
“فورين بوليسي”: إثيوبيا دخلت مفاوضات السد بنوايا “سيئة” بينما حملت مصر نوايا حسنة
عرض-نرمين سعيد
ذكرت مجلة ” فورين بوليسي” الأمريكية أن لعبة بسط النفوذ التي تمارسها أديس أبابا حول النيل الأزرق أوصلت المنطقة إلى طريق مسدود، وأنه طالما بقيت إثيوبيا توظف سدها كأداة للسيطرة على النيل فإن أي مفاوضات سيكون محكومًا عليها بالفشل .
وحسب المجلة الأمريكية ، في مقال نشره الدكتور محمد هلال على صفحاتها ، فإن مصر وإثيوبيا انخرطتا في مفاوضات مضنية منذ ما يقرب من عقد من زمان بشأن السد الكبير الذي تنشئه أديس أبابا إلا أن هذه المفاوضات التي نتح عنها إصدار مئات من التقارير الفنية والبيانات وتضمنت مئات الاجتماعات بين رؤساء الدول والحكومات وكذا وزراء الخارجية والمياه واشتملت على وساطة أطراف دولية أيضًا ومراقبين دوليين لم تسفر عن أي شكل من أشكال التنظيم القانوني للعلاقات بين الدولتين إلا في الاتفاقية الإطارية التي تم التوقيع عليها في 2015 في محاولة لاحتواء جزء من الاضطراب الدبلوماسي.
ويرجع السبب الرئيسي في فشل المفاوضات بين الطرفين إلى اختلاف النوايا التي يستند عليها كل طرف، ففي الوقت الذي دخلت فيه مصر إلى المفاوضات حاملة نوايا حسنة تعتمد في فكرة ملخصة على عدم حرمان إثيوبيا من حقها في توليد الكهرباء والتنمية مع الحرص على عدم الإضرار بمجتمعات دول المصب.
أما على الجانب الآخر فقد حملت إثيوبيا نوايا سيئة ودخلت إلى المفاوضات واضعة نصب أعينها استغلال قضية السد للسيطرة على النيل الأزرق الذي يعد أكبر رافدًا من روافد النيل وإعادة تشكيل التضاريس في المنطقة بما يتماشى مع مصالحها ومصالحها وحدها.
وفي نفس الإطار ذكرت الصحيفة أن هناك لغزا كلاسيكيا يحكم دومًا المجاري المائية العذبة العابرة للحدود، ويكمن اللغز في أنه لطالما كانت دول المصب بالدلتا السهلية والمنبسطة التي تمتلكها قادرة على تحقيق تنمية أكبر من تلك التي تحققها الدول التي تملتك القدر الأوفر من المياه والأمطار.
ووفقًا لفورين بوليسي ينطبق اللغز تفصيليًا على الحالة المصرية – الإثيوبية، فمصر التي وصفتها الصحيفة بالواحة الصحراوية التي يقطنها 100 مليون نسمة استطاعت تحقيق قدر من التنمية يفوق بكثير ما استطاعت أثيوبيا تحقيقه في الوقت الذي تقع فيه في المنبع ولذلك فهي ترى أنه من حقها توظيف المياه لإنتاج الطاقة الكهرومائية واللحاق بمصر.
وذكرت الصحيفة أن المأزق في هذه الحالة هو أن دول المصب غالبًا ما تتأثر بشكل سيئ بما يحدث في دول المنبع، حيث يمكن أن يتعرض ملايين الأشخاص للآثار المدمرة لنقص المياه. وتزداد هذه الحالة خطورة في حالة السد الإثيوبي والذي تبلغ طاقته التخزينية ضعف طاقة سد هوفر في الولايات المتحدة الأمريكية.
الفورين بوليسي لفتت في تقريرها أيضًا إلى أن هذا السد لو تم ملئه بالكامل دون التوصل لاتفاق مع دولتي المصب ” مصر والسودان” فسيكون له آثار كارثية على المجتمعات السكانية في تلك الدول. والدليل على ذلك أن إثيوبيا عندما مضت في ملء السد منفردة بطاقة استيعابية وصلت إلى خمسة مليارات متر مكعب في يوليو الماضي عانى السودان من اضطرابات في مسألة إمدادات المياه في العديد من المحطات في العاصمة الخرطوم وعلى تلك الخلفية نشأ حديث في الكونجرس عن وقف جزء كبير من المساعدات المادية لإثيوبيا ردًا على قرارها الانفرادي.
وذكرت الصحيفة أن تحقيق التوافق بين الاحتياجات التنموية للجانب الإثيوبي وضرورة الحفاظ على حقوق دول المصب وعلى رأسها حق البقاء ليس بالمعضلة ويمكن تحقيقه.
وبالفعل فإنه في فبراير الماضي قامت الولايات المتحدة بجهود في مسألة الوساطة في مطلع فبراير الماضي حين تم التوصل لصيغة اتفاق تتيح لأديس أبابا توليد الطاقة الكهرومائية بمعدلات مناسبة وبشكل مستدام وفي نفس الوقت الحد من الآثار السلبية للسد على دول المصب ، وفي الوقت الذي وافقت فيه القاهرة على الاتفاق ووقعت عليه بالأحرف الأولى رفضت إثيوبيا التوقيع.
وتلا ذلك وحسب إشارة الصحيفة جولتان من المفاوضات بين العواصم الثلاث ” القاهرة-أديس أبابا- الخرطوم” وهي المفاوضات التي حضرها مراقبون من الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وقد بذلت دولتي المصب جهودًا كبيرة في هذه الجولة من المفاوضات واقترحت حلولًا متعددة تستند إلى مبدأ ” الفوز للجميع” ومع ذلك ظلت أثيوبيا على موقفها المتعنت.
وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن المفاوضات فشلت مع إثيوبيا لأن الأمر بالنسبة لها أبعد بكثير من مجرد إنشاء السد فهي تريد السيطرة على النيل الأزرق وممارسة القوى لفرض سيطرتها في محاولة للتملص من القوانين الدولية التي تحكم الدول المتشاطئة التي تطل على مجرى مائي واحد.
وفي إشارة من الفورين بوليس على التعنت الإثيوبي قالت أن أديس أبابا أرسلت نصًا إلى مجلس الأمن في يونيو الماضي ردًا على الخطوة المصرية المماثلة ، وأبرز النص أن إثيوبيا غير راغبة في التوقيع على اتفاق يكون ملزم لها قانونًا والأكثر من ذلك أنها رفضت تسمية البنود التي يتم التفاوض بشأنها بالاتفاقية. كما رفضت إدراج أي آلية ملزمة لحل النزاعات.
إثيوبيا التي تسيطر عليها طموحات الزعامة طالبت مصر والسودان بالتوقيع على وثيقة تمنحها الحق في تعديل شروط اتفاق بشأن السد الإثيوبي من جانب واحد.
وذكرت الصحيفة أن إثيوبيا تبالغ في تعنتها فتصر على أن أي اتفاق من هذا القبيل يجب أن يمنح إثيوبيا الحق المطلق في القيام بمزيد من مشاريع التنمية وتعديل اتفاقية السد لاستيعاب محطات المياه الجديدة. وبالطبع فإن ذلك يتطلب فعليًا من مصر والسودان التخلي عن حقوقهما على ضفاف النهر وتحويل نفسيهما إلى رهائن للطموح الإثيوبي.
كما تطمح الحكومة الإثيوبية إلى انضمام مصر والسودان إلى اتفاقية الإطار التعاوني ، وهي معاهدة غير فعالة ومثيرة للانقسام تم تصميمها قبل عقد من الزمان لإدارة مياه النيل . كما تريد المساومة على أن أي اتفاق ملزم بشأن السد الإثيوبي ينبغي أن يقابله إقرار من مصر والسودان بإعادة توزيع حصص المياه. الجانب الإثيوبي يسعى باختصار لفرض واقع جديد من خلال إملاء حصص توزيع مياه النهر وتجاهل حقائق جغرافية وتاريخية أكدت أن بقاء مصر معتمد على بقاء النيل.
باحث أول بالمرصد المصري