
الاقتصاد الدولي
تأثير إغلاق قناة السويس على الاقتصاد العالمي
- جنحت السفينة Ever Given قرب المدخل الجنوبي لقناة السويس بعد حوالي 5 ميل بحري من مدخل خليج السويس، في يوم الثلاثاء 23 مارس 2021، مما أدى لتوقف الملاحة في القناة لستة أيام كاملة حتى يوم 29 من ذات الشهر.
- شكل جنوح السفينة التحدي ثاني أكبر الحوادث ضخامة في تاريخ القناة مُنذ افتتاحها في نوفمبر 1869، وذلك بعد حادث عام 1956 عقب تأميم القناة وبدء العدوان الثلاثي على مصر، حيث غرقت 48 مركبة بحرية من أنواع مُتعددة داخل مجرى القناة وخارجه في خليج السويس نتيجة للغزو، وهو ما أسفر عن توقف الملاحة لنجو عام كامل.
- تأتي ضخامة حادثة Ever Given من طولها البالغ 400 متر، وغاطسها الذي يبلغ 15.4متر، وحمولتها التي تبلغ نحو 200 ألف طُن، ومن جانب أبعاد القناة نفسها التي 313 متر كُلي، بينما أعمق مناطقها في الوسط يبلغ 123 متر عرض في عمق 24 مترًا، في حين تبلغ أقصى حمولة تتحملها القناة 240 ألف طُن، كما يوضح الشكل التالي:
- ورغم جسامة التحدي والمُدة القصيرة التي استغرقتها إدارة القناة في استعادة الملاحة، إلا إن الحادثة جاءت في وقت حرج للغاية للاقتصاد العالمي، مما أسفر عن ضغوط ضخمة للغاية عليها، نتناول بعضًا منها فيما يلي:
- النتائج الاقتصادية للإغلاق:
- تأثر حركة التجارة العالمية:
- أتى حادث توقف القناة في وقت قاتل بالنسبة للتجارة العالمية والاقتصاد الدولي بشكل عام، حيث كانت التجارة العالمية قد خرجت لتوها من احدى أصعب كبواتها على الإطلاق، وذلك بعد الموجة الأولى من جائحة كورونا، عندما انخفضت في شهر مايو 2020 إلى 15.1 تريليون دولار مما كانت عليه فبراير من ذات العام عند 17.6 تريليون دولار، وذلك قبل أن ترتفع في يناير من 2021 إلى 18.6 تريليون، كما يوضح الشكل التالي:
شكل 1 – يوضح تطور حجم التجارة العالمية شهريًا خلال الفترة 2015 : 2020

- سيؤدي الحادث إلى تراجع هذه المُعدلات وذلك بسبب نصيب القناة من حركة التجارة العالمية والذي يبلغ 12% من إجماليها، وهو ما سيكون له انعكاسات على مُعدلات النمو العالمية.
- اضطراب حركة الملاحة العالمية:
- أدى إغلاق القناة إلى انتظار ما إجماليه 321 سفينة على مدخلي القناة الشمالي والجنوبي، حيث استقبلت قناة السويس في المتوسط نحو 52 سفينة يوميًا في فبراير 2020 مُرتفعة من 48 في ذات الشهر خلال العام الماضي.
- يعني تراكم هذا العدد من السُفن تراكم حركة السُفن بين الشرق والغرب وخاصة في الطريق الثالثة شانجهاي – روتردام، سنغافورة – روتردام، راس تنورة – نيويورك التي تخدمها قناة السويس في الأساس ولا يوجد بديل عنها بتكلفة مُقاربة، حيث إن أقرب المُنافسين وهي قناة بنما تزيد في الطريقين بنحو 9 إلى 12 يوم في المتوسط عند السير بسرعة 15 عقدة كما يوضح الجدول التالي:

- تتوقف سُفن الطُرق الخمسة الموضحة في الجدول في عدة موانئ للتحميل والتفريغ الحاويات والبضائع، والحصول على الخدمات اللوجستية مثل إعادة التموين والحصول على الغذاء والمياه، قبل وبعد الدخول إلى القناة، وهو ما يعني أن هذه الموانئ كانت تتوقع وصول هذه السُفن المتوقفة في مواعيد قبل التي ستصل لها، الأمر الذي سيؤدي إلى ضغوط وتأخيرات ضخمة على هذه الموانئ، مما سيؤثر على حركة الملاحة العالمية بصفة عامة.
- ارتفاع أسعار السلع الأساسية:
- يعيش الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي ما يُعرف بالدورة الفائقة super Cycle والتي تعني ارتفاع كبير لفترات طويلة في أسعار السلع الأساسية وبخاصة الوقود والمواد الغذائية، حيث بأنها اتجاه صعودي مُستمر لأسعار السلع الأساسية خاصة الزراعية والمعدنية وسلع الطاقة لفترات طويلة تجاوز عدة سنوات.
- كان العالم قد شهد أخر هذه الدورات في عام 2009، مدفوعةً بالصعود الاقتصادي للصين وتحولها بشدة للتصنيع، مما حرك مُعدلات استهلاكها من جميع هذه السلع للزيادة بشكل مُفرط، مُحدثًا ضغوطًا قصوى على الطلب العالمي، مما أدى بالأسعار إلى الارتفاع، ولم تنته هذه الدورة إلى مع الأزمة المالية العالمية التي ضربت الاقتصاد العالمي في 2008، فكبحت جماح الطلب العالمي بشكل عام، ويوضح الشكل التالي الدورة الفائقة السابقة خلال الفترة من 2002 وحتى 2008:
شكل 2 – يوضح الدورة الفائقة الأخيرة في الاقتصاد العالمي خلال الفترة 2002 و2008

- تتشكل نفس الظاهرة في الوقت الحالي حيث استمرت مستويات الأسعار في الارتفاع بداية من شهر إبريل 2020 وحتى يناير 2021، لتتعافي بشكل شبه تام من آثار جائحة كورونا وخاصة على مُستوى أسعار الزراعية والمعدنية، والتي ارتفعت إلى مستويات أعلى من تلك التي كانت قد سجلتها قبل أن تضرب الجائحة، ويوضح الشكل التالي هذه التطورات:
شكل 3 – يوضح الدورة الفائقة الحالية قيد التشكل

- يتضح من الشكل اتجاه أسعار السلع المعدنية والغذائية للارتفاع بأعلى من مُستويات ديسمبر 2019، فيما لا زالت أسعار الطاقة في طريقها إلى تحقيق ذلك رُبما خلال شهر أو اثنين على الأكثر إذا استمرت بذات مُعدلات النمو التي أحرزتها خلال الفترة الماضية.
- سيساهم الحادث إذن في مزيد من رفع الأسعار مما سيُعجل بمزيد من الرفع في أسعار الطاقة والمواد الغذائية، نتيجة انخفاض العرض بسبب تعطل وصول البضائع إلى وجهاتها وفي ذات ارتفاع الطلب الناتج عن إجراءات اللقاح وإعادة فتح الاقتصاد.
- ارتفاع أسعار الحاويات:
- تشهد أسعار الحاويات العالمية ارتفاع في أسعار استئجارها بلغ خلال عام واحد نحو 300% للطُرق بين الشرق والغرب للحاويات بين الشرق الغرب كما يوضح الجدول التالي:
- يوضح الجدول ارتفاع خصوصًا على طريق شانجهاي روتردام الذي يمر بقناة السويس والتي كانت قناة السويس تمر فعلًا فيه.
- يوضح الجدول كذلك أن الأسعار كانت قد انخفضت خلال الأسبوع من 21 إلى 25 مارس، لكنها ستعود للارتفاع وبشدة على إثر تعطل عدد كبير منها فعلًا على جانبي القناة، حيث كانت تحمل نحو 18 ألف حاوية، هذا العدد قد يتضاعف مئة مرة على الأقل بالنظر إلى عدد حاملات الحاويات التي عُطلت على مدخلي القناة.
خلاصة القول أن الاقتصاد العالمي سيُعاني بشدة من الأيام الستة التي تعطلت خلالها القناة، ورغم أن الجوانب السلبية لهذا التوقف عديدة، إلا أنه من جانب آخر تظل هناك جوانب إيجابية لعل أهمها إدراك الرأي العام العالمي والمصري أهمية القناة، وكيف إن إداراتها شديدة الكفاءة لدرجة جعلت العالم لفترات طويلة للغاية لا يشعر أصلًا بوجودها خلال السنوات الماضية، ثم أنها أوضحت من جانب أخر أهمية العمل على ازدوجها بالكامل خاصة مع الاتجاه العالمي لزيادة حمولة السُفن وحجمها، مما يُهدد بمزيد من هذه الحوادث في المُستقبل.