أفريقيا

قمة الاستثمار البريطانية الإفريقية..كيف سيستفيد الطرفين

تستضيف مدينة لندن في العشرين من الشهر الجاري قمة الاستثمار البريطانية – الإفريقية الأولى من نوعها، في ظل تحولات اقتصادية كُبرى تشهدها الدولة الأوربية، وسياق عريض من التنافس بين القوى الكُبرى على خلق وزيادة نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري لدى دول القارة. حيث انعقدت خلال عام 2019 مُنتديات وقمم للتعاون بين هذه الدول والصين وروسيا واليابان، ومجموعة السبعة في عمومها (G7)، مما يجعل الإقبال على القارة الإفريقية يبدو اتجاهًا عالميًا عامًا. يفرض هذا الاتجاه –من بين عوامل أخرى- ما تشهده الأسواق الدولية التقليدية في أوروبا وأسيا والولايات المُتحدة الامريكية من اضطرابات اقتصادية، وحروبٍ تجارية تُعطل نمو الاستثمارات والتبادل التجاري، ما يدفع في اتجاه أسواق جديدة قادرة على تعويض نقص العوائد الناتج عن هذه الاضطرابات. من هنا يهدف هذا المقال إلى تتبع موقف الاستثمارات العالمية في القارة الإفريقية، وموقف الاستثمارات البريطانية فيها، وأخيرًا ما الأهداف البريطانية من عقد هذه القمة.

أولًا – الاستثمارات العالمية في القارة الإفريقية

تحل القارة الإفريقية من حيث تدفقات الاستثمارات الأجنبية المُباشرة للداخل، في المرتبة الأخيرة بين القارات الخمس الكُبرى، حيث استقبلت فقط ما إجماليه 45.9 مليار دولار، فيما حلت قارة أمريكا اللاتينية وجُزر الكاريبي قبلها باستثمارات بلغت 146.7 مليار، في حين حلت أسيا على رأس القائمة بـ 511.7 مليار دولار في عام 2018. لكنها في ذات الوقت كانت القارة الوحيدة بالإضافة إلى أسيا التي شهدت تدفقات الاستثمار الأجنبي المُباشر إليها في ذات العام نموًا مُقارنة بالعام السابق، حيث كانت هذه الاستثمارات قد بلغت في عام 2017 ما إجماليه 41.3 مليار دولار، فيما بلغ الرقم في أسيا لذات العام 492.7 مليار دولار. تُؤكد الأرقام السابقة على حقيقتين هامتين أولهما: أن السوق الإفريقية تُعاني من نقصٍ حادٍ في الاستثمارات الأجنبية المُباشرة إذ حيث دخلت أمريكا اللاتينية في عام 2018 أكثر من ثلاثة أضعاف ما تدفق إليها، في حين أن أسيا استقبلت أكثر من 11 ضعفها، وثانيهما: أن هناك اهتمامًا مُتزايدًا بالاستثمار في القارة، اتضح من حقيقة نمو هذه الاستثمارات في عام 2018 بأكثر من 11%، في حين شهدت أسيا نموًا بنسبة 3% فقط، في ذات الوقت الذي انكمشت فيه إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المُباشر عالميًا بنسبة 13%.

من جانبٍ آخر تغيرت مصادر هذه التدفقات للقارة بشدة خلال خمس سنوات فقط، فحتى عام 2013 بلغ إجمالي حجم الاستثمارات (المُتراكمة) الفرنسية في الداخل الأفريقي 64 مليار دولار، تلتها الولايات المُتحدة الأمريكية بحجم استثمارات بلغ 61 مليار دولار، حلت بعدهما مُباشرة بريطانيا بـ 60 مليار دولار، فيما جاءت بعدهما الصين بمسافة طويلة بما بلغ 26 مليار دولار. لكن هذا الوضع شهد تحولًا عميقًا بحلول عام 2017، ففي حين ظلت فرنسا في المُقدمة لكن بدون زيادة عند 64 مليار دولار، حلت هولندا ثانيًا بما إجماليه 63 مليار دولار، وتراجعت الاستثمارات الأمريكية إلى 50 مليار دولار، والبريطانية إلى 46 مليارًا، فيما ارتفعت الصينية إلى 43 مليار دولار، ويوضح الشكل التالي هذه التغيرات لدى الدول العشرة الكُبرى الأكثر استثمارًا في القارة:

تغيُر المُعدلات السابقة صاحبه تغير خريطة النفوذ في القارة، حيث باتت الصين تتمتع بنفوذ واسع لدى دولها، ناتج في الأساس عن ارتفاع مُعدلات استثمارها، بينما العكس في حالة الدول الثلاث الكُبرى الولايات المُتحدة، فرنسا وبريطانيا، التي بات دورها في القارة يشهد تراجعًا مع تراجع حجم الاستثمارات فيها، ويرجع ارتباط النفوذ بالاستثمارات إلى ما أشارنا إليه في المُقدمة من احتياج الدول الإفريقية الشديد للتمويل، وهو ما يُقدمه الاستثمار الأجنبي المُباشر في أفضل الصور حيث ينقل التكنولوجيا، ويخلق فرص عمل، بالإضافة إلى دفعه مُعدلات النمو.

ثانيًا – وضع الاستثمار والتبادل التجاري البريطاني مع افريقيا

تتجه الاستثمارات البريطانية في مُعظمها إلى الولايات المُتحدة الأمريكية بما نسبته 31%، ثم فرنسا بنسبة 9%، فألمانيا بنسبة 7%، وتظل الاستثمارات البريطانية في الدول النامية عمومًا وخصوصًا في أفريقيا هامشية للغاية، فمن بين 1696 مليار دولار استثمارات في الخارج حتى 2017 استحوذت افريقيا على 46 مليار فقط بما نسبته أقل من 3%، ويوضح الرقمان إمكانيات تطوير الاستثمارات البريطانية إلى افريقيا في ظل الفرق الواسع بين إجمالي حجم الاستثمارات، والموجود منها في إفريقيا. ولعل بشائر هذا التغيُر قد بدأت مع زيارة ” تيريزا ماي” رئيسة الوزراء البريطانية السابقة إلى عدد من الدول الإفريقية في أغسطس 2018 أعلنت خلالها عن عزم بريطانيا تطوير علاقاتها مع القارة عقب اتمامها إجراءات “البركسيت”، بل وأكدت نيتها توجيه المزيد من الاستثمارات إلى أفريقيا بحيث تُصبح بريطانيا الدولة الأولى بين مجموعة السبعة من حيث الاستثمارات داخلها لتتفوق على فرنسا والولايات المُتحدة بحلول 2022، ووعدت خلال تلك الزيارة بتقديم مُساعدات تبلغ 4 مليار جنيه إسترليني للدول الإفريقية بغرض دفع النمو الاقتصادي بها وخلق مزيد من فرص العمل. يبدو كذلك وضع التبادل التجاري البريطاني الإفريقي في حالة ضعيفة للغاية ففي عام 2018 بلغ حجم الواردات البريطانية من العالم 669.6 مليار دولار بينها فقط 19.5 مليار دولار من افريقيا بما يُقارب نسبته 3% من إجمالي الواردات، كذلك بلغ حجم الصادرات البريطانية للعالم 487.1 مليار دولار، من بينها 11.2 مليار فقط من إفريقيا، بنسبة 2% من حجم التبادل التجاري، كما يوضح الشكل التالي:

تُشير الأرقام السابقة إذن إلى أن الأوضاع الاستثمارية والتجارية بين الدول الإفريقية وبريطانيا في حالة سيئة للغاية نسبة إلى ذات الأوضاع مع دولة مثل الصين، التي ترتفع صادراتها وواردتها من القارة الإفريقية بشكل مُضطرد، حيث بلغ حجم الصادرات الصينية إليها 104.9 مليار دولار، فيما بلغ حجم الواردات الإفريقية إلى الصين 99 مليار دولار، لكن سوء الأرقام كذلك يعني أنه يُمكن تحسينها وتنميتها بمُعدلات سريعة، من خلال بذل جهود ليست بالكبيرة، لذلك اتجهت بريطانيا إلى الدعوة لقمة الاستثمار الإفريقية البريطانية لأول مرة في عام 2020.

ثالثًا – الأهداف البريطانية في القمة

تتلخص الأهداف البريطانية من عقد قمة الاستثمار الإفريقية البريطانية في هدفين:

1- استرداد النفوذ:

اعتبرت القارة الافريقية تاريخيًا منطقة نفوذ فرنسية – بريطانية حيث وقعت مُعظم دول القارة تحت احتلال إحداهما، لكن هذه الأخيرة تحت الضغوط الاقتصادية انسحبت من القارة تاركة الملعب للنفوذ الأمريكي الفرنسي، وما لبثت الصين أن زحمتهما، للتقاسم القوى الثلاث النفوذ بالداخل الإفريقي، وقد تمثلت أكبر مظاهر تراجع النفوذ البريطاني في ارتفاع القواعد العسكرية الأمريكية في إفريقيا إلى 34 قاعدة، والفرنسية إلى تسعة، بينما انخفضت البريطانية إلى اثنتين فقط.

2- خلق أسواق بديلة:

تُشك بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي في عام 2020 حسبما هو مُجدول، وسيؤدي خروجها إلى انخفاض كبير في التبادل التجاري مع دول الاتحاد، حيث ستتحول المُنتجات البريطانية إلى مُنتجات واردة من دولة أجنبية تُفرض عليها رسوم جمركية كاملة، وهو ما سيسفر عن ارتفاع أسعارها، وبالتالي انخفاض تنافسيتها، مما يدفعها لإيجاد أسواق بديلة لهذه السوق الضخمة. لذلك لجأت بريطانيا إلى الولايات المُتحدة الأمريكية لعقد اتفاقية لتحرير التجارة بينهما، لكن الولايات المُتحدة لم تبدي الحماسة الكافية لهذه الخطوة خاصة في ظل السياسات الحمائية للرئيس “ترامب”، بل وعلى العكس قال السفير الأمريكي لدى بريطانيا بأنه إذا أرادت بريطانيا عقد اتفاقية مماثلة مع الولايات المُتحدة الامريكية فعليها التخلي عن اشتراطاتها الصحية ومن أهمها معايير الغذاء الآمن والتي على سبيل المثال تمنع الدجاج الأمريكي في الوقت الحالي من دخول الأسواق البريطانية. هذه الصعوبات دفعت بريطانيا إلى إفريقيا التي لديها أسواق ضخمة للغاية، وفي ذات الوقت تتمتع بمُعدلات نمو مُرتفعة أدت إلى زيادة دخول سُكانها في العشرين عامًا الأخيرة، يُصاحب هذين الميزتين انخفاض كبير في مستويات التقدم التكنولوجي لدول القارة وهو ما يرفع تنافسية المُنتجات البريطانية في مُقابل تلك المحلية.

من خلال ما سبق، يتضح أن مُحفزات الدعوة البريطانية لقمة استثمار أفريقية بريطانية، تتلخص فيما تمر به بريطانيا من تحولات اقتصادية يأتي على رأسها البركسيت، وثانيًا تضاؤل النفوذ البريطاني في القارة، وأن أهدافها هي استعادة ذلك النفوذ وفتح أسواق بديلة، وذلك في سياق انخفاض التبادل التجاري والتدفق الاستثماري لبريطانيا مع الدول الأفريقية وتنامي التوجه الدولي إلى هذه الأخيرة.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى