ليبيا

ما بين العزيزية وسراقب .. سوريا وليبيا تواجهان أنقرة

خطوة ذكية وفي توقيت ممتاز. بهذه الجملة نستطيع توصيف الزيارة الهامة والغير مسبوقة، التي قام بها وفد سياسي وعسكري ليبي رفيع المستوى، مساء أول أمس إلى العاصمة السورية دمشق. هذه الزيارة على مستوى التوقيت، تأتي تزامناً مع بدء الجيش التركي، لهجوم واسع على مواقع الجيش السوري جنوبي مدينة إدلب، وكذلك أستمرار التدخل التركي السافر في الشأن الليبي، عبر جسر جوي وبحري، نقل وينقل الذخائر والأسلحة المتنوعة والمرتزقة إلى العاصمة الليبية طرابلس.

على المستوى الإستراتيجي، أصبح من الضروري أن يتصاعد التنسيق بين بنغازي ودمشق، وهو تنسيق بدء منذ أشهر، وتوجد عليه شواهد عدة، من بينها الرحلات الجوية المدنية المنتظمة بين البلدين. ضرورة وجود مثل هذا التنسيق بين الجانبين، تنبع من عدة عوامل، أهمها (وحدة الهدف ووحدة العدو). الجيش العربي السوري والجيش الوطني الليبي، كليهما يقاتلان التنظيمات التكفيرية والإرهابية، ويحاولان إعادة تأمين كافة محافظات بلدانهم، وللمفارقة هنا، لا يتبقى فعلياً للجيش السوري من أجل تحقيق هذه الغاية سوى محافظة إدلب، في حين لا يتبقى للجيش الليبي سوى بضعة مدن، أهمها مصراتة وطرابلس.

العدو في هذه المعركة واحد أيضاً، النظام التركي وضع نفسه في مواجهة طموحات الجيشين لتحرير أراضيهما بشكل كامل من أي تواجد أجنبي، سواء كان نظامياً أو ميليشياوياً. الجيش التركي ضخ في كلا البلدين ما استطاع ضخه من مختلف أنواع المعدات العسكرية، بجانب تقديمه الدعم المستمر للميليشيات المحلية، التي تختلط بها مجموعات تكفيرية وإرهابية، وهذا كله بهدف واحد فقط، وهو كسر الجيشين الوطنيين. كلا الجيشين تمكنا من الصمود في وجه هذا كله، وأصبحا الآن قاب قوسين أو أدنى من تحقيق النصر النهائي، بل أنهما حتى يحققان التقدم الميداني بشكل شبه متزامن، كما هو الحال مؤخراً في سيطرة الجيش السوري على مدينة سراقب، وسيطرة الجيش الليبي على مدينة العزيزية جنوبي طرابلس.

فعاليات زيارة الوفد الليبي إلى دمشق

ضم الوفد الليبي الزائر لدمشق، كل من نائب رئيس مجلس وزراء الحكومة الليبية (مقرها في مدينة بنغازي)، عبدالرحمن الأحيرش، ووزير الخارجية والتعاون الدولي عبدالهادي الحويج، والوزير المكلف بتسيير مهام وزارة الدفاع اللواء يونس فرحات، ورئيس جهاز المخابرات الليبية اللواء مصطفى المقرعن، ومدير مكتب وزارة الخارجية بنغازي السفير عبدالسلام الرقيعي. وقد كان في أستقبال الوفد نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، بجانب مسؤولين آخرين بالخارجية السورية. وألتقى الوفد عقب مباحثاته مع المقداد، وزير الخارجية السوري وليد المعلم، ثم تكللت هذه الزيارة، بلقاء جمع الوفد بالرئيس السوري بشار الأسد. 

تمت خلال الزيارة مناقشة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، وملف الإرهاب ومكافحته. وقد صرح خلال هذه الزيارة، وزير الخارجية في الحكومة الليبية عبد الهادي الحويج، بأنه قد تم الأتفاق مع الجانب السوري، على تسلم الحكومة الليبية لمقر سفارة ليبيا في دمشق، وافتتاح السفارة بشكل رسمي غداً، وذلك ضمن خطة شاملة للنهوض بالعلاقات الدبلوماسية بين البلدين بشكل كامل، وهذا ما نصت عليه المذكرة التي تم توقيعها بين الجانبين، والتي تضمنت أيضاً أعادة أفتتاح كافة المقار الدبلوماسية بين البلدين، والتنسيق الكامل في مواقفهما السياسية، في المحافل الإقليمية والدولية. جدير بالذكر هنا، أن مذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين، تشتمل على 46 أتفاقية متنوعة في كل المجالات.

الجانب السوري أحتفى بالوفد الليبي بشكل كبير، وأعرب وزير الخارجية وليد المعلم، عن أمله في افتتاح السفارة السورية في طرابلس قريباً، وقد دعا وزير الخارجية الليبي دمشق لفتح قنصليتها في مدينة بنغازي بشكل عاجل، وفتح التبادل التجاري بين الجانبين، وكذا أيفاد العمالة السورية إلى ليبيا. وقد عبر الوزير وليد المعلم، عن قناعة دمشق أن العلاقات بينها وبين ليبيا، يجب أن تكون في أفضل حالاتها، وذلك لمواجهة الأطماع الخارجية، التي يبرز في مقدمتها في الوقت الحالي العدوان التركي على كلا البلدين الشقيقين، وما يشكله ذلك من خطر على سيادتهما وعلى الأمن القومي العربي. النقطة الأبرز في هذه الزيارة، كانت تصريح اللواء يونس فرحات القائم بأعمال وزير الدفاع في الحكومة الليبية، والذي أكد فيه أن التفاهم الأمني بين سوريا وليبيا، سيشمل تبادل المعلومات والبيانات حول آلاف الإرهابيين السوريين الذين وصلوا إلى العاصمة طرابلس، بجانب إجراءات أخرى تتعلق بالنشاط التركي الجوي والبري في كلا الدولتين.

الجيش الوطني يدخل العزيزية

كما كان متوقعاً خلال الساعات الماضية، تمكنت قوات الجيش الوطني في محور الهيرة -العزيزية – الساعدية جنوبي العاصمة، من دخول مدينة العزيزية الإستراتيجية، المتحكمة في الطريق الرئيسي الرابط بين مدينة غريان، وبين الأحياء الجنوبية للعاصمة. بدأت وحدات الجيش الوطني هجماتها في هذا الأتجاه منذ يومين على ثلاثة محاور، الأول انطلاقاً من منطقة سوق الخميس باتجاه الهيرة جنوب العزيزية، وفيه تمت السيطرة على معسكر العكرمي، أما عن المحور الثاني، فقد بدأت العمليات فيه أنطلاقاً من منطقة بئر علاق غربي أسبيعة، بأتجاه التخوم الشرقية لمدينة العزيزية، وقد وصلت وحدات الجيش إلى معسكر اللواء الرابع، الذي يقع جنوب غرب العزيزية. المحور الثالث بدأت العمليات فيه أنطلاقاً من منطقة السدرة غربي مطار طرابلس، باتجاه منطقة الساعدية التي تقع على الطريق الرابط بين السواني والعزيزية، وفيه تمت السيطرة على الساعدية بشكل كامل، وقطع الطريق بين العاصمة وكل من العزيزية وغريان، ويشهد هذا المحور عمليات كر وفر من الجانبين، حيث تحاول ميليشيات الوفاق دفع قوات الجيش الوطني إلى الشرق، من أجل تأمين الطريق وفتحه، كي يتيسر لهم إرسال الإمدادات إلى العزيزية وغريان.

https://twitter.com/LindseySnell/status/1234488896278466560

في سياق متصل، نشرت الصحفية الأمريكية (ليندساي سنيل)، تسجيلاً صوتياً، يتحدث فيه أثنين من المرتزقة السوريين، عن خسائر فادحة تعرضوا لها، في محور صلاح الدين، وتحديداً خلال استهداف الجيش الوطني الليبي، مبنى كانوا يتحصنون به، مما أسفر عن مقتل زهاء 35 مرتزق منهم.

مناوشات العاصمة تستمر .. في ما بين فصائلها

على وقع التوترات الأخيرة في العلاقة بين وزير الداخلية المفوض في حكومة الوفاق، وبعض الميليشيات، أستمرت حالة الإنفلات الأمني داخل العاصمة، ما بين عمليات أختطاف، كان آخرها اليوم، حين تم اختطاف مدير عام شركة الخطوط الجوية الإفريقية ميلاد ضو ، وسط العاصمة وفي وضح النهار، وبين اشتباكات متبادلة بين الميليشيات، من بينها أشتباك واسع بين ميليشيات تابعة لقائد المنطقة الغربية العسكرية في رئاسة أركان حكومة الوفاق أسامة الجويلي، وبين الميليشيا المعروفة بإسم (301)، في منطقة الكريمية، بمشاركة من بعض المجموعات التشادية المسلحة، التي تم أسر عدد من أفرادها خلال المعارك الأخيرة بين وحدات الجيش الوطني وميليشيات الوفاق في محاور طرابلس الجنوبية.

https://twitter.com/LNA2019M/status/1234451203658047489

كذلك بدأت الحالة الأقتصادية للموظفين في مؤسسات حكومة الوفاق، تتدهور بشكل حاد، وهو ما تسبب في بدء احتجاجات واسعة في صفوفهم، ومنهم موظفي وزارة المالية التابعة لحكومة الوفاق، الذي تظاهروا للمطالبة بصرف رواتبهم، التي تأخرت في حين يتم صرف مرتبات المرتزقة السوريين بشكل منتظم شهريا. وقد هاجم المحتجون، وزير المالية في حكومة الوفاق فرج بومطاري، الذي اضطر للهرب من مبنى الوزارة نتيجة لذلك.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى