ليبيا

مشروع قرار بريطاني حول ليبيا … وقاعدة تركية في طرابلس؟

في استمرار للجهود البريطانية السياسية المكثفة في أعقاب مؤتمر برلين، قدمت لندن اليوم رسمياً مشروع قرار حول ليبيا إلى مجلس الأمن الدولي، سبق وتمت عليه بعض التعديلات بالتوافق مع عدد من الدول أمس. مشروع القرار كان يرتكز في صيغته الأولى التي تم طرحها الأسبوع الماضي، على محاولة إيجاد لضوابط واضحة لتنفيذ ومراقبة حظر السلاح المفروض على ليبيا، لكن تم إضافة بنود تتعلق بإيقاف أي دعم خارجي للعناصر المرتزقة المتواجدة على الأراضي الليبية، وضرورة أنسحابهم، وهي بنود كانت غائبة تماماً عن الصيغة الأولى.

تتضمن الصيغة المعدلة أيضاً، مطالبة واضحة لجميع الدول الأعضاء بمجلس الأمن، بعدم التدخل بأي شكل سلبي في الأزمة الليبية، مع التشديد على الالتزام بمقررات مؤتمر برلين. ويحمل القرار في صيغته الجديدة، مطالبة موجهة للأمين العام للأمم المتحدة، بتوضيح الإمكانيات والأفكار المتوفرة لدى المؤسسة الدولية، من أجل ضمان وقف كامل لإطلاق النار في ليبيا، وتفعيل آليات لمراقبة هذا الوقف بشكل فعال. كما أشارت الصيغة المعدلة إلى أهمية دور المؤسسات الإقليمية مثل الإتحاد الأوروبي والجامعة العربية والإتحاد الأفريقي في هذا الملف، وهو ما لم تتم الإشارة إليه في الصيغة الأولية.

تعديل مشروع القرار أظهر بجلاء حرص بعض الأطراف الدولية، وتحديداً فرنسا وألمانيا، على تضمين ملف المرتزقة المرسلين إلى ليبيا، ضمن أي مجهود سياسي دولي حول الملف الليبي. باريس أعادت التأكيد على تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حول رصد البحرية الفرنسية لتحركات بحرية عسكرية تركية قبالة الساحل الليبي، واستمرار وصول الأسلحة والذخائر إلى حكومة الوفاق عن طريق البحر. حيث صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، آنييس فون دير مول، حول هذا الموضوع، مشيرة إلى انه منذ فترة تلاحظ فرنسا التصرفات التركية، التي لم تحترم من خلالها التزاماتها بوقف إرسال الرجال والسلاح إلى ليبيا، مؤكدة تدفق الإمدادت التركية نحو طرابلس، وتوثيق البحرية الفرنسية قبل أيام مواصلة الأتراك تسليم معدات إلى طرابلس، مما يعد مخالفة للالتزامات التي قُطعت خلال قمة برلين، ولحظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة نحو ليبيا.

نشاط متجدد للمبعوث الأممي

المبعوث الأممي في ليبيا غسان سلامة، بدء في جولة جديدة من الجهود لمحاولة تشكيل توافق داخلي ليبيا يسمح بنجاح الاجتماعات الدولية المقبلة، فقد وصل منذ ساعات إلى ليبيا، وعقد لقاء مع قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر. في جعبة المبعوث الأممي عدة موضوعات، أهمها الحصول على دعم قيادة الجيش الوطني الليبي لبدء الاجتماعات العسكرية الليبية المشتركة (لجنة 5 + 5)، التي كان من المقرر أن تتم الأسبوع الماضي.

سلامة قدم أول أمس إلى مجلس الأمن الدولي، إحاطة شاملة حول الملف الليبي، تناول فيها الهدنة القائمة حالياً، والتي رأى أنها لا تعدو إلا أن تكون هدنة اسمية، مشيرًا إلى ازدياد تبادل الضربات المدفعية بشكل كبير في طرابلس في الأيام الأخيرة، واندلاع اشتباكات في عدة مناطق على رأسها منطقة أبو قرين شرقي مدينة مصراتة، مؤكداً أن بعثته وثقت أكثر من 110 حالة خرق للهدنة حتى الآن.

اللافت في إحاطة المبعوث الأممي، ذكره بشكل واضح وللمرة الأولى، للدفاعات الجوية التركية التي تزودت بها حكومة الوفاق خلال الأيام الماضية، وكذا أستقبال طرابلس لمئات المرتزقة الأجانب، ورصد بعثته لتواجد سفن حربية وأخرى مدنية قبالة ساحل العاصمة.

قاعدة عسكرية تركية في طرابلس؟

تتزايد التكهنات حول حقيقة النوايا التركية في طرابلس، خاصة بعد الظهور المفاجئ لفرقاطتين تابعتين للبحرية التركية قبالة المياه الإقليمية الليبية، وإستمرار وصول منظومات قتالية نوعية إلى قوات حكومة الوفاق، ومئات المرتزقة الذين يصلون بشكل يومي من الأراضي التركية على متن الرحلات الجوية المدنية. طبيعة الأسلحة الجديدة التي وصلت إلى طرابلس، ربما توحي أكثر بانها جزء من بنية تحتية يتم إعدادها، لتكون ضمن نطاق قاعدة عسكرية او حتى تمركز عسكري محدود للجيش التركي في طرابلس.

هذه الفرضية تبدو ممكنة ومنطقية، إذا ما وضعنا في الإعتبار الكفاءة المحدودة للقوات المتواجدة حالياً ضمن رئاسة الأركان التابعة لحكومة طرابلس، والتي أثبتت فشلها في إستيعاب وتشغيل الأسلحة والمنظومات التركية التي وصلت إليها منذ منتصف العام الماضي وحتى الآن، ولعل مشهد العربات المدرعة التي غنمها الجيش الوطني، وبعضها كان جديداً كلياً، هو من أبلغ المشاهد المعبرة عن مستوى أفراد الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق، والذين كانوا يسارعون بمغادرة عرباتهم المدرعة التركية الصنع، بمجرد بدء الأشتباكات، ناهيك عن الأعطال الفنية المتكررة التي باتت تظهر في أنواع معينة منها، وعلى رأسها العربات المدرعة (ڤوران).

حتى الآن لا توجد شواهد تؤكد هذه الأنباء، فلا توجد اية محاولات لإنشاء تحصينات جديدة في نطاق العاصمة، لكن قاعدة معيتيقة الجوية تبقى هي الخيار الأكثر تفضيلاً من جانب الأتراك، نظراً لتواجد عدد من خبرائهم داخلها، لتشغيل وإدارة طلعات الطائرات التركية دون طيار، التي لم يعد أمامها إلا مدرج الجزء المدني من المطار، للإقلاع وتنفيذ مهامها. لكن بغض النظر عن هذه النقطة، من الصعب تأمين أي تواجد عسكري تركي دائم على الأراضي الليبية، نظراُ لقرب المواقع الحالية للجيش الوطني جنوبي العاصمة من الأحياء الوسطى، مما يضع أي تمركز تركي دائم تحت مرمى النيران المدفعية لقوات الجيش الوطني. وبالتالي لا خيار امام الجيش التركي سوى المخاطرة، أو إنتظار تحقق تقدم لقوات الوفاق على الأرض بأتجاه الجنوب، وهو تقدم يبدو بعيد المنال حتى الآن.

التمويل … العين التركية على النفط الليبي

ملف القاعدة التركية المحتملة، ومن قبله كميات الأسلحة والذخائر التي تصل إلى حكومة الوفاق من تركيا، فتحت باب الحديث مؤخراً، حول مصدر تمويل هذا المجهود الحربي، فقد وصلت جميع المكونات الليبية إلى قناعة، أن هذا المجهود يتم بأموال الليبيين ومن ريع ثرواتهم.

هذا الواقع اتضح أكثر، بعد تصريحات سابقة لمظفر أقصوي، رئيس ما يسمى مجلس الأعمال التركي الليبي، حول توقيع بلاده وحكومة الوفاق ، مذكرة تفاهم تحصل بموجبها أنقرة على 2.7 مليار دولار ، كتعويض عن أكثر من 160 مشروع تركي متوقف في ليبيا منذ عام 2011، تبلغ قيمتها أكثر من 18 مليار دولار. يضاف إلى ذلك عدة وثائق تم تسريبها مؤخراً، منها وثيقة خاصة بقرار لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، بتخصيص مبلغ مليار دينار، للإنفاق على الميليشيات المسلحة الموالية له في العاصمة

بجانب عدة وثائق تتعلق بالمخصصات المالية التي أقرتها حكومة الوفاق في الفترة مايو وحتى نوفمبر 2019، لصالح وزارة الداخلية التابعة لها، والتي تجاوز مجموعها 570 مليون يورو، وهو مبلغ ضخم جداً، من الصعب تصديق أن تم تخصيصه من أجل رواتب العاملين بالوزارة، أو حتى لإستيراد معدات وأسلحة لهم، وبالتالي هذه المبالغ وما سبقها، تم ضخها في تمويل المجهود العسكري التركي، بشقيه التسليحي والبشري.

النفط الليبي … كلمة السر

هذه الحقائق، كانت وراء قرار القبائل الليبية، بتعطيل كافة عمليات الاستخراج والتكرير والضخ والتصدير للنفط الليبي، من كافة الحقول والمواني، وقد قاد عمليات تنفيذ هذا القرار، تجمع القبائل الليبية في شرقي البلاد، بجانب تجمع غضب فزان، ومجلس مشايخ ترهونة، ومجلس قبائل الزاوية. ونتيجة لهذا، تم التعطيل الكامل لعمليات التصدير من موانئ الهلال النفطي (رأس لانوف – السدرة – البريقة – الزويتينة)، مما أوقف عمليات الإستخراج والضخ من نحو 50 حقل نفطي في نطاق حوض سرت النفطي.

أما في المنطقة الغربية، فقد تم تعطيل الخط النفطي الرابط بين حقل الحمادة النفطي وميناء الزاوية، وكذلك تم تعطيل عمليات الاستخراج من حقلي الشرارة والفيل جنوب غرب البلاد، على عدة مراحل، كان أخرها قيام أهالي وقبائل منطقة (القبلة) جنوبي الجبل الغربي، بالغلق الكامل لصمامات الحقلين، وهو ما أدى إلى إيقاف عمليات التصدير منهما بشكل كامل.

هذه الإجراءات، تسببت في الإيقاف الكامل لعمليات التكرير والاستخراج والتصدير من 95 بالمئة من الحقول والموانئ الليبية، حيث لم يعد هناك أية عمليات تصدير للخام الليبي، سوى من بعض الحقول البحرية الصغيرة، بجانب حقل الوفاء النفطي أقصى غربي البلاد، والذي يتم التصدير منه إلى أيطاليا عبر مجمع مليتة النفطي غربي العاصمة، وبالتالي انخفض معدل الإستخراج الكلي للنفط الليبي، من نحو 1.2 مليون برميل يومياً، إلى نحو 320 ألف برميل. ويتوقع أن يستمر إنخفاض الإنتاج اليومي، ليصل إلى مستوى أقل من مائة ألف برميل يومياً.

جبهات فرعية تفتح قريباً في طرابلس؟

يبقى الوضع الميداني في معركة طرابلس، وشرقي مدينة مصراتة، على نفس الوتيرة التي كان عليها منذ انتهاء مؤتمر برلين، تراشق مدفعي مستمر في معظم الجبهات، واشتباكات متقطعة في عدة نقاط، أهمها محور أبو قرين شرقي مدينة مصراتة، ومنطقة طريق المطار وجنوبي حي بوسليم. لكن كان لافتاً بدء محاولات لتفعيل أتجاهات هجومية جديدة، أو اتجاهات سبق فتحها سابقاً وتوقفت فيها العمليات لسبب أو لآخر، منها أتجاه منطقة الزطارنة، الواقعة جنوبي غرب مدينة القره بوللي، التي تتوسط الطريق الساحلي بين مدينة الخمس والعاصمة، وهو اتجاه حاولت قوات الجيش الوطني في مراحل سابقة، التقدم فيه أنطلاقاً من مواقعها في محور وادي الربيع. اندلعت في هذا الاتجاه اشتباكات كبيرة خلال الساعات الماضية، بعد أن رصدت وحدات الجيش الوطني تحركات للعناصر المرتزقة السورية في هذا المحور.

كذلك اندلعت اشتباكات مماثلة في محيط منطقة كوبري السدادة جنوب شرق مدينة مصراتة، حيث صدت قوات الجيش الوطني محاولات قوات الوفاق التقدم للسيطرة على منطقة أبو قرين، وبدأت بعد ذلك في الهجوم على منطقة التجمع الرئيسية لقوات الوفاق في هذا الاتجاه، وهي منطقة كوبري السدادة، وهذا ترافق مع غارات جوية سلاح الجو الليبي على مواقع للوفاق جنوبي مدينتي مصراتة وزليتن.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى