
طرابلس … محاولة أخيرة لإنعاش الحل السلمي
على الرغم من خلط الأوراق الذي أحدثته استقالة المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة، والتي جاءت معبرة بشكل كبير عن الموقف الحالي لمسار الحل السياسي للأزمة الليبية. إلا أنه بات من الواضح أن جهودًا أوروبية وعربية وأفريقية متزامنة، بدأت في العمل ضمن مسار موحد، في محاولة أخيرة لإنعاش مخرجات مؤتمر برلين، التي باتت في مهب الريح، عقب فشل جولات بحث المسار السياسي والعسكري والاقتصادي، في الوصول إلى نتائج ملموسة.
في هذا الإطار نستطيع أن نضع بعض التحركات الدبلوماسية التي تمت خلال الأيام القليلة الماضية، منها تريث الأمم المتحدة في تعيين مبعوث دولي جديد إلى ليبيا، وتفضيلها تعيين نائبة المبعوث السابق ستيفاني وليامز، في منصب المبعوث الأممي بالإنابة، ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وهذا كان المؤشر الأقوى على استمرارية وجود رغبة دولية في إنعاش مخرجات مؤتمر برلين، الذي كان انعقاده هو الإنجاز الوحيد الذي تم الوصول إليه، خلال فترة تولي المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا لمنصبه. لهذا فضّلت الأمم المتحدة تعيين السفيرة وليامز، لمحاولة استكمال مسارات جنيف الثلاث، المنبثقة عن مؤتمر برلين.
الجهود الدولية لإحياء مسارات جنيف
الحراك السياسي الضاغط في اتجاه مواصلة المسير في مسارات جنيف الثلاثة، ينقسم إلى ثلاثة اتجاهات، دولية وعربية وأفريقية. الاتجاه الدولي تقوده كل من فرنسا وإيطاليا وألمانيا، وقد بدأ فعليًا عبر استقبال كل من باريس وبرلين لقائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، وعبر مكالمة هاتفية أجرتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج أمس. تدخل إيطاليا الأسبوع المقبل على خط هذه المشاورات، بزيارة يعتزم رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي القيام بها للعاصمة الألمانية برلين، بهدف مناقشة تطورات الأوضاع في ليبيا، وبحث كيفية تنسيق جهود العواصم الثلاث، من أجل استئناف مسارات جنيف المنبثقة عن مؤتمر برلين.
كذلك كان من المقرر أن يُعقد في العاصمة الإيطالية روما، في التاسع عشر من الشهر الجاري، اجتماع للجنة المتابعة الدولية التي تضم وزراء خارجية الدول المعنية بالملف الليبي، إلا أنه تم تأجيله لأجل غير مسمى، على خلفية تفشي وباء (كورونا) على الأراضي الإيطالية.
الجهود العربية من أجل إحياء مسارات جنيف
عربيًا، تتصدر الجزائر في الوقت الحالي، الجهود العربية لإعادة إحياء مسارات جنيف الثلاث، فبعد استضافتها لوزير الخارجية في حكومة بنغازي، عبد الهادي الحويج، ووزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارة الكومنولث والشؤون الخارجية البريطانية جيمس كليفرلي، تستضيف حاليًا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، في زيارته الثانية للجزائر هذا العام، والتقى خلالها كل من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ووزير خارجيته صبري بوقادوم، وهي زيارة مهمة في هذا التوقيت، يتوقع أن يتم فيها تنسيق المواقف بين الدولتين بشكل خاص، وبين الجهود العربية والأوروبية بشكل عام. كذلك استقبلت العاصمة الجزائرية الأربعاء الماضي، رئيس المجلس الأعلى للدولة (طرابلس) خالد المشري، الذي عقد مباحثات مع وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم.
الجزائر في هذه المرحلة، تنسق جهودها فيما يتعلق بالملف الليبي، مع عدة دول عربية وأفريقية، من بينها تونس، التي تبقى دائمًا على تواصل مستمر مع الجزائر فيما يتعلق بالملف الليبي، وآخر مؤشرات هذا التواصل كان اللقاء الذي جمع بين وزير الشؤون الخارجية التونسي نور الدين الريّ، وسفير الجزائر في تونس عزوز باعلال، هذا رغم تأجيل رئيس الجمهورية الجزائرية لزيارته التي كانت مقررة منتصف الشهر الجاري إلى العاصمة التونسية، وذلك على خلفية وباء (كورونا). كذلك تناقش وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، حول دعم الجهود الجزائرية للحل في ليبيا، وذلك خلال زيارة بوقادوم إلى نواكشوط الثلاثاء الماضي.
مصر بدأت بدورها عدة مسارات لدعم التوجهات العربية والدولية، من أجل إحياء مسارات جنيف حول ليبيا، إذ بدأ وزير الخارجية المصري سامح شكري، جولة أوروبية، تشمل كلًا من بلجيكا وفرنسا، وذلك للتشاور مع الاتحاد الأوروبي وباريس حول مستقبل المسار السياسي في ليبيا. وقد التقى بالفعل الوزير شكري بالممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي ونائب رئيسة المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل. هذه اللقاءات تمت في ظل جهد مواز من جانب البعثة المصرية الدائمة في الأمم المتحدة، التي أرسلت إلى الأمين العام للمنظمة الدولية، رسالة توضح فيها استمرار الحكومة التركية في إرسال المرتزقة والأسلحة إلى العاصمة الليبية.
الجهود الأفريقية لإحياء مسارات جنيف
أفريقيًا، انتهت أمس اجتماعات مجموعة الاتصال التابعة للاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا، والتي انعقدت في مدينة أويو بجمهورية الكونغو على مدار يومين، وخلالها تقرر عقد المؤتمر الوطني الجامع لكافة الأطراف الليبية، في شهر يوليو القادم، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.، إلا أن دولًا أخرى على رأسها الجزائر، أعلنت عن استعداداها استضافة هذا المؤتمر، وذلك على لسان رئيس حكومتها عبد العزيز جراد، الذي ترأس وفد بلاده في هذه الاجتماعات. جنوب أفريقيا دخلت أيضًا على خط هذه المشاورات، فقد استقبلت هذا الأسبوع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، وعقد السفير الأمريكي في ليبيا ريتشارد نولاند، والقائم بالأعمال الأمريكي في جنوب أفريقيا إيان مكاري، عدة اجتماعات مع مسؤولين في وزارة الخارجية الجنوب افريقية، تناولت الملف الليبي والدور الأفريقي فيه.
في ظل هذا الزخم السياسي، أكد الجيش الوطني الليبي، عبر المتحدث باسم قائده العام، على أن موقفه من مسارات جنيف الثلاثة مازال كما هو، مشيرً إلى أن السبب الرئيس في الفشل المتكرر لجهود المبعوثين الأمميين في ليبيا، هو تعاملهم مع الملف الليبي من زاوية سياسية، متجاهلين حقيقة ان هذه الأزمة هي أمنية وعسكرية بشكل أساسي، تعاني فيها ليبيا من وجود إرهابي وميليشياوي على أراضيها، وكذلك تجاهلهم لدور القبائل الليبية ووزنها في المعادلة الوطنية الليبية، والذي تم تعزيزه عبر المشاركة القبائلية الواسعة في اجتماع ترهونة الأخير. وأكد المتحدث باسم قائد الجيش الوطني، أن زيارة المشير حفتر الأخيرة إلى برلين وباريس، شكلت تطورًا جديدًا ومهمًا، يتمثل في أنها كانت زيارة رسمية، مشيرًا إلى أن الموضوع الأساسي لمباحثات هاتين الزيارتين، كان محاولة إحياء مخرجات مؤتمر برلين.
خروقات ميليشيات الوفاق… محاولات يائسة لتحقيق تقدم ميداني
في هذه الأثناء، تستمر محاولات ميليشيات حكومة الوفاق، ومجموعات المرتزقة السوريين التابعة لها، لتحقيق تقدم ميداني في محاور طرابلس الجنوبية، ومصراتة الشرقية. المحاولات شملت المحاور الشرقية لمدينة مصراتة، وتحديدًا مواقع الجيش الوطني الليبي في منطقتي البغلة ووادي زمزم جنوبي منطقة أبو قرين. إلا أنها فشلت في تحقيق أي تقدم، خاصة بعد تنفيذ سلاح الجو الليبي، لأكثر من سبع غارات على تجمعات الميليشيات في هذا المحور.
جنوبي طرابلس، حاولت ميليشيات الوفاق تنفيذ هجمات متكررة على مواقع الجيش الوطني الليبي شرقي وجنوبي مدينة غريان، الواقعة جنوب العاصمة، وشهدت منطقة الهيرة اشتباكات عنيفة، إلا أن قوات الجيش الوطني تمكنت من صد هذه الهجمات والحفاظ على مواقعها.
في محور مطار طرابلس، شنت ميليشيات الوفاق خلال الساعات الماضية، هجومًا على محور الرملة الواقع جنوبي المطار، دون أن تتمكن من تحقيق تقدم يُذكر. كذلك حاولت الميليشيات الهجوم على تمركزات الجيش الوطني شرقي العاصمة، وتحديدًا منطقتي الرواجح والزيانية، لكن تم صد هجماتها بدعم جوي.
باحث أول بالمرصد المصري