ليبيا

“غابة الميليشيات” .. من يواجه الجيش الليبي في معركة طرابلس؟

كان تعدد الفصائل والميليشيات المسلحة في كافة عموم ليبيا، هو السمة الأساسية السائدة في المشهد العسكري والأمني الليبي فيما بعد عام 2011، وساهم إطلاق الجيش الوطني الليبي للعملية العسكرية ( الكرامة )  في مايو 2014، في بدء انحسار الوجود الميليشياوي، واقتصاره حالياً على المناطق الشمالية الغربية للبلاد. فما هي أبرز الميليشيات المسلحة التي تواجه الجيش حالياً في المرحلة الثالثة من عملية “بركان الغضب” التي تستهدف تحرير العاصمة الليبية طرابلس؟

نستطيع تقسيم الميليشيات التي تواجه الجيش الوطني الليبي حالياً داخل العاصمة الى قسمين أساسيين، الأول هو ميليشيات وسط وشرق العاصمة، والثاني هو ميليشيات غرب العاصمة، يضاف إليه الميليشيات المتمركزة في مدينتي مصراتة وسرت وضواحيهما. مع ملاحظة اننا سنتناول أهم الميليشيات وليس جميعها، ففي غرب ليبيا أكثر من مائة ميليشيا صغيرة غير مؤثرة ولا يتعدى أفرادها العشرات.

ميليشيات وسط وشرق العاصمة

تعد “قوة حماية طرابلس”، هي التجمع الأساسي للميليشيات الموجودة في العاصمة بشكل عام، وفي المناطق الوسطى منها، وقد تم تشكيلها من تجمع لقوات تسعة فصائل مسلحة أواخر عام 2018، وهذه القوة هي من أوائل التشكيلات التي واجهت قوات الجيش الوطني، عقب بدء المرحلة الأولي من عملية (بركان الغضب) للسيطرة على العاصمة في أبريل الماضي، وحينها كان مسرح هذه المواجهة هو مناطق شرقي مدينة الزاوية، التي نجح الجيش الوطني في الساعات الأولى للمعارك ولفترة محدودة، في قطع التواصل من خلالها بين المدينة ومناطق غربي العاصمة.

أبرز تشكيلات هذه القوة هي:

ميليشيا كتيبة ثوار طرابلس:  وهي التشكيل الأكبر في هذه القوة، ويصل تعداد عناصرها الى نحو 3500 عنصر، وقد تكونت هذه الميليشيا كنتيجة لتحالف مجموعة من الميليشيات الصغيرة، التي تتخذ من مناطق مثل تاجوراء وعين زارة والفرناج مقرات رئيسية لتواجدها. يتولي السجين السابق (هيثم التاجوري) مهمة قيادة هذه الميليشيا، التي تتسلم حالياً مهمة تأمين المقرات الحكومية والأمنية داخل العاصمة تحت أسم ( جهاز الأمن المركزي )،  وقد انخرطت وحدات منها في معارك محور عين زارة ضد الجيش الوطني الليبي.

ميليشيا النواصي: المعروفة أيضاً بإسم (القوة الثامنة)، ويبلغ تعداد مقاتليها نحو 1000 مقاتل، وهي تتمركز بشكل أساسي وسط العاصمة. ونستطيع ان نعتبر هذه الميليشيا تحالف لثلاثة عائلات كبيرة تقطن في منطقة سوق الجمعة شمالي عين زارة ومناطق الأبراج السكنية الكبرى، وهي عائلات (قدورة) و(الزقوزي) و(أبو ذراع). كما تحتفظ هذه الميليشيا بتواجد دائم في مصارف طرابلس ومينائها وقاعدة أبو ستة البحرية. ويقودها مصطفى قدور. وهي تشارك منذ بداية المعارك في مواجهة الجيش الوطني في معركة طرابلس في محور عين زارة. وتتلقى هذه الميليشيا دعماً عسكرياً من تركيا، ينسقه عدد من الليبيين المتواجدين هناك مثل علي الصلابي.

ميليشيا قوة الردع: التي تُعرف بإسماء أخرى من بينها (لواء أبو سليم)، (قوات غنيوة) و(قوة التدخل والردع المشتركة). وهي ميليشيا سلفية التوجه، تضطلع بمهام تقترب من مهام وحدات الأمن الداخلي، وتتمركز بصورة أساسية وسط العاصمة ومحيط مطار معيتيقة، بجانب منطقة سوق الجمعة، ويصل تعداد عناصرها ما بين 1500 إلى 2500 عنصر، ويقودها الشيخ السلفي المتطرف (عبد الرؤوف كارة)، وقد كان لهذه الميليشيا دور رئيسي في تمكين حكومة الوفاق من دخول العاصمة والإستقرار بها، وتشارك حالياً في المعارك ضد الجيش الوطني الليبي بمحور خلة الفرجان، ومن المعروف أنها على خلاف دائم يصل الى حدود الاشتباك المسلح مع ميليشيا (النواصي). وترجع أهمية هذه الميليشيا الى أنها ترتبط بعلاقات وثيقة مع حركة النهضة التونسية، وتعد المستقبل والموزع الرئيسي للأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية التي يتم إرسالها من تركيا الى ليبيا. وحالياً أصبح أسم هذه الميليشيا هو (جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والتطرف)، بعد أن قام المجلس الرئاسي بحلها وضم أفرادها إلى القوات التابعة لوزارة داخليته.

ميليشيا (البقرة): المعروفة أيضاً بأسم (الكتيبة 33 مشاة)، والتي يتزعمها كل من بشير خلف الله المعروف بإسم (بشير البقرة) وعبدالعاطي الدربازي أحد قادة تنظيم القاعدة في ليبيا، وتتمركز بشكل رئيسي في معسكر (رحبة الدروع) الواقع جنوب تاجوراء وهي تنشط بشكل أساسي في المعارك الحالية بمنطقة (عرادة)، ومعظم منتسبيها  ينتمون الى جماعة الإخوان المسلمين. جدير بالذكر هنا ان هذه الميليشيا كان لها أيضاً دوراً اساسياً في تمكين حكومة الوفاق الحالية من الدخول إلى العاصمة عام 2016، وحينها كافأها فائز السراج الرئيس الحالي للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، بضمها الى رئاسة الأركان التابعة له تحت أسم (الكتيبة 33)، لكن قام السراج في ما بعد بإصدار قرار بحل هذه الكتيبة بعد هجومها على قاعدة معيتيقة الجوية أوائل عام 2018 واشتباكها مع وحدات قوة الردع الخاصة، لكن مازالت هذه الميليشيا نشطة حتى اليوم رغم قرار حلها، وهي من الميليشيات الخطيرة نظراً لأنها تضم في طياتها معظم العناصر المتطرفة التي كانت موجودة سابقاً في مجموعات إرهابية شرقي البلاد مثل (مجلس شوري ثوار بنغازي) و(مجلس شوري مجاهدي درنة) و(أنصار الشريعة) و(كتائب شهداء بوسليم).

كذلك يتواجد في تاجوراء ميليشيات أخرى، مثل ميليشيا (باب تاجوراء) السلفية، وميليشيا (الضمان)، وهي أكبر فصائل تاجوراء وتضم منتسبين لعائلة (آل دريدر). ويضاف الى هذه الميليشيات، ميليشيات أخرى أصغر مثل ميليشيا (40 حرامي) في منطقة عين زارة، بقيادة المدعو عبد الحكيم الشيخ، وميليشيات منطقة المدينة القديمة وسط العاصمة، والتي يقودها المدعو جمال إندام، وتتخذ من أحد الفنادق الكبرى مقراً لها.

ميليشيات غربي العاصمة

تتركز ميليشيات غربي العاصمة بشكل أساسي داخل مدينة الزاوية وعلى التخوم الغربية والشرقية لها. داخل مدينة الزاوية يتواجد تشكيل يتكون من تحالف مجموعة من الميليشيات أهمها ميليشيا (غرفة الثوار) التي يتزعمها المتطرف أبو عبيدة الزاوي المعروف بإسم (شعبان هدية) وتضم في عناصرها بعض المنتمين سابقاً لميليشيا (الفاروق) وميليشيا (العمو) التي كان يقودها المهرب الدولي أحمد الدباشي، والتي بايعت في وقت سابق تنظيم داعش، ونشطت لفترة في مدينة صبراتة، الى أن غادرتها وأستقر عناصرها ضمن ميليشيا (غرفة الثوار) في مدينة الزاوية، أيضاً من ميليشيات هذه المدينة ميليشيا (النصر) التي يتزعمها محمد الهادي كشلاف احد أهم المطلوبين دولياً، وميليشيا (الفار) التي يتزعمها المدعو محمد بجرون، وميليشيا (السلوقي) التي يتزعمها المدعو فراس السلوقي، وميليشيا (البيدجا) التي يتزعمها المدعو عبد الرحمن ميلاد. هذه المجموعة من الفصائل التزمت بمواقعها داخل مدينة الزاوية في ما عدا ميليشيا (النصر) التي انخرطت في معارك المحاور الجنوبية للعاصمة، وقد أشتبكت بقية  هذه الفصائل مع الجيش الوطني في الأيام الأولى لمعركة طرابلس، حين حاولت قوات الجيش قطع التواصل بين مدينة الزاوية والعاصمة عند منطقة بوابة ال 27.

أما في المناطق الواقعة غربي مدينة الزاوية الى الحدود مع تونس، فتنشط ميليشيات (الزنتان)، التي يقودها رئيس المجلس العسكري في الزنتان أسامة الجويلي، وقد عمل قبل عام 2011 كمدرس، الا انه شغل بعد 2011 منصب وزير الدفاع في حكومة عبد الرحيم الكيب الإنتقالية ما بين عامي 2011 و2012، وقام رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج بترقيته إلى رتبة اللواء، وتعيينه كقائد لما يسمى المنطقة الغربية العسكرية التابعة لرئاسة الأركان الموالية لحكومة طرابلس. تساند هذه الميليشيات مجموعات أخرى من الأمازيغ ومن ميليشيا تدعى (أحرار الزنتان) تحت قيادة المدعو عبد الرؤوف الحاري.

بالنسبة لميليشيات شرقي الزاوية. تنشط في هذه المنطقة ميليشيات مدينة جنزور، وعلى رأسها ميليشيا (فرسان جنزور)، التي تسيطر على جميع المؤسسات في المدينة، بجانب سيطرتها على منطقة سيدي عبدالجليل التى تتواجد بها بعثة الأمم المتحدة فى ليبيا. يضاف اليها ميليشيا (القوة الوطنية المتحركة)، التابعة لرئاسة أركان حكومة الوفاق، وتسيطر بمعاونة فصائل أخرى تنتمي إلى قبائل جنزور والأمازيغ على المناطق الواقعة غربي المدينة، وهي تنضوي جميعها تحت قيادة المدعو “أبو زيد الشواشي”، وتشارك حالياً في عمليات طرابلس على المحور الغربي.

ميليشيات مصراتة وسرت

تعتبر ميليشيا (الصمود) التي يقودها الإخواني والضابط الطيار السابق صلاح بادي، الموضوع على قائمة الأمم المتحدة للعقوبات منذ عام 2018، من أهم ميليشيات مدينة مصراتة، وهي الميليشيا المسيطرة على معظم فصائل المدينة، وهي التي تتولى التنسيق مع تركيا في ما يتعلق بالتسليح والتمويل. ويعد قائدها من مؤسسي تحالف الميليشيات الإسلامية الذي نفذ عملية (فجر ليبيا) للسيطرة على العاصمة طرابلس، والذي نفذ هجمات دموية منذ عام 2014 طالت مناطق ليبية عدة منها بني وليد وورشفانة والهلال النفطي. تكونت هذه الميليشيا في الأساس عام 2014 من تحالف عدة ميليشيات متطرفة كانت تشكل تحالف سابق يدعى (فجر ليبيا)،  منها:

 ميليشيا (الحلبوص):  نسبة الى مؤسسها محمد الحلبوص،الذي قتل في مدينة مصراتة، ويقودها حالياً عبدالسلام الزوبى، وتعد من أهم الميليشيات في مصراتة على مستوى التسليح والتجهيز، ويصل تعداد أفرادها الى 1000 عنصر، وقد أنضوت تحت تشكيلات رئاسة الأركان التابعة لحكومة الوفاق في يونيو 2017، عقب تعيين قائدها آنذاك محمد الحداد كقائد لما يسمى المنطقة العسكرية الوسطى برتبة لواء. وقد قامت أحدى وحداتها المسماة الكتيبة 301، بإعادة الإنتشار في المناطق الغربية للعاصمة للقتال ضمن وحدات حكومة الوفاق.

ميليشيا (القوة الثالثة): وتسمى أيضاً (قوة حماية الجنوب)، وقد أسسها العقيد جمال التريكي عام 2014 بغرض الانتشار في مناطق الجنوب، وكانت تتبع سابقاً لما يسمى (المجلس العسكري مصراتة)، وقد كان لها دور مهم في دعم الهجمات على تمركزات الجيش الوطني الليبي في منطقة الهلال النفطي، في الفترة ما بين عامي 2014 و2016. كما كان لها دور أساسي في مجزرة قاعدة براك الشاطئ الجوية في مايو 2017.

ميليشيا (الكتيبة 166): ويقودها المدعو محمد الحصان، وشاركت سابقاً في الهجوم على الهلال النفطي.

ميليشيا (شاريخان): ويقودها المدعو محمود بعيو، وتنتشر داخل مدينة مصراتة، وتشارك حالياً في معارك المحاور الجنوبية للعاصمة طرابلس.

.

يضاف الى هذا التحالف ميليشيات مستقلة مهمة تنحدر من مصراتة، أهمها:

ميليشيا (درع ليبيا): وهي ميليشيا إخوانية الصبغة، تم تشكيلها عام 2012 على يد وزير الدفاع آنذاك أسامة الجويلي، وتتكون من ثلاثة ألوية رئيسية هي اللواء الغربي واللواء الجنوبي واللواء الأوسط، وكانت مواقع انتشاره سابقاً تشمل مدن مصراتة والزاوية وبنغازي والخمس وطرابلس، لكن حالياً تتركز أغلبية وحداته في مصراتة مع تواجد لبعضها في محاور العاصمة.

ميليشيا (المجلس العسكري لمدينة الخمس): وهي عبارة عن تجمع لميليشيات صغيرة تسيطر على مدينة الخمس الواقعة على الساحل بين مدينتي مصراتة وطرابلس، ويقودها المدعو مصطفى سلطان.

ميليشيات (البنيان المرصوص): المسئولة عن تأمين مدينة سرت، وينتمي أغلب عناصرها لمصراتة، وتحظى هذه القوات برعاية ودعم من الحكومة القطرية، وقد تم تأسيسها عام 2016، وانبثقت منها قوة حماية سرت، التي كان لها دور أساسي في تحرير المدينة من سيطرة تنظيم داعش. وهي حالياً مرابطة بشكل دائم في مدينتي سرت ومصراتة.

ميليشيا (لواء المحجوب): وهي أحد تشكيلات ما يعرف بالمجلس العسكري لمصراتة، وهو أيضاً ضمن تشكيلات البنيان المرصوص، ويقوده حالياً المدعو عمر الصغير، ويشارك هذا التشكيل الذي يصل تعداد أفراده الى نحو ألف عنصر في معركة طرابلس، ويعد من نقاط الارتكاز الرئيسية لقوات الوفاق في المعارك الدائرة حالياً.

ميليشيا (الحرس الوطني): وهي تحالف من اربعة ميليشيات متشددة تم تشكيله في فبراير 2017، تتبع هذه الميليشيا عقائدياً الجماعة الإسلامية المقاتلة، بقيادة عبد الحكيم بلحاج، وتتمركز منذ تاريخ تأسيسها في المناطق الوسطى للعاصمة، وينحدر أغلب أفرادها من مدينة مصراتة، وهم من المشاركين في عمليات البنيان المرصوص في مدينة سرت. كان من المفترض ان يتم وضع هذه الميليشيا ضمن تشكيلات رئاسة أركان حكومة الوفاق، لكن خلافات داخلية حالت دون ذلك.

الميليشيات الإسلامية المتطرفة

بشكل عام، وبعد تطهير الجيش الوطني الليبي لمدينة بنغازي من أي تواجد لعناصر (مجلس شورى ثوار بنغازي)، ومدينة درنة من أي تواجد لعناصر (مجلس شورى مجاهدي درنة)، وانحسار نشاط فرع تنظيم القاعدة في ليبيا والمسمى (أنصار الشريعة)، كان تنظيم  الدولة الإسلامية (داعش) هو التحدي الأهم على مدار السنوات الأخيرة منذ عام 2015، وقد ظهر التنظيم على الأراضي الليبية للمرة الأولى عام 2015 في مدينة درنة، ثم أنتقل منها إلى مدينة سرت، الى ان تم انهاء تواجده فيها على يد قوات (البنيان المرصوص) أواخر عام 2016.

إلا أن التنظيم عاد للظهور بشكل متقطع عن طريق عمليات خاطفة تركزت على مناطق جنوبي البلاد، استهدفت ن بعض القرى والنقاط الصحراوية ، منها هجوم في أبريل الماضي، أستهدف بلدة الفقهاء، التي تبعد 600 كيلومتر جنوب شرق العاصمة، وعملية أخرى في مايو الماضي، استهدفت حقلاً نفطياً ببلدة زلة التي تقع على بعد 650 كيلو متر جنوبي شرق العاصمة. وعلى الرغم من انشغال كافة الأطراف بمعارك طرابلس، إلا أن الولايات المتحدة مستمرة في ملاحقة عناصر التنظيم عن طريق عمليات جوية مستمرة، آخرها موجة من أربعة عمليات جوية تمت في سبتمبر الماضي بالقرب من بلدة مرزق التي تبعد نحو ألف كلم جنوبي العاصمة.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى