
قانون «تزوجي مغتصبِك» في تركيا.. يعيد النساء لعصر “الحرملك”
عُرِض مشروع قانون “تزوجي مغتصبك”، والذي لم يتم إقراره بعد، على البرلمان التركي استعدادًا للمناقشة من جانب النواب في نهاية شهر يناير الجاري. وقد أثار هذا الاقتراح انتقادات دولية واسعة النطاق. لأنه بموجب هذا القانون إذا تم اقراره يلغي ادانة المغتصبين طالما أبدوا موافقتهم ورغبتهم في الزواج من ضحاياهم، وبالتالي إفلاتهم من العقاب القانوني على الجُرم المرتكب. وهذا ما يترتب عليه الإفراج عما يقرب من 4000 متهم بجريمة الاغتصاب في تركيا.
لم تكن السابقة الأولي
الجدير بالذكر بأن القانون لم يتم فرضه للمرة الأولي بل كان هناك محاولات سابقة لتمرير هذا القانون، ففي عام 2016 تم تقديم مشروع قانون مماثل أمام البرلمان التركي، وكان الاقتراح المثير للجدل حينذاك يشمل حالات الاغتصاب للفتيات في سن 15 أو أقل واللاتي لم يتعرضن لاستخدام القوة أو التهديد. ورغم مدافعة الحكومة المستميتة حينها عن القانون الا انه تم سحبه وتأجيله من قِبل حزب العدالة والتنمية الحاكم تحت ضغط وتأثير من المنظمات الحقوقية العالمية.
أصداء اقتراح القانون

علي النطاق المحلي، أثار مشروع القانون سخط المجتمع التركي ونظموا الاحتجاجات الواسعة في 45 مقاطعة تركية علي مدار الشهر الجاري، منتقدين المسئولين لإثارتهم هذا المقترح في المقام الأول ناهيك عن شق القانون طريقه إلي البرلمان ومناقشة النواب والقادة ما إذا كان سيتم تمرير القانون من عدمه.
أما على الصعيد الدولي، فقد تسبب القانون المقترح في تنظيم مجموعات لمزيد من الاحتجاجات لحماية النساء والأطفال لأنه بموجب القانون المقترح، يعطي المغتصب الشرعية في اغتصاب النساء وقتما يشاء، مما يفتح بابًا لمزيد من الاعتداءات الجنسية على الأطفال.
بينما حذرت الأمم المتحدة من القانون لأنه يسمح لجميع الرجال المتهمين بالتحرش الجنسي أو الإساءة إلى الفتيات دون سن 18 عامًا، أن يفلتن من العقوبة بمجرد زواجهن من ضحاياهن. وبعبارة أخرى، فإن هذا سيجعل الاغتصاب وزيجات الأطفال قانونية مما يؤدي إلى قيام متعاطين بالتصرف دون عقاب، ويجعل الضحايا أكثر عرضة للخطر، كما يؤدي القانون بدوره إلى إجبار الفتيات على الزواج ضد إرادتهن وهو ما يخالف جميع القوانين والأعراف الدولية.
مواقف هيأت البيئة لإثارة القانون مرة أخري
اتُهِم الرئيس اردوغان من قبل بالتمييز الجنسي من قِبل الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة، بعد تصريحه العديد من المرات بأن النساء غير متساويات مع الرجال واوجب النساء بإنجاب ثلاثة اطفال على الأقل، باعتبار ان المرأة التي ترفض الأمومة هي ” ناقصة غير مكتملة”، وفي عام 2015، جاءت تركيا في المرتبة (130) في المساواة بين الجنسين وذلك ضمن مجموعة من 145 بلدا. وهي نتيجة لا غرابة فيها. فخلال العام السابق على تلك النتيجة في قمة إسطنبول عام 2014، سجل أردوغان اعتراضه على المساواة بين الجنسين وصرح بأن الاختلافات البيولوجية تعني أن النساء والرجال لا يستطيعون أداء نفس الوظائف، مضيفًا أن العمل اليدوي غير مناسب لـ “الطبيعة الحساسة”
وأخيرًا في اليوم العالمي للمرأة عام 2018، ألقى الرئيس التركي باللوم على وسائل الإعلام في ارتفاع حالات العنف المنزلي ضد المرأة وبدلًا من اتخاذه اجراءات صارمة تعزز من حقوق المرأة، طالب الصحفيين بعدم الإبلاغ عن تلك الحوادث وإبرازها في الرأي العام.
وفي نفس السياق، صرحت السيدة الأولى في تركيا، ايمين اردوغان، بأن دور المرأة ينحصر في الزواج والامومة فقط، مضيفة بأن الحرملك في العصر العثماني كان “مركزا تربويا وتعليميا قام بإعداد النساء للحياة”. كل هذه المواقف توضح حقيقة النظرة الدونية التي تعتريها الدولة للمرأة التركية باعتبارها ولاَدة فقط لا غير، وتؤكد على اتجاهها نحو تقنين حريتها بدلا من سن التشريعات التي تساعد على حمايتها.
تداعيات تمرير القانون على واقع المجتمع التركي

على الرغم من إدعاء أردوغان، بأنه لن يسمح أبدًا بتخفيض العقوبة على جرائم مثل الإرهاب أو الاعتداء الجنسي، إلا أنه سمح بمشروع قانون «تزوجي مغتصبِك» لاعتباره وسيلة لتحقيق أهدافه، في زيادة نسبة الزواج في المجتمع التركي مما يترتب عليه زيادة التعداد السكاني. بالإضافة الي محو اي أدلة على تزايد حالات العنف ضد النساء في تركيا.
إلا أن إقرار هذا القانون يؤدي الي عواقب مجتمعية وخيمة، تتمثل في شعور الرجال بالسيطرة على النساء وعلى أجسادهن، مما يزيد حالات الاغتصاب، كذلك حالات العنف المنزلي و سوء معاملة المرأة فحسب إحصائيات الأمم المتحدة أن ما يقرب من 38% من النساء في تركيا قد تعرضن إلى العنف الجسدي أو الجنسي في المنزل، هذا بجانب ارتفاع معدل قتل النساء على الرغم من ارتفاعه القائم بالفعل، والذي بلغ حوالى ٤٧٤ سيدة في عام ٢٠١٩ فقط، هذا بالإضافة إلى زيادة معدل زواج القاصرات والذي تفاقم علي مدار العشر سنوات الماضية حيث قدر بـ 482,908 حالة زواج أطفال وفقًا لتقرير حكومي عام 2018، ناهيك عن ازدياد حجم حالات الانتحار بين النساء كنتيجة لكونهن عالقات في منازل غير سعيدة مع رجال، وربما أطفال، لم يرغبن فيهم.
ختامًا،
على الرغم من رفض العديد من الدول للتشريعات المتعلقة بالموافقة على زواج المغتصب من الضحية وإفلاته من العقاب وبحثها لسد ثغرات تلك القوانين ومحاربتها، فقد سارت تركيا بحلول 2020، في الاتجاه المعاكس بمحاولاتها لتمرير هذا القانون التي ترفضه كافة الاتفاقيات والأعراف الدولية والإنسانية، واستمرار أردوغان في تنفيذ ما يسمى “بالهندسة الأسرية” تماشيا مع أيدولوجيته الإخوانية.
باحثة ببرنامج السياسات العامة