السودان

النزاع الحدودي السوداني الإثيوبي بين الوساطة والتصعيد

يتزامن الحديث السوداني الإثيوبي عن الترحيب بالمفاوضات والوساطة الدولية والإقليمية وعدم الخوض في الحرب، مع مناوشات حدودية من الجانب الإثيوبي وتصريحات نارية من أعضاء مجلس السيادة من جهة أخرى، هذا إلى جانب التصعيد الدبلوماسي لتوصيل القضية الحدودية إلى الوساطة الدولية، لكن يعرقل قبول تلك المفاوضات المعلنة من قبل الطرفين التعنت الإثيوبي بالتمسك بالأراضي التي سيطرت عليها ميلشيات الشفتة بالسابق من ناحية والحشد العسكري على الحدود والعمليات ضد القوات السودانية في المنطقة الحدودية، وآخرها حادثة جبل أبو طيور، والتمسك السوداني بحقه في استعادة الأراضي الحدودية المنصوص عليها في اتفاقية أديس أبابا 1902، والتي استطاعت القوات السودانية استعادة 90% منها باستثناء 3 مناطق يدخل السودان المفاوضات بشأنها. وفي ظل تمسك الطرفين بموقفهما التفاوضي والتصريحات المتبادلة هل ستنجح الوساطة الإقليمية والدولية في حلحلة هذا النزاع؟

الدبلوماسية السودانية والتصريحات الإعلامية

تلقى رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان رسالة من رئيس جنوب السودان سيلفاكير ميارديت عن طريق المستشار الأمني لرئيس جنوب السودان توت قلواك، خلال زيارته الرسمية إلى الخرطوم، “تتعلق بجهود جوبا لإنهاء التوتر الحدودي بين السودان وإثيوبيا”، وذلك في أعقاب إعلان جوبا في 14 يناير استعدادها للتوسط بين البلدين، وتتضمن الرسالة سعي رئيس جنوب السودان سلفاكير لعقد لقاء مرتقب بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في العاصمة جوبا، والتي لم تورد أنباء عن قبول آبي أحمد هذه الدعوة.  

وتواجه مساعي جوبا لحلحة الصراع عدة معوقات متمثلة في تمسك إثيوبيا بشرط عودة الجيش السوداني، وإصرار الجانب الأخير على وضع العلامات الحدودية المعترف بها دوليًا.

ورحب مجلس شركاء الفترة الانتقالية السوداني المشكل بقرار رئيس مجلس السيادة ديسمبر 2020 بالوساطة الإقليمية والدولية، دون تسمية من هم الوسطاء، وهو ما أكدته وزيرة الخارجية والمتحدثة الرسمية باسم مجلس الأمن والدفاع، مريم الصادق المهدي، في تصريح صحفي، وأشارت إلى أن الحرب غير مرحب بها ولا فائدة منها، وأن السودان راغب في السلام والتنمية والجلوس مع الجانب الإثيوبي، وذلك بعد وضع العلامات الحدودية على الأرض، مؤكدة أن ذلك هو الموقف الذي يتبناه الشعب السوداني بكافة أطيافه.

وهو ما تزامن مع زيارة وفد سوداني إلى المملكة العربية السعودية نظرًا لتأثير الدولتين على أمن البحر الأحمر، وكذلك كانت المملكة قد تدخلت مسبقًا في حل النزاع بين إثيوبيا وإريتريا والذي أعقبه اتفاقية سلام لم تنفذ بعد بين الجانبين؛ لمناقشة الخلاف على الحدود بصورة توضح الموقف السوداني والدعوة للسلام وإظهار عدم الرغبة في التصعيد في محاولة لكل طرف أن يثبت رغبته في التفاوض بعكس الوضع الفعلي على الأرض.

وقالت وكالة السودان للأنباء (سونا)، إن الوفد يترأسه المتحدث باسم مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، والفريق أول ركن جمال عبد المجيد مدير جهاز المخابرات العامة، ونصر الدين مفرح وزير الشؤون الدينية والأوقاف، ناقشا خلال الزيارة مع وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، أزمة الحدود مع إثيوبيا، مؤكدًا أحقية بلاده في بسط سيادتها على كامل أراضيها، مشددًا على أن السودان وإثيوبيا تربطهما علاقات أزلية، وأن الخرطوم حريصة على هذه العلاقات، وعقب الزيارة بيوم، أعلن مجلس السيادة السوداني أنه طلب دعمًا سياسيًا من السعودية، لإسناد جهود وضع العلامات على الحدود بين السودان وإثيوبيا.

وفي الوقت الذي تحظى العلاقات السعودية الإثيوبية بمكانة اقتصادية جيدة تحظى كذلك العلاقات السودانية السعودية بأهمية كبرى؛ فقد شارك السودان في عملية “عاصفة الحزم” التي أطلقتها السعودية باليمن عام 2015، في حين تحظى القيادة السودانية الحالية بدعم سعودي سياسي واقتصادي، فنجد أن السعودية تحضر في ملفات الوساطة القائمة على النزاعات المسلحة بين دول القرن الأفريقي، لكن تفتقد هذه الوساطات للمراقبة الفعلية للتنفيذ على الارض، كما هو الحال في اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا عام 2018، وكذلك التدخلات لإحداث السلام بين الحكومة السودانية ومتمردي دارفور وذلك بجانب جنوب السودان الراعي الأول للاتفاق. 

وأعقبت تلك الزيارة قيام وفد رفيع المستوى بقيادة محمد حمدان دقلو حميدتي بزيارة إلى الدوحة عقب المصالحة مع قطر لإحداث تطور نوعي في الموقف القطري من ملف النزاع الحدودي بين إثيوبيا والسودان.

وعلى الصعيد الدولي، كانت السودان قد اتخذت عدة إجراءات دبلوماسية جديدة تجاه أوروبا والولايات المتحدة من خلال اللقاءات الداخلية مع سفراء إيطاليا والولايات المتحدة في الخرطوم ووزير الخارجية البريطاني دومنيك راب، وهو الوسيط الأكثر تأثيرًا وتأييدًا للموقف السوداني للحدود حيث أكد على حرص بلاده على حل النزاع الحدودي المحتدم بين السودان وإثيوبيا، مشددًا على تمسك بلاده بكامل أراضيها المحددة في خرائط ووثائق اتفاق 1902 والتي تمت برعاية المملكة البريطانية. 

واستمرارًا للموقف الأوروبي الداعي لحاجة النزاع لمزيد من الضغط الأوروبي على الأوضاع الحدودية، وذلك لأن القرن الأفريقي ذو أهمية جيوسياسية للاتحاد الأوروبي لموقعه الهام على البحر الأحمر، وبوصفه مصدر عبور اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي، فقد جاءت زيارة المبعوث الأوروبي الخاص ووزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو كتأكيد لوعد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي،جوزيب بوريل، على إرساله إلى المنطقة للتوصل لحلول سلمية وتشجيع التكتل الأوروبي على تعزيز الاستقرار على الحدود بين السودان وإثيوبيا.

وجاءت الزيارة كمساعدة على تخفيف التوترات بين السودان وإثيوبيا، والوصول إلى سبل دعم المجتمع الدولي للحلول السلمية للأزمة الحالية التي تواجه المنطقة، وسط تأكيد رئيس الوزراء السوداني عب دالله حمدوك لمبعوث الأمم المتحدة أن الخرطوم ليس لديها نية لخوض الحرب بسبب الخلاف الحدودي.

ويبدو أن الإدارة الأمريكية كذلك برئاسة جو بايدن قد أولت اهتمامًا للمنطقة والتي تحاول جاهدة التحول من السياسة الخارجية المنغلقة القائمة على “أمريكا أولًا” إلى سياسة أكثر انفتاحًا، فظهرت في تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن حول الوضع غير الإنساني في إثيوبيا الناتجة من الحرب على قومية التيجراي وأن خط النزاع السوداني الإثيوبي الحدودي قد يهدد الآن بالتصعيد عسكريًا، قام السفير أندرو يونج نائب قائد القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا “أفريكوم” بزيارة إلى السودان. 

هل ستنجح الوساطة في ظل التصعيد الحدودي بين البلدين؟

جاءت الوساطة الإقليمية والدولية وسط ترحيب سوداني وخطوات دبلوماسية، والتي أولت الأطراف الخارجية اهتمامًا بالمنطقة لموقعها الجيوسياسي بالنسبة للأطراف الداعية لحل النزاع، لكن هذه الجولات من المفاوضات قد يقابلها مجموعة من المعوقات تقلل من فرص نجاحها. 

على الصعيد الداخلي لإثيوبيا، تحاول حكومة آبي أحمد الحصول على التأييد الداخلي من خلال إضفاء طابع قومي على القضية الحدودية، وعدّها نزاعًا قوميًا، فيما يصب النزاع في صالح قومية الأمهرة الداعم الأوحد لحكومة آبي في حربها ضد التيجراي، والتي استغلت هجوم التيجراي للسيطرة على اراضي تابعة لقومية التيجراي من خلال تغيير العلامات الحدودية، وذلك للطبيعة الإثيوبية التي تتحد في ظل ابتكار عدو خارجي يلتف الشعب الإثيوبي ضده. 

وبالتالي يمثل تمسك الموقف الرسمي الإثيوبي بعدم الاعتراف باتفاقية 1902، ووسمها بالاستعمارية والإصرار على اتفاقية 1972 لإعادة ترسيم الحدود، والتمسك بعودة القوات السودانية ورسم الموقف السوداني بأنه استغل الوضع الداخلي المتأزم والانشغال في الحرب ضد التيجراي للتقدم في الأرض الحدودية بمثابة تعنت إثيوبي جديد ومراوغة جديدة لن تحل النزاع بالمفاوضات، بل ظهرت في تحشيد القوات الإثيوبية على الحدود إلى جانب المناوشات الحدودية التي ترتكبها القوات الإثيوبية ضد القوات السودانية على الحدود، ودعمها لجماعة الشفتة الإثيوبية المسيطرة على الأراضي الزراعية السودانية الخصبة في ولاية القضارف وخاصة منطقة الفشقة. وهو ما يعمق النزاع ويزيد من تعقيد الموقف الإثيوبي التي لن تستطيع خسارة الداعم الأوحد المسيطر وخسارة قضية قومية جديدة يلتف حولها الشعب الإثيوبي. 

ولكن التدخل الإقليمي والأوروبي والأمريكي قد يسهم في حلحلة الموقف نوعًا ما، إذا استطاعت الوقوف على منطقة وسط بين مطالب الطرفين واستغلال الوضع غير الإنساني في التيجراي، من خلال اللعب بورقة المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي إلى إثيوبيا، والتي لم تسهم بشكل مباشر في وقف نزاع التيجراي، بل انتهكت القوات الفيدرالية حقوق الغنسان في الإقليم والتي يوجه لها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة أهمية قصوى.

وبالتالي يرى بعض المحللين أن وقف المساعدات قد يزيد من الأزمة الإنسانية، ومن ثم فإن الضغط الأوروبي لم يثمر عن جديد بغير رغبة فعلية للتغيير وإحداث تغيير نوعي في سبل الحكم الداخلي الإثيوبي، والتأكيد على الحكم الفيدرالي القائم على التوزيع العادل للموارد وليس الفيدرالية الطائفية القائمة على الإثنية المعقدة. 

وعلى الجانب السوداني، فبالرغم من الترحيب بالوساطة الإقليمية والدولية والتحركات الدبلوماسية لتوضيح الموقف السوداني، فإن الأوضاع الداخلية المتأزمة الاقتصادية والأمنية والسياسية تمثل تحديات أمام محاولة السودان استعادة دوره التأثيري والسيطرة على ملفات النزاع والتعديلات الحكومية في الداخل السوداني عبر إشراك بعض الوجوه الجديدة لامتصاص الاحتجاجات الداخلية.

 ولذا، فقد يكون النجاح في السيطرة على الحدود وترسيم الأراضي الحدودية قد يصب في صالح الاقتصاد السوداني المهتز من ناحية، واكتساب البعد الإقليمي من ناحية أخرى، مما قد يعقد المشهد من خلال التمسك بالحقوق التاريخية للسودان على الأراضي الحدودية، والتي يدعمها الموقف الخارجي للدول التي تقابلها السودان، وهو ما ظهر في تصريحات عضو مجلس السيادة السوداني عن أن التواجد الاثيوبي في الأراضي السودانية كالاستيطان الإسرائيلي مطالبًا بوضع نقاط حدودية.

فيما تدخل إثيوبيا المفاوضات مطالبة بعودة القوات السودانية للنقاط ما قبل استعادة الأراضي السودانية في ولاية القضارف وخاصة الشفقة الكبرى والصغرى، وأن ما ينقص إثيوبيا هو الشجاعة فقط لإعلان الحرب في ظل استمرار اعتداءاتها وحشد قواتها على الحدود، وأن القوات السودانية لن تتراجع عن شبر من الأراضي التي استعادتها والتي بلغت 90% من أراضيه، وأشار إلى أنه تبقت فقط حوالي 3 نقاط وأن النقطة المتبقية بالفشقة السودانية هي مستوطنة “قطران”، يأمل السودان بأن تحل بالتفاوض وألا يضطر لنزعها بالحرب.

وبالتالي فإن هناك تمسك سوداني بالموقف التفاوضي في ظل الأمر الواقع الذي يضمن الحق التاريخي للسودان في استعادة أراضيه التي كانت تحت السيطرة الإثيوبية، وتشكك أديس أبابا في الحدود المعترف بها دوليًا بين السودان وإثيوبيا وفقًا لخط الميجور قوين عام 1902. وعلى الطرف الآخر تتواصل التعديلات الإثيوبية التي كانت تحركها في السابق أطماع تاريخية لقومية الأمهرا. ومن ثم فإن المشهد الحالي يعقد عملية التفاوض، في ظل رغبة إثيوبية في إعادة ترسيم الحدود، ورغبة سودانية في وضع العلامات الحدودية وفقًا لاتفاقية 1902 والتفاوض على الاعتراف بسيطرة السودان على أراضيه.

الوضع ميدانيًا

شهدت المنطقة الحدودية بين البلدين اضطرابات موسمية مع موسم الحصاد بين عمليات الخطف والهجوم المسلح من عصابات الشفتة المدعومة من الحكومة الفيدرالية الإثيوبية على المزارعين السودانيين في منطقة الفشقة، إلا أنه مع أزمة هجوم حكومة آبي أحمد على إقليم التيجراي وسوء الأوضاع الإنسانية ونزوح ما يقرب من 60 ألف نازح إلى جانب النازحين من المخيمات الإريترية، وهروبهما على الحدود الإثيوبية قد زاد من وجود القوات السودانية.

ومع الهجوم المتزايد من القوات الإثيوبية على القوات السودانية وعمليات الخطف والهجوم على الكمين، قد ساهم في دعوة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بالقدرة على استعادة الأراضي السودانية المحتلة من القوات الإثيوبية بحسب تصريحات مجلس السيادة منذ نوفمبر 2020، وسط تأكيد بأنه جاء بالاتفاق مع آبي أحمد، وسط رفض إثيوبي وهو ما اعتبرته أديس أبابا محاولة لاستغلال نزاعها الداخلي في إقليم التيجراي.

وشهد الوضع الداخلي تصعيدًا بين الجانبين عقب الهجوم على القوات السودانية في منطقة جبل أبو طير من القوات الإثيوبية بقذائف هاون، وسط تحشيد للقوات الإثيوبية على الحدود عقب استعادة السودان من 90% من أراضيها، إلا أن الجانبين السوداني والإثيوبي يتجنبان استخدام كلمة النزاع في هذا الأمر، والتأكيد على عدم الخوض في الحرب واستخدام عبارات مناوشات وسط اتهامات متبادلة واعتماد كل طرف على فعل الآخر تجنبًا لخطر أكبر وهو الدخول في حرب مباشرة، في الوقت الذي تحدثت فيه تقارير إعلامية عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، في أحدث اشتباكات عند الشريط الحدودي بين البلدين، في وقت لم يصدر فيه أي بيان رسمي ينفي أو يؤكد تلك التقارير.

ويشهد الوضع الحدودي تكوينًا قبليًا قد يقف ضد تثبيت الحدود وترسيمها، وسط مصالح التكوينات الأخرى، والتي تتمثل في الانتماء القبلي والسيطرة الأمهرية على الأراضي الخصبة والرغبة الفعلية في توفير حرية التحرك. 

هذا وقد أنهى عضو مجلس السيادة السودانى، الفريق ياسر العطا، زيارته مؤخرًا للحدود مع إثيوبيا عقب الاشتباكات التي حدثت في المنطقة فقد رصد الجيش السوداني تحركات للقوات الإثيوبية على الحدود بين البلدين، وفي المقابل تستعد القوات السودانية لصد هجوم من القوات الإثيوبية على حدود البلدين، حيث تفقد خلالها الخطوط الأمامية للجيش، مؤكدًا خلال كلمة ألقاها أمام الجنود والضباط المنتشرين هناك أن القوات المسلحة ستظل عينًا ساهرة لحماية حدود السودان وصون ترابه، وأكد أن الأراضي السودانية التي استعادتها القوات المسلحة هي أمانة يجب توارثها للأجيال القادمة لتحمل المسؤولية في المحافظة عليها، وأكد أن الاتحاد الأفريقي قد حصل على جميع المستندات والوثائق وفقًا لاتفاقية 1902 واعتمدها لتصبح بذلك هي الحدود المعتمدة بين الدول الأفريقية، وأن الوضع على الحدود بدأ من منطقة خور الرويان وحتى الليمي لتمتد شمالا إلى حدود السودان مع أرتيريا وجنوبا لتشمل حدود أثيوبيا مع كينيا.

وكذلك، تم تشكيل لجنة شعبية سودانية تشكيلها لإسناد القوات المسلحة مهمة تعمير الفشقة الصغرى والكبرى، مشيرًا في ذلك إلى المساهمات الكبيرة من القطاعات الاقتصادية والشركات العسكرية، مؤكدًا عزم الحكومة على بناء الطرق والجسور وتشييد المدارس والمراكز الصحية في جميع القرى على الحدود.

يتضح لنا أن النزاع الحدودي بين البلدين تحول من المناوشات من جماعة الشفتة التي كانت تستخدمها الحكومة الفيدرالية الإثيوبية لإحداث اضطرابات والسيطرة على الأراضي السودانية، إلى نزاع حدودي واضح بين القوات المسلحة للبلدين لارتفاع وتيرة التأثيرات السياسية والتحولات الداخلية لكل من البلدين، في خطوات تصعيدية على أرض الواقع ولكن يقابلها دعوة الطرفين المعلنة للتفاوض.

في حين يسهم التمسك بالموقف التفاوضي القائم على تحقيق المصالح الداخلية للطرفين قد يسهم من تعقيد المشهد، وعلى الرغم من دخول قوى دولية فاعلة ذات تأثير في المشهد الحالي إلا أن الواقع الفعلي والتصريحات المتعنتة للطرفين قد تزيد من تشابك الأوضاع على الحدود المشتركة بين البلدين والتي تصل إلى 265 كيلومترًا والمطلة من جهة السودان على 4 ولايات هي القضارف وكسلا والنيل الأزرق وسنار، ومن جهة إثيوبيا على إقليمي التيجراي والأمهرا، إلا أن الموقف السوداني الذي يبدو أنه مدعوم من الخارج في ظل الحق التاريخي، والضغط الدولية على الجانب الإثيوبي باستخدام الوضع في التيجراي كورقة ضغط؛ قد يسهم في تمسكه بالأراضي التي استعادها، وأن التفاوض سيكون في المناطق التي لم تستعيدها القوات السودانية بعد، وهو ما لم يقبل به الجانب الإثيوبي، هذا إلى جانب صعوبة قبول المزارعين الإثيوبيين للواقع الفعلي، فحتى مع إعادة وضع العلامات والتوصل لاتفاق ستستمر المناوشات بين الطرفين لعدم التقبل القبلي لمفهوم الحد من الحركة والحرمان من المصادر الاقتصادية وخاصة لقومية الأمهرا المستفيد الأكبر من الوضع قبل استعادة السودان أراضيها، وهو ما شهدناه في عدم قدرة اللجنة المشكلة لترسيم الحدود على القيام بعملها، وربما سيحلها التكامل الاقتصادي عقب التوصل لاتفاق بين الطرفين.

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى