روسيا

“حظر استيراد الكتب”.. آخر سلاح في يد أوكرانيا ضد “روسيا المعتدية”

في نهايات ديسمبر 2020، أعلنت أوكرانيا أنها لن تستقبل بعد ذلك، طبعات من كتب أطفال لستة مؤلفين روس. ووفقًا لقرار الاتحاد الوطني للكتاب الأوكرانيين، فقد تم حظر هذه الكتب رغبة في منع منشورات تدعم أفكارا وتوجهات “دولة مُعتدية”، و”أفكار النظام الشمولي الشيوعي” ورموزه.

ويعد هذا القرار جزءا من توجه أوسع تتبناه الدولة الأوكرانية، يقضي بتقييد نشر أفكار وأدبيات المؤلفين القادمين من دول “روسيا، بيلاروسيا، أرمينيا، سوريا، صربيا، الصين، فنزويلا، زيمبابوي، إيران، كمبوديا، قيزغستان، كوريا الشمالية، كوبا، لاوس، ميانمار، نيكاراجوا، والسودان”.

وبمقتضى هذا القرار، يتم منع المؤلفين الأوكرانيين من المشاركة في الأحداث الثقافية مع البعثات الدبلوماسية لهذه الدول، فيما يستثنى من هذه القرارات، إمكانية طبع وتوزيع الأعمال الكلاسيكية لكتاب هذه الدول الذين لم يعودوا على قيد الحياة.

بينما قد ينطبق هذا الاستثناء على الكُتاب المعاصرين، ولكن يتعين عليهم إعلان موقفهم، بصراحة شديدة، المؤيد لسلامة الأراضي الأوكرانية، وإدانة “العدوان” من جانب روسيا.

وضمت قائمة الكتب الممنوع استيرادها في أوكرانيا 211 كتابا، بإجمالي توزيع يزيد عن مليون نسخة.

يذكر، في هذا السياق، أن قرارات حظر استيراد الكتب الروسية تحديدًا، ليست جديدة على الداخل الأوكراني، إذ تم خلال الربع الأول من عام 2019، حظر استيراد 420 ألف نسخة من المنشورات التي تم تصنيفها أنها “معادية” لأوكرانيا.

نظرة على تفاصيل القيود الأوكرانية المُشددة

اعتمد البرلمان الأوكراني ديسمبر 2016، قانونا يسمح بمنع استيراد ذات “المحتوى المعادي” لسيادة واستقلالية ووحدة الأراضي الأوكرانية، ودخل القانون حيز التنفيذ يناير 2017 بعد أن صوت نواب البرلمان الأوكراني على ضرورة منع استيراد أي مطبوعات من روسيا إلا بعد الحصول على تصريح خاص. يستثنى من ذلك أنه بمقدور المسافرين حمل الكتب معهم عبر الحدود بين البلدان بحد أقصى 10 كتب.

ووفقًا للقانون، تفحص الدولة جميع الكتب القادمة من روسيا بحثًا عن محتوى مناهض للهوية الأوكرانية، ويتم عمل هذا الفحص من قبل لجنة من خبراء الإعلام في أوكرانيا.

وتضم هذه اللجنة عادة مجموعة من العلماء والكُتاب والمؤرخين والصحفيين، ويشترط أن يكون هؤلاء قد قرأوا الكتاب المرجو استيراده بعناية ودرسوا مراجعه الرسمية والوثائق المتعلقة بنشره، وجميع هذه الخطوات يحتاج الناشر الأوكراني توفيرها قبل الموافقة على استيراده داخل البلاد.

ومن ضمن المحظورات في المحتوى المستورد، أن يتم نشر مطبوعات تمس استقلالية أوكرانيا، وتنتهك سيادتها ووحدة أراضيها. بالإضافة إلى المحتوى الذي يروج للأنظمة الشيوعية أو الشمولية، والدول المعتدية.

يشار في هذا الصدد إلى أن روسيا معترف بها في القانون الأوكراني كـ”دولة معتدية”، ولهذا السبب يتم فرض قيود على نشر الكتب القادمة منها. كما أنه يجب ألا تبرر الكتب مؤامرات احتلال الأراضي، أو الأعمال العدوانية بوجه عام، ولا تبرر كذلك اندلاع الحروب.

ويجب أيضًا ألا تروج الكتب للعقائد الجيوسياسية الإمبريالية التي تنص على ضرورة توحيد الشعوب حول روسيا مع روسيا. بالإضافة إلى كل ذلك، يجب أن يكون مؤلف الكتاب غير مدرج على قائمة الأشخاص الذين يشكلون تهديدًا للأمن القومي الأوكراني. إذا تم استيفاء هذه المعايير، فسيتم منح دار النشر الإذن باستيراد وتوزيع كتاب في أوكرانيا نُشر في روسيا لمدة 5 سنوات.

كيف انعكست القيود المشددة على سوق الكتب الأوكرانية؟

على الرغم من أن قرارات حظر استيراد الكتب الروسية إلى أوكرانيا، تحمل طابعا استفزازيا بالنسبة لموسكو، إلا أنه من الممكن أن نقول إن هذه القرارات قد تكون بمثابة السلاح الذي ضر حامله في المقام الأول. إذ أن ناشري الكتب الأوكرانيين يعدون خسائرهم بالفعل. وذلك نظرا لأن أوكرانيا اعتادت فيما قبل القرار استيراد مائة ألف كتاب سنويًا يأتي معظمهم وإن لم يكن غالبيتهم من روسيا، في مقابل نسبة ضئيلة للغاية من أوروبا. مما تسبب في خسائر فادحة للناشرين الأوكرانيين الذين انتقدوا القرار، نظرًا لأنه على حد وصفهم، قرار بيروقراطي وروتيني معقد، لم يفعل شيئا سوى أنه حول الكتب إلى سلع تتماثل مع السلع المهربة التي لا تدخل البلاد من أبوابها الأمامية وتدخل من الخلفية فقط بعد القرار.

بمعنى آخر، يرى كثير من الناشرين الأوكرانيين أن القرار بلا فائدة، وأن هذه القرارات لم تفعل شيئًا سوى أنها مارست عليهم مزيدا من التعقيدات التي قد تضطر كثيرا منهم إلى الاعتماد على التهريب لاستيراد الكتب الروسية. خاصة وأن العديد من الناشرين الأوكرانيين اعتادوا كسب المال من خلال بيع الكتب الروسية.

في الوقت نفسه، تسببت هذه القرارات في أن يعاني سوق الكتب الأوكرانية نقصا في المؤلفات العلمية والمنهجية والكتب الطبية وكتب إدارة الأعمال، والتي كانت تستورد تلقائيا إلى أوكرانيا من روسيا. وبالنسبة للناشرين، تضاعفت أسعار هذه الكتب ثلاث مرات، نظرًا لعدم قدرتهم على شراء هذه الكتب في شكلها الإلكتروني، وذلك أيضًا وفقًا للقانون الأوكراني الذي يحدد مجالات الكتب التي يتم شراؤها عبر الانترنت كذلك.

ولكن من ناحية أخرى، انعكس هذا القرار بالازدهار على الناشرين الأجانب من الدول غير المتضمنة في القائمة المحظورة، تحديدًا بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية التي استعلت الفرصة وشاركت بغزارة في معارض الكتاب الأوكرانية وحققت مبيعات كبرى من وراء هذا القرار، في محاولة منهم لملء الفراغ الذي تركته الكتب الروسية على “أرفف المكتبات الأوكرانية”.

كيف تتأثر موسكو بهذه القرارات؟

يبدو أن التأثير الاقتصادي لحرمان موسكو من تصدير الكتب إلى أوكرانيا لن يكون مؤلمًا بقدر التأثير الثقافي، أو بمعنى آخر، بقدر التأثير على الهوية الروسية. إذ أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لطالما تحدث علانية في مناسبات عدة عن وحدة الهوية الروسية مع بلدان الاتحاد السوفيتي السابق، وأكد بوتين أن هذه الوحدة لا تتأثر بالحدود ولا بالجنسيات. و

وقد يجانب حديث بوتين الصواب، خاصة وأن الاحصائيات لطالما أشارت إلى أن القارئ الأوكراني يفضل أن يقرأ الكتب الروسية. مثله في ذلك كمثل المشاهد الأوكراني الذي يحب أن يشاهد البرامج والدراما الروسية وباللغة الروسية، وذلك على الرغم من وجود مثيل لها باللغة الأوكرانية. وكل هذه دلالات تعكس مدى امتداد التأثير الروحي على وجدان جميع مواطني أوكرانيا، ولكن السؤال هنا إلى أي حد سيستمر هذا التأثير؟!

بمعنى أن موسكو التي عارضت انفصال بطريركية أوكرانيا عن تبعيتها للكنيسة الروسية، تدرك تمام الإدراك مدى حاجتها إلى الاحتفاظ بتأثيرها في نفوس كل مواطن أوكراني. إذا حتى لو شعر القارئ الأوكراني –ابن الجيل الحالي- أنه يخضع لعقوبة من وراء حرمانه من الوصول إلى الكتب الروسية التي لطالما اعتمد عليها كمصدر للمتعة والمعرفة. فإن موسكو تدرك جيدًا، أن هذه المشاعر لن تستمر كثيرًا، والأرجح أنه لن يتم تمريرها عبر الأجيال أكثر من ذلك.

ومع مرور الوقت، وتعاقب الأجيال، ونشوء جيل جديد من أطفال أوكرانيا في منأى عن الكتب الروسية التي نشأ عليها آباؤهم وأمهاتهم، فإن احتمالات احتفاظهم بالولاء الثقافي وشعورهم بالتبعية للهوية الروسية سيتلاشى شيئًا فشيئًا.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

داليا يسري

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى