
“الدلتا الجديدة”.. رئة جديدة للأمن الغذائي بمصر
أثارت توجيهات الرئيس السيسي ليلة الأحد 28 مارس بالبدء بتنفيذ مشروع “الدلتا الجديدة” بشكل فوري، الكثير من التساؤلات حول ماهية وحجم المشروع وعوائده وفلسفته، وما تم في ملف زيادة الرقعة الزراعية، وهو ما نحاول الإجابة عنه خلال السطور التالية.
ملامح المشروع
“مشروع الدلتا الجديدة” أحد المشروعات العملاقة بالمجال الزراعي، ويقام بمساحة تزيد عن مليون فدان في الساحل الشمالي الغربي، ويدخل مشروع “مستقبل مصر” ضمن نطاق المشروع، ويضيف المشروع 15% مساحة منزرعة جديدة لمصر تستغل لتحقيق الأمن الغذائي، ويمتد المشروع من شمال الواحات إلى جنوب وادي النطرون وشرق وغرب منخفض القطارة.
يضم المشروع حوالي 688 ألف فدان “منطقة الدراسة بالخريطة السابقة” جنوب محور الضبعة، وغرب الدلتا القديمة، هذا إلى جانب مشروع مستقبل مصر والمقام على مساحة 500 ألف فدان. ويشمل المشروع أيضًا قرابة 250 ألف فدان متداخلة مع “منطقة الدراسة” تخص مشروعات الخدمة الوطنية، ويتكلف استصلاح الفدان الواحد حوالي 200 ألف جنيه
ويضم المشروع الجديد مجمعات صناعية مرتبطة بالزراعة ضمن مشروع الدلتا الجديدة كمحطات التعبئة والتغليف وتصنيع المنتجات الزراعية، لأن التصنيع الزراعي يرفع القيمة المضافة للمنتج، إضافة إلى محطات التصدير والإنتاج الحيواني وتصنيع منتجات الألبان. مما يخلق آلاف فرص العمل، وسوف يتم تدريب شباب الخريجين من التخصصات الزراعية، لاكتساب خبرة العمل بالمناطق الصحراوية، وكيفية استخدام أحدث سبل الزراعة والري بشكل عملي.
وتم إجراء كافة البحوث الزراعية الخاصة بالرقعة الزراعية وتشمل دراسات حصر وتصنيف التربة، وتحديد قطاعات التربة والخواص الفيزيائية والكيميائية، ودرجة الملوحة وخشونة التربة. وتمت الدراسة من خلال أكثر من 20 ألف عينة معملية بواسطة ثلاث فرق، ويضم الفريق الأول هيئة التعمير ومركز بحوث الصحراء ومركز البحوث الزراعية ممثل في معمل الأراضي والمياه، هذا إلى فرق كليتي الزراعة جامعة القاهرة والإسكندرية.
وتمت عملية الدراسة الحقلية خلال الفترة (22 ديسمبر 2020 حتى 10 يناير 2021)، بينما كانت الدراسات المعملية خلال الفترة (1 يناير – 15 فبراير لعام 2021)، واستمرت عملية كتابة التقارير خلال الفترة (10 فبراير – 10 مارس 2021). وأسفرت النتائج عن أن حوالي 93% من هذه المنطقة ذات صلاحية للزراعة من الدرجة الثالثة والرابعة وهو ما يجعلها أرض صالحة لكافة أنواع المحاصيل.
نسبة الاكتفاء الذاتي لأهم السلع الغذائية بمصر 2018
ومن المقرر زراعة كافة أنواع المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والذرة والفول، هذا إلى جانب الخضر والفاكهة. وتتميز هذه الأرض أيضًا بتوافر المياه من خلال مياه الترع، ومعالجة الصرف الزراعي من خلال إنشاء محطات معالجة صرف زراعي. والأرض كذلك مستوية بشكل جيد مما يسهل زراعة كافة أنواع الزراعات، واستخدام طرق الري الحديث كالري بالتنقيط أو الري تحت سطح التربة، هذا فضلا عن اتساع مساحة الأراضي يسمح بإدارتها إدارة استراتيجية.
ومن المقرر الانتهاء من المشروع خلال عامين على أقصى تقدير، على أن يتم العمل بمختلف المراحل والخطوات على التوازي. في حين كان يمكن تنفيذ مثل هذا المشروع بالسابق على مدى 10 سنوات تقريبًا. وذلك نتيجة توافر التدفقات النقدية اللازمة للقيام بالمشروع. ويتميز المشروع بقربه من الموانئ وشبكة طرق عملاقة تحيط بالمنطقة، مما يوفر سهولة نقل السلع والمنتجات الزراعية، هذا إلى جانب نقل العمالة، وبأقل تكلفة.
ومن مزايا المنطقة التي كشف عنها الدكتور علاء النهري، نائب رئيس الهيئة القومية للاستشعار من البعد وعلوم الفضاء، نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم وتكنولوجيا الفضاء بالأمم المتحدة، أن هذه المنطقة “الدلتا الجديدة” تتمتع بخزان غرب الدلتا الجوفي، وهو خزان متجدد، يحتوي على مياه ممتازة تتراوح ملوحتها بين 400 إلى 900 جزء في المليون، وهي نسبة جيدة للغاية، تناسب غالبية الزراعات الشجرية والخضروات، وهي -ملوحة المياه- تنخفض مع السحب من الخزان، إضافة إلى وجود خزان الحجر الرملي النوبي على بعد نحو 1000 متر. وهي إنها أرض بكر، تحتوي على عناصر غذائية متنوعة مثل البوتاسيوم، وهو المسئول عن إضفاء الطعم الحلو على الثمار.
مشروع” مستقبل مصر”
مشروع مستقبل مصر هو جزء من مشروع الدلتا الجديدة، أحد التوسعات الاقتصادية الكبرى التي من شأنها تحقيق النمو الاقتصادي، يهدف لتوفير منتجات ومحاصيل زراعية بأفضل جودة، وأسعار مناسبة مقبولة للمواطنين. ويقام على مساحة ٥٠٠ ألف فدان. يقع على امتداد طريق محور الضبعة، وتتضمن البنية الأساسية والإدارية للمشروع منظومة متكاملة للميكنة الزراعية والري، ومزود بأحدث المعدات والتقنيات لإتمام العمليات الزراعية المختلفة بجودة وسرعة عالية وآلاف من أجهزة الري المحوري “بيفوت” وعدد ۲ محطة كهرباء بطاقة ٢٥٠ ميجا وات وشبكة كهرباء داخلية بطول ۲۰۰ کم، وكذلك شبكة طرق رئيسية وفرعية بإجمالي طول ٥٠٠ كم.
مشاكل أزلية
وتعد أزمة تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي ليس وليد اللحظة أو أثر لأزمة جائحة كورونا، فـ “مصر تواجه ارتفاعًا في نسب الفقر وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بشكل ملحوظ خلال السنوات الثلاث الماضية”، هكذا كان الوضع في عام 2013، وفقًا لتقرير مشترك لبرنامج الأغذية العالمي والجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء، بعنوان “حالة الفقر والأمن الغذائي في مصر: تحليل الوضع الحالي وتوصيات لصانعي القرار”.
ترتيب دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفقًا للمؤشر العام لمؤشر الأمن الغذائي العالمي 2019
فقد انضم حوالي 15% من السكان إلى شريحة الفقراء بين عامي 2009 و2011، مقابل خروج 7% فقط من هذه الشريحة. وازدادت نسبة الفقر في المناطق الحضرية من 11% عام 2009 إلى أكثر من 15% عام 2011. وأظهرت النتائج زيادة نسبة التقزم لدى الأطفال-التي تعكس سوء التغذية المزمن- وهو معدل “مرتفع” طبقًا لمعايير منظمة الصحة العالمية. وأفادت التقارير في تسع محافظات في عام 2011، أن ما يزيد قليلًا على نصف الأطفال دون سن الخامسة يعانون فقر الدم (الأنيميا)، الذي تصنفه منظمة الصحة العالمية على أنه “مشكلة صحية خطيرة”.
تدارك مبكر
عوامل كثيرة ساهمت في تنامي أزمة الأمن الغذائي المصري، وعلى رأسها التفتيت الحيازي للأراضي، وندرة المياه، ومحدودية تطور سبل الزراعة والري وبخاصة مع انخفاض الحيازة الزراعية للفرد، التعدي على الأراضي الزراعية خلال فترات الانفلات الأمني.
فالرقعة الزراعية المصرية تكاد تكون ثابتة منذ عهد الفراعنة، بل وتناقصت خلال الآونة الأخيرة وهو ما أصبح أمر غير مقبول خاصة مع تزايد النمو السكاني. خاصة إنه في الأساس يوجد فجوة بين المنتج والمستهلك لعدد من السلع الغذائية، وأثبتت جائحة كورونا ضرورة ضمانة الدول للحد الأدنى من أمنها الغذائي.
تطور مساحة الأراضي الزراعية الجديدة (بالفدان) في مصر خلال الفترة (2011- 2017)
لذا كان توجه الدولة نحو التوسع الأفقي للرقعة الزراعية. فاستهدف الرئيس السيسي منذ 2014 زراعة واستصلاح 4 ملايين فدان تمثل إضافة 50 % زيادة علي الرقعة الزراعية الثابتة منذ عهد الفراعنة. فحجم الأراضي المستصلحة قبل عهد الرئيس السيسي، نحو 2 مليون و86 ألف فدان، منها نحو مليون و800 ألف فدان، مراقبات قديمة وجديدة، والباقي أراضي ملك للمستثمرين والمنتفعين، أما في عهده فزادت أراضي الاستصلاح إلى 3.3 ملايين فدان وهي تمثل 35% من مساحة الأرض الزراعية في مصر والتي بلغت 9 ملايين فدان. وذلك لحصار النمو السكاني المضطرد وسد الفجوة بين حجم المطلوب والمعروض من السلع الغذائية، وبعث فكرة أن الدولة المصرية هي بالأساس دولة زراعية.
وفي هذا الصدد اتخذت الدولة عدة إجراءات وسياسات من شأنها العمل على حل الأزمة وتداعياتها. وبلغت إجمالي مشاريع الزراعة في القطاعات المختلفة 224 مشروعًا، ومن أبرز التوجهات التي اتخذتها وزارة الزراعة في هذا الشأن:
- العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض السلع الغذائية الاستراتيجية.
- تطوير الأنماط الاستهلاكية لتحسين مستويات التغذية وزيادة نصيب الفرد من سلع الغذاء ذات القيمة الغذائية العالية.
- خفض معدلات الفاقد من الغذاء وربط المزارع بالأسواق. وإنشاء هيئة لتقصي ملوثات الغذاء.
- تطوير شبكات الأمان الاجتماعي وتقديم مواد غذائية ذات جودة معقولة إلى الأسر الفقيرة وخاصة النساء والأطفال لاستهلاك ما يكفي من الطعام الصحي والمغذى.
- تطوير قطاع الإنتاج الحيواني.
- وضع تشريعات زراعية لقانون الزراعة بما يسمح باستصلاح أراضي جديدة وعدم التعدي على الأراضي الزراعية والاستغلال المستدام للأراضي الزراعية الجديدة وإعادة تأهيل التعاونيات الزراعية ومراكز الخدمات الإرشادية والتدريبية.
- تحرص الوزارة على التوسع في مشروعات التصنيع الزراعي والغذائي التي من شأنها رفع القيمة المضافة للمنتج الزراعي وتحسين عمليات التسويق.
- تطوير مشروع الري الحقلي بالأراضي القديمة في الوادي والدلتا والتي تمثل أكثر من 5 ملايين فدان لرفع كفاءة الري وتحسين جودة التربة.
ومن أبرز المشروعات التي تم تنفيذها في مجال استصلاح الأراضي وتحقيق الأمن الغذائي:
- استصلاح المليون ونصف المليون فدان، ومشروع الـ100 ألف صوبة زراعية، وتديره شركة تنمية الريف المصري، والذي يهدف إلى تكوين مجتمعات عمرانية زراعية متكاملة.
ويشمل المشروع 13 منطقة في 8 محافظات، تقع في صعيد مصر وسيناء، طبقا لحالة المناخ وتحليل التربة ودرجة ملوحة المياه هي، قنا، وأسوان، والمنيا، والوادي الجديد، ومطروح، وجنوب سيناء، والإسماعيلية، والجيزة، وتم اختيارها بعد دراسات متعمقة، بحيث تكون قريبة من المناطق الحضرية وخطوط الاتصال بين المحافظات وشبكة الطرق.
- المشاريع الاستصلاحية في سيناء: المشروع في شمال سيناء ينفذ على مساحة 400 ألف فدان المنفذ منها 56 فدانا بنسبة تنفيذ 14% حتى 2014، وأن عدم توافر المياه هو أكبر التحديات التي كانت تعوق تنفيذ مشروعات التوسع الأفقي للزراعة في سيناء، فتم الإنفاق على البنية التحتية وضخ استثمارات بالمليارات ترتب على ذلك ارتفاع نسب التنفيذ من 14% إلى 67%، وسوف يتم استخدام هذه الكمية في استكمال ري المساحات غير المنزرعة بمنطقتي شرق البحيرات وشرق السويس ليصل إجمالي المساحة المنزرعة إلى 50 ألف فدان والفائض من المياه سوف يوجه إلى مشروع التوسع في شمال ووسط سيناء.
- مشروعات الصوب الزراعية والتي أعطى الرئيس السيسي منذ توليه الحكم في 2014 وأطلق مبادرة إنشاء 100 ألف صوبة زراعية لإنتاج المحاصيل عالية الجودة والتي تساهم في صادرات مصرية الزراعية وتأمين غذاء المصريين بشكل صحي وآمن. كما تسهم الصوب في استهلاك ما بين 60 و70% فقط من كميات المياه التي تستهلكها الزراعات التقليدية المكشوفة، كما تنتج حاصلات زراعية عالية الجودة وفى غير موسمها الطبيعي، وتساعد على زيادة الإنتاج التكاملي من محاصيل الخضر والفاكهة في الأسواق.
يتضمن مشروع 100 صوبة زراعية عدة مراحل تتضمن المرحلة الأولى منه إنشاء 5 آلاف صوبة زراعية على مساحة 20 ألف فدان بمناطق الحمام وأبو سلطان والعاشر من رمضان وقرية الأمل بسيناء شرق الإسماعيلية.
- إنشاء مركز للزراعة التعاقدية: بعد إصدار الرئيس عبد الفتاح السيسي للقانون الخاص بها، تفعيلًا لما نص عليه الدستور المصري، بحيث يتم الإعلان عن أسعار المحاصيل الزراعية قبل زراعتها، وأيضا يضمن الفلاح المصري الحصول على عائد مجز من محصوله، وتقوم التعاونيات الزراعية بتسويق هذا المحصول ويحصل المزارع على مستحقاته، والحد من سلسلة الوسطاء. ومن المقرر أن تبدأ وزارة الزراعة هذا العام بتطبيق الزراعة التعاقدية على محاصيل (الفول – عباد الشمس – وجزء من القطن).
- إنشاء مزارع مشتركة: وبخاصة مع الدول الأفريقية بالإضافة إلى نقل التكنولوجيا والخبرات الزراعية المصرية إلى وفتح أسواق الدول الإفريقية أمام الصادرات الزراعية المصرية. وتم توقيع العقد التنفيذي لإنشاء مزرعة مشتركة مع دولة أوغندا وهي إحدى دول حوض النيل، وذلك على مساحة 500 هكتار في إقليم كاتونجا.
وتم توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء مزرعة مشتركة مع دولة زامبيا وهي إحدى دول جنوب شرق أفريقيا (الكوميسا)، وذلك على مساحة 1500 هكتار في مدينة كابوي لأنشطة إنتاج التقاوي والمحاصيل الحقلية وإنتاج الخضر من خلال الصوب الزراعية.
وختامًا، تعمل كافة المشروعات الزراعية والغذائية التي يتم إنشاؤها على سد الفجوة في السوق المحلى ما بين الإنتاج والاستيراد، توفير العملة الأجنبية لصالح الاقتصاد القومي للدولة، ويدعم ميزانية الدولة بالعملة الصعبة جراء تصدير الفائض من المنتجات الزراعية، ويساهم هذا المشروع في استقرار أسعار المنتجات الزراعية، ويفتح آفاقًا جديدة للشباب المصري وتوفير آلاف من فرص العمل المباشرة، ومئات الآلاف أخري غير مباشرة.
باحث أول بالمرصد المصري