دول المغرب العربي

تونس بين مطرقة هيمنة “النهضة” وسندان الانتخابات المبكرة

مأزق سياسي كبير تعيشه تونس إثر استمرار العراقيل أمام تشكيل الحكومة الجديدة، وخاصة بعدما أعلنت حركة النهضة –صاحبة الأغلبية غير المطلقة في البرلمان- انسحابها من الائتلاف الحكومي وعدم منحها الثقة لحكومة إلياس الفخفاخ الذي أكد أن قرار النهضة “يضع تونس في موقف صعب، يقتضي التمعن في الإمكانات الدستورية والقانونية والسياسية المتاحة”. وما يزيد الأمر تعقيدا هو أن هذه هي الفرصة الأخيرة أمام الكتل السياسية التونسية لتشكيل الحكومة، وإلا فستكون أمام خيار إجراء انتخابات تشريعية مبكرة.

النهضة تقطع أوصال الحكومة في اللحظات الأخيرة

قبل ساعات من إعلان إلياس الفخفاخ تشكيل حكومته، أعلنت حركة النهضة الإسلامية انسحابها من تركيبة الحكومة التونسية المقترحة، قائلة “أمام إصرار الرئيس المكلّف على رفض مطلب الحركة في إقامة حكومة وحدة وطنية لا تقصي أحدًا فإن حركة النهضة تعلن انسحابها من التشكيلة المقترحة ولا تمنحها الثقة”. في إشارة إلى مطلب الحركة منذ أيام بإشراك حزب “قلب تونس” الذي يرأسه المرشح الرئاسي السابق ورجل الأعمال نبيل القروي، في تشكيل الحكومة، وهو الأمر الذي أعلن الفخفاخ منذ الأيام الأولى لتكليفه رفضه إياه، معلنًا أن “قلب تونس” سيكون في صفوف المعارضة.

ولم يمنع هذا الأمر الفخفاخ من إعلان حكومته التي ضمّت 29 وزيرا وكاتبين للدولة (وزيرا دولة)، وحصلت فيها النهضة على 6 حقائب وزارية، وحصل حزب التيار الديمقراطي على 3 حقائب وزارية، في حين حصلت أحزاب “تحيا تونس”
 و”حركة الشعب” و”الإصلاح الوطني” بالتساوي على وزارتين، أما حزب نداء تونس فحصل على وزارة واحدة، فيما كانت بقية الوزارات من نصيب مستقلين. ولكن رئيس الوزراء المكلّف أعلن في الوقت ذاته استمرار المشاورات بشأن تشكيل الحكومة حتى انتهاء المدة التي حددها الدستور، والتي تنتهي يوم الخميس 20 فبراير.

رد الجميل لـ “قلب تونس” ومشروع الهيمنة

لم يكن تشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة لكل الأطياف هو الأمر الوحيد الذي رفضت من أجله حركة النهضة منح الثقة للحكومة، فالتشكيلة الحكومية التي اقترحها إلياس الفخفاخ “لا تتناسب مع وزن وحجم الحركة” حسبما أكد الناطق باسم حركة النهضة عماد الخميري. فالأمر كله في عدد ونوع الحقائب الوزارية التي ستحصل عليها الحركة في الحكومة.

اعترضت حركة النهضة خلال لقاءات قياداتها مع الفخفاخ على عدد الحقائب الوزارية التي ستحصل عليها في الحكومة، إذ كان ينوي الفخفاخ أن يعطيها أربع حقائب فقط، وهو الأمر الذي عدّته الحركة إهانة لها ولا يتناسب مع كونها صاحبة الأغلبية داخل البرلمان، ويبدو أن مفاوضات الطرفين أسفرت قبل الإعلان عن الحكومة عن قبول الفخفاخ بأن تُمثَّل النهضة داخل الحكومة بست وزراء، وهو الأمر الذي رفضته الحركة التي أرادت عددًا أكبر من الحقائب، إضافة إلى حقيبة الداخلية، حسب بعض التقارير، وحقيبة تكنولوجيا الاتصال حسبما قال الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي محمد عبو مضيفًا “إصرار حركة النهضة على وزارة تكنولوجيات الاتصال أمر مقلق”.

ولعل مطلب الحركة بتمثيل حزب “قلب تونس” –ثاني أكبر الأحزاب في البرلمان- والذي لا يتوافق –ظاهريًا- مع ثوابت الحركة وسعيها إلى الهيمنة والسيطرة على مقاليد الأمور في الدولة، إنما هو لتحقيق مأربها الرئيس، فقلب تونس ذو التوجهات الليبرالية والذي يملك 38 نائبًا في البرلمان التونسي، خلف النهضة ذات الـ 52 نائبًا، يمثل التحالف معه ضمانة للحركة في تمرير ما تشاء، وإحكام السيطرة على السلطة التشريعية. كما أن الإصرار النهضوي قد يكون لرد الجميل لحزب القروي بعد أن أسفر التحالف بين الطرفين عن وصول رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى سدة رئاسة مجلس نواب الشعب.

وقد أكد الغنوشي خلال لقائه صباح الأحد 16 فبراير الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، ورئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة سمير ماجول، ضرورة احترام إرادة الناخبين والحرص على تعزيز عناصر الوحدة الوطنيّة ورفض الإقصاء، وأن البلاد تحتاجُ إلى حكومة وحدة وطنيّة واسعة، لافتًا إلى أن “نصّ الدستور وروحه يسمحان بإيجاد الحلول الكفيلة لمعالجة كلّ الأوضاع”، رغم أن الرئيس التونسي قيس سعيّد أكد خلال لقائه بكلا الرجلين الطبوبي وماجول يوم السبت أن “المناورات التي تتم تحت عباءة الدستور لا يمكن أن تمر وأن النص الدستوري واضح”.

هل يكون الحل في انتخابات مبكرة؟

في ظل هذا الوضع السياسي المعقّد قد لا تحظى حكومة إلياس الفخفاخ بالثقة في مجلس النواب الشعب، إذ أن منحها الثقة يحتاج إلى موافقة 109 نائبًا يمثلون الأغلبية المطلقة من إجمالي عدد النواب المُقدّر بـ 217 نائبًا، وبعدما أعلنت حركة النهضة رفضها للحكومة، إضافة إلى حزب قلب تونس والحزب الدستوري الحر الذي اختار الفخفاخ منذ بداية المشاورات أن يكونا في صفوف المعارضة، يكون إجمالي المعارضون المؤكدون للحكومة 107 نائبًا (52 للنهضة – 38 لقلب تونس – 17 الدستوري الحر)، يُضاف إليهم نواب الكتل الأخرى أو المستقلين الذين من المؤكد سيكون من بينهم معارضون للحكومة، وبالتالي لن تمر حكومة الفخفاخ داخل مجلس نواب الشعب.

وينص الدستور التونسي على أنه في حال فشلت الحكومة في أن تحظى بثقة البرلمان، يدعو الرئيس إلى انتخابات مبكرة في موعد لا يتجاوز ثلاثة أشهر. وقد قال الرئيس قيس سعيّد يوم الاثنين 17 فبراير إنه سيحل البرلمان ويدعو لانتخابات مبكرة إذا لم تحصل حكومة إلياس الفخفاخ على ثقة البرلمان، مشددً على “وجوب الاحتكام للدستور وحده، وتجنب التأويلات والفتاوى غير البريئة”، منبها من “خطورة تجاوز الدستور باسم الدستور”.

وقد لا تكون خطوة الانتخابات التشريعية المبكرة في صالح الأحزاب التونسية برمتها، في ظل فقدان الشعب التونسي الثقة فيها جميعًا، وكان أبرز دليل على ذلك اختياره رئيس للجمهورية من خارج المناخ السياسي السائد، وفي انخفاض إقباله على الانتخابات التشريعية مقارنة بالرئاسية، إذ جاءت نسبة التصويت في الانتخابات التشريعية 41%، مقارنة بـ49% في الانتخابات الرئاسية.

كما أن الصراع الدائر بين الأحزاب والكتل السياسية قد يزيد من نفور التونسيين منها ومن الإقبال على الانتخابات التشريعية المقبلة، إذ يرى أن الأحزاب يتصارع كل منها على نصيبه من الحكومة، في ظل الأزمة الاقتصادية والأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها التونسيون، وبالتالي فإن رهان أي من الأحزاب، وخاصة حزب حركة النهضة على زيادة حصته داخل مجلس نواب الشعب في الانتخابات المقبلة ليحظى بالأغلبية التي تمكّنه من تشكيل الحكومة، أمر قد لا يتحقق.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد عبد الرازق

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى