
نشاط الإخوان في أوروبا..استراتيجية جديدة للتنظيم
تتبنى جماعة الإخوان في أوروبا استراتيجية جديدة للتخفي والتمويه، عبر إعادة هيكلة مؤسساتها مرة أخرى. حيث قرر اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا والذي ينشط منذ عام 1989، ويضم أكثر من 20 جمعية من مختلف الدول الأوروبية، إلى تغيير اسمه إلى “مجلس مسلمي أوروبا”. ويعتبر الاتحاد الجناح الأوروبي لتيار الإخوان العالمي.
في مؤتمره العام الذي انعقد في الفترة من 23 إلى 26 يناير 2020 في مدينة إسطنبول، اعتمد ممثلو المؤسسات الأعضاء، وبنسبة من الاصوات تفوق السبعين بالمائة، تغيير اسم “اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا” ليصبح “مجلس مسلمي أوروبا”. ويشير الاتحاد إلى أن الاسم الجديد جاء استجابه لثلاثة اعتبارات مهمة: فلفظ “مجلس” يعني الانفتاح والتنوع والتشاركية، ولفظ “مسلمي” يشير إلى الانتماء الديني وما يقتضيه من التزام قيمي وأخلاقي ولفظ “أوروبا” يرمز إلى الانتماء الجغرافي وما يترتب عنه من مقتضيات المواطنة.
” سمير فلاح” هو الرئيس الحالى لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا ويتخذ من برلين مقرًا له، كما أنه الرئيس السابق للجمعية الإسلامية فى المانيا (IGD) التى غيرت اسمها إلى الجمعية الإسلامية الألمانية منذ عامين. ويتسم اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا بقدر ضئيل من الشفافية فيما يتعلق بتشكيل مجلس إدارته وهيكله. وعلى الرغم من وجوده على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن المنظمة نفسها لا تزال غير مُحددة الملامح.
وفي ألمانيا، لا تقدم الجمعية الإسلامية الألمانية DMG أي معلومات حول تشكيل مجلس إدارتها، ورغم أن المجلس المركزي للمسلمين ZMD يوفر بالفعل معلومات عن مجلس الإدارة، فإن القائمة الحالية لأعضاء الكيانات القانونية مازالت سرية، وإذا جاز التعبير فهي “مغلقة”، كما لم تقدم الجمعية الإسلامية فى ألمانيا IGD أية معلومات عن نفسها للسلطات الألمانية. وقام المجلس المركزي للمسلمين ZMD باتباع مفهوم لمحاكاة هيكل داخلي ديمقراطي فيدرالي لصرف الانتباه عن الجمعيات الأعضاء فيه. وتم تأسيس جمعيات تابعة لجماعة الإخوان في ألمانيا، وهو ما يعد مستوى آخر من التعتيم بين مهمة المنظمة العضو والمجلس المركزي للمسلمين ZMD، لأنه يقتصر فقط على معرفة أي جمعية ينتمي إليها الأشخاص المحددون وكيف يمكن تصنيفها.
جماعة الإخوان في ألمانيا
يعود تاريخ وجود تنظيم الإخوان الإرهابي في ألمانيا إلى فترتي الخمسينيات والستينيات، عندما غادر عدد من أعضاء التنظيم مصر فرارًا من الاعتقال، وقدمت لهم ألمانيا الغربية ملجأ، مما مكن التنظيم أن يزرع خلايا له في ألمانيا، والتي وصلت لحد أنه اتخذ من مدينة ميونخ مقرا لعمل التنظيم الدولي للجماعة في عام ١٩٨٣ على يد مهدي عاكف ويوسف ندا، وأحرزوا بذلك نفوذًا مهمًا وقبولاً سياسيًا، أكثر من أي مكان آخر في أوروبا.
وعلى هذا، تعد ألمانيا من أهم المعاقل التي يتحرك فيها التنظيم الدولي في أوروبا والعالم، خاصة أن نفوذ الجماعة هناك لا يعتمد فقط على الأعضاء المنتسبين لها، بل يتكامل معه منظمات تركية تابعة للجالية التركية، عززه تزايد ملحوظ في نفوذ الجماعة عبر استغلال نقص دور العبادة للمسلمين الذين قدموا كلاجئين خاصة في ولاية سكسونيا لتوسيع هياكلها ونشر تصورها عن الإسلام السياسي ويجرى حاليا شراء مبان على نحو كبير لتأسيس مساجد أو ملتقيات للمسلمين في العديد من المدن والولايات. كما ينشط الإخوان في الشبكات الاجتماعية في المدن، وعلى الإنترنت، بهدف توسيع نفوذ التنظيم، وينشط الأعضاء أيضاً بين اللاجئين عبر تقديم المساعدات والمشاركة في الترجمة لهم أمام دوائر اللجوء والهجرة والسكن.
مراحل تنامي وانتشار جماعة الأخوان في ألمانيا
مر تاريخ جماعة الإخوان في ألمانيا بأربعة مراحل أساسية:
المرحلة الأولى، وهي مرحلة تغاضي ألمانيا عن وجود تحركات لتنظيم الإخوان الإرهابي، وكان هذا سببًا في اتساع نشاط الجماعة في ألمانيا التي تعد المركز الرئيسي لنشاط التنظيم الدولي.
المرحلة الثانية، بدأت بعد الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩، حيث شرعت الحكومة الألمانية في اتخاذ موقف احترازي ضد الثورة الإسلامية وضد الجماعة التي انتشرت بقوة في ألمانيا، واستمرت حتى أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث بدأت ألمانيا فى تكثيف جهود تعاونها مع مصر وغيرها من دول الشرق الأوسط لمواجهة الجماعات الإرهابية. فى تلك الأثناء رفضت الحكومة الألمانية أن تجمعها علاقات مباشرة مع التنظيم الدولي.
المرحلة الثالثة، بدأت بعد الثورات العربية في 2011، مع تزايد احتمالات وصول الإخوان للحكم في الدول التي قامت بها ثورات، بدأت ألمانيا في مد جسور التفاهم مع الإخوان ومنح فرصة للإسلام السياسي ليتولى الحكم في تلك البلاد.
المرحلة الرابعة، بدأت مع تزايد العمليات الإرهابية في ألمانيا، حيث اكتشفت أن فكر الجماعة يدعو إلى الإرهاب ويحض على العنف، خاصة في اعقاب تنامي التطرف محليا وداخليا في المدن الألمانية، المتورطة بتقديم الدعم اللوجستي إلى التنظيمات المتطرفة في العراق وسوريا ودولا أخرى. وبدأت التقارير تتوالى من مختلف الولايات تحذر من الخطر المتنامى للجماعة وأدركت برلين مخاطر الإسلام السياسي. الذى يهدف إلى “أسلمة المجتمع الأوروبي” وتغيير هويته.
وتقوم استراتيجية الإخوان في ألمانيا على الاندماج في المجتمع لتحقيق أهدافها، بما في ذلك إقامة علاقات قوية مع أجهزة الدولة والسياسيين والكتاب ومنظمات المجتمع المدني، والظهور بشكل نشط في الإعلام. بالإضافة إلى استراتيجية الدعاية والانتشار، من خلال المنظمات الثقافية والمساجد، وتقديم نفسها للدولة الألمانية باعتبارها لسان حال المسلمين، بل أنها تحاول التأثير على السياسة والمجتمع في الولايات التني تنتشر فيها.
المنظمات التي تعمل تحت غطاء الجماعة في ألمانيا
هناك العديد من المنظمات والجمعيات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية التي يستخدمها الإخوان ويستغلونها في تحركاتهم مثل:
الجماعة الإسلامية في ألمانيا(GID): تم تأسيسها عام 1958، من أجل خدمة قدامى محاربي الحرب العالمية الثانية للمسلمين، وتعتبر الآن المنظمة الرئيسية لأخوان في ألمانيا. ويمثل المركز الإسلامي في ميونخ الخطوة الأولى تجاه الجمعية الإسلامية، تم تأسيسها في الستينيات، وفي عام 1962 قامت الجماعة بتغيير أسمها
المجلس الإسلامي: يضاف إلى هذه التنظيمات المجلس الإسلامي في برلين، ويديره الشيخ خضر عبدالمعطي الذي يعد المنسق العام للمجلس الأوروبي للأئمة والوعاظ في أوروبا ويعد من أبرز قيادات الإخوان في التنظيم الدولي، ونشط في الفترة الأخيرة في الدفاع عن الإخوان بعد الإطاحة بحكم الجماعة وعزل محمد مرسي.
الاتحاد الإسلامي التركي: كما يعتمد الإخوان في تحركاتهم على المنظمات التابعة لتركيا التي يزيد عدد جالياتها فيها على ٢ مليون شخص، ومن أبرزها، الاتحاد الإسلامي التركي، وهو اتحاد يتبع الحكومة التركية في أنقرة ويدار مباشرة عن طريق وزارة الشئون الدينية التركية.
منتدى الشباب المسلم الأوروبي: يضم في عضويته اتحادات الشباب الموجودة في مختلف دول أوروبا ومقره ألمانيا، وهذا المنتدى من أكثر التنظيمات قدرة مالية وحظى في بداية تأسيسه في التسعينيات بدعم من السعودية، وهذا المنتدى على علاقة مباشرة في إدارته بإبراهيم الزيات، بالإضافة إلى محمد عبدالظاهر، وهو مصري الجنسية ويتنقل بين ألمانيا وتركيا، ومسئول اللجنة المالية في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا.
المركز الإسلامي في ميونيخ: يعتبر المركز، التنظيم المركزي لجماعة الإخوان في ألمانيا، واعتبر خبراء في الإسلام السياسي فى عام 2017 أن الجماعة دأبت خلال تجاربها في أوروبا منذ الستينات والسبعينات من القرن الماضي على ملء الفراغ الذي تتركه جماعات أخرى، والتركيز على الخدمات الاجتماعية والدعوية لاستقطاب المسلمين، مع إقناع السلطات بأن نشاطها لا يتناقض مع ثقافة البلاد وقوانينها.
ختاماً
يطرح تنظيم الإخوان الإرهابي نفسه في أوروبا على أنهم معتدلين ومؤيدين للحوار والتفاهم بين الأديان، لكنهم يروجون للأهداف التي رسمها حسن البنا في عشرينات القرن العشرين، وهي أسلمة المجتمعات وتأسيس نظام إسلامي يعتمد الشريعة في قوانينه بقيادة تنظيم الإخوان المسلمين. ويحاول التنظيم تعزيز نفسه في المجتمعات الإسلامية من خلال المشروعات الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما يفعلونه في ألمانيا.



