
“عودة السياحة الروسية”.. بداية لاستعادة ” الزخم السياحي ” في مصر
استقبلت مصر في التاسع من أغسطس ٢٠٢١ ؛ أولى الرحلات المباشرة بين العاصمة الروسية “موسكو” ومدينتي ” شرم الشيخ” و “الغردقة ” المصريتين ، بعد انقطاع دام لأكثر من ستة أعوام على إثر سقوط احدى الرحلات التابعة لشركة الطيران الروسية متروجيت MetroJet.
وينظر إلى استئناف حركة السياحة بين الدولتين الصديقتين على أنها “خطوة داعمة ” للقطاع السياحي المصري، والذي تأثر بشدة على مدار الأعوام الماضية جراء انحسار حركة السائحين الروس الذين كانت تقدر أعدادهم السنوية قبل حادث 2015 بأكثر من مليونين ونصف المليون سائح .
فيما اعتبر المتخصصون؛ عودة الحركة السياحية الروسية ؛ أداة فعالة للتغلب على تداعيات وباء فيروس “كورونا” والذي خلق ؛ خلال عام 2020 والنصف الأول من عام 2021؛ حالة من الشلل شبه التام لكافة القطاعات السياحية على مستوى العالم ومن بينها القطاع السياحي المصري.
الخروج التدريجي من قوائم الحظر الدولية
وقع قطاع السياحة المصري خلال العقد الماضي ؛ تحت ضغط كبير بسبب توالي الأحداث السياسية والأمنية الخطيرة، حيث دفعت تلك الأحداث بالدول المصدرة للسائحين خاصة في الفترة 2011 – 2016 إلى إصدار العشرات من قرارات الحظر والمئات من التحذيرات الدورية حول زيارة المقصد السياحي المصري، ولقد كان من أبرز أمثلة تلك القرارات ما أصدرته حكومة اليابان 2011 عقب اندلاع أحداث يناير، حيث منعت اليابان سائحيها من زيارة مصر بشكل كامل.
كما كان قرار المملكة المتحدة بتعليق السفر السياحي إلى شرم الشيخ في نوفمبر ٢٠١٥ من القرارات المؤثرة في هذا الملف، حيث قررت الحكومة البريطانية منع سفر مواطنيها بشكل كامل إلى هذا المقصد بعد حادث الطائرة الروسية فوق صحراء سيناء، كما اتخذت ألمانيا الاتحادية قرارا مشابها لنظيره الإنجليزي حينما حظرت على المواطنين الألمان زيارة شبه جزيرة سيناء لوجود أخطار أمنية محتملة فيها. لتؤدي محصلة تلك القرارات خلال 5 أعوام إلى إحداث حالة من التذبذب في أعداد زوار مصر الأجانب – انظر الشكل التالي رقم 1 –.

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء.
لكن العودة التدريجية لحالة الاستقرار السياسي والاقتصادي التي شهدتها مصر بعد عام 2016، كانت بمثابة العامل المشجع لكافة الدول المصدرة للسائحين، من أجل تخفيف أو إلغاء التحذيرات وقرارات الحظر التي اتخذتها تجاه المدن السياحية المصرية، فاليابان والمعروفة باتخاذها لأعلى معايير الاحتياط والأمان في العالم للحفاظ علي سلامة مواطنيها، قررت منتصف 2018؛ تخفيف تحذيرات السفر إلى عدد من المقاصد السياحية المصرية، وهو ما أعاد السائح الياباني إلى مصر بعد غياب دام لأكثر من سبعة أعوام.
فيما قررت السلطات البريطانية نهاية 2019؛ الغاء تحذيراتها للسفر إلى شرم الشيخ، حيث ارتأت الحكومة البريطانية أن الخطر الذي تم تسجيله عام ٢٠١٥ عقب سقوط الطائرة الإنجليزية لم يعد يرتقي إلى مستوى التهديد الجدي، وذلك بفضل مجهودات الدولة المصرية في ” تحييد نشاط الإرهاب” على مستوى مصر عامة وفي شمال شبه جزيرة سيناء خاصة. كما أصدرت السلطات الألمانية قرارها في منتصف 2019 بإلغاء حظر السفر إلى مدينة طابا بجنوب سيناء وهو ما اعتبر نوعا من التخفيف على تحذيرات السفر التي تم إطلاقها قبل أربع سنوات.
حالة غير مستقرة بالمقاصد السياحة المنافسة
يواجه إقليم “حوض البحر المتوسط” حاليا مجموعة الأزمات المتشابكة على المستويات الصحية والبيئية والسياسية والاقتصادية، وهو ما يؤدي بدوره إلى ضعف الطلب السياحي بأغلب الدول المنافسة للمقصد المصري، فإلى جانب أزمة وباء كوفيد 19 والتي شلت حركة السياحة بإقليم المتوسط لقرابة عام خلال 2020، والذي لازالت آثار تداعياتها موجودة حتى اليوم، أصبح الإقليم يعاني فجأة من أزمة أخرى هي أزمة حرائق الغابات والمناطق البرية، والتي اندلعت منذ منتصف يوليو الماضي، بفعل ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوقة.
وتأتي اليونان في مقدمة تلك الدول, حيث تكافح فرق إطفاء الحرائق اليونانية الآن ؛مئات من الحرائق سريعة الانتشار في المناطق الجنوبية من البلاد, وذلك بعد قرابة 20 يوما من تنقل موجات الحرائق بين الإقليم اليونانية المختلفة سواء في الشمال أو الوسط, كما تعاني إيطاليا من اندلاع موجات غير مسبوقة من الحرائق بالمناطق الجنوبية كل صقلية وكالبيريا, وذلك بسبب وصول درجات الحرارة الي ما يقارب 49 درجة سليزيوس, وهي الدرجة الأعلى في التاريخ المناخي المسجل بالمنطقة, لتؤدي الحرائق الإيطالية لسقوط العديد من المواطنين بين قتلى وجرحى بالإضافة إلى تسجيل خسائر مالية بمئات الملايين من اليوروهات.
فيما تعاني دولة تركيا هي الأخرى من أزمات مناخية مركبة حيث يشتعل الجنوب التركي من جراء موجة الحرارة التي تجتاح حوض البحر المتوسط, فيما يعاني الشمال التركي من موجة امطار وفيضانات عاتية, وهو ما خلق حالة جديدة من الاحتقان والتوتر السياسي داخل الدولة التركية, حيث اتهم المعارضون الاتراك نظام الحكم القائم بتسببه في أزمة الحرائق.
ولا تمتلك تركيا ؛ أي أساطيل جوية للتعامل مع نيران الغابات على الرغم من انتشار الغابات البرية فيها, وهو ما ينذر باستمرار الأزمة لوقت طويل, فيما أدى ظهور وتصاعد أزمة الفيضانات إلى تشتيت وإضعاف مجهودات فرق الحماية المدنية بعموم البلاد, لتؤدي تلك الأزمات إلى إحجام السائحين عن المقصد التركي؛ خوفاً على أمنهم الشخص.
أما دولة تونس والتي تعتبر واحدة من أقوى الاقتصادات السياحية في شمال افريقيا، فتواجه أزمتين في الوقت الحالي أحدهما متعلق حرائق الغابات، حيث واجهت قوات الحماية المدنية التونسية منذ الاثنين الماضي قرابة 30 حريقا بالمناطق الجبلية في الشمال والوسط والغرب، فيما تعاني الدولة أصلا من أزمة سياسية خطيرة بدأت تداعياتها في 25 يوليو الماضي حينما “جمد ” رئيس البلاد عمل البرلمان و “حل ” الحكومة.
وتعتبر لبنان من أبرز الدول السياحية التي تعاني من الأزمات في إقليم المتوسط، فالبلد يغرق منذ أكثر من عام في أزمة سياسية واقتصادية طاحنة، كما لا تلوح في الآفاق اية بوادر لحل تلك الأزمات، وهو ما يؤدي إلى وجود احتمالات مفادها حدوث العديد من القلاقل والتوترات في المستقبل القريب، إذا لم يتم الوصول لحلول جذرية، لذلك تحجم العديد من الدول حاليا عن ارسال السائحين إلى لبنان حرصاً على سلامتهم.
فرصة للقطاع السياحي المصري
تعتبر مصر الان ؛ هي الوجهة السياحية الأكثر أمنا وسلامة من وجهة نظر السائح في إقليم البحر المتوسط، فبالبلاد لم تسجل أي أزمة بيئية سواء من حرائق أو فيضانات أو خلافه خلال الفترة الماضية، كما أصبح الوضع الوبائي لكورونا المستجد تحت السيطرة بنسبة كبيرة، فالبلاد لم تعد تسجل يوميا وفق إحصاءات منظمة الصحة العالمية أكثر من مائة حالة إصابة يومية، فيما تتخذ الدولة العديد من الإجراءات الوقائية المشددة خاصة بالموانئ الجوية والبحرية، وذلك لتفادي دخول مصابين بوباء كوفيد – 19 الي البلاد.
إلى جانب كل ذلك تتمتع المقاصد السياحية المهمة في مصر كشرم الشيخ والغردقة والعلمين، بدرجات حرارة منخفضة نسبيا وذلك بالمقارنة مع كافة المقاصد المناظرة في إقليم المتوسط، فدرجة الحرارة خلال ذروة الظهيرة بمدينتي شرم الشيخ والغردقة لا تتجاوز في الغالب 39 درجة سلزيوس، فيما لا تتجاوز في مدينة العلمين 31 درجة ، أما مدن الأقصر وأسوان في جنوب مصر فلا تتعدى درجات الحرارة النهارية فيهم 42 درجة.
كما تتميز مصر ؛ وفق رأي العديد من المنظمات الدولية ؛ بانها مقصد سياحي غير مكلف علي السائح، وهو ما يتناسب مع الحالة الاقتصادية للأفراد والأسر في مختلف دول العالم، حيث تعاني كافة شعوب العالم حالياً ومن بينها الشعوب التي تأتي منها أغلبية السائحين إلى مصر، سواء كانت تلك الشعوب في شرق أوروبا أو غربها او حتى من الدول العربية المحيطة، من حالة من الانكماش الاقتصادي بسبب تداعيات كورونا المستجد على حركة الاقتصاد، للك يبحث السائحون دائما عن بدائل رخيصة وغير مكلفة لقضاء اجازاتهم الموسمية أو السنوية.
وتعتبر الحوافز التي قدمتها الحكومة للمؤسسات العاملة بالقطاع السياحي منذ العام الماضي بعد اندلاع الجائحة، داعمة لحركة السياحة في مصر، فقرارات دعم وقود الطائرات التجارية، وإطلاق حملات دورية لتخفيض أسعار الإقامة الفندقية، بالإضافة إلى تسهيل حصول العاملين بالقطاع السياحي على اللقاح المضاد لكورونا، تساهم جميعها في تحفيز السائحين على التوجه صوب المقصد المصري، وهو ما يضمن للبلاد الحصول حصة أكبر من حركة السياحة الدولية.
ختاما، يمكننا القول؛ إن الفرصة الان أصبحت مواتية أمام مصر لكي تتصدر قائمة الوجهات السياحية في إقليم البحر المتوسط، لذلك على الجهات المختصة أن تسرع في تنسيق مجموعة من الحملات الدعائية التي تبرز مميزات المقصد المصري للسائح الأجنبي، كما يجب على الحكومة أيضاً أن تعيد تأكيد استمرار الحوافز المقدمة للمؤسسات السياحية، وهو ما سيشجع تلك المؤسسات على جذب سائحين جدد إلى المقصد المصري.
باحث ببرنامج السياسات العامة