
السيطرة على معرة النعمان تدفع تركيا إلى عملية عسكرية في إدلب
تطورات متسارعة تشهدها الساحة السورية، وتحديدًا في الشمال الغربي منذ منتصف ديسمبر الماضي، بعد أن بدا الجيش السوري عازمًا على فرض سيطرته على مدينة إدلب وتحريرها من سيطرة الفصائل المسلحة، بدءًا من ريفها الجنوبي وريف حلب الغربي. وهو الإصرار الذي قضّ مضجع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مما دفعه للتهديد بشنّ عملية عسكرية في إدلب في حال عدم توقف الهجمات، وهو تهديد أصبح واقعًا بعد أن أعلنت تركيا مقتل أربعة من جنودها في قصف للجيش السوري في إدلب، وإعلان الرئيس التركي استهداف 40 موقعًا للجيش السوري.
اتفاقية أضنة سند أردوغان الدائم
أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن “أي تطور في سوريا هو أمر في بالغ الأهمية كأي تطور داخل تركيا على الأقل، فلم ولن نبقى متفرجين حيال الوضع في إدلب أو المناطق الأخرى في سوريا”، قائلًا “أقولها بكل صدق، إننا نريد إرساء الاستقرار في سوريا، ولن نتردد في القيام بكل ما يلزم إزاء ذلك بما فيها استخدام القوة العسكرية”.
واستند الرئيس التركي إلى اتفاقية أضنة الموقعة بين أنقرة ودمشق عام 1998 في تهديده بشنّ العملية العسكرية الجديدة في شمال غرب سوريا، مُدعيًا أن الاتفاقية تمنح أنقرة الحق في الدفاع عن حدودها شمال سوريا، مثلما كانت هذه الاتفاقية هي السند الذي يبرر به أردوغان التدخل العسكري التركي في الأراضي السورية بدءًا من عملية “درع الفرات” في أغسطس 2016 وحتى عملية “نبع السلام” في أكتوبر 2019.
وتنص ملاحق الاتفاقية التي وقعها الرئيسان حافظ الأسد وسليمان دميرل في أكتوبر 1998، بشأن مكافحة نشاط حزب العمال الكردستاني في سوريا، ولم يعلن عن بنودها بشكل رسمي، على أن إخفاق الطرف السوري بالتدابير الأمنية الواجب عليه اتخاذها، والمنصوص عليها في الاتفاق المذكور، فإن هذا يعطي تركيا الحق بإجراءات أمنية وعسكرية داخل الأراضي السوري في عمق يصل إلى 5 كيلو مترات.
إلا أن اتفاقية أضنة قد تكون غير كافية هذه المرة ليبرر بها الرئيس التركي تدخله العسكري الجديد، فالاتفاقية وإن كانت تمنح تركيا حق التدخل العسكري داخل الأراضي السورية بعمق 5 كيلو مترات –حسب النصوص المنشورة بصورة غير رسمية- فإنها قصرت ذلك على مكافحة أنشطة حزب العمال الكردستاني داخل سوريا، وفي حال أخفق الجانب السوري في اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية المنصوص عليها في الاتفاق. أما التدخل التركي الجديد الذي هدد به أردوغان فسيكون في الشمال الغربي السوري، وتحديدًا في مدينة إدلب، حيث توجد الفصائل المسلحة وعلى رأسها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا).
الجيش يسيطر على واسطة العقد
أعلن الجيش السوري في 28 يناير الماضي دخول قواته مدينة معرة النعمان، ثاني أكبر مدن محافظة إدلب، وسيطرته عليها بشكل كامل، وذلك بعد أيام من القتال والإسناد الجوي الروسي، وتعد معرة النعمان هدفًا استراتيجيًا للجيش السوري بسبب مرور طريق M5 الدولي، الذي يربط حلب وإدلب بمحافظات حماة وحمص ودمشق، من منتصفها، بالإضافة إلى أنها معقل للفصائل المسلحة وكانت تخضع لسيطرتها منذ أكتوبر 2012.
وفتحت السيطرة على معرة النعمان الباب على مصراعيه أمام قوات الجيش السوري للتوغل أكثر في قرى ومدن محافظة إدلب مثل سراقب وأريحا وجسر الشغور، وقد سيطر الجيش السوري على بلدتي أرمانيا ومعر حطاط الواقعتين بمحاذة الطريق الدولي شمال بلدة حيش، وبذلك أحكم سيطرته على كامل مقطع خان شيخون- معرة النعمان من طريق (M5). وهو ما دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مطالبة روسيا باحترام الاتفاقات المبرمة حول سوريا، وتحديدا أستانا وسوتشي، وبوقف القصف على إدلب.
الميدان يتجهز لمواجهات مع تركيا
استكملت وحدات الجيش السوري طوقها على مقر نقطة المراقبة التركية في معر حطاط الواقعة على الطريق الدولي (M5) شمال مدينة خان شيخون، وباتت في طريقها نحو تطويق نقطة المراقبة التركية في إدلب، وعمدت تركيا إلى إنشاء نقطة مراقبة ثالثة في سراقب إضافة إلى نقطتيها في معر حطاط وإدلب، في محاولة لمنع الجيش السوري من السيطرة عليها.
وسيكون الجيش السوري مجبرًا على الاشتباك مع القوات التركية في نقطة المراقبة الجديدة، للسيطرة على سراقب، وقد هددت وزارة الدفاع التركية مسبقًا بأن “أي محاولة لتهديد أمن نقاط المراقبة التركية التي تدخل ضمن نطاق اتفاقيات أستانا وسوتشي سيتم الرد عليها بقوة ودون تردد، دفاعًا عن النفس”، وأعلنت القوات التركية طريق (اللاذقية – حلب) المعروف بـ (M4) والذي يتقاطع مع طريق (M5) عند سراقب، منطقة عسكرية لها؛ لتحقيق نفس الهدف وهو منع الجيش السوري من السيطرة على سراقب.
الدفاع عن النفس قد يكون هو المبرر الآخر الذي اعتمدت عليه تركيا في بدء عمليتها العسكرية الجديدة صباح يوم الاثنين 3 فبراير، والتي ادعّت مشاركة طائراتها من طراز إف 16 فيها، دفاعًا عن قواتها المتمركزة في إدلب ومحيطها، الأمر الذي نفته وزارة الدفاع الروسية، وأكد مجلس الأمن القومي التركي، بعد اجتماع يوم الخميس 30 يناير، إن تركيا ستتخذ إجراءات إضافية للتصدي للهجمات التي تستهدف قواتها والمدنيين في محافظة إدلب. قائلًا “نكرر التزام بلادنا باتخاذ إجراءات إضافية ضد الهجمات الإرهابية التي تواصل استهداف قواتنا الأمنية والسكان المدنيين في مناطق مختلفة من سوريا، وخاصة إدلب، على الرغم من الاتفاقات مع دول فاعلة في سوريا”.
وكان رد الدول الفاعلة في سوريا والمقصود بها روسيا واضحًا، وبدا في استهداف الطائرات الروسية صباح الأحد 2 فبراير لمحيط رتل عسكري تركي مكوّن من 195 آلية وشاحنة عسكرية بالقرب من كفر حلب بريف حلب الجنوبي الغربي. وبذلك كله يكون اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب الذي وقعته موسكو وأنقرة في 9 يناير الجاري بمدينة إسطنبول التركية قد انهار تمامًا.
عودة الروح إلى داعش
نفخ الروح في تنظيم داعش، كان هو وصف قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي لما تقوم به تركيا في المناطق التي تحتلها شمال سوريا، إذ أوضح عبدي أن تقرير مجلس الأمن الدولي بخصوص داعش دقيق وشفاف، وأن تركيا لاتزال تنفخ الروح في تنظيم داعش في المناطق التي تحتلها شمالي سوريا ومنحت التنظيم موارد مالية وبشرية وجغرافية جديدة.
وكان مجلس الأمن الدولي قد أصدر تقريرًا يوم 30 يناير حذّر فيه من أن تنظيم داعش قد بدأ إعادة ترتيب نفسه، وأن التطورات الأخيرة في شرق الفرات أدت إلى زيادة في نشاط داعش في محافظتي دير الزور والحسكة.
تركيا تعمل على إنقاذ الفصائل المسلحة
سيطرة الجيش السوري على مناطق واسعة في أرياف إدلب وحلب ومواجهاته المستمرة مع الفصائل المسلحة التي تدعمها تركيا، جعلت هذه الفصائل في موقف صعب يحتاج إلى إنقاذ تركي، ولذلك جاء التحرك التركي سريعًا، بمبرراته المتعددة ومنها الدفاع عن النفس، ومنع تدفق موجات جديدة من اللاجئين في إدلب إلى الحدود التركية.
وتعد هذه الفصائل ورقة مهمة في يد النظام التركي تضع له قدمًا في المستقبل السياسي لسوريا، خاصة بعدما مُثّلت هذه الفصائل ومنها الجيش الحر وفصائل إسلامية داخل اللجنة الدستورية التي شكّلها المبعوث الأممي إلى سوريا جير بيدرسون، وفي ظل استمرار انهيار تفاهمات أستانا وسوتشي على وقع التطورات الميدانية.
ويهم أنقرة أن يكون لها دور في رسم مستقبل سوريا، ولا شك أن موقف الفصائل على الأرض سينعكس على قوة موقفها السياسي في التفاوض، سواء في اللجنة الدستورية، أو في المستقبل السوري بوجه عام، ولذلك تعمل تركيا على إنقاذها من جانب، وتعمل هي على فتح جبهات قتال جديدة ضد الجيش السوري في حلب، لتخفيف الضغط الواقع عليها في إدلب.
باحث أول بالمرصد المصري