ليبيا

معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى يلقي الضوء على الأطماع التركية في ليبيا والرؤية الامريكية للتعامل مع الأزمة

نشر موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى مقالاً تحليلياً بعنوان ” أنظار تركيا تتوجه نحو طرابلس : التداعيات على الحرب الأهلية في ليبيا والسياسة الأمريكية تحدث فيه الكاتبان سونر جاغايتاي وبين فيشمان عن مبررات تركيا للدخول للأراضي الليبية وتطورات المشهد الليبي كما الدور الأمريكي تجاه الأزمة.
وركز الكاتبان في مقالهما على مبررات التوجه التركي تجاه ليبيا والذي جاء بسبب عزلتها الإقليمية وصراع غاز المتوسط ومجابهة التحالف الناشئ من خصومها الإقليمين.
استعرض الكاتبان في مقالتهما التطور الأخير الخاص باتفاق التعاون العسكري بين حكومة الرئيس التركي أردوغان وحكومة الوفاق المنتهية صلاحيتها بقيادة فايز السراج والذي وصفاه بالمثير للقلق والذي أثار حفيظة اليونان ومصر وادانة الاتحاد الأوروبي بشكل قاطع وفقاً للمقال.
وتلى ذلك تبرير من الكاتب لأهمية ليبيا للسياسية الخارجية التركية حيث يرى الكاتب أن التغيرات والتطورات اليومية وتصريحات الرئيس أردوغان حول المسألة وسعيه لإرسال قوات عسكرية لدعم حكومة الوفاق هو دليل واضح على أن ليبيا تمثل مسرحاً مهماً لتركيا لمنافسة أعدائها القدامى ” اليونان وقبرص” والجدد “مصر والإمارات” عن طريق حرب الوكالة في الأراضي الليبية ، أما من الناحية الأخرى فإن حكومة الوفاق لا تجد من يدعمها أمام هجوم قوات “الجيش الوطني الليبي” بقيادة اللواء خليفة حفتر سوى تركيا والتي لا تأبه لقرارات الأمم المتحدة بمنع تصدير السلاح لليبيا.

عزلة إقليمية


وفقاً للمقال فإن سياسة أنقرة بالتوجه والدخول في قلب الأزمة الليبية يأتي بسبب عزلتها الإقليمية فبعد خسارتها لعلاقتها مع إسرائيل في 2010 وسوء تقدير سياسة أردوغان لثورات الربيع العربي ودعمه لجماعة الإخوان المسلمين مما أدى لخسارته علاقته مع مصر.
يضاف لذلك دعمه للجماعات والفصائل المتطرفة في سوريا ما وضعه بمسار تصادمي مع سوريا وإيران كذلك مع حلفاء إيران بالمنطقة في كل من لبنان والعراق ،وفقاً لما سبق يرى الكاتب أن تركيا قد خسرت بشكل شبه كامل جميع حلفائها الإقليمين قبل بداية الحرب الأهلية الليبية في 2014 مما يبرر أدار أنظار تركيا نحو ليبيا كأخر موطئ قدم يمكن الحصول عليه بالمنطقة يمكن أن يستخدم كمسرح ضد أعدائها الإقليمين.
وقد برز ذلك بشدة بعد أن قدم أردوغان دعمه وبشدة لتحالف “فجر ليبيا” في مصراته وطرابلس المناهض لقوات الجيش الوطني الليبي حيث قامت تركيا بتقديم طائرات بدون طيار بتكنولوجيا متقدمة ، حاملات جنود وأسلحة متقدمة أكثر من التي حصلت عليه قوات الجيش الوطني الليبي من داعميها الإقليمين إلى فصائل ومليشيات متعددة تتبع لحكومة الوفاق في تجاهل صارخ لقرارت الأمم المتحدة بمنع توريد السلاح لليبيا وفقاً لتقارير الأمم المتحدة الأخيرة بهذا الصدد.
وفقاً للمقال فإن أنقرة وجدت نفسها في مواجهة تحالف مكون من خصومها الجدد والقدامى وبالأخص مصر،اليونان،قبرص وإسرائيل وهي الدول التي تتراوح علاقة تركيا معها بين الفتور والعدائية.
ومع قيام مصر بترسيم حدودها البحرية مع اليونان بعد فترة وجيزة من وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي لسدة الحكم كما استضافة مصر للاجتماع الافتتاحي “لمنتدى غاز المتوسط” والذي حضرته كل الدول المعنية بالأمر ماعدا تركيا في وقت سابق من هذا العام ، كما المناورات العسكرية المصرية اليونانية الجوية منها والبحرية والتي بدأت في 2015 قبل أن تنضم لها قبرص في 2018 بالإضافة للاتفاقات في مجال تصدير وإسالة الغاز أدت لاستشعار أنقرة بالقلق نتيجة لاصطفاف مجموعة دول المتوسط المكونة من دول لها مع تركية خصومة بسبب زيادة حجم التعاون الاستراتيجي بين تلك الدول بالأخص في المجالات العسكرية والدبلوماسية والطاقة .
وفقا للمقال فإن الاتفاق الأخير التي عقدته تركيا مع حكومة الوفاق يهدف جزئياً للتصدي للتحالف بين تلك الدول فقد رسم الاتفاق محوراً بحريا افتراضيا بين دالامان الواقعة على الساحل الجنوبي الغربي لتركيا ومدينة درنة الواقعة في شمال شرقي ليبيا والتي لا تسيطر أصلا عليها حكومة الوفاق التي يقودها فايز السراج، ومن وجهة نظر أردوغان فإن الخط البحري يتيح له اعتراض التكتل البحري الناشئ بين مصر وقبرص واليونان وإسرائيل والتصدي في الوقت نفسه للضغط العسكري الذي تقوم به قوات الجيش الوطني الليبي المدعومة من مصر والإمارات على حكومة الوفاق.

تداعيات


برغم من التحذيرات الأوروبية المتكررة لحكومة الوفاق بعدم التعاون مع أنقرة ما من شأنه أن يعرض الدعم الأوروبي لها بالانقطاع ألا أن حكومة الوفاق لم تجد أمامها حلاً إلى التعاون مع تركيا مع زيادة خسائرها نتيجة الضغط من قوات الجيش الوطني الليبي على مدار ثمانية أشهر من القتال المتجدد وفقاً للكاتب ، ويرى أن حدوث المزيد من التصعيد في ليبيا من شأنه أن يفتح المجال امام أنقرة وموسكو ليكونا هما الفاعلين الرئيسيين في الأزمة الليبية وتحديد مستقبل الأزمة بدلاً من الدول الغربية والأمم المتحدة.
وبرغم دعمهما لطرفين متعارضين في ليبيا يرى كاتب المقال أن كل من موسكو وأنقرة يمكنهما التواصل لصيغة تفاهم حول ما يجري في ليبيا مستشهداً بالتنسيق المتبادل بين الطرفين في سوريا برغم دعمهما لأطراف مختلفة كما وسيشهد الشهر المقبل زيارة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتن لتركيا لحضور اجتماع يركز بشكل خاص على القضية.

الدور الأمريكي


في ختام المقال أشار الكاتب إلى أن انحسار الدور الأمريكي والتردد إزاء الأزمة الليبية قد سمح لروسيا لاكتساب النفوذ في الجانب الجنوبي لحزب شمال الأطلسي وعلى الأرض في ليبيا كما أنه أدى لاحتكاك غير مطلوب بين روسيا وتركيا كذلك بين تركيا وعدد من الحلفاء الإقليمين للولايات المتحدة.
أضاف الكاتب أن المجال أصبح ضيقاً أمام الولايات المتحدة للحد من حدوث أي أعمال عنف على الأرضي الليبية كما الحد من النفوذ الروسي المتنامي هناك ، كما يرى أن لا سبيل للولايات المتحدة سوى دعم الجهود الألمانية لإقناع جميع الأطراف بوقف إطلاق النار ووقف عملية نقل الأسلحة حيث يرى أن الجهود الألمانية لن تجد صدى دون الدعم الأمريكي .
ونصح المسؤولون الأمريكيون بالضغط والتهديد باستخدام صلاحيات العقوبات القائمة ضد منتهكي إيقاف إطلاق النار حال التوافق والتوقيع عليه، كما استغلال سعي الأطراف الإقليمية المنخرطة بالأزمة لعلاقات جيدة مع واشنطن للضغط عليها لفرض التهدئة في ليبيا من خلال دعم المبادرة الألمانية .

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

محمد هيكل

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى