
“نازحو افريقيا” بين سندان “الصراعات” ومطرقة “الفقر”
وجدت دراسة الاتجاهات العالمية السنوية لمفوضية اللاجئين بأن 70.8 مليون شخص أُجبروا على مغادرة منازلهم حول العالم في نهاية عام 2018. بلغ عدد النازحين داخل بلدانهم منهم 41.3 مليون بسبب العنف والصراعات، منهم 10.8 ملايين شخص لهذا العام فقط.
ومثل النازحون من أثيوبيا والكونغو الديمقراطية وسوريا أكثر من نصف هذا العدد لهذا العام. بالإضافة إلى أن أكثر من ثلثي حالات النزوح الجديدة الناجمة عن العنف كانت ناتجة من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
وكان النزوح خلال العام ناتجا بشكل أساسي في إثيوبيا حيث انتقل ما يقرب من 1,560,800 شخصا بسبب النزاعات داخلها، 98% منهم ظلوا داخل البلاد، مما رفع مستوى النزوح الداخلي بإثيوبيا إلى الضعف.
وقد صرح المفوض السامي فيليبو جراندي في حديث له في أغسطس لهذا العام تم اجراؤه من قبل الوكالة اليابانية للمعونة ومفوضية الاتحاد الأفريقي ومفوضية شؤون اللاجئين في (يوكوهاما) اليابانية أن عدد النازحين قسريا من القارة الإفريقية يبلغ ما يقرب من 25 مليون شخصا، وأوضح كذلك أن أعداد اللاجئين في أفريقيا قد زاد بثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي. وأرجع المحفزات الرئيسية للنزوح القسري في معظمها إلى الصراعات والقضايا البيئية (كتغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي) وسوء الإدارة.

لذا فأن القارة الأفريقية فى ظل تلك الأرقام المفزعة تستضيف أكثر من ثلث الأشخاص المهجرين قسراً في العالم في أفريقيا. في حين أن نسبة اللاجئين الأفارقة في أوروبا لا تتجاوز 8% من اللاجئين الأفارقة ككل، لذا فهى أزمة تتحمل تبعاتها القارة بامتياز. لذا بسبب تحملها لهذا العبء، نجد سعيها المستمر لإيجاد حلول منذ عقود طويلة. حتى وصلنا لأن يصبح ذلك الموضوع هو الموضوع الرئيس للاتحاد الإفريقي هذا العام.
بداية هناك اختلافات جوهرية بين الأشخاص النازحين داخليا، الذين يحدث نزوحهم داخل حدود بلادهم، واللاجئين، الذين يلتمسون المأوى في بلد آخر. بموجب القوانين الدولية بداية من اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين واتفاقية عام 1969 التي تحكم الجوانب الخاصة بمشكلات اللاجئين في إفريقيا. وبموجبهما يكون المجتمع الدولي ملزماً بحماية ومساعدة اللاجئين، بما في ذلك توفير المأوى والطعام والمساعدة الطبية. ويوجد لدى الأمم المتحدة مؤسسة مركزية مكرسة لتنفيذ تلك الولاية الشاملة، وهي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على عكس اللاجئين، لا يتمتع الأشخاص النازحون داخليا بالدعم نفسه، سواء كان قانونيًا أو مؤسسيًا، وإن وجدت بعض المبادئ التوجيهية الأممية للتعامل معهم.
جهود الاتحاد الإفريقي لمواجهة الظاهرة:
في عام 2006، اعتمد 11 بلداً من منطقة البحيرات الكبرى بروتوكولاً بشأن النازحين داخلياً، وهو أول اتفاق ملزم متعدد الأطراف في العالم يركز على النزوح الداخلي لمحاولة مواجهة تلك الأزمة، وكان ذلك البرتوكول اللبنة لأهم أتفاقية تخص النزوح الداخلى ومحاولة مواجهته لإعادة توطين هؤلاء المواطنون وتسهيل عودتهم لمناطقهم (اتفاقية كمبالا) التي تعد أول معاهدة قارية ملزمة قانونا بشأن الأشخاص النازحين داخليا ووقعها نحو 40 دولة من دول الأتحاد الإفريقي وصادقت عليها 27 دولة وفقآ لأخر تعديل لدى الأتحاد الإفريقي. ودخلت الاتفاقيّة حيّز التنفيذ في 6 ديسمبر2012، وذلك بعد مرور 30 يوما على إيداع الدولة الأفريقيّة الخامسة عشرة (سوازيلند) صكوك التصديق الخاصة بها لدى الإتحاد الأفريقي.
ولم يكن هذا هو الجهد الوحيد المبذول من الأتحاد
- ففي إطار الرؤية طويلة الأجل الواردة في جدول أعمال 2063، اعتمد الاتحاد الأفريقي الموقف الإفريقي الموحد بشأن الفعالية الإنسانية (CAP) ودعا إلى فترة عشر سنوات من التحول لتعزيز العمل الإنساني في القارة. يعرّف البروتوكول CAP البنية الإنسانية الجديدة لأفريقيا بما في ذلك إنشاء وكالة إنسانية أفريقية كوسيلة لتنظيم العمل الإنساني في إفريقيا. كما يؤكد الهيكل الإنساني الجديد على معالجة الأسباب الجذرية للأزمة وتحقيق الحلول المستدامة لها، فضلاً عن تعزيز قدرة الدول وأصحاب المصلحة الآخرين على التصدي لتحديات النزوح القسري في القارة.
- وكذلك إطلاقها مبادرة التضامن
الإفريقي التى تهدف لحشد وتعبئة الدعم من داخل القارة لمساعدة الدول الخارجة من
الصراعات .
– بالإضافة لوضع الأتحاد لخارطة طريق تخص موضوع اللاجئين أبرز بنودها: - تقديم تدريب على القانون وسياسات الفعل الإنسانى.
- إقامة مؤتمر قمة إنسانية إفريقية حول اللاجئين والمشردين داخلياً والعائدين سيعقد في نوفمبر 2019، والذي سيوضح التزامات الدول تجاه تلك الأزمة ويتعهد بتوفير الموارد اللازمة لتنفيذ النداء الموحد بشأن الفعالية الإنسانية في أفريقيا.
- بالإضافة لتعزيز التصديق على اتفاقية الاتحاد الأفريقي بشأن الأشخاص النازحين داخليا – اتفاقية كمبالا وتوضيح سبل تنفيذها.
- تأسيس المرصد الإفريقي للهجرة الذي من شأنه أن يقوم بإجراء دراسات لظاهرة الهجرة وتقديم اقتراحات بشأنها، وقد دعي الاتحاد لتأسيسه بقمة نواكشوط الواحدة والثلاثون بيوليو الماضي، وتولت مراكش تأسيسه ووقعت على ذلك مع الأتحاد خلال المؤتمر الدولى للهجرة فى ديسمبر الماضي. وقد دعت العديد من الفواعل الدولية والإقليمية لتأسيس هذا المرصد، وتتبلور مهام ذلك المرصد حول ثلاثية “الفهم والاستباقية والعمل”، في جمع المعلومات وتطوير تبادلها، وكذا تسهيل التنسيق بين الدول الأفريقية حول قضية الهجرة.

الجهود الدولية لمحاولة أحتواء الأزمة:
- في 28 نوفمبر 2014 في روما تم انطلاق “عملية الخرطوم” المشتركة بين الاتحاد الأوروبي ودول القرن الأفريقي، لمكافحة أسباب وتبعات الهجرة. وتبعتها قمة قمة فاليتا فى نوفمبر 2015 التى تم بها إطلاق صندوق إئتماني خاص بأفريقيا بقيمة أولية قدرها 1,8 مليار يورو، يهدف إلى خلق فرص عمل في شرق وغرب أفريقيا وإطلاق مشاريع تنموية، يضاف هذا المبلغ إلى العشرين مليار يورو التي يضخها الاتحاد الأوروبي سنوياً في خانة المساعدات المخصصة لأفريقيا. وبتلك القمة تم إطلاق مشروع تجميع وفرز المهاجرين في النيجر قبل توجههم إلى أوروبا
- على الجانب الأخر عظمت مجموعة البنك الدولى تمويلها لقضايا النزوح، فأصبحت توجه تمويلها وعززت تعزيز تعاونها مع الأمم المتحدة، والحكومات، والمنظمات الإقليمية والشركاء الآخرين على الأمدين المتوسط والطويل لعلاج للأسباب الجذرية للصراع والنزوح في أماكن كمناطق البحيرات العظمى والساحل والقرن الأفريقي في أفريقيا، وكذلك مساعدة النازحين في الداخل على إعادة بناء حياتهم، والحصول على فرص عمل، وتحسين البنية التحتية في المجتمعات المضيفة لهم أو تسهيل عودتهم إلى مناطقهم. وكذلك إقامة الدراسات التحليليلة التى تخص النزوح وسبل مواجهتها. وختاما قامت بطرح التمويل للمبادرات المبتكرة التى تساعد على حل قضايا النازحين كالتعليم، وبناء المهارات، وخلق الوظائف.
- وكذلك تم وضع ميثاق عالمى جديد خاص بالهجرة وأن لم يكن ملزمآ إلا أنه يضع العديد من الأسس المهمة لمواجهة قضايا اللجوء، ذلك الميثاق الذي تم توقيعه من قبل 150 دولة فى ديسمبر 2018 بالمغرب فهو يهدف لتخفيف الضغوط على البلدان المستضيفة، وتعزيز قدرة الاعتماد على الذات لدى اللاجئين، ودعم ظروف عودتهم لبلادهم بكرامة. ووضع العديد من الأليات المبدئية للتعاون بين الدول فيما يخص قضية الهجرة، ليجعلها قضية ذات مدى أكبر من الدولة المستضيفة أو الأقاليم المستقبلة فقط.
الجهود المصرية فى مواجهة تلك الظاهرة:
- شاركت مصر بصورة بناءة في إعلان روما في نوفمبر 2014 بشأن مبادرة الاتحاد الأوروبي والقرن الأفريقي حول مسارات الهجرة لمساعدة دول منطقة القرن الأفريقي في مكافحة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، حيث استضافت مصر في هذا الإطار الاجتماع المشار إليه للجنة التسيير المنبثقة عن الإعلان في أبريل 2015 بمدينة شرم الشيخ وتم تقديم مجموعة من المشاريع والأفكار الأفريقية للتنمية ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية.
- شاركت مصر بفاعلية في عملية التحضير والصياغة في قمة فاليتا حول الهجرة (نوفمبر 2015)، حيث تولت الدفاع عن وجهة النظر الأفريقية باعتبارها رئيساً لمبادرتي الاتحاد الأفريقي – القرن الأفريقي والاتحاد الأوروبي – القرن الأفريقي، بالتنسيق مع مفوضية الاتحاد الأفريقي.
- استضافت مصر بالأقصر في نوفمبر 2017 المؤتمر الأول من نوعه الذي يضم كافة العمليات التي تتناول مسار الهجرة بين أفريقيا وأوروبا، حيث يركز المؤتمر على مكافحة عمليات تهريب المهاجرين والاتجار في البشر مع التركيز على القصر غير المصحوبين.
- ونجحت مصر في استضافة مقر مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات AUC-PCRD، كما ساهمت وزارة الخارجية في عقد ورشة عمل يومي ١٥ و١٦ أكتوبر الماضي تحت عنوان “تفعيل سياسة الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات في منطقة الساحل: تحديد الخطوات المستقبلية”، بهدف إعادة إحياء وتفعيل سياسة الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية، والمساهمة الموضوعية في تحديد مجالات عمل وأنشطة المركز، فضلا عن ربط هذه الأنشطة بعملية المراجعة الشاملة لهيكل الأمم المتحدة لبناء السلام المقررة في ٢٠٢٠. كما أكدت أهمية التعاون مع الشركاء الدوليين في مجال إعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات في أفريقيا، وأكدت على ضرورة الحفاظ على حق الدول الأفريقية في ملكية برامج التنمية بما يتسق مع الأجندات الوطنية للدول.
- بالإضافة لتدشين مصر الجولة الأولي من الحوار بينها وبين والاتحاد الأوروبي حول الهجرة في ديسمبر 2017، انطلاقاً من المصلحة المشتركة التي تجمع الجانبين. وقد تم إطلاق النسخة الثانية من الحوار 25 يونيو 2019، حيث تم تناول سُبل تعزيز التعاون مع الوكالات التابعة للاتحاد الأوروبي. ويعمل الحوار على تيسير وتعزيز التواصل والتعاون الاستراتيجي في مجال الهجرة. ويأخذ الحوار في الاعتبار الترتيبات القائمة في مجال الهجرة، والتي تتضمن عملية “الخرطوم”، ومتابعة قمة “فاليتا” التي عقدت في نوفمبر 2015، من خلال تنفيذ الإعلان السياسي الصادر عن القمة، وخطة العمل الخاصة بها.
- وقد أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في أولي خطوات مصر بعد تولى رئاسة الاتحاد، إطلاق النسخة الأولى من منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة خلال عام 2019 والمقرر عقده يومي 11و 12 ديسمبر القادم، ليكون منصة إقليمية وقارية يجتمع بها قادة السياسة والفكر وصناع السلام وشركاء التنمية في مدينة أسوان. ايمانا بدور التنمية كحل رئيسي في حل تلك الأزمة. وفى هذا الإطار في 28 و29 أغسطس الماضي، وفي إطار الإعداد للمنتدى، تم عقد ورشة عمل للخبراء الأفارقة والدوليين، بعنوان “النازحون قسريًا في أفريقيا: من الاستجابات المرحلية إلى الحلول الدائمة”، وذلك بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين.
- وقد نمّت مصر دورها تجاه تنمية القارة بسبب إيمانها بأن التنمية هى الطريق لمعالجة مشاكل القارة من خلال مشاركتها فى قمة التكتلات الثلاث (الكوميسا، السادك، وشرق أفريقيا الإيكاس) ، وتأسيسها الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية EAPD ، التى مولت العديد من المشاريع التنموية أبرزها ما يخص الطاقة من خلال تمويل وتنفيذ عدد من المشروعات التنموية في دول حوض النيل مثل مشروعات لإنشاء محطات توليد الطاقة الكهربائية باستخدام الطاقة الشمسية في إريتريا، مشروع إنشاء محطة توليد الطاقة الكهربائية باستخدام الطاقة الشمسية بأوغندا، ومشروع إنشاء ورشة لإصلاح المحولات الكهربائية ببوروندي، ومشروع إنشاء 5 سدود حصاد مياه أمطار بأوغندا ، بالإضافة لدعمها لعديد من المبادرات ذات الانعكاسات التنموية، والتى يأتى فى مقدمتها “المبادرة المصرية – الإفريقية للطاقة المتجددة، والمبادرة المصرية – الإفريقية للتكيف مع المناخ” .
فى ظل رئاسة مصر للاتحاد: ما الذي يمكن فعله بعد؟
ختاما إن مصر دوماً برغم تأكيدها أهمية التعاون الدولي من أجل اصلاح أبرز ما يواجه القارة من مشكلات تؤدي لتفاقم ظاهرة النزوح القسري الناتجة عن الكثير من المشكلات الأخرى كالصراعات والارهاب والفقر. إلا أن الخطاب الرسمي دوماً ما رسخ مبادئ حفظ السيادة الوطنية للدول الإفريقية وأن تنميتها تكن بسواعد ابناءها وبمشاركة جيرانها الإقليميين الذين يشاركونها نفس التاريخ والثقافة المشتركة والأدري بخصوصية احتياجاتها.
- وفى هذا الإطار تعطي مصر أولوية لإحياء سياسة إطار العمل لإعادة الإعمار والتنمية في مرحلة ما بعد الصراع في الاتحاد الأفريقي (PCRD) في ارتباط مع بناء السلام في إفريقيا وكجزء من حلول النزوح القسري في القارة، حيث تعمل على تعزيز الآليات الإفريقية لإعادة الإعمار والتنمية لما بعد النزاعات من خلال إطلاق مركز الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات هذا العام.
- كذلك تسعي نحو تفعيل المبادرات المرتبطة بتطوير واستقلالية القدرات العسكرية للاتحاد الإفريقي، بالإضافة لتعزيز التعاون القاري لمحاربة الارهاب والتطرف الفكري، ودفع الجهود المبذولة لمنع النزاعات والوقاية منها والوساطة في النزاعات وتعظيم دورها فيما يخص الدبلوماسية الوقائية وكذلك نشر مراكز الإنذار المبكر فيما يخص الظواهر المهددة للاستقرار الإفريقي.
- ودوما ما تنادي مصر بأن التنمية هي البداية لمواجهة مشكلات القارة. لذا يجب أن يتم التركيز على يجب وضع حلول لأبرز ما يفقر القارة وهو تصدير موادها الأولية بأثمان بخسة، لذا يجب أن تسعى لوضع منظومة لمشروعات تصنيع تلك المواد مما سيعظم المكاسب منها بالتأكيد، بالإضافة لوضع أسس لنظم محاسبية قوية تواجه فساد الشركات الأجنبية والمتعددة الجنسيات وعمليات التهرب الضريبي التي تقوم بها، ما يؤدي إلى خسارة الدول الأفريقية لمليارات الدولارات.
- ويعد التغير المناخي من أبرز عوامل النزوح القسري، وقد تم توضيح مخاطر التغير المناخى في دراسة حديثة قدمها البنك الدولى بالتعاون مع الأمم المتحدة، حيث وجد أن في عام 2050 سيتجاوز عدد النازحين 143 مليون شخص منهم 86 مليون شخص فى إفريقيا جنوب الصحراء فقط، لذا يجب أن تركز مصر على إيجاد سبل للتعاون سواء الاقليمى أو الدولى لمواجهة تلك المخاطر التى ستزيد تفشي ظاهرة النزوح.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية