سياسة

“وقاية وعلاج”.. “الجينوم”.. نقلة نوعية للحفاظ على صحة “المصريين”

يعد مشروع “الجينوم” المرجعي للمصريين وقدماء المصريين، الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي مطلع شهر مارس الجاري، واحدا من أضخم وأهم المشروعات الطبية، التي من شأنها إحداث نقلة نوعية في القطاع الصحي المصري، وجودة الحياة والصحة العامة للمصريين عبر استخدام أحدث التقنيات والتكنولوجيات المتاحة في تحديد الأساسيات والخواص الجينية للأمراض المُختلفة، مما يسهل من تشخيص وعلاج الأمراض الوراثية، وبعض الأمراض غير السارية الأكثر شيوعا في مصر مثل أمراض القلب وأورام السرطان.

الجينوم وتطوير قواعد البيانات الوراثية الوطنية

يمكن تعريف الجينوم على انه المحتوى الوراثي الذي يوجد داخل كل خلية من خلايا الكائنات الحية، ويتكون من الشفرة الوراثية التي تتضمن كافة المعلومات الضرورية حول كيفية قيام هذا الكائن (انسان، نبات، حيوان، الكائنات الدقيقة التي لا ترى بالعين المجردة مثل الفيروسات والبكتيريا) بوظائفه الحيوية وتقوم هذه الشفرة الوراثية بتشكيل خواصه الأساسية.

ويتألف جسم الانسان من ملايين الخلايا، والتي تمتلك كل منها مجموعة متكاملة من الجينوم، الذي يُعد قاموساً شاملاً لجسم الانسان. تكتب تلك المعلومات الوراثية داخل الجينات بشفرة كيميائية تسمى الحمض النووي الريبوزي منقوص الاكسجين (DNA).

يتضمن الجينوم البشري نحو 3.2 مليار حرف و 20 ألف جين. وكل فرد منا يمتلك “جينوم” فريداً خاصاً به، وتتكون هذه الجينات من ال (DNA)، الذي يتكون بدوره من خيوط طويلة ومقترنة من أسس نوكليوتيدية (وحدة أساسية في بناء الحمض النووي)، وهي عبارة عن أربعة أحرف يطلق عليها أدينين (A) وسيتوزين (C) وغوانين (G) وثايمين (T).

وتؤلف الخلايا المترابطة فيما بينها الأنسجة، والأنسجة المترابطة هي اساس تكوين الأعضاء، والأعضاء بمجموعها الكامل تُشكل الكائن الحي.

وتحدث الأمراض الوراثية بسبب التغييرات أو الطفرات التي تحدث في الحمض النووي، والتي تؤدي إلى ترجمة البروتينات بطريقة خاطئة؛ مما يتسبب في إحداث خلل في البروتين الناتج، وتحور في خصائصه الفيزيائية والكيميائية، وبالتالي تتغير وظيفة البروتين في الخلية، ويعتمد المرض الناتج وشدته على طبيعة ودور البروتين الذي تغيير، وفُقدت وظيفته داخل الخلية البشرية.

ويمتلك كل شعب من شعوب العالم، محتوى وراثيا وجينيا فريدا؛ بسبب تنوع البيئات المعيشية والعادات والسلوكيات المجتمعية لكل منهم.

ودفع هذا الاختلاف أن تقوم المراكز البحثية العالمية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، بدراسة البيانات الوراثية لمواطنيها؛ من أجل ايجاد أفضل البروتكولات العلاجية، التي تتوافق مع المحتوي الوراثي لشعوب تلك البلدان، أي لا تكون هذه العلاجات مناسبة مع مواطني البلدان الأخرى. فالتركيبة الجينية هي من تحدد مدى قابلية الشخص للإصابة بالأمراض المختلفة، ومدى استجابته للعلاج؛ فالدواء الواحد قد لا يتناسب مع الشخص بالقدر الذي يتناسب به مع أشخاص آخرين، بمعنى آخر قد يُسبب الدواء للشخص آثاراً جانبيةً خطيرة، بينما قد لا يحدث ذلك مع الاخرين.

وكانت نقطة البداية لدراسة الجينات البشرية في عام 1988، حينما انشئت منظمة الجينوم البشري (Human Genome Organization) في الولايات المتحدة الامريكية، وهدفت هذه المنظمة الدولية الي حل شفرة كامل الجينوم البشري. فيما تم فك شفرة اول كروموسوم بشري (الكروموسوم رقم 22) في مركز سانجر بمقاطعة كامبريج في المملكة المتحدة، في ديسمبر من عام 1999. وحتي الان، تستند غالبية الدراسات الجينية، على أفراد أوروبيين بسبب عدم وجود الجينوم المرجعي لعدد 250 مليون فرد في شمال أفريقيا، ومن هنا ظهرت الحاجة الي ضرورة تطوير قاعدة بيانات وراثية وطنية.

مشروع الجينوم المرجعي المصري

يُعد تأسيس مشروع الجينوم البشري المرجعي للمصريين، خطوة  مهمة في سبيل توفير قاعدة معرفية شاملة حول الجينوم المصري، يمكن من خلالها دراسة الجينوميات الشخصية والجينات المصرية الشائعة وتأثيرها على الأساس الجزيئي للأمراض الوراثية، وبالتالي امكانية مواجهة تلك الامراض وتطوير سبل الطب الدقيق وتأصيل مفهوم الطب الشخصي في مصر.

جاء الاعلان الأول عن هذا المشروع، في السادس من اكتوبر من عام 2020، حينما أعلنت اكاديمية البحث العلمي عن خطة مشروع الجينوم المرجعي للمصريين وقدماء المصريين والمركز المصري للجينوم.

وتضمنت الخطة ثلاثة محاور؛ الأول بناء جينوم مرجعي مصري يحمل المتغيرات الجينية الطبيعية والأكثر شيوعًا بين المصريين، والثاني دراسة جينوم المصريين القدماء، والثالث يكمن في البحث عن التغيرات الجينية المرتبطة بالأمراض الشائعة لدى الشعب المصري. وهدفت الأكاديمية إلى ان يُسهم هذا المشروع في رسم خريطة مرجعية للمصريين، من أجل تعيين أبرز العوامل الجينية التي تؤثر في الاستجابة للعلاجات والأمراض المختلفة؛ وبالتالي تحديد بروتكول علاجي أفضل للمصريين.

وبعد خمسة أشهر من دراسة الخطة، أعطى الرئيس السيسي اشارة البدء في هذا المشروع نظراً لأهميته البالغة، على أن يتم بالتعاون بين أكاديمية البحث العلمي ووزارات الدفاع والصحة والاتصالات وأكثر من 15 جامعة ومركزاً بحثياً ومؤسسة مجتمع مدني، بميزانية قدرها ملياري جنيه من أجل دراسة المحتوى الجيني لألاف المتطوعين المصريين.

وستتولى أكاديمية البحث العلمي تنسيق المشروع، مع تشكيل مجلس إداري يتكون من ممثلي عدة مؤسسات وطنية وعلمية، وستنبثق منه لجنة علمية لوضع الخطة التنفيذية ومتابعتها، ولجنة لوضع المعايير الأخلاقية وقواعد خصوصيات المعلومات، فيما سيتم إنشاء المعمل المركزي للمشروع ومقره الأساسي داخل “مركز البحوث الطبية والطب التجديدي” التابع لوزارة الدفاع.

وسيكون المركز هو المشرف على التنسيق بين المجموعات البحثية المشاركة، والمكونة من عدة جامعات ومؤسسات علمية مصرية، وذلك بموجب اتفاقية تعاون ثلاثي بين أكاديمية البحث العلمي ومركز الطب التجديدي والجهات المنفذة للمشروع، ومن المتوقع ان يتم الانتهاء من تنفيذ هذا المشروع بحلول عام 2025.

العائدات المتوقعة من هذا المشروع

سيتيح مشروع الجينوم البشري المصري امكانية تحديد الطفرات في الجينات من خلال مقارنة المادة الوراثية للمرضى مع الجينوم المرجعي، وتعتبر هذه الخطوة هي الأساس الذي يعتمد عليه علم الطب الشخصي Personalized medicine، والذي يُعرف بأنه تصميم العلاج وأساليب الوقاية من الأمراض لكل فرد، بناءً على تركيبته الفريدة من المادة الوراثية.

كما يستطيع العلماء ادخال تغييرات مهمة في القطاع الطبي مثل تقليل الوقت اللازم للتشخيص، وزيادة دقة وكفاءة التشخيص، مع الاستفادة من هذه المعلومات الوراثية وإضافتها إلى قواعد البيانات، لتصبح مرجعاً شاملاً خاصاً بالمحتوى الوراثي في المجتمع المصري.

كما يُعتبر هذا المشروع بمثابة فرصة لتدريب صغار الباحثين في مجال المعلوماتية الحيوية، حيث انه من المخطط ان يتضمن المشروع عدة مجموعات بحثية، منها مجموعة لبناء الجينوم المرجعي المصري، ومجموعة لدراسة جينوم قدماء المصريين، ومجموعة لدراسة الجينوم الوظيفي؛ أي الجينات الفعالة في الامراض المختلفة، واخيراً، مجموعة المعلوماتية الحيوية التي ستستخدم أدوات برمجية من اجل تحليل البيانات الجينية الناتجة عن سائر المجموعات البحثية؛ مما يستلزم الاستعانة بموارد وقدرات وتقنيات حاسوبية عالية الجودة وذات سعة تخزين عالية، ونظام سيبراني امني قوي لحماية وتأمين البيانات.

المصادر

إطلاق أول مرجع مصري للجينوم البشري – للعِلم (scientificamerican.com)

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى