روسيا

“تسمم” المُعارض الروسي “نافالني” يُثير مخاوف حول ترسانة روسيا من السموم

بدأ كل شيء في الحدوث صبيحة يوم -20 أغسطس – عندما كان المعارض الروسي الشهير أليكسي نافالني في طريقه لقضاء رحلة خارجية تتجه من مقاطعة تومسك الروسية إلى العاصمة موسكو، وشعر بتوعك أعقبه فقدان كامل للوعي. عندها هبطت الطائرة اضطراريا في مطار أومسك، ثم تم نقل نافالني إلى المشفى وإدراجه في وحدة العناية المركزة لمرضى السموم. أعقب ذلك أن دخل أومسك في حالة غيبوبة تامة، وقرر الأطباء أن حالته بالغة الخطورة وتم وضعه على جهاز تنفس اصطناعي.

وفقًا لكيرا يارمش مساعدته الخاصة، إن نافالني احتسى كوبا من الشاي الأسود في أحد المقاهي بمطار تومسك. وبعد خضوعه لجميع الفحوصات اللازمة قرر الأطباء أنه لم يتم العثور على آثار لأي سموم في جسده. وفي تاريخ -22 أغسطس- تم نقله إلى العاصمة الألمانية برلين بغرض تلقي العلاج. وبحلول – 2 سبتمبر- أعلنت الحكومة الألمانية أن نتائج فحص السموم التي تم إجراؤها على نافالني في ميونيخ، أظهرت وجود آثار سموم تنتمي إلى مجموعة نوفيتشوك الروسية في جسد السياسي الروسي المُعارض.

تفاعلات متسارعة مع قصة نافالني

لكن سرعان ما خرج ألكسندر لوكاشينكو الرئيس البيلاروسي في اليوم التالي -3 سبتمبر- لُيعلن أثناء اجتماع له مع ميخائيل ميشوستين رئيس الوزراء الروسي، أن جهاز المخابرات البيلاروسي قد أعترض محادثة هاتفية بين برلين ووارسو، تُفيد بأن قصة تسمم نافالني كانت مزيفة. فيما رد ممثل عن الحكومة الألمانية مؤكدًا أن تصريحات لوكاشينكو غير صائبة.

تلى ذلك أن أعلن ألكسندر ساباييف كبير علماء السموم في منطقة أومسك – 4 سبتمبر- عن تفسيره لما يمكن أن يكون السبب وراء تدهور حالة نافالني، حيث فسر الأمر بأن السياسي لو كان بالفعل قد تعرض للتسمم لكان بالأحرى أن يكتشف الأطباء في جسده أضرارا بالكلى والكبد والرئتين، لكن كل هذه أمور لم تحدث. وعليه، يرى العالِم أن تدهور حالته الصحية قد تكون بفعل تناوله للكثير من الكحول، أو الوجبات الغذائية غير الصحية والاجهاد والإرهاق، او حتى بفعل تخليه عن تناول وجبة الإفطار الصباحية.

فيما أعلنت الحكومة الألمانية أنها سوف تبدأ العمل على اتخاذ موقف مشترك بشأن حالة نافالني بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. بينما ناشد كلاً من حلف الناتو والاتحاد الأوروبي وبريطانيا العظمى والنمسا وليتوانيا وأوكرانيا السلطات الروسية لأجل البدء في إجراء تحقيقات جادة حول حقيقة ما حدث لنافالني.

تعالت الأصوات الأوروبية التي تدعو لتوقيع المزيد من العقوبات على روسيا بسبب تورطها في تسميم نافالني، فيما نادى أحد البرلمانيين الألمان بضرورة معاقبة روسيا من خلال التخلي عن مشروع خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2.

في نفس الوقت الذي دعا فيه مجلس الشيوخ الأمريكي إلى وقف بناء خط الأنابيب ذاته على خلفية نفس الأسباب. فيما علق ديميتري بيسكوف المتحدث الإعلامي للرئيس الروسي، مشيرا إلى أنه لا توجد أي أسباب فعلية تدعو لتوقيع العقوبات على روسيا. ووفقًا له، إنه لم يتم حتى اللحظة توجيه الاتهامات الرسمية الى موسكو، كما أن نتائج الاختبارات التي أجريت على جسد نافالني لم يتم نقلها بعد الى الجانب الروسي. كما أكد الكرملين أنه إذا تم التأكد من تعرض نافالني للتسمم، فسوف يتم فتح تحقيقات جادة في هذه المسألة.

وأشار بيسكوف إلى أن مكتب الأمن الفيدرالي سينقل المواد المسجلة التي وعد ألكسندر لوكاشينكو بنقلها الى الرئيس بوتين شخصيًا.

من هو ألكسندر نافالني؟!

ألكسندر نافالني، سياسي روسي شاب ولد في 4 يونيو 1974. هو محام معروف وشخصية عامة ومدون شهير. نصب نفسه كمكافح للفساد في روسيا. ولقد جنى شهرة واسعة من خلال اجرائه لتحقيقات تتعلق بمسيرة سياسيين روسيين معروفين، لهذا السبب حظي بمعدلات متابعة عالية. ولقد بدأ نافالني حياته السياسية بلحظة انضمامه الى حزب يابلاكا.

ونجح بعد مرور القليل من الوقت، في تولي مناصب قيادية، ولقد كان ذلك بفضل دعم زملائه من أعضاء الحزب. وبمجرد أن تم طرده من الحزب، تحول نافالني الى زعيم سياسي ورائد في الحركة الشعبية. كما تم انتخابه مستشارًا لحاكم منطقة كيروف. وفي عام 2012، شارك في المسيرة الحاشدة التي جرت في ساحة بولوتنايا المناهضة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كما اشتهر نافالني بمواقفه الناقدة للحكومة الحالية في البلاد.

سقوط نافالني.. ما بين إحراج برلين ومخاوف تتعلق بترسانة السموم الروسية

أثارت قضية نافالني الحديث مرة أخرى عن ترسانة السموم الروسية. فقد تعالت الأصوات الأوروبية مُطالبة روسيا بإظهار المزيد من التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية خلال التحقيقات مع ما حدث لنافالني. كما تم التلويح بقدرات بروكسل على فرض عقوبات على روسيا بفعل اقدامها على تسميم نافالني بسم نوفيتشوك. المعروف بأنه مادة ذات سمية عالية تؤثر بشكل مباشر على الأعصاب، وهي تنتمي الى مجموعة من المواد الكيميائية التي خضعت للتطوير ابان حقبة الاتحاد السوفيتي، خلال السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي في أحد المختبرات في أوزبكستان، مباشرة قبيل تفكك الاتحاد عام 1991. وهي مواد شديدة السُمية تُعرف باسم الجيل الرابع من الأسلحة الكيميائية. وكان الكيميائي فيل ميرزايانوف هو الشخص الذي افتضح أمر هذه المجموعة أمام وسائل الإعلام الروسية خلال التسعينيات، ثم سرعان ما هرب بعد ذلك الى الولايات المتحدة وهناك قام بنشر الصيغة الكيميائية لهذا السم في كتابه تحت عنوان أسرار الدولة. تلي ذلك، أن سافر مسئولون لدى وزارة الدفاع الأمريكية الى أوزبكستان عام 1999، لأجل المساعدة في تفكيك وتطهير واحدة من أكبر منشآت اختبار الأسلحة الكيميائية لدى الاتحاد السوفيتي السابق.

وترى بعض وكالات الاستخبارات الغربية أن مادة نوفيتشوك قد تم تعديلها، منذ ذلك الحين حتى تتحول الى سلاح يتم استخدامه من قبل الروس في تنفيذ عمليات الاغتيالات السرية. كما تجدر الإشارة الى أن سم نوفيتشوك يمكن استخدامه في صورتها السائلة أو الصلبة، وهو سم فتاك تبدأ اعراضه في الظهور بسرعة شديدة في فترة تتراوح بين 30 ثانية الى دقيقتين. ومن المُرجح أن تكون الطريقة الرئيسية للتعرض لهذا اسم عن طريق الاستنشاق أو الابتلاع، على الرغم من أنه يمكن أيضا امتصاصه من خلال الجلد.

وفي الوقت الذي بدأت تلوح في الأفق حملة غربية جديدة ضد روسيا على خلفية ما تعرض له نافالني. أظهرت روسيا وحلفاءها رد فعل مُعاكس من شأنه، أن يضفي بعد جديد على المشهد ويتسبب بالإحراج الشديد لبرلين ويضعها في مشهد من يرغب بالتملص من اتفاقياته المسبقة بشأن خطوط الغاز مع روسيا. وذلك وفقًا لما نشره التليفزيون البيلاروسي الرسمي، والذي نشر تسجيلات تتقصى محادثات بين برلين ووارسو حول حالة أليكسي نافالني. وخلال المُكالمة، يسأل مُمثل بولندا محاوره “كيف نُبلي؟!”. ويجيب المحاور، “إن كل شيء يسير وفقًا لما خُطط له، وكل المستندات المتعلقة بنافالني تم نقلها بالفعل الى إدارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل”. وتساءل ممثل وارسو عما إذا كان نافالني قد تعرض بالفعل للتسمم، فأجابه الطرف الآخر مشيرًا الى أن هذا الأمر، ليس مهمًا خاصة وأن هناك حرب، ومادام هناك حرب فإن كل الوسائل ممكنة ومتاحة.

فردد ممثل بولندا، “أنا موافق، إذ أننا يجب أن نُثني بوتين عن تدخلاته في الشئون المُتعلقة ببيلاروسيا. والطريقة الأكثر فاعلية لأجل فعل ذلك هي إغراقه في المزيد من المشكلات المتعلقة بروسيا نفسها، ويوجد هناك بالفعل الكثير من هذه المشكلات.” وتابع المُتحدث، “علاوة على ذلك، من المقرر أن يتم اجراء انتخابات في عدد من المناطق داخل روسيا بالمستقبل القريب”.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

داليا يسري

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى