سياسة

سفير مصر في واشنطن: هذا هو موقف مصر من الإدارة الأمريكية الجديدة

عرض – محمد منصور 

حوار مهم في توقيته ومضمونه، دار أمس عن بعد، بين السفير المصري المعين حديثاً في واشنطن، السفير معتز زهران، وكل من الدكتور جون ديوك أنتوني، الرئيس المؤسس والمدير التنفيذي للمجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية، والنائب الجمهوري السابق في الكونجرس عن ولاية كاليفورنيا، إد رويس، ويشغل حالياً منصب مدير السياسات في شركة “Brownstein Hyatt Farber Schreck” للمحاماة والعلاقات الحكومية.

أهمية هذا الحوار -بالإضافة إلى تزامنه مع قرب تولي الإدارة الأمريكية الجديدة سدة الحكم في واشنطن- تعود لأن السفير زهران، الذي تم تعيينه في منصبه الحالي في يوليو الماضي، وسبق وشغل مناصب دبلوماسية رفيعة مثل منصب مساعد وزير الخارجية، ورئيس ديوان وزارة الخارجية، بالإضافة إلى عمله لفترة سابقة في البعثة المصرية في الولايات المتحدة، أوضح بشكل مفصل للمتلقي الأمريكي، حقيقة الأوضاع الداخلية في مصر على كافة المستويات، وكذا تطلعات القاهرة للتعاون مع الإدارة الأمريكية المقبلة، والموقف الحالي للقاهرة على صعيد التطورات الإقليمية المحيطة بها، وعلى رأسها الملف الفلسطيني.

بدأ الحوار مع السفير المصري، بكلمة موجزة للدكتور جون أنتوني، الرئيس المؤسس للمجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية، وهو مجلس تم تأسيسه عام 1983، كمنظمة تعليمية أمريكية غير ربحية وغير حكومية، مكرسة لتحسين المعرفة والفهم الأمريكيين للعالم العربي. خلال هذه الكلمة، تحدث الدكتور أنتوني عن ارتباطه بمصر، التي عاش فيها لفترة، وقال “أرى أنه يجب أن يكون تركيزنا اليوم منصباً بشكل أساسي على دولة يعرفها العالم كله، حيث يتذكر كل منا حين كان طفلاً كيف حاول أن يبني هرماً باستخدام الصلصال، ومنا من يعرف بشكل وثيق الأهمية التي يمثلها نهر النيل. بالنسبة لي هذا البلد كان نقطة بداية مسيرتي المهنية كمستعرب قبل نحو 57 عاماً، وعشت فيها لمدة أربعة أشهر كاملة أنا وابني الأمريكي الجنسية، مع عائلة مصرية في قرية قرب العاصمة القاهرة، وكانت هذه العائلة بمثابة أخ وأخت وأم لي طيلة هذه الفترة، وتحول الأمر بالنسبة لي إلى افتتان كامل بهذا البلد، وكأنني أدرس في جامعة لا يمكن أن أتخرج منها”.

وأضاف الدكتور أنتوني ” يجب أن يدرك الناس أن مصر ليست فقط الأهرامات وأبو الهول ونهر النيل، فمصر تضم في طياتها قناة السويس، التي تضطلع بدور حيوي أساسي بالنسبة للعالم، وهذا الدور يجب أن يعيه الناس حول العالم جيداً، كما يجب أن يدركوا أيضاً أنه واحد من كل ثلاثة أو أربعة عرب حول العالم هو مصري الأصل. مصر تحتضن الجامعة الأمريكية بالقاهرة، التي تعد الجامعة الأمريكية الأقدم والأكبر خارج أراضي الولايات المتحدة الأمريكية”.

الرأي المصري في أحداث مبنى الكابيتول

بعد هذه المقدمة، انتقلت دفة الحوار إلى النائب السابق إد رويس، الذي رحب بالسفير المصري، ثم طرح عليه السؤال الأول، والذي فيه استفسر رويس عن كيفية تفاعل الناس في مصر والمنطقة بشأن حادثة اقتحام مبني الكابيتول، وكيف ينظر المصريون إلى ما حدث في العاصمة الأمريكية في السادس من الشهر الجاري.

رد السفير المصري على هذا السؤال، بمقاربة جمعت ما بين الأسف المصري لما حدث، ومقارنة بين الفوضى التي عاشتها الولايات المتحدة ليوم واحد، ورد الفعل الأمني عليها، وبين السنوات الماضية التي عانت فيها مصر ومازالت من مخاطر الإرهاب والتطرف، قال السفير “هذه التطورات المحزنة التي بدأت في السادس من الشهر الجاري، والتداعيات التي تلتها، كانت صادمة للغاية، وأعتقد أن كافة الشعوب حول العالم، بما في ذلك الناس في مصر، قد شعروا بالإحباط لرؤيتهم هذه الأحداث. لكني وأنا أطالع هذه التطورات، وجدت نفسي حيال قواسم مشتركة بينها وبين أحداث سابقة حدثت في مصر، القاسم الأول كان محاولة الجماعات الراديكالية والمتطرفة انتهاز فرصة حدوث احتجاجات شعبية واسعة النطاق، من أجل الاستفادة منها وتوجيهها نحو العنف، بهدف خدمة أجندتها السياسية المعادية للدول، وبالتالي توليد الفوضى وإنهاء وجود القانون والنظام، وهنا يأتي في ذهني أفعال جماعة الإخوان المسلمين. 

القاسم الثاني، هو فشل مؤسسات فرض القانون في القيام بمهامها خلال الموجات الاحتجاجية الضخمة، وعجزها عن إدامة حفظها للأمن بسبب ضخامة ما تتعرض له من ضغوط تفوق قدراتها.

القاسم المشترك الثالث هو انتشار الشعور الوطني الجامع الداعي للاتحاد والتضامن، وهو شعور يلي مباشرة مشاهد الفوضى والعنف والاضطراب وانعدام الأمن، ويبث صوتًا شعبيًا وحكوميًا موحدًا ضد كل من يدعو للفوضى والانقسام والتحريض والترهيب”.

وأضاف السفير زهران “نستطيع من خلال هذه الأحداث المؤسفة في الولايات المتحدة، وما يماثلها من أحداث أخرى حول العالم، أن نستخلص بعض الدروس المستفادة، أولاً أن الحقوق والحريات ليست مطلقة، بل لها حدود مرتبطة بضمان تحقيق الحقوق الأخرى، بما فيها الأمن القومي والنظام العام. ثانياً أهمية الحفاظ على الأمن كضامن أساسي لتحقيق الحريات وصيانتها، ليس فقط من أجل حماية المتظاهرين وامنهم وسلامتهم، بل أيضاً من أجل الحفاظ على سلامة المؤسسات السيادية والتشريعية، وحفظ الأمن الوطني من جرائم المتطرفين الذي يندسون بين المتظاهرين السلميين، سواء كان هؤلاء المتطرفين ذوي ميول تخريبية أو إرهابية أو إجرامية. ثالثاً، ضرورة تكوين تحالف وطني جامع، يكون نتيجة طبيعية لما يكتنف البلاد من أخطار داخلية تهدد هويتها ووحدتها، ومعالم الديمقراطية والسياسة والسيادة فيها.

ثم عرج السفير في إجابته على المقارنة بين ما تعرضت له الولايات المتحدة في يوم واحد، وما تعرضت له مصر خلال سنوات، فقال “الولايات المتحدة التي تعرضت في يوم واحد فقط، لجانب من جوانب الفوضى والعنف في الشارع، لجأت فوراً لاتخاذ إجراءات صارمة، وقامت بنشر قوات الحرس الوطني، وفرضت حظراً للتجوال وأعلنت حالة الطوارئ الوطنية، وهنا أعود مرة أخرى للربط بين هذا الحدث وما شهدته مصر من أحداث مماثلة، حيث شهدنا في مصر فوضى عارمة على مدار سنوات، شهدت فيها البلاد احتجاجات واسعة النطاق، تمت تغذيتها بالعنف المسلح والتطرف الأصولي، بهدف استنزاف الدولة المصرية وإسقاط مؤسسات إنفاذ القانون، لذا أتقدم بالتعازي للشعب الأمريكي في ضحايا أحداث مبنى الكابيتول، وأنا على ثقة أن المؤسسات الديموقراطية الأمريكية قادرة بشكل فعال على التغلب بشكل سريع على الآثار السلبية لما حدث، والعودة إلى ممارسة أنشطتها ودورها بشكل طبيعي”.

تقييم وعرض للمشهد المصري الداخلي خلال السنوات الماضية

بعد الإجابة السابقة، بدأ السفير زهران في عرض مطول وشامل للأوضاع الداخلية في مصر، وذلك بهدف أساسي وهو تعريف المتلقي الأمريكي بشكل عام، على حقيقة ما يحدث في مصر من تطورات على كافة المستويات:

1- الطاقة: قال السفير “في هذا القطاع، باتت مصر قريبة من أن تصبح مركزاً أساسياً للطاقة في المنطقة، بعد أن كانت حتى وقت قريب مستورداً كاملاً للغاز والنفط. تحقيق هذا الإنجاز لم يكن فقط بسبب الاكتشافات الغازية الضخمة شرقي المتوسط، بل أيضاً بسبب الالتزام السياسي والسيادي للقيادة المصرية، باستراتيجية أساسية لاستخدام هذه الثروات من أجل دفع عجلة الإنتاج، وإدامة الاستقرار والتعاون في المنطقة، لذا جاء تشكيل مصر لمنتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم في عضويته الدول العربية والأوروبية جنباً إلى جنب، بالإضافة إلى إسرائيل أيضاً، علماً أن هذا المنتدى كانت مصر صاحبة فكرة إنشائه، وتحتضن عاصمتها مقره الرئيس”.

2- التغير المناخي: أكد السفير أن “مصر كانت على دراية ووعي تام بالمخاطر التي يمثلها التغير المناخي على البيئة، لذا حرصت منذ عام 2015، على أن تلتزم بشكل تام بتنفيذ استراتيجية متكاملة للطاقة المستدامة الصديقة للبيئة، تستهدف جعل مصادر الطاقة المتجددة تساهم بنحو 20 بالمائة من إجمالي الطاقة المنتجة على الأراضي المصرية بحلول عام 2022، على أن تتم مضاعفة هذه النسبة بحلول العام 2035. في هذا الإطار أقامت مصر العديد من المشروعات الخاصة بالطاقة المتجددة واستغلالها، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وعلى رأس هذه المشروعات واحدة من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، تحتضنها مدينة أسوان جنوبي البلاد، وهذا يعد إنجازاً مصرياً غير مسبوق في المنطقة، وضع البلاد في صدارة الدول الشرق أوسطية التي تقوم بالاستغلال الأمثل للطاقة المتجددة”.

3- مشاريع البنية التحتية: “تعد المشاريع التي تم تنفيذها خلال السنوات الأخيرة في مصر، جزءاً من مشروع أكبر يستهدف تمهيد الأرض لتحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل أكبر، وهذا يشمل إنشاء المناطق الصناعية الجديدة، والتوسع في إنشاء المدن الذكية الجديدة، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، وكذا افتتاح قناة السويس الجديدة عام 2015، وتجديد شبكة الطرق المحلية بشكل كامل، وإطلاق مشروع زراعي لاستصلاح وزراعة أربعة ملايين فدان، وهذا كله بهدف تحويل مصر إلى مركز لوجستي دولي”.

4-  السياسات النقدية والمالية: “شرعت مصر فعلياً منذ عام 2017 في برنامج طموح وشامل للإصلاح الاقتصادي، وكان هذا البرنامج من الأسباب الرئيسية التي ساعدت  الاقتصاد المصري اليوم على مواجهة التحديات التي فرضها تفشي جائحة كورونا، وظل أداء الاقتصادي المصري في مستوى فوق المتوسط مقارنة بأداء الدول الأخرى في المنطقة والعالم، وحقق معدل نمو ممتاز بلغ 3.6 بالمائة سنوياً، رغم أن تداعيات الجائحة تسببت في تباطؤ مؤشرات النمو. الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر بلغت عام 2019 نحو 8.5 مليار دولار، وهو معدل يجعل مصر الدولة الأكبر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية على أراضيها. الوضع الاقتصادي العام لمصر ربما يعبر عنه بشكل واضح بيانات مؤسسة “جي بي مورغان”، التي أفادت أن مصر هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط وأفريقيا، التي ظلت محافظة على ثقة أكبر ثلاث وكالات للتصنيف الائتماني الدولي”.

5-  قطاع الصحة: “من نافلة القول أن نذكر أن مصر قد سنت بالفعل تشريعات متعددة تستهدف تعميم التأمين الصحي الشامل في كافة المحافظات، بالإضافة إلى الجهود الحالية لوزارة الصحة في تحسين الخدمات الطبية المقدمة في المستشفيات والمؤسسات الصحية، خاصة تلك المقدمة للأطفال والأمهات، وقد انعكس هذا إيجاباً على واقع الوفيات، حيث انخفض معدل الوفيات الإجمالي بصورة ملحوظة، وارتفع بالمقابل متوسط الأعمار”.

6-  مكافحة الإرهاب: “أعطت الحكومة المصرية أولوية للمواجهة الأيديولوجية لظاهرة الإرهاب، من أجل تحصين المجتمع ضد مخاطر التطرف، وقد أطلق الرئيس المصري عام 2014، مبادرة لتجديد وتنقيح الخطاب الديني. بالإضافة إلى الجهد الفكري، نفذت القوات الأمنية والعسكرية العديد من العمليات الميدانية للقضاء على بؤر الإرهاب، التي تتركز في جيوب محدودة شمالي جزيرة سيناء، وقد تحققت العديد من النجاحات خلال هذه العمليات، وعلى رأسها الانخفاض الواضح في قدرات العناصر المسلحة والجماعات المحلية المتواجدة في هذه البؤر. حرصت الحكومة المصرية على أن يتم بالتوازي مع هذه العمليات، تكثيف جهود تنمية سيناء، عن طريق تنفيذ مشاريع إنمائية لتحسين الظروف المعيشية والاقتصادية لأهالي المنطقة”.

7- قطاع السياحة: “رغم أن الاقتصاد المصري حقق مرونة واضحة خلال جائحة كورونا، إلا أن قطاع السياحة المصري تعرض لضربة كبيرة بطبيعة الحال بسبب تداعيات هذه الجائحة، مثله في ذلك مثل قطاعات أخرى مثل قناة السويس وقطاع التصدير وشركات الطيران، والشركات المتوسطة والصغيرة الحجم وغيرها من القطاعات التي تأثرت بتباطؤ الاقتصاد العالمي، وبتداعيات الجائحة. رغم ذلك أعتقد أن هناك بارقة أمل في ما يتعلق بقطاع السياحة المصري، فمصر تستضيف حالياً بطولة العالم لكرة اليد، وبالتالي هذه رسالة مفادها أن مصر منفتحة على السياحة وعلى الخارج حتى في ظل هذه الظروف، وبالتالي كل ما نحتاجه هو أنتشار التطعيمات واللقاحات بشكل واسع، وبدء تراجع نسب الإصابات الجديدة والوفيات، كي نحدد طبيعة وشكل قطاع السياحة المصري في المرحلة المقبلة. نحن قمنا بتأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير عدة مرات بسبب جائحة كورونا، وأنا آمل أننا نتمكن من افتتاحه بحلول نهاية العام الجاري، وهذا سيكون مبعث فخر لنا، وسنقوم بتوجيه دعوات للعالم كله كي يأتي لزيارة هذا المتحف”.

حقوق الإنسان في مصر .. الواقع والمستقبل

خلال عرضه لتفاصيل الوضع الداخلي المصري، تناول السفير بالشرح نقطة هامة تثار دائماً في الأوساط البرلمانية لبعض الدول الغربية، وهي أوضاع حقوق الإنسان في مصر، فقال في هذا الصدد “مصر كانت دوماً حريصة على أن تجعل مسارها الناجح في المجال الاقتصادي والاجتماعي، متوازياً مع التقدم الذي تحرزه في مجال حقوق الإنسان وحمايتها وتطويرها. لهذا لم تدخر الحكومة المصرية جهداً لحماية الشرائح المجتمعية الأقل دخلاً، وتعزيز حقوقها الاجتماعية والمالية، وقامت من أجل ذلك بابتكار نظام نقدي شامل لدعم هذه الشرائح المجتمعية، تمت تسميته بنظام “تكافل وكرامة”، الذي يستهدف بصفة أساسية الأسر الفقيرة التي تعول أطفال، كذلك تمت تغطية كبار السن والمعاقين ضمن هذا النظام، وحالياً وصل الدعم النقدي إلى أكثر من 3.6 مليون أسرة، اي ما يوازي 14 مليون مواطن، وهذا دفع الأمم المتحدة إلى امتداح أداء هذا النظام الاجتماعي التكافلي، ووصفه بأنه الأكبر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هذا النظام التكافلي سار جنباً إلى جنب مع إجراءات حكومية أخرى لدعم الشرائح المجتمعية الفقيرة، ومنها مساعي الدولة لتوفير مساكن لائقة بهدف القضاء على العشوائيات، وذلك عبر برنامج طموح لتوفير مليون وحدة سكنية لأصحاب الدخول المحدودة، في كافة أنحاء الجمهورية، تم حتى الآن إنجاز نحو 60 بالمائة منها”.

أضاف السفير زهران “يجب هنا التأكيد أن مصر تنظر لمسألة حقوق الإنسان من منظور شامل، يدرك الأوضاع الحالية على المستوى الداخلي، دون ادعاء المثالية، خاصة أن الأحداث التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية، أوضحت بجلاء أن الشعب المصري يستطيع محاسبة حكومته إذا لم تتمكن من تحقيق تقدم حقيقي وملموس على كافة الأصعدة، وهذا كله منصوص عليه في دستور عام 2014، الذي يجب أن أقول إنه يمثل النموذج الأكثر ضماناً لحقوق الإنسان والحريات ضمن كافة الدساتير المصرية.

 هذا يضاف إلى محاولات مستمرة لتمكين مؤسسات الدولة من ضمان صيانة حقوق الإنسان، لهذا أسست الحكومة المصرية لجنة عليا لحقوق الإنسان، تعمل جنباً إلى جنب مع هيئة اخرى قائمة بالفعل، وهي المجلس الوطني لحقوق الإنسان، من أجل الإشراف على تنفيذ استراتيجية متكاملة للارتقاء بحقوق الإنسان في مصر، وهناك فقط 30 دولة حول العالم تمتلك استراتيجية مماثلة، وأرى أنه من الضروري أن يتم تعميم هذه الاستراتيجية عالمياً”.

فيما يتعلق بالمسار السياسي والمدني، قال السفير المصري “مصر تمضى قدماً بخطى ثابتة في هذا المسار، وذلك من خلال تطبيق إصلاحات تشريعية في القوانين الحالية بهدف ضمان الحقوق المدنية والسياسية، وفي هذا الصدد لابد من ذكر إقرار قانون المنظمات غير الحكومية عام 2019، والذي تم بعد مداولات مجتمعية مكثفة، لضمان أن تتمكن آلاف المنظمات غير الحكومية العاملة حالياً في مصر، من ممارسة نشاطها بكامل طاقتها وبكل حرية وفعالية. حتى قبل ذلك، وعندما قامت مصر بسن قانون لتنظيم التظاهر عام 2017، كان الهدف الأساسي من هذا القانون هو إفشال محاولات التطرف الأصولي، استغلال أية احتجاجات شعبية سلمية، كوسيلة لنشر الفوضى والتخريب، وهذا بالضبط هو ما دفعني للمقارنة بين ما حدث سابقاً في مصر، وبين ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً”.

من الحريات التي تناولها السفير في حديثه عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، حرية العقيدة، وتمكين المرأة وصيانة حقوقها، فقال “مصر كانت حريصة دوماً على إثارة ملف ضمان حرية العقيدة في نقاشاتها الداخلية، وواقع الحال أنها حققت تقدماً هائلاً في هذا الصدد، فبعد أن كانت مصر على شفير التحول إلى دولة محكومة بنظام ظلامي ثيوقراطي، خلال الحقبة التي حكمت فيها جماعة الإخوان المسلمين مصر، حيث حرضت هذه الجماعة أتباعها بشكل علني على مهاجمة الكنائس ومدارس الأقباط وأنشطتهم التجارية ومنازلهم، لكن حالياً تحول الموقف جذرياً، حيث أفتتح الرئيس المصري عام 2019، الكنيسة الأكبر في الشرق الأوسط، علماً أنه قد تم تمويل إنشاء هذه الكنيسة من جانب الحكومة المصرية، التي قامت أيضاً بتمويل عملية ترميم الكنيس اليهودي في مدينة الإسكندرية، وقد قام بافتتاحه في فبراير 2020 نحو 180 يهوديًا من أصل مصري”.

“أما فيما يتعلق بحقوق المرأة وتمكينها، يمكن القول أن هذا الملف هو ضمن جدول أعمال الحكومة الحالية، ويسعدني القول أن مصر قد كسرت حواجز الأعداد الأقصى لتمثيل المرأة في الهيئات المنتخبة، ففي انتخابات 2015 التشريعية، ترشحت 90 سيدة فازت منهن 15 نائبة، في حين ارتفع العدد في انتخابات عام 2020 لتترشح 148 سيدة، فازت منهن 26 نائبة، وهو أعلى معدل لفوز المرأة في أية انتخابات مصرية على الإطلاق. يضاف إلى ذلك ارتفاع مستوى تمثيل المرأة في الحكومة المصرية ومراكز صنع القرار، حيث أرتفع عدد الوزيرات ضمن التشكيلة الحكومية المصرية، لتصبح نسبتهن 25 بالمئة، أو ما يوازي 8 وزيرات، كذلك تم تعيين سيدة للمرة الأولى في منصب مستشار رئيس الجمهورية للأمن القومي، وكذا تم تعيين نائبة لمحافظ البنك المركزي، ناهيك عن تعيين سيدات في مناصب أخرى كمحافظين ونواب محافظين وعمداء، وتعيين أكثر من 66 قاضية. بشكل عام كانت النساء المصريات دوماً عن صاحبات النسبة الأعلى ضمن الفئات المشاركة في عمليات الاقتراع في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية”.

الموقف المصري من معاهدات السلام بين دول الخليج وإسرائيل

بعد هذه الإجابة المطولة من جانب السفير زهران حول الأوضاع الداخلية في مصر، طرح النائب السابق إد رويس، تساؤل نابع من إرهاصات الاتفاقات الأخيرة بين البحرين والإمارات العربية المتحدة من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، حيث أستفسر عن رأي السفير المصري في الزخم المتعلق بالتوجهات السلمية الحالية في المنطقة، وما هو الدور الذي من الممكن أن تقوم به مصر في هذا الصدد؟

أجاب السفير زهران “مصر من جانبها كانت أول من رحب بهذه الاتفاقية، وبالتوجهات السلمية التي أعلنت عنها كل من المغرب والسودان والبحرين والإمارات العربية المتحدة. روح السلام هذه نحن أول من وضع بذرتها الأولى من نحو 42 عام، وكنا رواد هذه الفكرة وأول من طبقها بشكل عملي، وتصدينا لمدة عقد كامل تقريباً، لردود الفعل العربية العنيفة على خطوتنا هذه، ذلك لأن قناعتنا كانت ومازالت هي أن ثقافة السلام تستطيع تغيير القناعات الجامدة، ويمكن أن تذلل مصاعب عديدة. بعد خطوتنا هذه بنحو 16 عامًا لحق بنا الأردن، ثم لحقت بنا بعد 26 عامًا دول عربية أخرى.

أضاف السفير المصري في هذا الصدد “في ما يتعلق بالدور المصري في هذه التوجهات، أعتقد أن هذه مسألة مهمة لمصر وللمنطقة، وهي عودة البناء على هذه الروح السلمية مرة أخرى، لأننا نعرف جميعاً أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كان ومازال هو الصراع الرئيسي في الشرق الأوسط، وقد بذلت مصر جهوداً مضنية في الماضي، من أجل التوصل لاتفاق سلام عادل ونهائي بين الجانبين، لكن لسوء الحظ لم تتمكن القاهرة ومعها واشنطن من تحقيق هذه النتيجة، رغم اتصالاتنا المكثفة والمستمرة مع كلا الطرفين”.

“ما نراه في هذه المرحلة هو فرصة سانحة للبناء على تلك الروح السلمية، وفي الواقع لم توفر مصر جهداً في الوقت الحالي لاستغلال هذه التوجهات الجديدة، فاحتضنت منذ أيام قليلة اجتماع مجموعة ميونخ، التي تضم مصر وألمانيا وفرنسا والأردن، وذلك من أجل تحديد المعايير التي من خلالها يمكن فرض حل سلمي في المنطقة، وكذا وضع اليد على ما يمكن أن يحتاجه الأمر من أجل إعادة إطلاق المسار التفاوضي بين الإسرائيليين والفلسطينيين. من الأبعاد المهمة في هذا الصدد، هو مدى قدرة الطرف الفلسطيني على تقديم رؤية واضحة لما يمكن أن يكون عليه حل الدولتين، وأعتقد أن مصر بالاشتراك مع الشركاء الأوروبيين، والإدارة المستقبلية في الولايات المتحدة، يجب أن يكونوا جميعاً قادرين على وضع قطار السلام على سكته الصحيحة، ونحن من جانبنا سنظل نبذل قصارى جهدنا، ليس فقط في أتجاه تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل أيضاً في مسارات أخرى، منها مسار المصالحة الداخلية الفلسطينية، ومسار الدور المصري الدائم في التهدئة بين تل أبيب وقطاع غزة، حين تدعو الضرورة الميدانية لذلك”.

الإدارة الأمريكية الجديدة … ملف إيران وملف السودان

طرح النائب السابق إد رويس بعد ذلك سؤال حول آفاق التعاون بين مصر والإدارة الأمريكية الجديدة، فيما يتعلق بكل من إيران والسودان. فأجاب السفير المصري:

فيما يتعلق بإيران، فأعتقد أن هذا الملف يتصدر أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة. الولايات المتحدة كانت في وقت سابق قد انسحبت من الاتفاق النووي، وفعلياً لا يعمل هذا الاتفاق كما ينبغي، حيث تستمر إيران في تطويرها للقدرات النووية. عندما ننظر لإيران، نجد أن المشكلة المتعلقة ببرنامجها النووي لا تتعلق فقط بأسلوب إدارتها لهذا الملف والتصرفات الناتجة عنها تجاه المجتمع الدولي فحسب، بل أيضاً تدخلاتها الهدامة والسلبية في دول الشرق الأوسط، وتهديد الأصول والحكومات العربية في العديد من الدول. هذه التدخلات يجب مواجهتها والنظر إليها بجدية كاملة، بالموازاة مع القضايا الأخرى مثل ملف البرنامج النووي والصاروخي لطهران، وأنا أرى أنه توجد فرص جيدة للتعاون بين مصر والإدارة الأمريكية الجديدة، لأن التدخلات الإيرانية في الشرق الأوسط، مثل اليمن ولبنان وسوريا والعراق، لم تؤدي إلا إلى تفاقم الأوضاع في المنطقة، وقد خضنا خلال السنوات الماضية العديد من المناقشات حول هذا الملف، مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، لأن العلاقة بين البلدين هي علاقة استراتيجية تشمل كافة الجوانب بما فيها الجوانب العسكرية والاستخباراتية، ويحمل كلا البلدين رؤية مشتركة عامة لكيفية التعامل مع أزمات المنطقة، وأنا أرى فرص جيدة لاستمرار هذه العلاقة مع الإدارة الجديدة.

أما فيما يتعلق بالسودان، أجاب السفير “أعتقد أن العنوان العريض في هذا الصدد يجب أن يكون “السودان يحتاج أن يحقق نجاحات”، ونحن أحتضنا السودان الجديد، فكلا البلدين لا يتشاركان فحسب في نهر النيل الذي يعد بمثابة مصدر الحياة لهما، بل يتشاركا أيضاً في التراث والتاريخ والجغرافيا والروابط الاجتماعية، لذلك فأنه من المهم لمصر أن يتمتع السودان في هذه المرحلة بأساس صلب يمكن البناء عليه، خاصة في ظل التحديات المشتركة الحالية، وعلى رأسها مسألة سد النهضة الإثيوبي، التي تضع كلا الدولتين بالإضافة إلى أثيوبيا، أمام أزمة جدية، يجب عليهم الأعتراف فيها بأمرين أساسيين، الأمر الأول هو أحقية كل دولة في التنمية، والثاني هو حقيقة التهديد الوجودي الذي تواجه كل من مصر والسودان جراء هذا المشروع، خاصة أن المسار التفاوضي بين الدول الثلاث لم يصل إلى أي نتيجة إيجابية واضحة.

“الإدارة الأمريكية السابقة قامت بجهود عديدة لدعم المسار التفاوضي حول ملف سد النهضة، وهي جهود تستحق الثناء لأنها بشكل متوازن من أجل قضية عادلة، وقد أسفرت هذه الجهود عن التوصل لوثيقة شاملة لم يكتب لها النجاح نتيجة لتجاهل الجانب الإثيوبي لها، وعلى الرغم من استمرار التفاوض بعد ذلك برعاية الاتحاد الأفريقي، إلا أن الوضع ظل على ما هو عليه، وقد تجاهلت أثيوبيا اموراً هامة كان لابد من وضعها في الاعتبار، أولها هو عدم اتخاذ أي طرف لإجراءات أحادية إلى أن يتم التوصل لاتفاق نهائي، وثانيها هو عدم التسبب في أية أذى للدول الأخرى، وثالثها هو ضرورة التوصل لإتفاق قانوني ملزم وشامل حول هذا الملف قبل أية خطوات ميدانية. لذا أنا أتطلع للعمل مع الإدارة الأمريكية الجديدة، من أجل تسليط الضوء على كافة هذه القضايا، وإيجاد حلول شاملة لها”.

الملف الليبي و احتمالات استمرار التعاون المصري الأمريكي

بعد ذلك أتي النائب رويس على ذكر الملف الليبي، وسأل حول ما يعتقده السفير المصري بشأن إمكانيات التعاون المصري – الأمريكي لإيجاد حل شامل لهذا الملف، فأجاب السفير:

يمكن القول أن التطورات الحالية في ليبيا تمثل التهديد الأول للأمن القومي المصري، فعلى مر التاريخ لم تكن حدودنا الغربية أبداً مصدر تهديد لنا، ولكن باتت هذه الحدود مصدر تهديد لنا بفعل الفوضى المستمرة في ليبيا. نحن نريد إيجاد تسوية سياسية شاملة في ليبيا، لأننا على قناعة أنه لا أفق لأي حل عسكري لهذه الأزمة، لهذا قمنا مؤخراً بالجمع بين الجيش الوطني الليبي وحكومة الوفاق الوطني على طاولة واحدة في القاهرة، بحيث تم بحث المسار العسكري والسياسي والقانوني الدستوري كل على حدة. عندما قام الرئيس المصري بإعلان الخط الأحمر في سرت والجفرة، كان هذا الخط في واقع الأمر خط سلام وليس خط حرب، لأن معناه العملي كان انه لن تتحرك قوات من الشرق الليبي في اتجاه الغرب، والعكس صحيح. رغم ذلك مازالت لدينا مباعث للقلق بشأن الوضع الحالي في ليبيا، وبشكل خاص التدخلات الخارجية على الأرض، وقد طالبنا مراراً بإنهاء أي وجود لقوات أجنبية على الأراضي الليبية، خاصة أن هذا التواجد المستفحل، وفر الدعم والإسناد لميليشيات مسلحة هي في الأساس عبارة عن مجموعات إرهابية، وهذه قضية مهمة لابد من أن نبحثها مع الإدارة الأمريكية الجديدة، فالتوجهات الخارجية للإدارة الأمريكية السابقة، كانت تركز بشكل كبير على آسيا، وهو ما خلق فراغات ومواضع استراتيجية شاغرة في منطقة الشرق الأوسط، قامت قوى إقليمية ودولية باستغلالها، مثل تركيا في ما يتعلق بالملف الليبي، حيث لم تكتفي أنقرة بدعم الميليشيات الليبية، ولا بالتواجد العسكري على الأرض، بل قامت بنقل عناصر متطرفة من سوريا إلى الأراضي الليبية. لذا يتعين على هذه الأطراف مغادرة ليبيا، ويتعين على المجتمع الدولي مساعدة الليبيين على التوصل إلى تسوية سياسية شاملة”.


+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى