
الصراع في شرق المتوسط.. من يمتلك السيطرة البحرية؟
نشر المرصد المصري تقريرًا بعنوان “ تحولات القوة العسكرية” قدم من خلالها قراءة لأبرز ما جاء في التقرير السنوي الذي أصدرته مؤسسة ” غلوبال فاير باور” المتخصصة في الشئون العسكرية، وذلك من خلال تسليط الضوء على تصنيف أقوى الجيوش في العالم لعام 2020، وقد تطرق التقرير للمنهجية المُتبعة في التصنيف، فضلًا عن التحولات التي أفرزها التصنيف الجديد من حيث تبدل موازين القوى العسكرية عبر صعود عدد من الدول وتقدمها في التصنيف وتراجع دول أخرى مقارنة بوضعها في أعوام سابقة.
وقد شهد تصنيف هذا العام صعودًا ملحوظًا للجيش المصري الذي ارتقى للمرتبة التاسعة متقدمًا ثلاثة مراكز عن تصنيف العام الماضي، والذي احتل فيه المرتبة الثانية عشر، وقد تفوق بذلك الجيش المصري على جيوش عدد من الدول من بينها البرازيل، ألمانيا، إيران، إسرائيل وتركيا.
يحاول هذا التقرير استناداً للتصنيف الأخير الصادر عن مؤسسة ” غلوبال فاير باور”، أن يتعرف على موازين القوى البحرية لأبرز الفواعل في منطقة شرق المتوسط، ومعرفة من يمتلك ماذا؟ من أجل قياس القدرات البحرية للدول أصحاب المصالح المتقاطعة في منطقة شرق المتوسط.
شرق المتوسط.. ملامح عامة
ثمة ملامح عامة يمكن أن نحددها لطبيعة التفاعلات والتحركات في منطقة شرق المتوسط الأمر الذي يمكن إجماله فيما يلي:
- ساهمت التغيرات الهيكلية في السياسة الإقليمية والعالمية في جعل منطقة شرق المتوسط ساحة لعدد من الفواعل الإقليمين والدوليين بعدما كانت على هامش اهتمام القوى الكبرى والفواعل الدوليين.
- تشهد منطقة شرق المتوسط جملة من التحديات المزعزعة لاستقرار المنطقة سواء ما يتعلق بالتهديدات المتعلقة بنمو النشاط الإرهابي وتصاعد الجماعات المتطرفة، بالإضافة إلى انتشار الصراعات المُسلحة وارتفاع تكلفتها البشرية والاقتصادية، وما أفرزته من غياب دور الدولة وهشاشة المؤسسات فيها، فضلا عن زيادة المخاطر المرتبطة بالهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر وتدفق اعداد اللاجئين.
- حازت منطقة شرق المتوسط في السنوات الأخيرة على اهتمام بالغ وذلك بسبب الاكتشافات المتنامية من الغاز الطبيعي والتي بدأت نواتها الأولى عبر اكتشاف إسرائيل لحقل الغاز “تمارا” 2009، وما تبعها من اكتشافات كان اضخمها وأكبرها الاكتشاف المصري لحقل ” ظهر” 2015، وفي ظل هذه الاكتشافات أصبحت المنطقة محط انظار عدد من الدول خاصة مع تنامي التقديرات المرتبطة بحجم الاحتياطات من الغاز في المنطقة، والتي قُدرت وفقًا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية بنحو 340 تريليون قدم مكعب، بعدما بلغت نحو 122 ترليون قدم مكعب عام 2010.
- تغمر المنطقة عدد من الصراعات والنزاعات المتعلقة بالحدود البحرية بين عدد من الدول المتشاطئة ويأتي في مقدمة هذه النزاعات النزاع الإسرائيلي اللبناني على ” بلوك رقم 9″ حيث يدعي الجانبان أحقيته بالمنطقة ومن ثم استغلال الثروات الطبيعة فيها، كما تشهد المنطقة صراعًا آخر يتمثل في الصراع التركي اليوناني القبرصي على عدد من القضايا الخلافية المرتبطة أيضا بتقسيم وترسيم الحدود البحرية، في ظل إصرار الجانب التركي على التنقيب المُستمر عن الغاز في مناطق لا تخضع لسيادتها البحرية، الامر الذي ترجمته أنقرة عبر ارسال أربعة سفن للقيام بهذا الأنشطة.
- برزت في المنطقة عدد من التفاهمات والمبادرات الجماعية التي من شأنها أن تُعزز التعاون بين دول المنطقة من أجل تعظيم المنافع والمكاسب من اكتشافات الغاز وكان في مقدمة هذه التفاهمات انشاء مصر لمنتدى غاز شرق المتوسط والتوقيع على الاتفاقية الاطارية لتحويله لمنظمة دولية، بجانب عدد من المشاريع المرتبطة بنقل الطاقة بين عدد من الدول مثل مشروع ” ايست ميد” بين إسرائيل وقبرص واليونان، بالإضافة إلى اتفاقيات تصدير الغاز من إسرائيل إلى مصر بغرض تسييله ومن ثم نقلة لأوروبا، ناهيك عن الاتفاق المصري القبرصي لذات الغرض، بالإضافة لتعزيز الشراكة الثلاثية بين مصر وقبرص واليونان في عدد من المجالات المختلفة.
- على الرغم من وجود اتجاهات تعاونية في منطقة شرق المتوسط، إلا أن هناك عدد من التحركات التي من شأنها أن تؤدي إلى مزيد من الصراعات والتوترات، ويأتي في مقدمتها المحاولات المستمرة لأنقرة الساعية لفرض أمر واقع عبر افتعال الازمات في المنطقة بما يخالف قواعد القانون الدولي للبحار، وكان أخر هذه التحركات توقيعها لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع حكومة فايز السراج ( نوفمبر 2019)، بالإضافة إلى عسكرة التفاعلات عبر نشر عدد من القوى العسكرية واجراء بعض المناورات العسكرية والسعي لتطوير وتحديث الأسلحة والمعدات النوعية.
ميزان القوى البحرية شرق المتوسط
في ظل هذه الملامح العامة، ومع تنامي مؤشرات التصعيد في هذا الإقليم المضطرب أصبح من الأهمية بمكان اجراء مقاربة بين القدرات البحرية لأبرز الفواعل الرئيسية والمتأثرة بشكل مباشر بالتطورات الأخيرة شرق المتوسط، انطلاقًا من تصنيف ” غلوبال فاير باور” لعام 2020 وذلك كالتالي:
- مصر: احتلت البحرية المصرية الترتيب السابع عالميًا من أصل 138 دولة تضمنها التصنيف، إذ امتلكت مصر نحو 316 قطعة بحرية، كما احتلت مصر المرتبة الثالثة على مستوى العالم بامتلاكها لحاملتين طائرات، في حين تأتي مصر في المرتبة الحادية عشر في امتلاكها نحو 7 فرقاطات، كما جاءت في المرتبة التاسعة بامتلاكها 7 طرادات بحرية، في الوقت ذاته تمتلك مصر نحو 8 غواصات بحرية، كما تحتل المركز الثاني عالميًا في امتلاكها نحو 31 كاسحة الغام، فضلا عن امتلاكها نحو 45 ذورق حراسة.
- تركيا: احتلت البحرية التركية المركز العشرين عالميًا من أصل 138 دولة تضمنها التصنيف، إذ امتلكت نحو 149 قطعة بحرية، كما احتلت المركز الرابع عالميًا من حيث امتلاكها لنحو 16 فرقاطة، في حين احتلت المركز السابع بامتلاكها نحو 10 طرادات، كما تمتلك تركيا نحو 12 غواصة بحرية تحتل بها المركز التاسع، في الوقت ذاته، تحتل المركز العاشر بامتلاكها نحو 11 كاسحة الغام، كما تحتل المركز 26 عالميًا في امتلاكها نحو 35 دورية حراسة.
- إسرائيل: احتلت البحرية الاسرائيلية المركز 35 من أصل 138 دولة تضمنها التصنيف، إذا تمتلك إسرائيل نحو 65 قطعة بحرية، حيث سجل التصنيف امتلاك إسرائيل نحو 4 طرادات لتحتل بذلك المركز الثاني عشر عالميًا، كما تمتلك نحو 5 غواصات بحرية في المركز الخامس عشر على مستوى العالم، في حين تمتلك إسرائيل نحو 45 دورية حراسة محتله بذلك المركز 21 عالميًا، وتخلو البحرية الإسرائيلية من حاملات الطائرات، والفرقاطات، وكاسحات الألغام.
- اليونان: احتلت البحرية اليونانية المركز 23 من أصل 138 دولة تضمنها التصنيف، إذ تمتلك اليونان نحو 116 قطعة بحرية، كما تمتلك نحو 13 فرقاطة في المركز الخامس عالميًا، بجانب امتلاكها نحو 4 كاسحات الغام في المرتبة 17 عالميًا، كما تمتلك نحو 35 دورية حراسة لتحتل بذلك المركز 26 عالميًا، كما تمتلك نحو 11 غواصة في المركز العاشر عالميًا.
- لبنان: احتلت البحرية اللبنانية المركز 42 من أصل 138 دولة تضمنها التصنيف، حيث تمتلك نحو 57 قطعة بحرية، بالإضافة إلى 13 دورية حراسة، في الوقت ذاته لا يوجد لدى لبنان، حاملات طائرات، فرقاطات، طرادات بحرية، كما لا تمتلك اية غواصات ولا كاسحات الغام بحرية.
- الأردن: احتلت البحرية الأردنية المركز 52 عالميًا من أصل 138 دولة تضمنها التصنيف، حيث تمتلك نحو 37 قطعة بحرية، كما تمتلك نحو 27 دورية حراسة محتلة بها المركز 32 عالميًا، في حين تخلو البحرية الأردنية من حاملات الطائرات، كاسحات الألغام والغواصات البحرية والطرادات.
مجمل القول،
يمكن التأكيد على أن منطقة شرق المتوسط تشهد جملة من التوترات والتصعيد المُحتمل نتيجة حالة اللايقين التي تُسيطر على المنطقة بسبب تداخل المصالح وتشابكها، وفي ظل هذا الصراع تبقي القدرات البحرية لأبرز الفواعل عاملًا مهمًا في اختبار حدود الردع حال الوصول لحد التشابك العسكري، وقد جاء ترتيب الدول الفاعلة شرق المتوسط من حيث القدرات البحرية كما تم ذكره سابقاً، حيث احتلت مصر المرتبة السابعة عالميًا والأولى بين الدول في هذه المنطقة، وهو ما يُشير إلى حجم التحديث والتطور الذي طرأ على البحرية المصرية، بحيث أصبحت رقمًا محوريًا في المعادلة البحرية مقارنة بالأعوام السابقة، حيث حفظ هذا التحديث والتطور لمصر مكانتها البحرية وقدراتها على مجابهة المخاطر والتحديات، خاصة فيما يتعلق بحماية حقول الغاز المصرية وحدودها البحرية من كافة الاطماع والمخططات.
باحث ببرنامج قضايا الأمن والدفاع