عشر سنوات من التحول الغاز الطبيعي بين العوائد الاقتصادية وريادة الإقليم
شهدت الدولة المصرية عددًا من التحولات الفارقة والمحورية منذ ثورة 30 يونيو، والتي تمكنت خلالها أن تصبح رقمًا فاعلًا في معادلة الإقليم والعالم. ولم يكن باستطاعة مصر امتلاك أدوات التأثير والفاعلية من خلال أدواتها الدبلوماسية النشطة دون أن يكون هناك بناء داخلي قوي، حيث ارتكزت إدارة الدولة خلال العقد الماضي على إحداث تغيرات كبرى في الداخل كأحد الأدوات للانطلاق بقوة نحو الخارج. استنادًا إلى هذه الفرضية بدأت مسيرة التنمية والإنجاز والتطوير الشامل التي امتدت لكافة المجالات التي تمس المواطن بصورة مباشرة، والتي أفضت إلى تحول جذري غير مسبوق في كافة القطاعات.
ولم يكن قطاع الطاقة في مصر بعيدًا عن تلك النقلة النوعية، لا سيما الطفرة الكبيرة والتحول الذي طرأ على قطاع الغاز الطبيعي، والذي جاء نتيجة إصلاحات حكومية قادت إلى توفير بيئة ملائمة للشركات الأجنبية العاملة في مجال التنقيب عن الغاز الطبيعي، ما أسفر عن اكتشاف حقل ظهر في منطقة شرق المتوسط عام 2015، وهو الاكتشاف الذي أسهم في وضع مصر في مكانة مميزة في المنطقة والإقليم.
أزمة طاقة متفاقمة
كانت أزمة الطاقة وما نجم عنها من انقطاع متكرر للكهرباء أحد أبرز التحديات التي واجهت الدولة المصرية في أعقاب ثورة 30 يونيو؛ وذلك في ظل تراجع معدلات توليد الكهرباء، وتهالك محطات توليد الكهرباء، لغياب عملية الصيانة والتحديث والتطوير المستمرة، بجانب تعرضها لعمليات إرهابية وتخريبية، فضلًا عن تراجع إنتاج الغاز الطبيعي، خاصة في أعقاب 2011 وتوقف عمليات التصدير في ظل تزايد الاحتياج المحلي.
وأدركت الدولة المصرية مبكرًا في أعقاب يونيو 2014 حجم هذه الأزمة، والتي وصفها الرئيس عبد الفتاح السيسي بأنها “صعبة ومتراكمة، وأن مصر أمامها وقت طويل لإيجاد حل للأزمات التي تواجهها في منظومة المرافق وتحقيق الاستقرار”، وقد نظر الرئيس “السيسي إلى الطاقة بوصفها أمنًا قوميًا، خاصة أن استمرار الأوضاع على ما كانت عليه من شأنه أن يعيق أية جهود للتنمية والبناء. ووفقًا لتلك الاعتبارات كان ملف الطاقة والتعاطي الجاد مع أزمة الكهرباء ضمن أولويات الدولة المصرية منذ ثورة 30 يونيو.
ترتيبًا على ما سبق، يمكننا استعراض مسيرة التحول التي شهدها قطاع الغاز الطبيعي خلال السنوات الماضية؛ بهدف الوقوف على حجم الإنجاز والتقدم في هذا المجال، وقياس مدى نجاعة الاستراتيجية المصرية والإجراءات التي اتخذتها مصر في هذا المجال، بما يعزز مصلحة المواطن بالدرجة الأولى ويعيد مصر إلى ريادتها في الإقليم.
إنتاج واستهلاك مصر مَن الغاز الطبيعي
تُعَد مصر أول دول منطقة شرق المتوسط في اكتشاف الغاز الطبيعي؛ فخلال عام 1967 اكتشفت شركة “بلاعيم للبترول” في منطقة أبو ماضي في دلتا النيل أول تلك الحقول، وبعدها بعامين اكتُشِف أول غاز بحري في البحر المتوسط في منطقة أبو قير عام 1969، وأعقبه عدد من الاكتشافات في: القرعة، وقنطرة1، وخلال1، وناف، وبور فؤاد، وقار، وقرش، ثم حقل أبو الغراديق في الصحراء الغربية عام 1971. واكتُشفت عدة حقول أخرى في منطقة البحر الأبيض المتوسط مثل: رشيد، وسافرون، وسيميان، وكنج مريوط، علاوة على اكتشافات أخرى في الصحراء الغربية ومن أبرزها: القصر، الأبيض، ومطروح.
ومرَّ إنتاج مصر من الغاز الطبيعي بمراحل متباينة من حيث ارتفاع الإنتاج في بعض السنوات وانخفاضه في سنوات أخرى، منذ أحداث 2011 وحتى الآن؛ فخلال عام 2011 وصل نحو 59.1 مليار متر مكعب، قبل أن ينخفض الإنتاج عام 2012 ليصل إلى 58.6 مليار متر مكعب، قبل أن ينخفض إلى 54 مليار متر مكعب في عام 2013.
وقد وصل الإنتاج إلى 47 مليار متر مكعب عام 2014، و42 مليار متر مكعب عام 2015، ليصل إلى أقل مستوياته عام 2016 بمعدل إنتاج 40.3 مليار متر مكعب، قبل أن يعاود الارتفاع خلال عام 2017 ليصل إلى 48.8 مليار متر مكعب، وصولًا إلى 58.6 مليار متر مكعب عام 2018، إلى أن وصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق خلال نحو 10 أعوام عام 2019 بعدما وصل معدل الإنتاج إلى 64.9 مليار متر مكعب.
من ناحية أخرى وقياسًا على السنوات ذاتها، فقد وصل استهلاك مصر من الغاز الطبيعي إلى 47.8 مليار متر مكعب عام 2011، و50.6 مليار متر مكعب عام 2012، و49.5 مليار متر مكعب عام 2013، وصولًا إلى 46.2 و46 مليار متر مكعب عامي 2014 و2015 على التوالي. وزاد الاستهلاك ليصل إلى 49.4 مليار متر مكعب عام 2016، قبل أن يصل إلى 55.9 مليار متر مكعب عام 2017، ثم وصل إلى 59.6 و58.9 مليار متر مكعب خلال عامَي 2018 و2019، ووصل حجم الاستهلاك إلى 57.8 مليار متر مكعب عام 2020 ، قبل أن يرتفع إلى 61.9 مليار متر مكعب عام 2021.
من خلال الشكل السابق يُمكننا ملاحظة ظهور عجز عام 2015 في ميزان الإنتاج والاستهلاك وصل إلى نحو 4.1 مليارات متر مكعب، قبل أن يزداد إلى ما يقرب من 9.1 مليارات متر مكعب عام 2016، وصولًا إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي خلال عام 2018.
وأسهم اكتشاف حقل ظهر في منطقة شرق المتوسط خلال عام 2015 في تغيير المعادلة والتحول الملحوظ في ميزان الإنتاج، خاصةً أن الحقل الذي اكتشفته شركة “إيني الإيطالية”، يُصنَّف بوصفه أكبر احتياطي في منطقة شرق المتوسط بنحو 30 تريليون قدم مكعبة (يكفي مصر 15 عامًا بمُعدَّلات استهلاك عام 2020)، ويُعد –وفقًا لعدد من التقديرات– من أكبر 20 حقلًا للغاز الطبيعي على مستوى العالم.
وإلى جانب حقل ظهر، يوجد عدد من الحقول الأخرى الأصغر؛ منها –على سبيل المثال–: حقل ” أتول” باحتياطات تُقدَّر بنحو 1.5 تريليون قدم مكعبة، بالإضافة إلى حقل “نورس” باحتياطي تريليونَي قدم مكعبة، وحقول شمال الإسكندرية (تورس، ليبرا، جيزة، فيوم، ريفين)، ويقدر حجم الاحتياطي فيها بنحو 5 تريليونات قدم مكعبة.
وخلال الفترة بين عامي 2018 و2019، كشفت مصر عن نحو 15 حقلًا جديدًا من الغاز الطبيعي تقع 5 حقول منها في مياه البحر المتوسط. وفي يوليو 2020، أعلنت شركتا “إيني” الإيطالية و”بريتش بتروليوم” عن كشف جديد في المتوسط على بعد 11 كيلومترًا من الساحل المصري، وبعدها بشهرين وتحديدًا في سبتمبر 2020 أُعلن عن كشف جديد يقع في منطقة النورس الكبرى، ويبعد عن الساحل المصري بنحو 5 كيلومترات ونحو 4 كيلومترات عن حقل نورس المكتشف عام 2015. وتقدر التقييمات الأولية حجم الاحتياطات بالحقل بنحو 4 تريليونات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي. فضلًا عن حقل نرجس والذي اكتُشف نهاية العام الماضي، بحجم احتياطات تقدر بنحو ٣.٥ تريليونات قدم مكعبة.
العوائد الاقتصادية والاستراتيجية
يمكننا من خلال الوقوف على وضع الغاز الطبيعي في معادلة الطاقة في مصر، والتعرف على أبرز الاكتشافات ومعدلات الإنتاج والاستهلاك؛ التعرف على حجم وطبيعة التحول الذي طرأ على هذا القطاع، والمكاسب الاقتصادية والمنافع الداخلية التي تحققت، والمتمثلة في: تحقيق الاكتفاء الذاتي، وإيقاف استيراد الغاز، ومشاريع الربط الكهربائي وذلك على النحو التالي:
- تحقيق الاكتفاء الذاتي
سعت الدولة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، والتحول من دولة مستوردة إلى مُصدِّرة، وقد كان إقليم شرق المتوسط المدخل الرئيس لتحقيق هذا الهدف؛ بفضل الثروات والاحتياطات الكبيرة من الغاز الطبيعي. وفي سبيل ذلك، اتبعت الدولة المصرية عددًا من الإجراءات؛ منها: العمل على تنمية حقوق الغاز، والتوسع في عمليات التنقيب والاستكشاف، علاوةً على محاولة جذب الشركات الدولية عبر تسويق وطرح عدد من المزايدات.
وقد نجحت تلك الإجراءات في تحقيق طفرة كبرى، وجذب عدد من الشركات العالمية. وأدت الخطوات المصرية، واكتشافات الغاز التي تحققت، وفي مقدمتها حقل ظهر، إلى تلبية احتياجات الداخل، ومن ثم تحقيق الاكتفاء الذاتي؛ حيث يمثل الإنتاج اليومي من الحقل نحو 40% من إنتاج الغاز الطبيعي في مصر.
وتعد مياه البحر المتوسط المصدر الأساسي لإنتاج الغاز المصري؛ فقد أسهمت خلال الفترة من العام المالي 2010–2011 إلى 2018–2019، بنحو 297.3 مليار متر مُكعب من الغاز بنسبة 60.7% من جُملة إنتاج مصر البالغ خلال كامل الفترة 495.6 مليار متر مُكعب.
وتشير التقديرات إلى أن حجم احتياطات الغاز الطبيعي المؤكدة في مصر تعادل نحو 37.9 ضعف استهلاكها السنوي؛ ما يعني أن مصر لديها احتياطات تكفي نحو 38 عامًا؛ وذلك في إطار معدلات الاستهلاك الحالية، يستثنى من ذلك الاحتياطات غير المثبتة؛ الأمر الذي يصب في نهاية المطاف في تحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر.
- الاستمرار في نادي مُصدِّري الغاز:
تعمل مصر من خلال تحركاتها فيما يرتبط بتطوير وتنمية حقول الغاز الطبيعي وتهيئة المناخ لمزيد من الاكتشافات؛ لتحقيق الهدف الأكبر المتمثل في الإبقاء على مصر مُصدِّرًا للغاز الطبيعي. وفقًا لوزارة البترول والثروة المعدنية، جرى تنفيذ نحو 37 مشروعًا لتنمية وإنتاج الغاز الطبيعي في الفترة من يوليو 2014 إلى يونيو2020؛ ما أسهم في رفع معدلات الإنتاج اليومي من الغاز الطبيعي، ومن هنا تحولت مصر من دولة مستوردة للغاز الطبيعي إلى دولة لديها فائض.
فعلى سبيل المثال، وصل مُعدَّل الإنتاج خلال عام 2019 إلى 64.9 مليار متر مكعب مقابل استهلاك 58.9 مليار متر مكعب؛ ما يشير إلى تحقيق فائض يمكن أن ينعكس على زيادة حجم الصادرات؛ إذ تمكنت مصر من المساهمة بنحو 1% من إجمالي صادرات الغاز الطبيعي المسال للأسواق العالمية خلال عام 2019. ووفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد بلغت صادرات مصر من الغاز الطبيعي 1.2 مليار دولار عام 2019 مقابل 479 مليون دولار عام2018.
وارتفع الإنتاج عام 2021 ليصل إلى 67.8 مليار متر مكعب، في حين وصل الاستهلاك إلى ما يقرب من 61.9 مليار متر مكعب؛ ما يشير إلى وجود فائض بلغ 6.1 مليارات متر مكعب خلال عام 2021، يمكن أن يُصدَّر إلى الخارج.
ويمكن أن تتصاعد معدلات التصدير خلال السنوات القادمة، في ظل استراتيجية التنمية والتطوير المستمرة التي تضعها الدولة المصرية؛ حيث تشير التقديرات إلى امتلاك مصر ما يقرب من 2.186 تريليون متر مكعب؛ أي ما يعادل 77.2 تريليون قدم مكعبة من احتياطات الغاز الطبيعي المؤكدة؛ تلك الاحتياطات تضع مصر في المرتبة السادسة عشرة عالميًّا. وفي هذا السياق، أكد تقرير منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوابك” في أغسطس 2021 أن مصر تعد المصدر العربي الأسرع نموًّا للغاز الطبيعي المسال. وأوضح التقرير الصادر عن المنظمة ذاتها في مارس 2023 أن إجمالي صادرات مصر من الغاز المسال خلال 2022 بلغ 7.4 ملايين طن، مقابل 6.6 مليون طن في عام 2021.
وتتوقع وكالة “فيتش” نمو صادرات الغاز الطبيعي المسال في مصر بنسبة 30% على أساس سنوي في عام 2023، وأوضحت أن العام الحالي سيشهد أعلى معدلات للصادرات المصرية في قطاع الطاقة، وتوقعت انخفاض استهلاك مصر من الغاز بنسبة 4% على أساس سنوي في عام 2023، من 60.6 مليار متر مكعب إلى 58.2 مليار متر؛ نتيجة خطوات الحكومة المصرية لترشيد استهلاك الكهرباء، ومن ثم زيادة الفائض الذي يمكن تصديره.
- تعزيز ودعم العوائد الاقتصادية
تمكَّنت الدولة المصرية خلال السنوات الماضية من توظيف اكتشافات الغاز في تعزيز الحصيلة الدولارية وإنعاش الخزانة العامة للدولة؛ إذ نتج عن إيقاف استيراد الغاز من الخارج بنهاية 2018 توفير مليارات الدولارات التي كانت مصر تنفقها على شراء الغاز الطبيعي. وهو ما أكده الرئيس “عبد الفتاح السيسي” خلال المؤتمر الاقتصادي مصر 2022، حيث أشار إلى أهمية اكتشاف حقل ظهر ودوره في زيادة العائدات الاقتصادية وخفض فاتورة الاستيراد؛ حيث قال: “إن فضل الله علينا كان عظيمًا باكتشاف حقل ظُهر، ولولاه لكانت مصر مظلمة؛ لأننا لا نمتلك توفير مليارَي دولار شهريًّا بالأسعار القديمة للغاز لتشغيل محطات الكهرباء. أما بالأسعار الحالية –بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية– فقد تصل التكلفة إلى 10 مليارات دولار شهريًّا لشراء الغاز المطلوب لتشغيل محطات الكهرباء الموجودة في مصر؛ حتى لا تنقطع الكهرباء عنها، بما يعني إجمالي تكلفة يبلغ 120 مليار دولار سنويًّا”.
ونجم عن اكتشافات الغاز وما تبعها من وجود فائض في معروض الكهرباء كذلك تسديد مصر أغلب الديون النفطية الخارجية للشركات الأجنبية؛ ما فتح المجال لجذب مزيد من الاستثمارات في هذا المجال؛ حيث انخفضت فاتورة الديون ومستحقَّات الشركات الأجنبية إلى ما يقرب من 900 مليون دولار بنهاية السنة المالية 2018–2019، بعدما وصلت تلك الديون إلى نحو 6.3 مليارات دولار عام 2013 وفقًا للمتحدث الرسمي باسم وزارة البترول.
من ناحية أخرى، أسهمت اكتشافات الغاز والإصلاحات التي قامت بها الدولة في هذا المجال في جذب الاستثمار الأجنبي لقطاع الطاقة في مصر؛ حيث وقَّعت مصر نحو 98 اتفاقية للتنقيب عن الغاز الطبيعي والنفط خلال الفترة من يوليو 2014 حتى أبريل 2021 بقيمة مالية بلغت 15.16 مليار دولار. وفي عام 2020 وحده، وُقعت 9 اتفاقيات للتنقيب في مناطق مختلفة، سواء البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وكذلك الصحراء الغربية باستثمارات وصلت إلى نحو 452.3 مليون دولار.
ترتيبًا على ما سبق، يُنظَر إلى صناعة النفط والغاز كأحد المحركات المهمة للاقتصاد المصري؛ إذ يُعَد إنتاج المواد الهيدروكربونية من أهم الأنشطة الصناعية في مصر، ويمثل نحو 24% من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2019–2020، وقد ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع النفط والغاز الطبيعي إلى 47.8 مليار دولار في 2020 بعدما وصل إلى نحو 9 مليارات دولار خلال 2015.
ومن هنا، تظهر قيمة ومحورية اكتشافات الغاز وتهيئة الأجواء الاستثمارية في هذا المجال في دعم وتوفير الاحتياطي الأجنبي في مصر، خاصةً في ظل ارتفاع معدل نمو الغاز الطبيعي، والذي بدأ بصورة مباشرة مع دخول حقل ظهر مرحلة الإنتاج وخطة الدولة لتنمية وتطوير عمليات التنقيب واستكشاف الغاز الطبيعي.
وبحسب بيانات وزارة البترول، فإن قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعي زادت خلال عام 2021؛ حيث ارتفعت بنسبة 768.2% لتصل إلى 3.959 مليار دولار مقابل 456 مليون دولار خلال 2020، ويمثل ذلك أعلى مستوى تصدير لمصر منذ عام 2009.
وفي المجمل، حققت مصر صادرات بلغت 8 ملايين طن خلال عام 2022، ما أسهم في تحقيق عوائد اقتصادية بلغت نحو 8.4 مليارات دولار بزيادة بزيادة 171% عما كانت عليه عام 2021.، ويعود ذلك بصورة أساسية إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال عالميًا، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. وتستهدف مصر الوصول بحجم صادرات الغاز الطبيعي إلى مليار دولار شهريًا خلال 2023، حيث تبلغ القيمة الحالية لصادرات الغاز 600 مليون دولار شهريًا، وفقًا لوزير المالية الدكتور “محمد معيط”.
- خدمة الرؤية التنموية للدولة
عانت الدولة المصرية من أزمة طاقة طاحنة بدايةً من صيف 2012؛ حيث واجهت البلاد انقطاعًا في التيار الكهربائي يوميًّا، وقد تسبَّب هذا الوضع في مأزق كبير؛ إذ كانت الصناعات التي تعتمد على الطاقة تعمل بنحو 70% فقط من سعتها؛ وذلك بسبب نقص المعروض؛ ما أدى إلى ارتفاع البطالة، فضلًا عن التأثيرات على القطاعات الاقتصادية والخدمية، سواء المصانع والشركات والمستشفيات والأعمال التجارية وغيرها.
وعليه، فإن تطوير صناعة الغاز وتطوير الحقول المكتشفة والمحتملة يُنظَر إليه بوصفه فرصةً لمصر لدفع المشاريع التنموية للدولة المصرية للأمام بما يخدم استراتيجية التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030، خاصةً أن نحو 75% من إنتاج الكهرباء في مصر يعتمد على الغاز الطبيعي.
وبجانب كونه مصدرًا من مصادر الطاقة، فإن الغاز الطبيعي يُعَد مكونًا أساسيًّا ووسيطًا لعدد من الصناعات ومنها: الأسمدة، والبتروكيمياويات، والحديد والصلب، والأدوية، والصناعات الثقيلة. ومن هنا، استهدفت مصر من خلال تطوير قطاع الغاز الطبيعي إحداث نقلة في تلك الصناعات.
يُضَاف إلى ذلك دعم التوجُّه المصري في توسيع استخدام الغاز، سواء في المنازل أو عبر تحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعي؛ فخلال الفترة من يوليو 2014 وحتى نهاية 2022، بلغ إجمالي عدد الوحدات السكنية التي تم توصيل الغاز لها إلى حوالي 14 مليون وحدة سكنية على مستوى محافظات الجمهورية.
ووفقًا لوزارة البترول والثروة المعدنية، فقد تم توصيل الغاز الطبيعي لنحو 185 قرية من قرى المبادرة الرئاسية حياة كريمة، بخلاف استكمال أعمال التوصيل بكافة المناطق المتاحة؛ الأمر الذي يتحقَّق لأول مرة منذ بدء نشاط توصيل الغاز الطبيعي في عام 1980. من ناحية أخرى، بلغ عدد السيارات التي تم تحويلها للعمل بالغاز الطبيعي ما يقرب من 483 سيارة منذ يوليو 2014 حتى نهاية العام الماضي.
- التحول إلى مركز إقليمي للطاقة
عملت مصر خلال السنوات الماضية عبر توظيف سياستها الخارجية في منطقة شرق المتوسط وتصاعد اكتشافات الغاز الطبيعي وتطوير القطاع في تحقيق جملة من الأهداف الجيوسياسية، ومن بين تلك الأهداف تحوُّل مصر إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز الطبيعي والطاقة؛ ما ينظر إليه بوصفه إعادة تشكيل للخطوط الجيوسياسية من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى شمال أفريقيا ومختلف دول المنطقة. وفي هذا الإطار، يمكننا الوقوف على المقومات الرئيسية التي تمتلكها الدولة المصرية والتي تؤهلها للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، وذلك على النحو التالي:
- ارتفاع الفائض من الكهرباء
نجحت الدولة المصرية في تحقيق طفرة ملحوظة في إنتاج الكهرباء؛ وذلك وفق استراتيجية لتطوير وتحديث هذا القطاع؛ الأمر الذي أسهم في زيادة معدلات إنتاج الكهرباء لتصل لنحو 59 جيجاوات حتى يونيو 2021؛ ما يعني وجود فائض في الكهرباء يصل لنحو 28 جيجاوات؛ إذ بلغ أقصى استهلاك للكهرباء في كافة القطاعات المصرية، ما يقرب من 31 جيجاوات. هذا الفائض سمح لمصر بتصدير الطاقة الكهربائية للخارج،
وتُشير التقديرات إلى زيادة الفائض من الكهرباء خلال السنوات القادمة؛ وذلك في إطار الاستراتيجية المتكاملة للطاقة المستدامة 2030 التي أطلقتها وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، والتي تستهدف تنويع مصادر الطاقة، بحيث تصل كمية الطاقة المنتجة من المصادر المتجددة إلى 24% بحلول 2035. وفي هذا الإطار، تشير التقديرات إلى أن مصر سيصبح لديها فائض يصل إلى نحو 74.4 جيجاوات، وعليه فإن مشاريع الربط الكهربائي مع دول أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا ستُمكِّن مصر من تسويق كمية كبيرة من الفائض المتاح لديها؛ ما يزيد احتمالية تحول مصر إلى مركز تجاري للطاقة، ويعزز من فرص تحولها لمركز إقليمي للطاقة بشكل عام.
- اتفاقيات نقل وتسييل الغاز
في إطار مساعي مصر للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، وقَّعت عددًا من الاتفاقيات مع الدول المنتجة للغاز الطبيعي في إقليم شرق المتوسط؛ فخلال شهر سبتمبر 2018 وقَّع وزير الطاقة المصري ونظيره القبرصي اتفاقية لإنشاء خط أنابيب بحري يربط حقل غاز “أفروديت” القبرصي –الذي تقدر احتياطاته بنحو 4.5 تريليونات قدم مكعبة– بمحطات الإسالة في مصر، ويستهدف الاتفاق نقل الغاز الطبيعي القبرصي إلى مصر لتسييله ثم إعادة تصديره إلى دول الاتحاد الأوروبي.
من ناحية أخرى، وقَّعت مصر من خلال شركة “دولفيونس” مع إسرائيل من خلال شركتي “ديليكدريلينج” و”نوبل إنرجي” اتفاقًا في فبراير 2018 يقضي بتصدير غاز طبيعي من الحقول الإسرائيلية إلى منشأة الإسالة المصرية بقيمة 15 مليار دولار لنقل 32 مليار متر مكعب، وقد تم تعديل الاتفاق خلال شهر أكتوبر 2019 الذي تضاعفت خلاله الصادرات الإسرائيلية إلى 60 مليار متر مكعب على مدار 15 عامًا.
وكذلك يمثل الاتفاق بين مصر وسوريا والأردن ولبنان خلال شهر سبتمبر 2021، فيما يتعلق بإحياء الخط الغاز العربي، بهدف نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا والأردن، مؤشرًا على دور مصر في إدارة قواعد اللعبة المنظمة لنقل الغاز الطبيعي لدول إقليم شرق المتوسط، خاصةً بعدما توقف الخط خلال عام 2011 بسبب الأحداث التي مرَّت بها المنطقة. وعليه تتضح مساعي مصر لاستغلال فائض الغاز والكهرباء لتعزيز العلاقات مع الدول العربية وكذلك المتوسطية؛ وذلك في ظل النقص الحاد لدى بعض الدول في الطاقة الكهربائية، وفي مقدمة تلك الدول لبنان، علاوةً على انهيار وتدهور شبكات الكهرباء في سوريا والعراق.
- توظيف الإمكانات اللوجستية “البنية التحتية”
تتميز مصر دون غيرها من دول إقليم شرق المتوسط بالبنية التحتية التي تؤهلها لتحقيق حلم التحول لمركز إقليمي للطاقة، سواء من التقارب الجغرافي بين حقول الغاز المكتشفة في كل من قبرص وإسرائيل بمصر، أو قناة السويس وخط أنابيب “سوميد”؛ حيث يعملان كممر وطريق لعبور النفط والغاز الطبيعي الذي يتم شحنه من الخليج إلى أوروبا؛ فبجانب قناة السويس وما تحمله من أهمية كأسرع طريق بحري بين قارتي آسيا وأوروبا، علاوة على مرور نحو 15% من حركة الملاحة العالمية فيها؛ يوفر خط سوميد طريقًا بديلًا لنقل الطاقة من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط في حال تعثر عملية النقل عبر قناة السويس؛ حيث يمتد الخط البالغ طوله 322 كم من العين السخنة على خليج السويس إلى سيدي كرير على البحر الأبيض المتوسط.
من ناحية أخرى، تمتلك مصر محطتي إسالة (إدكو ودمياط)، وهما المصنعان الوحيدان للغاز المسال في شرق البحر المتوسط؛ ما يمنح مصر ميزة لا تتوافر لباقي الدول؛ حيث تستطيع المنشأتان تسييل ما يقدر بنحو 19 مليار متر مكعب من الغاز سنويّا. فضلًا عن أن استضافة مصر لمنظمة غاز شرق المتوسط، وانخراطها في التفاعلات الجماعية والتعاونية بالمنطقة يسهمان بشكل كبير في تحولها إلى مركز إقليمي للطاقة.
في الأخير، شهدت السنوات العشر الماضية تحولًا كبيرًا في قطاع الطاقة، وكان الغاز الطبيعي كلمة السر في هذا التحول؛ فقد نجحت مصر في التحول من دول مستوردة للغاز الطبيعي إلى دولة مصدرة، مستغله في ذلك الاكتشافات الهائلة من الغاز الطبيعي، خاصة في منطقة شرق المتوسط، فضلًا عن إمكاناتها فيما يتعلق بالبنية التحتية، علاوة على قيادتها للمنطقة عبر دبلوماسية نشطة وأدوات فعالة أسهمت في استضافتها لمنظمة غاز شرق المتوسط كأحد الأدوات الجماعية التي تبنتها مصر في عملية التحول التي شهدها القطاع، والتي ارتكزت في مجملها على تحركات وأدوات داخلية وخارجية، شكلت في نهاية المطاف تلك الصورة وملامح التحول من ظلام دامس وانقطاع مستمر في الكهرباء منذ 2013، إلى لتحقيق أعلى معدل صادرات للغاز الطبيعي عام 2022.