القضية الفلسطينية

رقابة “المنصات الرقمية” على دعم “القضية الفلسطينية”.. “اعتداء منهجي على قيم حقوق الإنسان”

اهتمت الشرعية الدولية لحقوق الإنسان بمواجهة حالات “تقييد” الحكومات، حق “الوصول للمعلومة” لكنها لم تبذل ذات الجهد في مراقبة أداء الشركات المشغلة لمواقع التواصل الاجتماعي، واكتفت بوضع عدد من المبادئ الهادفة إلى حياد تلك الشركات لتضمن اسهامها في الحفاظ على الحق في المعرفة عبر المنصات الرقمية، لكن دون التزام يضمن اتخاذ إجراءات عقابية حال تخليها عن ذلك الحياد.

وجاءت أحداث فلسطين الأخيرة لتكشف الوجه الآخر لتلك المنصات بانحيازها الكامل لإسرائيل وممارستها للرقابة على ما ينشره النشطاء الفلسطينيون عن اعتداءات إسرائيل ضد الفلسطينيين بالضفة أو غزة على خلفية رفض سكان حي “الشيخ جراح” بمدينة القدس، إجراءات تهجيرهم القسرية من منازلهم ضمن محاولات “تهويد” المدينة.

وشن موقع (فيس بوك) حملة ضد صفحات الناشطين والصحفيين الفلسطينيين التي لديها آلاف المتابعين شملت حذف حسابات ومنشورات وحظر عشوائي دون سابق إنذار، ومارس نوعا من الرقابة على ما تنشره تلك الحسابات دعما للقضية الفلسطينية وكشفا لجرائم الاحتلال كما أغلقت حسابات عدد من الصحفيين الفلسطينيين على تطبيق “واتس اب” المملوك لـ(فيس بوك) أيضا.

فيما حذف تطبيق “إنستجرام” المملوك لشركة “فيس بوك”، لعدد من الصحفيين والمشاهير الفلسطينيين والعرب، كافة الصور والمقاطع المصورة التي تحمل وسوم “المسجد الأقصى”، “القدس” و”الشهيد” وما إلى ذلك من كلمات، اعتبرها “التطبيق” محرضة على العنف.

والحقيقة أن شركات (فيس بوك، جوجل، ويوتيوب)، امتثلت لنحو 95% من الطلبات التي قدمتها الحكومة الإسرائيلية لإزالة المحتوى الذي تصفه بأنه “يحرض على العنف”.

وقدمت إسرائيل تلك الطلبات من خلال “وحدة السايبر” التي أنشأتها عام 2015، ومهمتها إرسال طلبات لشركات التكنولوجيا بحذف منشورات فلسطينية، زعما منها بأنها تنتهك القوانين المحلية، فيما تحث الحكومة الإسرائيلية شعبها على الإبلاغ عن مثل تلك المنشورات “المحرضة على العنف” لدى المنصات الرقمية لسرعة إزالتها.

أصابع الاتهام لا تطال مسئولي (فيس بوك) فقط ولكن طالت أيضاً الاخوانية “توكل كرمان” المسئولة عن مراجعة المحتوى العربي ضمن ما يسمى بـ “مجلس حكماء” فيس بوك المنوط به إصدار قرارات نهائية بالسماح بنشر محتوى معين أو إزالته وأن المحتوى يتوافق مع معايير وقيم مجتمع (فيس بوك) و(إنستجرام).

الأمر الذي يلقي بالاتهام على الناشطة الاخوانية المسئولة عن مراجعة المحتوى وهل هي من أصدرت قرارات الإزالة أم أن الشركة قامت بذلك دون الرجوع لها، وأن وجودها شكلي لا يعتد به، وهو ما يعني قيام الشركة بخداع وسائل الإعلام حول دور ومهام هذا المجلس، وانه مجرد واجهة لامتصاص غضب المشتركين تجاه منعهم من ممارسة حريتهم في الرأي والتعبير.

ودفع، ما قامت به (فيس بوك) من إزالة للمحتوى، الناشطين الفلسطينيين إلى ملاحقة التطبيق الاجتماعي على متجر “أبل” ونجحوا بالفعل في خفض تصنيفه حتى وصل إلى نجمة واحدة فقط بدلا من أربع نجوم قبل أحداث “الشيخ جراح”، فيما رفضت “أبل” طلب “فيس بوك” بالتدخل ومنع تقليل تقييمها.

ما قامت به شركات التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي وهي في غالبيتها شركات أمريكية يتناقض مع مبادئ إعلان “جوهانسبرج” الصادر عن المفوضية السامية لحقوق الانسان والإعلان الصادر أيضا عن اليونيسكو والذي نص على حيادية الشركات التي تقدم الخدمة على الانترنت.

كما تنتهك قيود شركات التواصل الاجتماعي، القرار 2000/38 الصادر عن لجنة حقوق الإنسان في الدورة السادسة والخمسين والذي نص على حرية الانسان في التماس مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دون اعتبار للحدود، سواء شفويا أو في شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأي وسيلة أخرى يختارها الإنسان، بما يعطي معنى للحق في المشاركة على نحو فعال في مجتمع حر.

كما انتهكت القيود الموضوعة من جانب تلك الشركات على حملات الدعم الفلسطيني الرقمية (حق الجمهور في أن يعرف) وفق التدفق الطبيعي للمعلومات عبر شبكة الانترنت أو ما يعرف بالحق في المعرفة والذي نصت عليه مبادئ جوهانسبرج عام 2000 بحديثها عن حق الانسان في التماس المعلومات وتلقيها ونقلها، دون اعتبار للحدود، والحق في حرية الفكر أو الأشخاص الذين يسعون لتعزيز هذه الحقوق والحريات وإلى الدفاع عنها.

وشاركت تلك الشركات في انتهاك آخر وهو إزالة محتوى يتضمن ممارسات التمييز العنصري الذي تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين والتغطية على انتهاكاتها في ذلك الصدد ومنع الناس حول العالم من معرفة تلك المعلومات فضلا عن تقييد حملات الدعم القائمة على مبدأ حرية الاجتماع والتنظيم المكفولة بموجب الإعلان العالمي لحقوق الانسان.

لم يتوقف انتهاك تلك الشركات على مبادئ حقوق الانسان بل انتهكت أيضا الاتفاقيات المنظمة للتداول الحر للمعلومات على الشبكة العنكبوتية وعلى رأسها إعلان مبادئ القمة العالمية حول مجتمع المعلومات 2003 ، والذي نص على حق الجميع في حرية الرأي والتعبير، كأساس ضروري لمجتمع المعلومات، وكما هو موضح في البند 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأن هذا الحق يتضمن الحرية في تبني الآراء بدون تدخل، بالإضافة إلى الحق في البحث عن المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها عبر أي وسيط بغض النظر عن الحدود.

ويعد الاتصال عملية اجتماعية جوهرية، وحاجة بشرية أساسية، كما أنها تعد بمثابة الأساس لكل المنظمات الاجتماعية. وهو أمر مركزي في مجتمع المعلومات. ويجب أن تتاح الفرصة للجميع في كل مكان للمشاركة، ويجب ألا يتم استثناء أي شخص من الامتيازات التي يوفرها مجتمع المعلومات”.

كشفت تلك الوقائع عن حجم التأثير الهائل لإسرائيل في توجيه الرأي العام العالمي عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعدم حياد تلك المواقع مع القضية الفلسطينية خاصة وأن الحكومة الإسرائيلية، قدمت لفيس بوك خلال أول ستة أشهر من 2020 أكثر من 900 طلب لحذف أو حجب صفحات، قُبل ونُفذ 81% منها.

 وختاما

اعتبرت أدبيات الأمم المتحدة التدفق الحر للمعلومات عبر المنصات الرقيمة أحد عوامل تمكين البشر من ممارسة حقهم في حرية الرأي والتعبير وتعزيز لقدرة الانسان في مخاطبة الاخرين والتواصل معهم وحشد تأييدهم لقضيته العادلة لكن ما قامت به شركة “فيس بوك” واخرون يؤثر بشكل قاطع على منظومة الحريات ويتطلب من الأمم المتحدة التحقيق في الأمر والنظر في وضع مبادئ جديدة تؤكد فيها حياد تلك المنصات تجاه القضايا الإنسانية العادلة والملحة مثل حل القضية الفلسطينية وإيجاد متنفس للنشطاء الفلسطينيين من أجل ممارسة حقهم في حرية الرأي والتعبير على المنصات الرقمية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى