كورونا

كورونا.. القشة التي قد تقصم ظهر النظام التركي

تكشف الأزمات دائمًا عن الوجه الحقيقي للدول، بعيدًا عما تحاول أن تصوره عن نفسها من خلال تصريحات مسؤوليها أو أحاديث إعلامها. وأماطت أزمة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” اللثام عما حاول نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إخفاءه من ضعف إدارته السياسية وهشاشة بنيان نظام حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.

تكتم وحجب للحقيقة

“ليس هناك فيروس أو وباء أقوى من تركيا” هكذا صوّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداد بلاده وقوتها للتعامل مع أزمة كوفيد-19، ولكنها في الوقت ذاته تكتّمت على انتشار الفيروس في بادئ الأمر، وتباهت بأنها لم تسجل أي إصابة بالفيروس حتى يوم 11 مارس 2020، وهو اليوم الذي أعلنت فيه تسجيل أول حالة مصابة بالفيروس لمواطن تركي عائد من أوروبا.

وكان خلو تركيا من أي إصابات بكوفيد-19 حسب التصريحات الرسمية لمسؤوليها وعلى رأسهم وزير الصحة فخر الدين قوجة، مثار افتخار للنظام التركي والإعلام الموالي له الذي روّج إلى أن 26 دولة تواصلت مع السلطات التركية لطلب استشارات حول تجربة أنقرة في احتواء الفيروس وخلوها من الإصابات به رغم تفشيه في الكثير من الدول المجاورة لها ومنها إيران والعراق. وأرجع المسؤولون الأتراك هذا إلى إدراك السلطات المبكر للتهديد، وهو ما ثبت زيفه بعد ذلك.

الحجب وانعدام الشفافية الذي تعاملت به الدولة التركية مع جائحة كورونا انكشف بعد هذا اليوم، إذ أصبحت أعداد الإصابات والوفيات تتزايد بمعدلات سريعة يوميًا، وأصبحت الزيادة تتم –كما يسميها علماء الإحصاء- بمتوالية هندسية وليس بمتوالية عددية، أي أن أعداد الإصابات تتضاعف، لتسجل أكثر من 60 ألف إصابة في خلال شهر واحد من إعلان أول حالة، وأصبحت تركيا تاسع أكثر الدول إصابة بالفيروس على مستوى العالم. وهذا الإنكار التركي ساهم في جعل تفشي الفيروس في البلاد أسوأ بكثير مما كان سيحدث.

وحجبت نظام حزب العدالة والتنمية المعلومات عن المسؤولين المعارضين لسياساته، فقد صرح رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو بأنه لا يعلم شيئًا عن معدل إشغال المرضى بمستشفيات إسطنبول لأن وزير الصحة لا يمده بالمعلومات، مطالبًا بالشفافية في إدارة الأزمة.

تخبط وانعدام لإدارة الأزمة

يبدو جليًا من الإجراءات التي اتخذتها تركيا وتوقيتاتها أنه لم تكن هناك خلية عمل لإدارة الأزمة بشكل مؤسسي، ولم يكن هناك تحسب وإدراك مبكر للأزمة وكيفية التصرف معها، بدءًا من عملية الإعلان اليومية عن الإصابات والوفيات وحالات الشفاء بكورونا في أنحاء البلاد، إذ نجد تضاربًا في البيانات بين ما يعلنه وزير الصحة وما يقوله الرئيس التركي في خطاباته، وأحيانًا ما يكون التضارب على مستوى اليوم الواحد، ففي يوم 25 مارس أعلن أردوغان عن عدد الحالات المصابة بلغ 8554، وبعد ساعتين أعلن وزير الصحة أن العدد هو 2433.

تخبط في المعلومات صاحبه تخبط في الخطط والاستراتيجيات التي من المفترض أن تكون موضوعة للتعامل مع الأزمة، فالرئاسة التركية نفت في 17 مارس نيتها فرض حظر تجوال، واتهم وزير الداخلية “سليمان صويلو” المطالبين بذلك بالخيانة والتبعية لجماعة فتح الله جولن، ولكنه لم يلبث إلا وقال إن مسألة حظر التجوال مطروحة على جدول أعمال الحكومة.

وانتظرت السلطات التركية حتى 27 مارس الماضي عندما وصل عدد الإصابات إلى 5698 حالة، لتعلن وقف الرحلات الجوية للخارج ومنع التنقل بين المدن التركية وغلق المتنزهات وإنشاء مجلس لمكافحة الوباء.

إدراك متأخر لفداحة الكارثة

C:\Users\DELL\Desktop\20200401101425afpp--afp_1qb4yt.h.jpg

قرابة الشهر ونصف منذ الإعلان عن أول إصابة في تركيا، انتظرتها الحكومة التركية حتى تتخذ مثل هذه الإجراءات الاحترازية، وحتى تنشئ “مجلس لمكافحة الوباء”، رغم أن المجلس العلمي التركي أعلن في 21 مارس أنه أرسل مذكرات مطلع يناير الماضي يحذر فيها الحكومة التركية من خطر الفيروس. وساهم هذا التأخر في اتخاذ مثل هذه الإجراءات إلى زيادة الإصابات بأكثر من 60 ألف إصابة في غضون أسبوعين فقط منذ الإعلان عن الإجراءات.

واستمر التخبط في القرارات غير المدروسة بإعلان وزير الداخلية التركي “سليمان صويلو” حظر التجول الكامل في 31 مدينة يوم 10 أبريل، وذلك قبل ساعتين فقط من موعد سريان الحظر، وهو ما نتج عنه تزاحم وتكدس المواطنين في الشوارع والأسواق لشراء السلع والمواد الغذائية وحدوث الكثير من الشجارات العنيفة بين المواطنين أمام المحال والأسواق ما دفع الشرطة للتدخل للتفريق بينهم، وقيام شخص بإطلاق النار صوب رجال الشرطة.

وهو الأمر الذي زاد من خطر تفشي الفيروس بين هذه الجموع التي نزلت إلى الشوارع في وقت واحد، في حين أن هدف التأخر عن موعد تطبيق حظر التجول هو منع المواطنين من التكدس في الأسواق حسبما برر صويلو قراره، مما زاد من حدة الانتقادات الموجهة إليه وإلى نظام العدالة والتنمية الحاكم، وتعالي صيحات المعارضة من قبل الأحزاب المناوئة والحليفة على حد سواء، مما دفع وزير الداخلية إلى تقديم استقالته إلى الرئيس التركي الذي رفض هذه الاستقالة.

الاقتصاد التركي على المحك

تكتم الدولة التركية على حقيقة تفشي الفيروس بين مواطنيها وتأخرها في اتخاذ التدابير الاحترازية اللازمة كان خشية التأثير على اقتصادها القائم بشكل كبير على السياحة التي تدر نحو 30 مليار دولار، إضافة إلى حركة الطيران، هذا في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد التركي أصلًا، مع استمرار تهاوي الليرة مقابل الدولار، والسياسات الاقتصادية الخاطئة التي تبناها النظام التركي.

ضاعفت أزمة كورونا من الوضع الاقتصادي الهش الذي تعيشه تركيا، إذ ارتفع الدولار الأمريكي مقابل الليرة التركية مسجلًا 8 ليرة، بعد أن كان 6 ليرة قبل الأزمة، وتراجع الاحتياطي النقدي التركي من العملة الأجنبية إلى حد دفع البنك المركزي التركي في 9 أبريل الجاري إلى تقديم طلب إلى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لتغطية احتياجات تركيا من الدولار لمكافحة تفشي كورونا.

وستخلف هذه التداعيات الاقتصادية للفيروس تداعيات اجتماعية أعمق، مع ارتفاع البطالة 13.8% على خلفية انتشار الفيروس، ومن المؤكد أنها ستزداد بشكل أكبر بسبب الوضع الناشئ عن تفشي كورونا، فقد ضربت أزمة كورونا تركيا في أشد لحظات ضعفها حسب وصف نائب رئيس الوزراء السابق على باباجان، مؤكدًا أن الوضع المالي في البلاد شديد الخطورة.

المعارضة تزداد شراسة

فشل نظام حزب العدالة والتنمية الحاكم في التعامل مع أزمة كوفيد-19 وتخبطه في اتخاذ قرارات حاسمة بإجراءات وتدابير احترازية لاحتواء انتشار الفيروس، ساهم في ازدياد الغضب الشعبي من النظام التركي، وتعالي وصيحات المعارضة ضده، فهو اتهم المطالبين بفرض حظر تجوال بالخيانة ثم أعلن حظر التجوال بعد فوات الأوان وبشكل مفاجئ ودون أي خطة، وقال معارضون إن النظام لم يبلغ رؤساء البلديات التابعين لحزب الشعب الجمهوري بقرار حظر التجوال، مؤكدين أن الحكومة لم يكن لديها أي سيناريو بشأن الجائحة ولم تستطع إدارة الأزمة، وغلّبت الحسابات السياسية على صحة المواطنين، وافتضح أمرها أمام العالم كله.

تضافرت جهود المعارضة التركية في استغلال هذه التصرفات غير المدروسة لكشف فشل النظام الحاكم، سواء المعارضون القدامى مثل كمال كليتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري، أو المعارضون الجدد والحلفاء القدامى مثل أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب المستقبل، وعلي باباجان نائب رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب الديمقراطية والتقدم.وفسر كثيرون استقالة وزير الداخلية سليمان صويلو بأنها مسرحية سياسية جاءت لإنقاذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظامه، وامتصاص هذه الحالة العارمة من الرفض الشعبي. مما يطرح تساؤلات كثيرة حول مستقبل الحزب الحاكم الذي يشهد فصولًا لا تتوقف من الاستقالات والانشقاقات، وغضب شعبي متزايد، ومعارضة تزداد شراسة كل يوم، واقتصاد يعاني من أزمات عميقة. والبلد مقبل على انتخابات في 2023، من المؤكد أن تعامل النظام مع أزمة كورونا سيؤثر على حظوظه فيها، وسط تكهنات باحتمالية إجراء انتخابات مبكرة.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد عبد الرازق

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى