دول المغرب العربي

بعد تمرير حكومة الفخفاخ.. هل تتجه تونس نحو الاستقرار؟

مشوار طويل مرت به تونس على مدار ما يزيد عن الثلاثة أشهر، حتى تكتمل السلطة التنفيذية بتشكيل الحكومة بعد أن تم انتخاب رأس السلطة قيس سعيّد في أكتوبر الماضي. أفضى في النهاية إلى تشكيل حكومة ائتلافية بقيادة الوزير السابق إلياس الفخفاخ حازت ثقة البرلمان التونسي بعد سجالات طويلة ومفاوضات صعبة بأغلبية 129 صوتًا، مما يطرح تساؤلات حول المستقبل السياسي التونسي في ظل هذه المعطيات.

من رفض الجملي إلى اختيار الفخفاخ

اختارت حركة النهضة صاحبة الأكثرية في مجلس نواب الشعب، يوم 15 نوفمبر الماضي، الوزير السابق “الحبيب الجملي” ليكون المسؤول عن تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات التشريعية التي أُعلنت نتائجها رسميًا في 8 نوفمبر، وهي الحكومة التي سقطت في اختبار الثقة أمام مجلس نواب الشعب بعد أن فرضت النهضة سيطرتها على تشكيلها الذي وُصف بأنه “حكومة مستقلين”.

الأحزاب التونسية التي كانت متشككة في البداية في نوايا حركة النهضة ومساعيها للسيطرة على مقاليد الأمور في الحكومة الجديدة، واشترطت مسبقًا تعيين رئيس حكومة من خارج حركة النهضة حتى تدخل في مشاورات لتشكيل ائتلاف حكومي، وجدت نفسها في النهاية أمام حكومة يغلب عليها اللون النهضوي حتى ولو من أفراد ليسوا من قياداتها، ولكنهم مصبوغون بصبغتها، مما دفعها إلى رفض حكومة الجملي يوم 10 يناير الماضي، بأغلبية 131 صوتًا، فيما منحها الثقة 71 نائبًا فقط.

رفض أدى إلى إلقاء قضية اختيار رئيس الحكومة إلى الرئيس قيس سعيّد الذي اختار، يوم 20 يناير الماضي، بعد سلسلة من المشاورات مع الأحزاب والكتل والائتلافات النيابية، الوزير السابق “إلياس الفخفاخ” لتشكيل حكومة جديدة، لتبدأ بعدها سلسلة طويلة مما يمكن تسميتها مفاوضات بين الفخفاخ –ذو التوجهات الثورية والميول الاجتماعية- والأحزاب والكتل السياسية للوقوف على الأسماء التي ستتكون منها الحكومة الجديدة، ونصيب كل حزب من هذه التشكيلة.

مناورات وضغوط

لم تخلُ هذه المفاوضات من مناورات، حتى قبل إعلان الحكومة بسويعات، بعد أن أقدمت حركة النهضة على الإعلان عن انسحابها من الحزام السياسي لحكومة الفخفاخ، قائلة “أمام إصرار الرئيس المكلّف على رفض مطلب الحركة في إقامة حكومة وحدة وطنية لا تقصي أحدًا فإن حركة النهضة تعلن انسحابها من التشكيلة المقترحة ولا تمنحها الثقة”.

مناورة لم يكن خافيًا أن النهضة تريد من ورائها زيادة نصيبها من كعكة الحكومة الجديدة، وأنها لم ترتضِ بالحقائب الستة التي أسفرت مفاوضاتها مع الفخفاخ عن قبوله بها، طامعة في المزيد من الوزارات، متعللة بعدم إشراك حزب قلب تونس في الحكومة – الذي كان أمرًا معروفًا منذ بداية تكليف الفخفاخ وقبلت به النهضة- واضعة الحكومة في مواجهة المجهول، والبرلمان في مواجهة شبح الانتخابات المبكرة. الأمر الذي لا يرضي كل الأحزاب بما فيها النهضة، ولا يرضي الفخفاخ ذاته.

نتيجة بحث الصور عن الفخفاخ يؤدي اليمين

ولذلك تراجعت حركة النهضة عن موقفها الرافض للحكومة، في مقابل تنازل الفخفاخ وزيادة حصة النهضة داخل حكومته بمقدار حقيبتين وزاريتين، ليكون إجمالي نصيب الحركة ثماني حقائب وزارية، وهو ما يرضي غرورها نسبيًا، وبذلك تعلن منح الثقة لهذه الحكومة الوليدة، وضمان مرورها من مجلس نواب الشعب بأغلبية مريحة، بعدما يُضاف نواب النهضة الـ 54 إلى الأحزاب والكتل والمستقلين التي أعلنت مسبقًا تأييدها للحكومة، وفي مقدمتها الكتلة الديمقراطية صاحبة الـ 41 نائبًا والمكوّنة من حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب، إضافة إلى حزب تحيا تونس ذي الـ 14 نائبًا.

إلى ماذا تفضي تشكيلة الحكومة؟

الفسيفساء التي تكوّنت منها الحكومة التونسية تطرح تساؤلات كثيرة حول مستقبل هذه الحكومة، فالحكومة مكوّنة من أحزاب وكتل سياسية ذات توجهات مختلفة تصل إلى حد التناقض، ولم يدفعهم إلى التآلف والتوافق في هذه الحكومة إلا الضرورة الملحة، وبالتالي فإن تشكيل الحكومة أشبه بالرماد الذي يخفي تحته نارًا مستعرة قد تزداد اشتعالًا في أي وقت.

ويزيد من احتمالية ذلك وجود انعدام ثقة بين مكوّنات الحكومة، خاصة خلال المشاورات الماراثونية التي سبقت الإعلان عنها، فالكتل البرلمانية المشكّلة للحكومة، وعلى رأسها حركة النهضة والكتلة الديمقراطية تخوض حربًا فيما بينها داخل أروقة مجلس نواب الشعب، وقد تنعكس هذه الحرب على أداء وزرائها داخل الحكومة التي وصفها رئيس حزب قلب تونس والمرشح الرئاسي السابق نبيل القروي بأنها “أضعف حكومة في تاريخ تونس”.

نتيجة بحث الصور عن الفخفاخ والطبوبي

وليست التجاذبات والصراعات السياسية داخل الحكومة والبرلمان بمعزل عن الوضع الشعبي الرافض للأحزاب والكتل السياسية، وخاصة حركة النهضة الساعية إلى بسط سيطرتها على كافة مفاصل الدولة، ويمثل هذا الرفض الشعبي الاتحاد العام التونسي للشغب برئاسة نور الدين الطبوبي الذي لم يكن غائبًا عن ماراثون تشكيل الحكومة ومشاوراته، وكان ضاغطًا نحو الإسراع في التشكيل، إلا أن غياب الطبوبي عن مراسم تسليم الحكومة من الشاهد إلى الفخفاخ يدل على أن دعم الاتحاد لحكومة الفخفاخ ليس مطلقًا، وسيكون مرتبطًا بمعالجاتها للأزمات المستعصية التي تعيشها تونس.

النهضة تطلب مقابل التمرير

لن تنسى حركة النهضة ولن ينسى إلياس الفخفاخ أن مصير الحكومة الجديدة كان مرهونًا بموقف الحركة منها، ورغم أن “النهضة” وافقت في نهاية الأمر على منح الثقة لحكومة الفخفاخ مضطرة خوفًا من شبح الانتخابات المبكرة التي لن تكون في صالحها، فإنها ستظل تُذكّر الفخفاخ بذلك دائمًا، وستطلب منه مقابل تمرير حكومته.

وهو المنطق الذي عبّر عنه الناطق باسم مجلس شورى الحركة عبد الكريم الهاروني قائلًا “الأصوات كانت دون المطلوب، ودون أصوات حركة النهضة لم تكن حكومة الفخفاخ لترى النور، وواضح أن دون النهضة لن تمر الحكومة، النهضة هي الحزب الأول وهي الفاعل الأساسي في هذه العملية ولذلك ستتحمل مسؤولياتها وتواصل ما بدأته من أجل توفير حزام سياسي لرئيس الحكومة”.

نتيجة بحث الصور عن عبد الكريم الهاروني حركة النهضة

تصريحات “الهاروني” تدل على أن حركة النهضة ستواصل مساعيها للهيمنة على مقاليد الأمور داخل الدولة التونسية، وأنها ستتخذ من موقفها تجاه حكومة الفخفاخ منطلقًا ليُقدّم الفخفاخ تنازلات كمقابل له، خاصة وأنه يعلم أن مصيره معلّق بأيدي الحركة التي يمكن أن تجمع الأغلبية اللازمة لتوجيه مذكرة لوم إلى الحكومة وسحب الثقة منها في أي وقت، وهو أمر لن يكون في صالح النهضة في أي حال، ولكنه يبقى ورقة في يد الحركة لابتزاز الفخفاخ، ستتضامن معها حينها كتلة “قلب تونس” ذات الـ 38 نائبًا، الرافضة لحكومة الفخفاخ من اليوم الأول.

كما يمكن لإلياس الفخفاخ أن يراهن على دعم حركة النهضة له، ومساعيها لتوسيع الحزام السياسي المؤيد لحكومته داخل البرلمان، وفي مقدمتها “قلب تونس”. وهو ما عبّر عنه عبد الكريم الهاروني بقوله “المصادقة على الحكومة لن تمنع النهضة من مواصلة النضال لتضم المشاورات أكبر عدد من الفرقاء السياسيين وترك الخلافات الأيدولوجية جانبًا”. إلا أن هذا الرهان قد يكلّف الفخفاخ ثمنًا باهظًا وهو الرفض الشعبي له.

حكومة الرئيس؟

رغمًا عن الرئيس التونسي قيس سعيّد أصبحت حكومة إلياس الفخفاخ محسوبة عليه؛ لأنه صاحب اختيار الفخفاخ لتشكيل الحكومة بعد رفض حكومة الحبيب الجملي، وبالتالي سيكون سعيّد مسؤولًا عن نجاحات الحكومة أو إخفاقاتها، خاصة مع حالة الاستهجان الكبيرة التي عبّرت عنها بعض الكتل بعد اختيار الفخفاخ، وعلى رأسها “قلب تونس” التي تعهّدت بالعمل على إسقاط حكومته. وستكون حكومة الفخفاخ أرضًا للمعركة الدائرة بين الرئيس التونسي من جهة، وحركة النهضة من جهة أخرى، على من يفرض سيطرته على مقاليد الأمور.

نتيجة بحث الصور عن الفخفاخ سعيد

وفي ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها التونسيون الآن، فسيعدون الدقائق على الحكومة الجديدة حتى تحقق تقدمًا ملحوظًا في أوضاعهم الاقتصادية ومعالجة الفساد على وجه الخصوص، مع التركيز على مطالب الشباب لإخراجهم من حالة الإحباط واليأس التي يعيشونها، وهم من دفعوا بشكل رئيس نحو وصول قيس سعيّد إلى سدة الرئاسة، وبالتالي فإن أي إخفاق في تعاطي حكومة الفخفاخ مع ملفاتهم وفي مقدمتها البطالة، ستخصم كثيرًا من رصيد سعيّد لديهم.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد عبد الرازق

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى