مكافحة الإرهاب

إرهاب الممكن.. تنظيم داعش يعيد نفسه في بريطانيا

تعمد الجماعات الإرهابية اليوم إلى استهداف دولاً كثيرة، واتباع أساليب منخفضة التكلفة. وبدلاً من الاعتماد على التفجيرات بواسطة القنابل والأسلحة، أصبحت العمليات الإرهابية الآن تتم باستخدام أسلحة بيضاء أو شاحنات لدهس المواطنين، وهي الطريقة التي أعلن عنه المتحدث باسم داعش محمد العدناني، في عام 2014 حيث دعا المتعاطفين مع التنظيم إلى قتل رعايا الدول في أي مكان، باستخدام أي سلاح ممكن أو مُتاح دون العودة إلى قيادة داعش أو حتى الانضمام إليه تنظيمياً. وبالفعل لاقت نداءات التنظيم آذانا صاغية لدى مناصريه، ووقعت هجمات عديدة في أوروبا بهذا الأسلوب.
وعقب هزيمة تنظيم داعش في آخر معاقله بمنطقة الباغوز. كشفت أجهزة الاستخبارات البريطانية عن معلومات لمخططات داعش لتنفيذ هجمات في بريطانيا وأوروبا، عبر ما يعرف بـ”خلايا التماسيح”. وهي تتكون من عناصر نائمة تتبع التنظيم وتنفذ أوامره. و”خلايا التماسيح” استراتيجية تم الكشف عنها في إحدى الوثائق السرية التي تم العثور عليها عقب مواجهات بين عناصر من تنظيم داعش والقوات الحكومية شمال شرقي سوريا، في مارس 2019، وتتمثل في زيادة الهجمات الإرهابية عبر “الذئاب المنفردة” أو دعم “العائدين” من بؤر الصراع إلى بلادهم.
ورغم الجهود الحثيثة التي تبذلها بريطانيا سواء بمفردها أو بالتعاون مع بعض الدول إلا أنها لم تستطع السيطرة على العمليات الإرهابية أو القضاء عليها. حيث أعلنت الشرطة البريطانية في 2 فبراير أنها أطلقت النار على شخص نفذ عملا “إرهابيا” بطعن عدة أشخاص بحي ستريتهام في جنوب لندن وأردته قتيلا. وأعلن تنظيم “داعش” عبر وكالة أعماق التابعة له مسؤوليته عن الهجوم. وذكر البيان الذي بثته الوكالة: “منفذ الهجوم في منطقة ستريتهام جنوب لندن من مقاتلي تنظيم داعش ونفذ الهجوم استجابة لنداءات استهداف رعايا دول التحالف”.
وعلى الرغم من أن مشاركة بريطانيا داخل التحالف الدولي لا تتناسب مع حجمها السياسي والاقتصادي مقابل دول أوروبية اخرى، مع وجود تراجع في مشاركتها الدولية في مكافحة الارهاب. إلا أن تنظيم داعش أعلن استهدافها، وعرض أشرطة فيديو احتوت على تهديدات من قبل التنظيم، إذ أظهر الفيديو لقطات أرشيفية لشوارع ومعالم العاصمة البريطانية لندن. وتشير التحليلات إلى أن مقاتلى داعش البريطانيين قد أوكلت إليهم المهمة من قبل عملاء داعش البارزين للعودة إلى بلادهم وتنفيذ الهجوم.
وقد اتخذت الهجمات الإرهابية التي وقعت في بريطانيا منذ عام 2016 وحتى الآن عدد من السمات يمكن رصد أهمها فيما يلي:
استهداف المدن السياحية الكبرى والأسواق المزدحمة.
ارتفاع ملحوظ في استخدام السيارات كوسيلة لتنفيذ اعتداءات بدهس المارة.
صعوبة مواجهة مثل هذا النوع من العمليات الإرهابية الذي يعتمد على الدهس أو الطعن.
العودة إلى العمليات الفردية أو ما يطلق عليها بـ”الذئاب المنفردة”.
إخفاق الأجهزة الأمنية الأوروبية في كثير من الأحيان في التعامل مع المخططات الإرهابية بشكل مبكر.

من هو سوديش أمان؟

كشفت الشرطة البريطانية هوية الإرهابي الذي طعن ثلاثة أشخاص جنوبي العاصمة البريطانية” وهو “سوديش أمان” الذي خرج من السجن في شهر يناير الماضي بعدما أمضى نصف فترة عقوبته، وفيما يلي أبرز التفاصيل عنه:
أقر سوديش أمان، أواخر عام 2018، بالذنب في ست تهم بحيازة مستندات تحتوي على معلومات إرهابية، وسبعة تهم بتوزيع منشورات إرهابية. وكان أحد المستندات، التي اعترف أمان بامتلاكها، كتاب عن فنون القتال بواسطة السكاكين.
صدر حكم بسجنه، في شهر ديسمبر 2018، لثلاث سنوات وأربعة أشهر.
أمضى المتهم نصف المدة في سجن بلمارش، المخصص للمتهمين في قضايا إرهاب، والخاضع لحراسة مشددة. ومنذ إطلاق سراحه، قبل أيام قليلة، أقام أمان في منزل خاص، وخضع لمراقبة ومتابعة رجال الأمن على مدار الساعة.
كانت حركته مقيدة ويرتدي حزاماً إلكترونيا يحدد موقعه على مدار الساعة. كما صودر جواز سفره، ومُنع من الاقتراب من المطارات أو الموانىء.
اعتُقل أمان، لأول مرة، في شمال لندن، في مايو 2018، على أيدي ضباط مسلحين، للاشتباه في تخطيطه لتنفيذ هجوم إرهابي.
لفت انتباه شرطة مكافحة الإرهاب، في أبريل 2018، عندما اطلع رجال الأمن على منشورات له على تطبيق المراسلة، تليجرام. ومن بين المواد التي نشرها، عبر تليجرام، صورة لسكين وسلاحين ناريين على خلفيه علم تنظيم داعش.
واكتشف رجال الأمن، بعد إلقاء القبض عليه، أنه شارك مجلة تنظيم القاعدة عبر تطبيق “واتس آب” مع أفراد أسرته، وأرسل منشورات تدعو إلى التطرف إلى أشقائه الصغار، مؤكداً لهم أن تنظيم الدولة باقي.
في رسالة أخرى لأحد أشقائه الصغار، قال أمان إن النساء الأيزيديات “سبايا”، وإن القرآن يسمح باغتصابهن.
قام أمان بإرسال مقاطع فيديو لعمليات قطع رؤوس، نفذتها عناصر من تنظيم “داعش إلى صديقته، ودعاها إلى قتل والديها “الكافرين”. وأكد لصديقته مبايعته تنظيم داعش، معبراً عن رغبته في تنفيذ هجوم باستخدام “الأسيد”.
كتب في دفتر ملاحظاته تحت عنوان “أهداف حياتي” أنه يتمنى الموت “شهيدا”؛ بغية الوصول إلى الجنة.

حواضن الإرهاب والتطرف في بريطانيا


تعد بريطانيا ملاذا آمنا لأصحاب الأفكار المتطرفة وبيئة خصبة لنمو الإرهاب والتطرف. وينشط على أراضيها عشرات المنظمات الإسلامية. وكان للاستخبارات البريطانية دورا في تأسيس جماعات إرهابية وتجنيد قيادات إسلامية، مثل حركة “المهاجرون” التي كانت تحظى بدعم لتسهيل نشاط الإسلاميين في دول البلقان، بالإضافة إلى تدريب مئات البريطانيين في معسكرات في المملكة المتحدة وفي الولايات المتحدة وإرسالهم للقتال في سوريا والعراق ومناطق اخرى. ولعل هذا ما يفسر تصريحات كريسبين بلنت رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم البريطاني في مارس 2016 بأن:” حركات الإسلام السياسي لها الحق في أن تلعب دورا بناء في الشرق الأوسط وأن من مصلحة بريطانيا أن تتيح لتلك الحركات لعب دور بقدر الإمكان”.
وأصبح هناك أيضا فرع مهم لتنظيم “الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة” في جنوب مانشستر، التي تضم عبد الحكيم بلحاج وخالد الشريف (حاربا مع القاعدة في أفغانستان) وغيرهما، وحسب الوصف الرسمي للجماعة لدى وزارة الداخلية البريطانية، فإنها “جزء من الحركة الإسلامية المتطرفة العالمية التي تستقي أفكارها من تنظيم القاعدة”، وتهدف إلى “استبدال النظام في ليبيا بدولة إسلامية متشددة”، ورغم كل ذلك، استخدمت بريطانيا الجماعة في صفقة عقدها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق “توني بلير”، مع القذافي عام 2004 عرفت باسم “صفقة في الصحراء” لإعادة إدماج ليبيا في الأسرة الدولية. وقتذاك سلمت الأجهزة البريطانية نظام القذافي لعدد من هؤلاء الإرهابيين منهم بلحاج والشريف.
وترتب على السياسة البريطانية السابقة أن أصبحت بعض المدن حواضن للتطرف، مثل مدينة “برمنجهام” ثاني أكبر المدن البريطانية، إذ أن عددًا كبيرًا من الإسلاميين الإرهابيين ارتبطوا بها، فالمتهم بتجنيد “الجهادي جون” في صفوف “داعش” كان من برمنجهام، كما تواجد “عبدالحميد أبا عود”، المخطط الرئيسي لعمليات باريس الإرهابية في ديسمبر 2015، في المدينة ذاتها لفترة. وينطبق الأمر نفسه على “محمد عبريني” الذي ساعد في عمليات بروكسل الإرهابية في عام 2016، و”خالد مسعود” الذي قام بتنفيذ الهجوم على البرلمان البريطاني في مارس 2017.

قواعد بريطانية صارمة بحق المدانين بالإرهاب


أعلنت الحكومة البريطانية أنها ستقدم إلى البرلمان قريباً مشروع قانون يشدد العقوبات على مرتكبي الجرائم الإرهابية ويمنعهم من الاستفادة من إطلاق سراح مبكر، في خطوة وعدت بها في أعقاب مقتل شخصين على جسر لندن في نهاية نوفمبر 2019، وكان قد أفرج عنه قبل انتهاء فترة عقوبته. ومن المتوقع أن يحوز مشروع القانون هذا على مصادقة النواب، خاصة بعد العملية الإرهابية الأخيرة. سيُلزم مشروع القانون الجديد أخطر الإرهابيين بقضاء عقوبتهم كاملة، وسيحرص على أن المدانين بارتكاب جرائم خطيرة سيقضون حُكماً 14 عاماً على الأقل خلف القضبان
تعتزم وزارة الداخلية البريطانية رفع الميزانية المخصصة لمكافحة الإرهاب خلال الفترة 2020-2021 إلى 906 ملايين جنيه إسترليني (1.06 مليار يورو)، أي بزيادة قدرها أكثر من 100 مليون يورو بالمقارنة مع العام السابق. وتخطط الحكومة أيضاً لتخصيص نصف مليون جنيه إسترليني (586 ألف يورو) “فوراً” للوحدة المسؤولة عن مساعدة ضحايا الاعتداءات. ويولي مشروع القانون أيضاً أهمية كبرى للحول دون عودة المحكومين إلى الجريمة، ويعد بمضاعفة عدد ضباط مراقبة إطلاق السراح حتى تستطيع السلطات مراقبة الإرهابيين من كثب في الأسابيع التي تلي إطلاق سراحهم.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى