادرة في الأساس على تضافر جهود الدولة مع خبرة مؤسسات المجتمع المدني ودعم المجتمعات المحلية في إحداث التحسن النوعي في معيشة المواطنين المستهدفين ومجتمعاتهم على حد السواء.
وتستوعب مبادرة حياة كريمة كافة المبادرات الرئاسية السابقة كمبادرات: تكافل وكرامة، مصر بلا غارمات، خفض كثافة الفصول، دعم صحة الطفل، تنمية الاسرة المصرية، ومبادرة 100 مليون صحة.
وللمبادرة ملامح رئيسية تختلف عن غيرها من المبادرات، فهي ملحمة بناء وتعمير تشهدها كل أرجاء محافظات مصر، فمن المقرر أن تشمل المبادرة 20 محافظة، ليتم تطوير 175 مركز وأكثر من 4.5 ألف قرية وأكثر من 28 ألف تابع، لتستهدف أكثر من نصف سكان مصر (58% من إجمالي سكان الجمهورية) على أن يتم على كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية.
كما يتميز المشروع بأنه مشروع مصري 100%، باستثمارات مقررة تتجاوز 700 مليار جنيه، من حيث الأدوات والمنفذين والتمويل. كما أن المشروع في الأساس هو فكرة شباب مصري انحازت له القيادة السياسية.
كما أن من السمات المميزة لهذا المشروع أيضًا أن المواطن يختار مشروعاته ضمن مبادرة تطوير الريف المصري، كما ستشهد القرى خدمات لم تكن بها من قبل مثل شبكات الغاز الطبيعي، والألياف الضوئية، وأن يكون هناك مؤشرات لقياس دقة الأداء وجودته.
المشاركة المجتمعية

الشباب ومؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة، ورجال الأعمال ومجتمع القطاع الخاص، جمعهم هدف وحلم واحد وهو توفير “حياة كريمة” لأهلنا بالقرى الأكثر فقرًا. وبناء والاستثمار في الإنسان بالقرى الأكثر فقرًا، وتحويله من قنبلة موقوتة وهدف سهل للجماعات الإرهابية والهجرة غير الشرعية، إلى معول للتنمية بإنسان يشعر بالانتماء والمواطنة ويطمح في الكثير لتنمية بلاده.
وبسرعة كبيرة حقق المشروع هدفه الأسمى، وهو إعادة إدماج الشباب والمصريين وتفاعلهم في إعادة بناء الدولة بأيديهم، فيتميز المشروع بإنه يسمح بمشاركة الشباب من خلال التطوع، وقد كانت تلبية أبناء مصر أسرع من أي تصور، فقد بلغت أعداد المتقدمين عبر الموقع الإلكتروني 17830 مشاركا من مختلف محافظات الجمهورية، عقب مرور أسبوع واحد من فتح باب المشاركة والتطوع في المشروع القومي لتنمية الريف المصري. وكان أغلب المتقدمين من الذكور بنسبة 63%، ومن الفئة العمرية (20-30) سنة.
ولم تكن المشاركة من قبل الشباب فقط، بل أعلنت غرفة الصناعات الهندسية فى اتحاد الصناعات، عن ارتفاع عدد شركات القطاع الهندسي المشاركة ضمن مبادرة حياة كريمة إلى حوالي 150 شركة حتى مارس الماضي، فى عدد من القطاعات منها “الكابلات الكهربائية والمضخات وأعمدة الكهرباء والمحولات الكهربائية” وغيرها. ومن جانبها، أعلنت الاكاديمية الوطنية للتدريب عن مشاركتها فى المشروع القومي من خلال برنامج تدريبي للشباب المشارك لتأهيلهم للعمل التنموي والمشاركة الفعالة.
تأصيل جهود الحكومة وفقًا لأهداف التنمية المستدامة

الإجراءات الحمائية التي اتخذتها الحكومة خلال السنوات الأخيرة ساهمت في تقليل نسب الفقر إجمالًا بحوالي 3%، فيما انخفضت معدلات الفقر بريف الوجه البحري بحوالي 5% خلال العامين الأخيرين، وذلك بمقارنة بحثي الدخل والانفاق لعامي 2017/2018 و2019/2020.
وفي حقيقة الأمر، مبادرة حياة كريمة وغيرها من برامج الحماية الاجتماعية هي جزء من خطة الدولة المصرية 2030، والتي تعمل على تطوير البرامج الداعمة لتحقيق الرؤية والاهداف الاستراتيجية للعدالة الاجتماعية. من خلال رفع كفاءة منظومتي الحماية والدعم وتوسيع نطاق تأثيرها وربطها بقاعدة بيانات دقيقة ومحدثة، وتقييمها وفقًا لآلية واضحة لقياس كفاءتها بما يضمن تحقق الحماية ووصول الدعم بمختلف انواعه المالية والعينية إلى مستحقيه وتعظيم مردوده المجتمعي.
كما هدفت الخطة تحقيق الاندماج المجتمعي من خلال العمل على تقليص الفجوات المجتمعية والجيلية دون الاخلال بتكافؤ الفرص، من خلال دعم ريادة الاعمال لإتاحة فرص لتشغيل الشباب واستيعاب طاقاتهم مع التركيز على شباب المناطق الأكثر فقرًا.
كذلك تحقيق التوازن في التوزيع الجغرافي للخدمات من خلال تحفيز العمل التنموي على المستوى المحلي ووضع معايير واضحة ومحددة لتوزيع الاستثمارات المخصصة لتمويل الخدمات العامة على المستوى المحلي. من خلال تطوير برنامج تحفيزي وتشاركي يهدف للتوجه التدريجي من العمل الخيري إلى العمل التنموي لجميع مؤسسات المجتمع المدني في كافة محافظات الجمهورية.
كل هذه البرامج تهدف للوصول إلى تحقيق عدد من الأهداف الكمية الفرعية، في 2030، فتهدف الخطة أن تصل نسبة السكان تحت خط الفقر المدقع إلى 0% عام 2030 بينما كان من المخطط أن تصل النسبة إلى 2.5% عام 2020إلا أن النسبة الحالية وصلت إلى نحو 4.5%، ويرجع ذلك إلى تأثير برنامج الإصلاح الاقتصادي، فضلا عن تأثير جائحة كورونا المستجد التي سببت أزمة ركود اقتصادي عالمي، وزيادة معدلات البطالة، والفقر.
كما تهدف الخطة إلى وصول مؤشر الفجوة الجغرافية في نسبة السكان تحت خط الفقر إلى نسبة 5% عام 2030، في حين كانت النسبة في 2014 تقدر بـ17%، كما تهدف الخطة أن تكون نسبة المرأة المعيلة تحت خط الفقر في 2030 تقدر بـ5%، ووفقا لإحصائيات المجلس القومي للمرأة فإن المعيلات تمثلن نسبة 18% من السيدات في مصر، بينما تصل نسبة النساء اللاتي يعملن في مهن “هشة” غير منتظمة إلى 40% من إجمالي العاملات في مصر.
كما أشارت الخطة إلى عدد من المؤشرات ذا التماس مع قضية الفقر والتي لم يتحدد المعيار الكمي المستهدف لها في 2030، مثل نسبة المسنين تحت خط الفقر، نسبة السكان بالمناطق العشوائية غير الآمنة، نسبة الأطفال بلا مأوي، الفجوة الجغرافية في جودة خدمات التعليم والصحة، والحصول على عمل لائق، وعدد المستفيدين من برامج الرعاية الاجتماعية، وقياس مدى كفاءة المنظومة الحكومية في استهداف الفئات المستحقة للدعم.
وكل هذه البرامج والاهداف تصب في بوتقة أسمي وهي البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة للتنمية المستدامة، والذي اتخذ الهدف الأول له من بين سبعة عشر هدف هو هدف القضاء على الفقر.

وتكللت جهود الدولة المصرية والمبادرة، بالنجاح في إدراج الأمم المتحدة لمبادرة «حياة كريمة» ضمن سجل منصة «الشراكات من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة»، التابعة للمنظمة، بعدما تقدمت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية بطلب تسجيل، وعليه استوفت المعايير الذكية للمنصة بأنها محددة الأهداف، وقابلة للقياس وللإنجاز، وقائمة على أساس الموارد المتاحة، ومحددة زمنية فضلا عن كونها تقود إلى تنفيذ أهداف التنمية المستدامة الـ 17 مجتمعة.
وتحقيق أهدافها التنموية، كالقضاء على الفقر، والجوع، وتحقيق التعليم الجيد والصحة الجيدة والرفاهية، وتوفير العمل اللائق والنمو الاقتصادي بالريف … وغيرها من أهداف التنمية المستدامة.
باحث أول بالمرصد المصري