سياسة

المعارضة الجديدة في مجلس النواب المصري.. الديمقراطية بدون خطوط حمراء

بدأت معالم التجربة الديمقراطية المصرية الجديدة في الظهور والاتضاح مع بدء انعقاد جلسات مجلس النواب المصري وظهور صوت معارض وناقد لأداء وزراء في حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، في وجود إدارة قوية ومتزنة للجلسات قادها المستشار حنفي جبالي رئيس مجلس النواب بهدوء واقتدار؛ إذ أعطى مساحات معتبرة لكل الأصوات المعارضة التي وصلت للبرلمان، ودون خطوط حمراء.

وكانت أبرز المشاهد الإيجابية في مجلس النواب الحالي عن مجلس 2016 هي عودة البث المباشر للجلسات، وهو ما سهل التعرف على النواب الجدد وإمكانية قياس أدائهم وقدرتهم على استخدام الأدوات البرلمانية المختلفة، وهو ما أظهر الدور الرقابي على الحكومة الغائب عن البرلمان السابق، وأعاد الحيوية للعمل البرلماني والسياسي بشكل عام.

أبرز المفاجآت التي شهدها البرلمان هي احتلال نواب تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين مقاعد يسار المنصة وهو مكان المعارضة التاريخي داخل مجلس النواب المصري، وكان ذلك إشارة افتتاحية بالغة الدلالة على أن هؤلاء الشباب لديهم ما يقولونه تحت قبة البرلمان، وهو ما ظهر خلال نقاشاتهم مع الوزراء المختلفين، والتي تحولت إلى ما يشبه المحاكمة السياسية لأداء هؤلاء الوزراء، وتعبيرًا عن رأي الشارع في أدائهم.

والحقيقة انهم قدموا تجربة معارضة مختلفة مبنية على النقد الموضوعي المؤسس على معلومات والاستماع لآراء الناس وشكاويهم، وهو ما يمثل الشكل المثالي لفكرة المعارضة البنّاءة التي تبحث عن الصالح العام وليس عن مصالح لرأس المال أو جماعات الضغط السياسي أو التي يتم توجيهها من خارج مصر لتنفيذ مصالح قوى إقليمية أو دولية، وهي النكبة التي عطلت لسنوات طويلة ظهور معارضة وطنية حقيقة.

تحرر نواب التنسيقية القادمون من أحزاب عن قيود أحزابهم، وتحركوا فرادى دون التعبير عن تكتلات بعينها، وهو ما أضفى حيوية كبيرة على ممارستهم البرلمانية، وانعكس ذلك على درجه التفاعل الكبير مع المقاطع التي بثتها صفحات التنسيقية على مواقع التواصل الاجتماعي لكلمات نوابها، وأظهر زخمًا شعبيًا مؤيدًا للنهج السياسي الذي تقدمه التنسيقية.

كان الرهان في هذه التجربة على شباب السياسيين من الأحزاب أو من خارجها، وأن تمكينهم من عضوية مجلس النواب سيثقلهم سياسيًا بشكل سريع وسليم، ويعطيهم خبرات برلمانية معتبرة من خلال الاحتكاك العملي مع الحياة البرلمانية وأدواتها الرقابية. وكان من الملاحظ حتى اللحظة إن حركتهم داخل البرلمان جاءت على عكس المتوقع، فهي تتم دون تنسيق بينهم في القضايا المطروحة، وكل منهم يعبر عن رأيه الفردي وما يملكه من معلومات عن أداء الوزارات المختلفة.

اختار نواب التنسيقية إن ينحازوا طواعية لصوت المواطن غير الراضي عما يراه في كثير من القطاعات مثل الصحة والتعليم والثقافة والأوقاف والصناعة ووزارة الدولة للإعلام، وأن يستغلوا تمكينهم السياسي وعضوية البرلمان في أن يدشنوا لتجربة سياسية جديدة يكون عمادها الشباب. وهو ما لاقى قبولًا كبيرًا وترحيبًا في الشارع السياسي، وأعطى قوة وزخمًا سياسيًا للعمل السياسي الشبابي، وأكد أن الرهان المصري على الشباب لتحديث الحياة السياسية وبناء معارضة وطنية قوية كان صائبًا.

أما على مستوى أحزاب المعارضة التقليدية فقد تطور أداء حزب التجمع ممثل اليسار التقليدي والذي أعطى زخمًا كبيرًا بالتصدي لقضايا العمال والتصدي لتصفية مصانع القطاع العام وأزمات القطاع الصحي وشهداء القطاع خلال جائحة كورونا، ومشاكل التعليم ومرتبات المعلمين وشكاوى القمامة، وهو ما عكس وجود رغبة من الحزب في استعادة دوره السياسي التقليدي والذي حاولت أحزاب أخرى جديدة منافستهم فيه.

وعلى عكس المتوقع ظهر حزب الأغلبية مستقبل وطن في موقع المعارضة وليس الموالاة للحكومة في عدد من الملفات، وهو ما اثأر انطباعًا بأننا أيضا لسنا أمام موالاة تقليدية مهمتها الدفاع عن الحكومة، وأكد أن الحزب يسعى لتوسيع دائرة شعبيته بتقديم أداء برلماني وسياسي مختلف عن الانطباع التاريخي لأحزاب الموالاة داخل البرلمان.

أما عن أداء المستقلين فقد جاء متوازنًا في طرح أفكاره، مع اختفاء فكره “نائب الشو” الذي يريد جذب الانتباه دون تقديم أداء برلماني حقيقي يعتمد على حقيقة ما يطرحه النائب من تساؤلات وردود على الوزراء.

وكذلك، بدأ البرلمان في التفاعل مع الملفات الخارجية وخاصة لجنة حقوق الإنسان التي تفاعلت بشكل إيجابي ضد تسييس ملف حقق الإنسان في مصر، وقامت بإصدار بيانات منها ما تم توجيهه للكونجرس الأمريكي لكشف استخدام جماعة الإخوان الإرهابية للكونجرس الأمريكي للضغط على مصر عبر نواب في الكونجرس عليهم المئات من علامات الاستفهام مثل توم مالينوفسكي الذي يسعى لتشكيل مجموعة للتدخل في الشئون الداخلية لمصر.

وقامت اللجنة بتحذير الكونجرس الأمريكي من أن ذلك العمل يعد مخالفة واضحة لميثاق الأمم المتحدة، الذي لا يعطي لأية دولة الحق في أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر، في الشؤون الداخلية والخارجية لأي دولة أخرى.

وأشارت اللجنة إلى خطورة تمكن الجماعة الإسلامية العنيفة في مصر من مخادعة الرأي العام وصناع القرار الأمريكيين من خلال التظاهر بأنهم مجموعة من النشطاء السياسيين أو العاملين في المجتمع المدني للترويج لأجندتهم التكفيرية، مؤكده أن هذا العمل سيضر أيضًا بالأمن القومي للولايات المتحدة “كما ستؤثر على استقرار وأمن مصر والدول العربية الأخرى التي صنفت الجماعة على أنها منظمة إرهابية. ​

وعلى جانب آخر، بدأت اللجنة في الانفتاح والتعاون بشكل موسع مع منظمات المجتمع المدني العاملة في مصر لبحث التعاون والعمل المشترك؛ إذ تم اللقاء بين أعضاء لجنة حقوق الإنسان والمنظمة العربية لحقوق الإنسان؛ لتبادل الرأي حول المشكلات والقضايا والموضوعات التي تدخل في نطاق عمل اللجنة وتتعلق بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى لقاء ممثلي المنظمات الحقوقية الدولية العاملة في مصر.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى