
روسيا.. قبل وبعد التعديلات الدستورية الجديدة
انتهت روسيا من التصويت على التعديلات الدستورية، وبدأت بالفعل مع حلول أول يوليو في المضي قدما نحو مرحلة جديدة من حياتها السياسية. وكانت لجنة الإنتخابات المركزية في روسيا، قد أعلنت في وقت سابق من هذا الأسبوع، أن الاستطلاع أنتهى بالموافقة على التعديلات، بنتيجة 77.92% من الأصوات الموافقة، و21.27% رافضة لها.
وجرى الاستطلاع الطموح بالتزامن مع التفشي الكبير لفيروس كورونا في البلاد. بحيث لم يمنع تجاوز إجمالي وفيات روسيا من الفيروس للـ 10 آلاف وفاة، وتجاوز معدل الإصابات عن نصف مليون إصابة، القيادة السياسية عن التحرك تجاه المزيد من الخطوات التي كانت موضوعة سلفًا على أجندتها السياسية لعام 2020، قبل انتشار جائحة كورونا.
ومدت اللجنة المركزية للانتخابات الروسية، تيسيرًا على الناخبين ورغبة في التخفيف من حدة التكدس الفترة المتاحة للتصويت إلى سبعة أيام متتالية، بالإضافة إلى إتاحة التصويت عبر الإنترنت. وهو الأمر الذي أدى الى حدوث تداخلات كبيرة، نقل محللون أنها تلقي بظلالها على مدى مصداقية الاستفتاء بشكل كلي. وذلك بعد أن قام عدد من الصحفيين بتجربة الإدلاء بأصواتهم مرتين سواء من خلال الاستطلاع بشكل الكتروني أو الاستطلاع العادي.
تعديلات محورية قبل وبعد
فيما يتعلق بالشق الروحي والاجتماعي، يذكر الدستور الروسي في إطار التعديلات الجديدة، لأول مرة كلمة “الله”، ويفرض على الدولة الالتزام بضمان “النمو الروحي والمعنوي والفكري والجسدي الشامل للأطفال”. كما يُعزز من الروح الوطنية واحترام كبار السن، ويدرج في إطار التزاماته ما يضمن أن يرعى المواطنون البالغون والديهم. كما تنص نفس المادة على توفير حماية لمؤسسة الزواج، والتي تُعرف بأنها “اتحاد الرجل والمرأة”.
أما على الصعيد السياسي، يُعد التغيير الأبرز هو ذلك الذي يسمح للرئيس بوتين بالبقاء في السلطة حتى عام 2036. لكن في الوقت نفسه، يمنع الدستور الجديد خليفة الرئيس بوتين من أن يحظى بنفس الفرصة، بحيث لن يكون قادرا على إعادة الترشح بما يفوق فترتين.
كما أصبحت المتطلبات اللازمة للترشح لمنصب الرئيس الروسي، أكثر صرامة. إذ أنه قد تم منع أولئك اللذين سبق لهم الحصول على جنسية أخرى أو حتى تصريح إقامة في بلد آخر، بالإضافة الى أولئك اللذين عاشوا في روسيا لفترة تقل عن 25 عامًا، لا يمكن الموافقة على ترشحهم لهذا المنصب.
وفيما يتعلق بالدور الجديد لمجلس الدولة، فقد أصبح بمقدورها الآن تحديد اتجاهات السياسة الداخلية والخارجية، بالإضافة الى تحديد التوجهات الاجتماعية والاقتصادية للدولة. ولم يتبين بعد بشكل واضح، طبيعة النفوذ الإداري الذي سوف تتلقاه الهيئة الجديدة، والطريقة التي من المقرر أن تتفاعل بها مع بقية أفرع الحكومة الأخرى. إذ أن كل جميع هذه الإشكاليات يجب أن تتقرر ورفقًا لقانون اتحادي سوف يتم كتابته في أعقاب الانتهاء من اعتماد الدستور الجديد.
وبالنسبة لدور الرئيس، فإن التعديلات الجديدة تُعزز من دوره وتعمل على توسعة صلاحياته. إذ أن الرئيس وفقًا للدستور الجديد، سوف يكون مسئولاً عن الاضطلاع بمهام القيادة الحكومية العامة، وسوف يتحمل رئيس الوزراء المسئولية الشخصية أمامه. وبالإضافة الى ذلك، فإن الدستور يمنح الرؤساء السابقين الحصانة. وسوف يحق للرئيس بعد الانتهاء من أداء مهام فترته الرئاسية، أن يشغل مقعد السيناتور مدى الحياة.
بنود دستورية مثيرة للجدل
في 2015، وقع فلاديمير بوتين على قانون يسمح للمحكمة الدستورية بعدم قبول تنفيذ قرارات المحاكم الدولية في حال كانت قراراتها تتعارض مع بنود الدستور الروسي. وهو الأمر الذي أثار حفيظة مراقبون دوليون، إذ أن روسيا تعد عضوًا في مجلس أوروبا، وصدقت من قبل على اتفاقية حقوق الانسان، بالشكل الذي يعني التزامها التام بالامتثال الى قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان.
وفي مستهل عام 2020، جدد الحديث عن التعديلات الدستورية بارقة الأمل حول إمكانية استبعاد هذا البند من الدستور الروسي. ولكن بلا طائل، إذ أن السلطات الروسية تصر على أن تمسكها بهذا البند لا يعني عدم احترامها للمعاهدات الدولية، وأنه سوف يتم تفعيله فقط في حالات استثنائية.
هناك أيضًا أحد التعديلات الأخرى المثيرة للجدل، وذلك لأن الدستور الجديد يحظر اتخاذ أي إجراءات تُقلص من حجم الأراضي الخاضعة لسيادة الدولة. وفي الوقت نفسه ينص بند آخر، أن هذا –الحظر- لا ينطبق على إمكانيات إعادة ترسيم الحدود مع دول الجوار. وهو الامر الذي يلقي بظلاله على نوايا بوتين تجاه جارته اليابان والطريقة التي من المفترض أن تتوصل بها الدولتان إلى حل بخصوص النزاع التاريخي على جزر الكوريل.
وفيما يتعلق بالمحكمة الدستورية، التي تُعد بمثابة واحدة من أقوى الهيئات الموجودة في روسيا بالوقت الراهن، والتي تمتلك حق اصدار قرارات نهائية لا رجعة فيها ولا استئناف. تقرر وفقًا للتعديلات الجديدة أن يتم تقليص عدد القضاء العاملون بها، من 19 قاضي إلى 11 قاضي. ووفقًا للتعديلات، لن يتم اقصاء أي قاضي في الوقت الراهن. وسوف تكتفي المحكمة بعدم البحث عن بدلاء للقضاء الحاليون بمجرد خروجهم الى سن التقاعد.
وختامًا، وجهت انتقادات الى الدستور الروسي لأسباب عدة من ضمنها عدم ظهور بنود محددة وواضحة به تجيز الزواج بين المثليين، كما تم انتقاد ظهور لفظة “الله” في الدستور نظرًا لما رآه البعض بأنها تتعارض مع فكرة علمانية الدولة، بالإضافة الى وجود انتقادات أخرى بحق عددًا من البنود السياسية. وهناك سؤال يطرح نفسه في هذه الحالة، كيف تتصرف أكثر الأطراف تشدقًا بقيم الحرية ومطالبة بها، بالشكل الذي يسمح لها بالاستمرار في التدخل في الخطوات المصيرية لأمم أخرى، ومطالبتها بالخضوع لإملاءات وتوجهات قد يرى المجتمع نفسه – صاحب القرار الأول- أنها تخالف هويتهم الثقافية ورغباتهم السياسية؟!
باحث أول بالمرصد المصري