
دينامية التطرف المتبادل.. الإرهاب اليميني والجهادي وجهان لعملة واحدة
من لندن إلى ألمانيا، تصاعدت هجمات اليمين المتطرف لتعلن إتباعها نهجاً لا يختلف عن الإرهاب الجهادي، فالرؤية الأيديولوجية للطرفين متشابهة لحد لافت، وكلاهما يعرف كيف يوظف أسسه الفوضوية، ويستغل موارده لتحقيق أهدافاً ضيقة قائمة على إستراتيجية العنف. وباتت العلاقة بين الطرفين في صعود طردي، فاليمين المتطرف يتغذى على العمليات الإرهابية التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة، في حين ينشط الإرهاب الجهادي على صناعة الكراهية والدعاية المتطرفة المضادة القائمة على استغلال تطرف اليمين الأوروبي.
حظي اليمين المتطرف بشعبية جارفة في معظم الدول الغربية وتنامى دوره عبر ثلاث موجات رئيسية: الأولى: في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وما تبعها من حروب في العراق وأفغانستان وعمليات إرهابية لتنظيم القاعدة. الموجة الثانية: مع بداية الأزمة المالية العالمية في 2008 وما صاحبها من انهيار اقتصادي وانتشار البطالة، ومع زيادة الهجرة بدأ بعض الأوروبيين ينظرون للمهاجرين كمزاحمين لهم في وظائفهم، وظهرت دعوات للتضييق على المهاجرين ودعوات عدائية ضدهم. أما الموجة الثالثة: كانت بداية من عام 2011، حيث اضطرابات وصراعات الشرق الأوسط وصعود تنظيم داعش في سوريا والعراق.
هل أصبح الإرهاب اليميني التوجه السائد في ألمانيا؟
في محاولة من اليمين المتطرف للعودة بألمانيا إلى الهوية الأحادية التي لا تستوعب إلا من يشبهها، شهدت “مدينة هاناو” عمل إرهابي راح ضحيته إحدى عشر شخصاً. وجاءت الحادثة بعد أيام قليلة من اعتقال عشرة ألمان للتخطيط لشن هجمات على مساجد في أنحاء ألمانيا، على غرار ما شهدته نيوزيلندا العام الماضي.
أصبحت ألمانيا الوجهة الأولى في أوروبا للاجئين، ووصل عدد اللاجئين وطالبي اللجوء إليها حوالي 2 مليون بنهاية عام 2018، وأعلنت عن برنامج لهجرة الكفاءات ليزيد من إقبال اللاجئين إليها ويجعل قنصلياتها في عدة بلدان تستقبل آلاف طلبات الحصول على تأشيرات العمل. بالتوازي مع هذا الاتجاه كسرت ألمانيا حاجز خطير في صعود اليمين المتطرف. وأصبح حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتشدد أكثر قوة في البرلمان بفضل المشاعر الغاضبة تجاه المهاجرين. ودخل الحزب البرلمان الألماني (البوندستاج) في عام 2017، كحزب قومي متطرف ويتمتع بشعبية كبيرة في القسم الشرقي من ألمانيا رغم أن أعداد المهاجرين في هذا القسم أقل من بقية الأجزاء في ألمانيا. ويدعو إلى إعادة العمل بالرقابة على الحدود داخل الاتحاد الأوروبي وإغلاق حدود الاتحاد الخارجية في وجه اللاجئين، والسماح بإطلاق النار على اللاجئين الساعين إلى الدخول إلى الاتحاد بطرق غير شرعية.
ومع الصعود السياسي لحزب “البديل” ودوره في تنامي الإرهاب اليميني، وصلت العناصر اليمينية المتطرفة إلى صفوف الشرطة الألمانية. ففي سبتمبر 2019 فصلت وزارة داخلية ولاية هيسن خمسة رجال شرطة على خلفية اتهامات بالتورط في جرائم ذات دوافع يمينية متطرفة، وتم تسجيل 300 حالة اشتباه سنويًا لاعتناق أيدلوجيا اليمين المتطرف بين أفراد الجيش، وذلك منذ توقف الخدمة العسكرية الإلزامية وتحديدًا في الفترة بين عامي 2012 و2018. كما تم تسريح 19 مجندًا من الجيش و5 موظفين مدنيين من الجيش على خلفية أسباب تتعلق بالتطرف اليميني منذ عام 2014.
قوة تهديد إرهاب اليمين المتطرف في ألمانيا كشفت عنها تقارير المخابرات التي تؤكد أن 12700 يميني متطرف “يميلون إلى العنف”. هؤلاء المتطرفين يتواصلون أكثر من ذي قبل عبر الانترنيت. كما كشف المكتب الاتحادي لحماية الدستور الألماني (جهاز المخابرات الداخلية) في عام 2019 أن أكثر من 32200 شخص ينتسبون إلى اليمين المتطرف، ما يزيد على الثلث مقارنة بعام 2018 عندما أعلنت السلطات أن عدد المنخرطين في الشبكات اليمينية المتطرفة بلغ 24100 شخص.
ونتيجة للصعود السياسي للأحزاب اليمينة المتطرفة على الساحة السياسية الألمانية، عادت النازية إلى التنامي مجددا في ألمانيا. حيث وصفت الشرطة الألمانية مخططات “النواة الصلبة” -جماعة نازية- بالمرعبة، بعد أن كشفت نيتها لاستهداف مساجد أثناء الصلاة في عشرات المناطق بهدف إسقاط النظام السياسي في ألمانيا عبر نشر الفوضى، أسوة بما حدث في “كرايست تشيرتش” بنيوزيلندا في مارس 2019، ويعود جذور المد النازي في ألمانيا إلى عشر سنوات مضت، وتحديداً إلى ما يعرف باسم “الخلية النازية السرية” وعلى خط “الخلية السرية”، ظهرت حركة “مواطني الرايخ” التي لا تعترف بألمانيا الحديثة كدولة شرعية وتصر على أن “الرايخ الألماني” ما زال قائما، على رغم هزيمة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية. وقد نجحت الحركة في ضم آلاف الأعضاء وفقاً لتقديرات وكالة حماية الدستور.
أبرز الحوادث الإرهابية التي تورط فيها اليمين المتطرف في ألمانيا منذ عام 2000:
2000-2007: National Socialist Underground الخلية الإرهابية السرية تقتل تسعة أشخاص ذات خلفية متعلقة بالهجرة إضافة إلى شرطية.
يوليو 2016: قام مراهق عمره 18 عاما بإطلاق النار في مركز تجاري بميونيخ مما أسفر عن مقتل 9 أشخاص ثم قتل نفسه. وقالت السلطات لاحقا إن هذا المراهق يميني متطرف.
أكتوبر 2016: عضو في حركة رايسبيرجر (مواطنو الرايخ) اليمينة المتطرفة تقتل أحد عناصر الشرطة وتجرح شرطيين آخرين خلال عملية في بافاريا.
يونيو 2019: مقتل وولتر بلوك السياسي الألماني المؤيد للهجرة برصاصة في الرأس بحديقة منزله. وقد اعترف يميني متطرف لاحقا بارتكابه الجريمة.
أكتوبر 2019: قتل مهاجم شخصين وحاول اقتحام كنيس يهودي في هال وبث الهجوم على الإنترنت وقد اعترف المهاجم لاحقا بأن دوافعه يمينية متطرفة ومعاداة السامية.
في النهاية، لا تزال ألمانيا تعاني مع مشكلة العنصرية، وهو ما اعترفت به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عندما قالت: “العنصرية سم، الكراهية سم، وهذا السم موجود في مجتمعنا”. وتسعى الحكومة الألمانية إلى أتخاذ العديد من الإجراءات القانونية للحد من تنامي إرهاب اليمين المتطرف، من ذلك إعادة النقاش حول قوانين محاربة خطابات الكراهية في الانترنت، ولكن لا يبدوا أن هذا الإجراء سيساعد على الوصول إلى حل المشكلة في ظل وجود ارتباط للجماعات المتطرفة بالشرطة والجيش، بالإضافة إلى حزب البديل الذي يعد أحد أكبر التحديات التي تواجه ألمانيا، فالحزب الذي يعمل بشكل قانوني لا يخفي نزاعاته المعادية لبرامج الهجرة واللجوء ولوجود المسلمين والأجانب في البلاد.
الإرهاب اليميني والجهادي وجهان لعملة واحدة
أصبحت الإيدولوجيات المتطرفة تحاصر المجتمعات. فالتقاء أدوات التطرف وتشابه أنماط الجرائم تؤكد الانسجام والاتساق بين التطرف اليميني والجهادي. وبات إرهاب اليمين المتطرف يشبه من حيث الأصول التطرف الجهادي، فثمة علاقة إيديولوجية بينهما تتعدى حدود كراهية الآخر، كما يتبع اليمين المتطرف هيكلًا مشابهًا للجهاديين، أي حركة بلا قيادة تتألف من مجموعة من الخلايا الصغيرة، دون وجود رابط قوي بينها، تنتشر عبر الحدود بهدف تقسيم المجتمع، وتفكيكه، ومن ثم انهياره من الداخل.
ركزت الحكومات الغربية خلال العقدين الماضيين جهودها على مكافحة الإرهاب خاصة تنظيمي القاعدة وداعش، وأغفلت التهديد المحلي الناتج عن المتعصبين لتفوق البيض، التي استلهمت أفكار الجماعات الجهادية وباتت تشكل تحدي أكثر خطورة، وظهور موجة حديثة غير مسبوقة من الإرهاب المحلي. وعليه أصبح الخطر الإرهابي الذي يهدد العالم حالياً يعود إلى شكلين رئيسيين من الإرهاب: الأول، خطر التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وتنظيم داعش، وخطرها يكمن في صعوبة توقع منفذيها الذين لا ينتمون بالضرورة لتلك الجماعات بل يتبنون أفكارها فقط “الذئاب المنفردة”. والخطر الثاني: يكمن في تصاعد التطرف اليمني أو ما يعرف “بالنازيين الجدد”، الأمر وصل إلى حد اغتيال سياسيين داعمين لدمج المهاجرين. وللتطرف اليميني كما للتطرف الإسلامي جماعات منظمة وذئاب منفردة، حتى أن للتطرف اليميني أحزابا سياسية باتت ممثلة في برلمانات وحكومات دول أوروبية.
ويتقاطع الفكر اليميني المتطرف مع الفكر الجهادي عبر قناعات مشتركة عدة، أهمها:
- يعتمد كلا الطرفين على روايتين تسند كل منهما الأخرى، وكل طرف يستخدم دعاية مبنية على عداء الطرف الآخر، بهدف إذكاء مشاعر الكراهية لدى مؤيديه، بهدف الوصول إلى السلطة والمراكز السياسية.
- يدعى المتطرفون الإسلاميون بأن الغرب يشن حرباً شرسة على الإسلام، بينما تدعي مجموعات اليمين المتطرف بأن المسلمين يخوضون حرباً عدائية على الغرب.
- يصور اليمين المتطرف الفكر الإسلامي المتطرف بأنه يمثل المجتمع الإسلامي ككل، فيما يصور المتطرفون الإسلاميين اليمين المتطرف على أنه ممثل للغرب بكامله.
- كلا الطرفين يعتقدان أن هناك نظريات مؤامرة تتلاعب بالعالم، بما يضر بمصالحهما الخاصة.
إجمالاً،
تتشابه المجموعات المتطرفة لدى الجانبين من حيث أساليب الاستدراج نحو التطرف، ولوحظ أن المنظمات اليمينية المتطرفة في الغرب تتبع تكتيكات واستراتيجيات الاتصال التي يستخدمها داعش. على سبيل المثال، قامت مجموعة يمينية بتقليد دعاية داعش من خلال نشر صور وأشرطة فيديو لعملياتها تبدو متطابقة للغاية مع دعاية داعش. وتبنت استراتيجيات تجنيد ومعسكرات تدريب على غرار تلك التي نظمتها داعش. هناك أيضًا إستراتيجيات متداخلة على مواقع التواصل الاجتماعي وصلت إلى حد التطابق التام، فالمتطرفون من كلا الجانبين يستخدمون تويتر وفيسبوك للترويج لأنفسهم. وتخوض حربًا حقيقية في نشر المعلومات، والتي تكون في مجملها معلومات مضللة لخدمة أهدافها، كما أن لديها المئات من الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تسعى، لنشر أفكارها أو لتعزيز مجتمعاتها وتجنيد المزيد من المتطوعين.