
قبيل مؤتمر برلين.. تعرف على خريطة السيطرة الميدانية للجيش الوطني الليبي
بعد قبول الجيش الوطني الليبي، بشروط محددة، الهدنة المقترحة من جانب روسيا، وإعلانه إيقاف العمليات العسكرية في المنطقة الغربية حصراً. تقف وحدات الجيش الوطني على بعد ساعات من مؤتمر برلين، في مواضع متقدمة بكافة محاور القتال، بشكل يختلف كلياً عن موقفها قبيل بدء المرحلة الأولى من عمليات تحرير العاصمة في إبريل الماضي. في هذا التقرير، سنستعرض المكاسب الميدانية التي حققها الجيش الوطني الليبي خلال الثلاث مراحل من عملية “طوفان الكرامة”، والتي نجح من خلالها أن يقبض سيطرته على ما يقترب من 90 % من الأراضي الليبية.
مقدمات عملية طرابلس – عملية الجنوب الليبي العسكرية يناير 2019
كانت عملية تأمين مناطق الجنوب الليبي، والتي نفذتها وحدات الجيش الوطني في يناير من العام الماضي، أهم مقدمات عملية تحرير طرابلس. وقد بدأت هذه العملية بشكل فعلي مباشرة عقب الهجوم الذي شنته وحدات تابعة للمعارضة التشادية، على مقر اللواء العاشر التابع للجيش الليبي في منطقة تراغن جنوبي مدينة سبها، إحدى أهم مدن الجنوب الليبي. واستهدفت هذه العملية بشكل رئيسي تأمين وتطهير كامل مناطق الجنوب الليبي من التواجد المسلح لمجموعات المعارضة السودانية والتشادية، وترافقت معها عملية عسكرية أخرى تحت اسم “طوق الحمادة” لتأمين مناطق الجنوب الغربي.
تألفت هذه العملية من ثلاث مراحل، في الأولى: تمّت السيطرة على كامل مناطق مدينة سبها، بما فيها المرافق العسكرية والحكومية، بجانب السيطرة على مدينة غدوة الواقعة على بعد 70 كيلو متر جنوبي مدينة سبها، وتأمين مطاري سبها وتمنهنت. في المرحلة الثانية: تمّ التقدم جنوب وغرب سبها بإتجاه حوضي مرزق وفزان، في حوض فزان جنوبي سبها سيطرت القوات في هذه المرحلة على مدينة مرزق والمناطق الواقعة شمال غربها، وفي حوض مرزق جنوب غرب سبها سيطرت القوات على مدينتي جرمه وأوباري، ثمّ تمكنت من الدخول دون قتال إلى حقلي الشرارة والفيل النفطيين.
في المرحلة الثالثة: وسّعت
القوات من سيطرتها جنوبي غرب أوباري، لتتمكن بعد السيطرة على مدينة
العوينات، والمناطق الخمس التي تتكون منها مدينة غات، من الوصول إلى خط الحدود
المشتركة مع الجزائر في منطقة “أيسن”، كما
أستكملت خلال هذه المرحلة، تحرير ما تبقى من مناطق جنوبي سبها، مثل مدينة أم
الأرانب، ومنطقتي تمسة وزويلة الواقعتين شرقها، بجانب مناطق فنقل وتراغن
وجيزاو، ومدينة القطرون الواقعة قرب الحدود المشتركة مع النيجر.
اتضح أكثر التوجه المستقبلي لوحدات الجيش الوطني تجاه طرابلس، من خلال فعاليات عملية “طوق الحمادة” العسكرية، التي ركزت على مناطق الجنوب الغربي والشمال الغربي. فقد تقدمت القوات إلى منطقة الشويرف شمالي سبها، قرب مفترق طرق براك الشاطئ – غريان – غدامس، بجانب تحركات أخرى من الشويرف شمالاً بإتجاه تخوم مدينة السدادة جنوبي مصراتة، وفي اتجاه الشمال الشرقي على الطريق المؤدي إلى جنوبي سرت.
المرحلة الأولي لعملية طوفان الكرامة – أبريل / يوليو 2019
بدأت في الثالث من إبريل الماضي المرحلة الأولى من عملية “طوفان الكرامة” لتحرير طرابلس، على ثلاثة محاور أساسية، المحور الأساسي كان المحور الجنوبي للعاصمة، حيث انطلقت القوات منطقة الشويرف باتجاه جنوبي العاصمة، وسيطرت في أقل من 48 ساعة على عدد من المناطق، مثل منطقة مزدة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة، ومناطق القريات والأصابعة وصولاً الى مدينة غريان التي تبعد عن العاصمة 75 كلم، واستمر التقدم في الأيام التالية في المحور الجنوبي، حتى وصلت القوات الى منطقة الهيرة المشرفة على منطقة العزيزية، أحد أهم التمركزات الموجودة في التخوم الجنوبية للعاصمة.
بعدها انقسمت قوات المحور الجنوبي إلى إتجاهين، الأول: تمّت فيه السيطرة على منطقتي العزيزية والهيرة، ثم تقدمت القوات شمالاً إلى منطقة السواني وتمكنت من السيطرة عليها. الاتجاه الثاني: كان شرقي العزيزية وتمّت فيه السيطرة على مناطق سوق الخميس وسوق الأحد وسوق السبت وأسبيعة وبئر العالم، ومن ثم تفرعت المحاور لتصبح خمسة محاور أساسية، هي محور طريق المطار، ومحور قصر بن غشير – صلاح الدين، ومحور عين زارة، ومحور وادي الربيع، بجانب محور العزيزية الذي تركزت فيه المعارك في منطقة الكريمية شمالي منطقة السواني.
المحور الثاني للهجوم كان غربي العاصمة، وقد شهد نشاطاً محدوداً لم يدم سوى عدة أيام فقط، خلالها هاجمت وحدات الجيش مدينة صرمان التي تقع على بعد 60 كيلو متراً من العاصمة، وتمكنت من السيطرة عليها مستفيدة من تأمين مواقعها الخلفية بفعل انضمام الوحدات الموجودة في صبراتة ومحيط صرمان إليها. بعد ذلك طورت وحدات الجيش تحركاتها وشنت هجوماً التفافياً على منطقة الزهراء وبوابة 27 في ورشفانة، وسيطرت عليها لتقطع التواصل بين مدينة الزاوية ومدينة جنزور. إلا أن قوات الجيش بعد أيام تراجعت عن مواقعها، وحافظت منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم على تمركزاتها في هذا المحور بمدينة صرمان والتخوم الجنوبية لمدينة الزاوية
المحور الثالث للهجوم هو المحور الأبعد عن العاصمة، ويشمل مناطق شرقي سرت، وشهدت المرحلة الأولى من المعارك تحركات محدودة لوحدات الجيش في هذه المنطقة، حيث تحركت في اتجاهين، الأول مواز للساحل إنطلاقاً من مناطق الوادي الأحمر وسلطان والعامرة وبوابة الخمسين، ووصولاً الى منطقة وادي الحنيوة على تخوم سرت الشرقية. والاتجاه الثاني جنوبي المدينة وفيه وصلت القوات الى منطقة بوابة أبو هادي. وقد حاولت القوات خلال المرحلة الأولى من عمليات طرابلس، تنفيذ عملية إلتفافية لعزل سرت عن مدينة مصراتة من الجهة الغربية، لكن فشلت هذه المحاولة حينها.
ظلت وحدات الجيش الوطني مستمرة في تقدمها في كافة المحاور الهجومية الجنوبية بشكل مستمر، عدا محور العزيزية، الذي تراجعت فيه القوات من التخوم الشمالية لمنطقة السواني جنوباً باتجاه منطقة الهيرة، واستمر التراجع في هذا الاتجاه إلى أن وصلت قوات حكومة الوفاق يوم 26 مايو الى مدينة غريان التي كانت تحتضن مقر القيادة المتقدم لقوات الجيش الوطني. بحلول يوم 22 يوليو الماضي بدأ الجيش الوطني في المرحلة الثاني من عملياته، وقد كان الموقف العام على الأرض على الشكل التالي:
المرحلة الثانية لعملية “طوفان الكرامة” – يوليو / ديسمبر 2019
بدأت أواخر يوليو 2019 المرحلة الثانية من عملية “طوفان الكرامة”، وفيها استمر تقدم وحدات الجيش الوطني في المحاور الجنوبية، وقد تمكنت خلال شهور هذه المرحلة من تأمين معسكرين من ضمن خمسة معسكرات أساسية جنوبي طرابلس وهما: معسكر النقلية، الذي يقع على طريق المطار، ويبعد نحو 20 كلم عن العاصمة، ومعسكر اليرموك، الذي يعد من أهم المعسكرات في العاصمة، ويقع جنوبي منطقة صلاح الدين.
خلال هذه المرحلة من العمليات، تركز المجهود العسكري للوحدات المقاتلة في طرابلس على اتجاهين رئيسيين، الأول هو محيط مدينة غريان، حيث حاولت قوات الجيش خلال شهور هذه المرحلة تحجيم تواجد قوات الوفاق في المدينة، ومنعها من التمدد أكثر بإتجاه الجنوب أو الشرق، فبدأت في التحرّك باتجاه التخوم الجنوبية والجنوبية الشرقية للمدينة، فمن الجهة الجنوبية تحرّكت انطلاقاً من منطقة الأصابعة نحو منطقة بوابة القضامة، وفي الجهة الجنوبية الشرقية دخلت قوات الجيش إلى منطقة الكليبية. كما أن المناطق الشمالية لغريان شهدت محاولات من جانب وحدات الجيش، للتقدم من منطقة أسبيعة تجاه مناطق شرقي العزيزية مثل بئر علاق وسيدي موسى وسيدي فرحات والسعدية أو من منطقة الكسارات غرب العزيزية، بهدف إستعادة مدينة العزيزية لعزل قوات الوفاق المتواجدة جنوباً في الهيرة وغريان.
الاتجاه الرئيسي الثاني كان المحور الجنوبي للعاصمة،
وفيه حققت قوات الجيش على مدار شهور هذه المرحلة تقدمات مهمة في المناطق الغربية
لمحور عين زارة، وتمكّنت من الوصول إلى التخوم الجنوبية لمنطقة سوق الجمعة، ما
جعلها قريبة للغاية من وسط العاصمة. وكثفت قوات الجيش من عملياتها في محور وادي
الربيع المتجه إلى شرقي العاصمة، وفتحت بموازته محور فرعي سيطرت فيه على منطقة
الزطارنة شمالي تاجوراء، ومن ثم وسعت سيطرتها لتشمل منطقة النشيع،
المرحلة الثالثة لعملية (طوفان الكرامة) – ديسمبر 2019 وحتى الآن
في المرحلة الثالثة التي بدأت أوائل ديسمبر 2019، كانت المحاور الجنوبية هي مصدر التركيز الأساسي، أولها محور صلاح الدين/ خلّة الفرجان، وفيه حققت القوات خلال شهر من العمليات العسكرية تقدماً سريعاً على اتجاهين أساسيين، الأول: انطلاقاً من معسكر اليرموك شمالاً، والثاني من منطقة معسكر حمزة في اتجاه الشمال الشرقي. خلال هذه المدة، سيطرت قوات الجيش على عدّة مواضِع في خلّة الفرجان، من بينها مبنى الجوازات وأكاديمية الشرطة ومبنى مدرسة الهندسة العسكرية، بجانب معسكر التكبالي، الذي يبعد عن قلب العاصمة نحو 10 كلم. وقد بدأت حالياً في تطوير هجماتها بإتجاه قلب العاصمة شمالاً، وطريق الشوك ومنطقة السدرة شرقاً.
المحور الثاني: هو محور طريق المطار، وفيه تمت العمليات على اتجاهين
رئيسيين، الأول شمال المطار انطلاقاً من محيط كوبري المطار على خطي اشتباك، أحدهما
في مناطق الكازيرما ومشروع الهضبة والخلاّطات، والثاني موازٍ له في اتجاه مسجد صلاح
الدين ومناطق أخرى مُطلّة على طريق المطار. وقد تمكنت القوات في هذا الإتجاه من
تأمين أخر معسكرين مهمين في جنوبي العاصمة، وهما مقر تابع لرئاسة أركان حكومة
الوفاق، ويقع على
طريق مطار طرابلس، والثاني هو معسكر حمزة، الذي يقع ايضاً في محور المطار، وتحديداً شمالي مشروع الهضبة الزراعي،
ويبعد عن وسط العاصمة 15
كلم، وقد وفرت السيطرة عليه لوحدات الجيش في محور المطار، موطئ
قدم جنوبي حي بو سليم أحد أهم أحياء العاصمة.
خلال هذه الفترة تمكنت قوات الجيش من تأمين كامل منطقة مشروع الهضبة، بالإضافة إلى مناطق أخرى مثل جزيرة الفحم وجزيرة الأرصاد ومسجد السويحلي، وبوصولها إلى منطقة جزيرة الشريف تحقق لها إنجاز مهم، وهو توحيد كافة المحاور الجنوبية (طريق المطار – معسكر حمزة – مشروع الهضبة – السويحلي – صلاح الدين)، لتصبح محور واحد إساسي يمتد من طريق المطار غرباً إلى معسكر التكبالي والسدرة شرقاً، وبدأت المعارك فعلياً تنتقل الى الأحياء الجنوبية الرئيسية مثل حي بوسليم.
الإنجاز الرئيسي الثاني خلال شهر من عمليات المرحلة الثالثة لعملية طوفان الكرامة، كان العملية الخاطفة التي، وخلال ساعات قليلة، تم بها تحرير كامل مناطق مدينة سرت الساحلية شرقي طرابلس، وإنتقال العمليات إلى التخوم الشرقية لمدينة مصراتة، في نطاق منطقتي أبو قرين ووادي زمزم. جدير بالذكر هنا أنه خلال الساعات الماضية حققت قوات الجيش تقدماً تجاه هاتين المنطقتين، وهذا دليل ميداني على أن وقف إطلاق النار المعلن من جانب الجيش الوطني لا يشمل عمليات محور سرت.
الوضع الميداني قبل ساعات من مؤتمر برلين
عملياً، لم تتوقف تحركات وتعزيزات الجيش الوطني في إتجاه عدة جبهات، خاصة وأن بيان الجيش الوطني بخصوص وقف إطلاق النار، جعل هذا القرار مقصوراً على المنطقة العسكرية الغربية، وهذا على المستوى الميداني لا يشمل المناطق الشرقية لمدينة سرت.
حالياً تحشد قوات الجيش الوطني وحداتها في نقاط أساسية، الإتجاه الأول هو المحور الغربي للعاصمة، الذي بدأ فيه عمليات تمهيدية، ليس فقط في أتجاه غربي مدينة الزاوية، بل أيضاً في أتجاه شرقي الجيب الساحلي الموالي لحكومة الوفاق في اتجاه الحدود مع تونس، والذي يشمل بعض المدن الساحلية منها مدينة زوارة.
الإتجاه الثاني هو شرقي مدينة سرت، حيث تم تعزيز القوات المتواجدة في منطقتي الوشكة ووادي زمزم، بهدف إدامة الموقف الميداني الحالي لقوات الجيش الوطني في هذا الأتجاه. وتتكون التعزيزات من أربعة كتائب تم تشكيلها حديثاً في مدن البيضاء وبنغازي وأجدابيا وطبرق. وتتحشد في المقابل القوات الموالية لحكومة الوفاق في محيط كوبري السدادة.
كما أولت قيادة الجيش إهتماماً بالوضع الداخلي في سرت، حيث تتزايد مخاطر قيام مجموعات تخريبية بأعمال لترويع السكان، وقد حدث بالفعل شئ من هذا القبيل، حين أحرق مجهولون مبنى من ثلاثة أدوار، تابع لوزارة الثقافة الليبية، ولهذا بدأت الأجهزة الأمنية سواء إدارة البحث الجنائي أو شرطة النجدة، أو غيرها من الإدارات الأمنية عملها بصورة فورية لحفظ الأمن داخل المدينة.
هناك أيضاً عدة محاور قتالية فرعية يتوقع ان تبدأ العمليات فيها قريباً، في حالة فشل مؤتمر برلين في تقديم حلول جذرية للأزمة الليبية، منها محور ترهونة – القره بوللي، الذي تتواجد فيه وحدات تابعة للواء التاسع، وسيكون الهدف من إعادة تفعيل العمليات فيه هو الوصول الى منطقة القره بوللي، وبالتالي عزل العاصمة عن مدينة الٌخمس من الجهة الشرقية. كما يتوقع أيضاً أن تتقدم قوات الجيش من مدينة ترهونة باتجاه مدينة بني وليد، وذلك لفصله عن مدينة مصراتة، وتتواجد قوات تابعة للجيش فعلياً قرب منطقة بوابة الدوفان على الطريق الرابط بين المدينتين.
العمليات القتالية في بقية المحاور جنوبي طرابلس تبقى في أقل مستوياتها، فقد تم تسجيل خروقات لوقف إطلاق النار، في مناطق الهضبة وصلاح الدين وعين زارة، ومنطقة خزانات النفط بطريق المطار. قوات الجيش في هذا المحاور تركز حالياً على تأمين المناطق المحررة خلال الأيام الماضية، مثل جزيرة الفحم وجزيرة الشريف ومسجد السويحلي ورابش بوسليم والمناطق الجنوبية لحي بوسليم.
على المستوى البحري، ونظراً لإستمرار تدفق الأسلحة والمعدات العسكرية التركية إلى طرابلس، بدأت رئاسة أركان القوات البحرية الليبية في ممارسة حق الزيارة والتفتيش في المنطقة الواقعة ما بين مدينة سرت وميناء مصراتة، ونفذت هذا القرار لأول مرة على سفينة شحن إيطالية، تم إعادة توجيهها إلى ميناء بنغازي وتفتيشها. وهذا يتقاطع مع تصريحات لوزير الدفاع اليوناني، أكد فيها أن البحرية اليونانية جاهزة للتصدي لأي إعتداء على المياه الإقليمية اليونانية، سواء من بوارج حربية تركية أو من سفن مدنية تحمل عتاد عسكري إلى طرابلس.
باحث أول بالمرصد المصري