
قوة العمل الوطنية على أجندة الولاية الرئاسية الجديدة.. نجاحات بارزة وآفاق واعدة
أعلنت الحكومة المصرية في ديسمبر من العام الماضي 2023 عن وجود رؤية لرفع قيمة الصادرات التي تنتجها البلاد إلى ما يجاوز المئة مليار دولار على أساس سنوي، ومن المخطط أن يتم الوصول إلى هذا الهدف عن طريق تحسين نوعية وزيادة كمية المنتجات المُصدرة بشكل تدريجي خلال السنوات الست المقبلة.
الرغبة في بلوغ هذا الهدف الكبير كانت سببًا في تنبيه الدولة لضرورة تحسين الظروف المحيطة بالعملية الإنتاجية بالقطاعات الصناعية والزراعية والخدمية، هذا ما دفع بالجهات المختصة إلى وضع برنامج قومي شامل لتحسين البنية التحتية الخادمة لحركة الإنتاج، من موانئ بحرية وبرية وجوية وجافة ومراكز لوجستية، علاوة على تحديث الشبكة القومية للطرق وشبكة السكك الحديدية، فضلًا عن تطوير المناخ التشريعي المنظم للإنتاج وعلاقات وإجراءات الأعمال.
كان ملف القوى العاملة واحدًا من اهتمامات الحكومة المصرية على مدار الأعوام الماضية؛ فالقوة البشرية هي أغلى ما تملكه القطاعات الإنتاجية من رؤوس الأموال، والعناية بالقوة البشرية ضمانة أصيلة من ضمانات إنجاح وتنمية المشروعات سواء كانت ناشئة أو مستقرة، وصغيرة أو كبيرة. لهذا تم العمل على مجموعة من المحاور الموازية التي أسهمت في ترقية حال العامل المصري، وساعدته على إيجاد ظروف مواتية لتحسين خبراته وقدراته المطلوبة بسوق العمل.
تأهيل وتدريب القوة العاملة
تعد مهارات وخبرات وكفاءة العامل والصانع والمزارع المصري هي اللبنة الأساسية في ملف القوى العاملة الوطنية، لهذا أولت الحكومة المصرية منذ عام 2014 اهتمامًا خاصًا بعملية تنمية قدرات العمالة المصرية؛ وذلك من خلال تنظيم خطة استراتيجية لتطوير التعليم والتدريب الفني حتى العام 2030، لتقوم تلك الخطة على الموازنة بين ما هو متوفر من إمكانات التعليم والتدريب المهني وزيادة الطلب على خدمات تعليم وتدريب محددة تتماشى احتياجات السوق المحلية، لذلك تم العمل على نقاط محددة وهي كالتالي:
● تحسين جودة منظومة التعليم والتدريب الفني بما يوافق أرقى النظم الدولية المتبعة: عن طريق تطبيق قواعد الاعتماد والجودة العالمية، من خلال الاعتماد المحلي الذي تمنحه هيئة ضمان واعتماد الجودة للمدارس ومراكز التدريب، مع تطوير معايير الاعتماد المحلية لتتماشى مع المعايير العالمية.
● تحسين تنافسية نظم ومخرجات التعليم الفني والتدريب: والتي تُعد نتيجة للجودة والإتاحة، فالهدف الأسمى هو تخريج فرد قادر على التفاعل والتنافس في سوق المعل والخارجي.
● تطوير الصورة الذهنية عن التعليم الفني: فلا تكتفي الجهات المختصة بتوفير الفصول ومراكز التدريب ذات المعايير العالية لجميع طبقات المجتمع، ولكن تدفع ناحية توفير مناخ اجتماعي مشجع على الانخراط في سلك التعليم الفني.
وللوصول إلى تلك الأهداف المنشودة، قامت الجهات المختصة بوضع عدد من المؤشرات الكمية الهادفة لقياس أداء التعليم والتدريب الفني حتى عام 2030. ومنها مثالا:
- رفع نسبة الملتحقين بالتعليم الفني إلى 20% عام 2030 وذلك بعد أن كانت 4% في 2014، على ان يكون هؤلاء الطلاب من بين الذين أثبتوا تفوقًا في التعليم الإعدادي بمجموع أعلى من 85%.
- زيادة نسبة خريجي التعليم الفني الذين يعملون في مجال تخصصاتهم إلى 80% بحلول عام 2030، بزيادة قدرها 62% عن مؤشرات عام 2014.
- ترقية الترتيب المصري في مؤشر البنك الدولي للتعليم الفني إلى 3/4 عام 2030 بدلا من 2/4 الذي تم رصده عام 2014.
- الوصول بنسبة مؤسسات التعليم الفني والمهني القائمة على الشراكة المجتمعية إلى 20% بحلول عام 2030، بزيادة قدرها 80% عن عام 2014.
- تخفيض متوسط عدد الطلاب بالفصل الدراسي بمنظومة التعليم الفني إلى 30 طالبًا بحلول عام 2030، بانخفاض قدره 8 طلاب عن عام 2014.
نتج عن خطط الدولة في شأن تطوير التعليم الفني عدد من النجاحات، ومنها مثالا تجهيز أكثر من ستة الآلف مدرسة بمختلف احتياجاتها الفنية، بالإضافة إلى تطوير ما يزيد على أربعة آلاف فصل دراسي، وإنشاء 70 مدرسة تكنولوجية تطبيقية، فيما تضع الحكومة نصب أعينها هدفًا للوصول إلى 100 مدرسة بحلول عام 2030.
ولقد نجحت الجهات المختصة في دفع نموذج جديد لإدارة المدارس التكنولوجية التطبيقية، حيث وقعت على اتفاقيات ثلاثية بين وزارة التربية والتعليم والقطاع الخاص وعدد من الشركاء الأجانب بهدف الاعتماد وسائل تقييم الطلاب والشهادات من أجل بناء قدرات ومهارات الجيل الجديد من المبتكرين؛ سعيًا إلى تحقيق الاقتصاد القائم على المعرفة، لتركز مدارس التكنولوجيا التطبيقية على تعليم الطلاب مجالات علمية إضافية مثل مبادئ الاقتصاد وريادة الأعمال وإدارة المشروعات، وذلك إلى جانب اهتماماتهم العملية الأساسية المتعلقة بالتعليم الفني.
كما بدأت وزارة التربية والتعليم منذ مارس 2019 في تنفيذ خطط تطوير مناهج التعليم الفني في مصر، حيث تقوم بإجراء تحول جذري في برامج التعليم الفني لكي تصبح ملبية لاحتياجات سوق العمل كما تنص المادة 20 من الدستور المصري الصادر عام 2014، ومن أهم المتطلبات في خريج المدارس الفنية إتقان الجدارات وهي مجموعة المهارات والمعارف والسلوكيات التي يجب أن يتمتع بها الخريج لإتقان مجال عمله أو حرفته.
حددت وزارة التربية والتعليم في هذا الإطار الجدارات المطلوبة لعدد 50 مهنة في مجالات العمل الفندقي والزراعي والتجاري والصناعي، لتطبق تلك المناهج المطورة في 105 مدارس متنوعة التخصصات وموزعة على جميع أنحاء القطر المصري. وكذا تم تغيير نظام تقييم الطالب ليؤكد على حتمية إتقان الطالب لجميع الجَدارات المطلوبة للمهنة حتى يمكن منحه شهادة الدبلوم، وعززت ثقافة تطبيق منهجية الجَدارات عند كل المعلمين من خلال تدريب الآلاف منهم.
وإلى جانب التعليم الفني، قامت الحكومة المصرية بتدريب العمالة القديمة من خلال توفير 41 مركز تدريب مهني موزعة على 22 محافظة، علاوة على 11 مركز تدريب متنقل للتدريب على حرف متنوعة تتميز بالطلب العالي على فنييها مثل: صيانة الأجهزة المنزلية، وكهرباء السيارات، ولف المحركات، والسباكة الصحية، والكهرباء العامة، وخراطة المعادن، ولحام المعادن.
ضبط المناخ التشريعي والقانوني
على الرغم من أهمية دور قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 في تحديد الكثير من الضوابط المحورية المنظمة لعلاقة العمل بين العمال والموظفين من جهة وبين أصحاب ومؤسسات الأعمال من جهة أخرى فإن هناك مجموعة من النقاط التي مثلت مسارًا للجدل في المجتمع، حيث تمت المطالبة للنظر إليها بعين التعديل والتقويم، هذا ما دفع إلى صياغة مشروع قانون محدث يتوقع أن يتم إصداره عام الحالي 2024 وسيهتم هذا القانون بعدد من النقاط منها:
- إلغاء استمارة 6
حيث حمى مشروع القانون العاملين من احتمالات الفصل التعسفي وأبرز أشكاله استمارة 6 التي يستغلها عدد من أصحاب الأعمال بشكل سيئ، وهو ما يضيع حقوق العمال ويؤدي لطردهم بشكل فجائي، لهذا جاء القانون الجديد بضوابط أكثر ملاءمة لاستمارة 6 لتكون وثيقة لإنهاء العلاقة بين طرفي العمل بشكل طبيعي، وهو ما يضمن حقوق العامل التي يكفلها له القانون الجديد.
- العلاوة السنوية الدورية
أكدت إحدى مواد مشروع القانون الجديد على استحقاق العمال والموظفين لعلاوة سنوية دورية لا تقل عن 3% من اشتراك الأجر التأميني، وتستحق تلك العلاوة بانقضاء سنة من تاريخ التعيين، أو من تاريخ استحقاق العلاوة الدورية السابقة، وذلك في ضوء القواعد المنظمة لهذه العلاوة، والتي يصدرها المجلس القومي للأجور.
- استحداث المجلس الأعلى لتنمية الموارد البشرية
ينظم مشروع القانون استحداث إنشاء مجلس أعلى لتنمية الموارد المهارات البشرية، ومن المقرر أن يتولى هذا المجلس وضع السياسات العامة لتنمية الموارد والمهارات البشرية، وفرض إلغاء التراخيص عن الشركات المخالفة حال ثبوت مخالفتها لحكم من الأحكام الجوهرية في القرارات الصادرة بمقتضى القانون.
- صندوق لحماية وتشغيل العمالة غير المنتظمة
ينظم مشروع القانون الجديد عملية إنشاء صندوق ستكون له الشخصية الاعتبارية العامة، ليقدم الدعم للنفقات العلاجية والخدمات الطبية طبقًا لما تحدده اللوائح المالية والإدارية للصندوق، وتوفير سبل الانتقال والإعاشة والإقامة بمواقع العمل النائية، ودعم توفير اشتراطات السلامة والصحة المهنية اللازمة.
- ضمان الحق في الأجور والمرتبات
الحفاظ على حقوق العامل في أجره بدءًا من كتابة في العقد، حيث حدد مشروع القانون هذه الضوابط فجاء القانون بأن يحدد المرتب بموجب عقد العمل سواء كان فرديًا أو يخضع لاتفاقية العمل الجماعي أو لائحة المنشأة، فإذا لم يحدد الأجر بأي من هذه الطرق استحق العامل أجر المثل إن وجد، وإلا قدر الأجر طبقًا لعرف المهنة في الجهة التي يؤدى فيها العمل.
- صون حقوق ذوي همم
نُظِمت إحدى مواد مشروع القانون الجديد لتضمن لذوي الاحتياجات الخاصة حقوقهم في العمل بالمنشآت، حيث ألزمتها بوجود سجل ورقي أو إلكتروني لقيد أسماء الأشخاص ذوي الإعاقة والمصابين بالتقزم من الحاصلين على شهادات التأهيل أو بطاقة إثبات الإعاقة والخدمات المتكاملة، كما أن هذه المادة تضمن التزام المنشآت بتشغيل فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث شددت على ضرورة تقديم هذا السجل إلى الجهة الإدارية المختصة كلما طلب منها ذلك.
- إجازة الوضع ورعاية الطفل للمرأة العاملة
يكفل القانون الجديد ضوابط في باب تشغيل النساء، حيث تنص إحدى المواد على أحقية المرأة العاملة في التمتع بإجازة وضع مدتها أربعة أشهر، ولمدة ثلاث مرات، لتتساوي بذلك المرأة العاملة بالقطاع الخاص ونظيراتها بالجهاز الإداري للدولة.
- مكافأة نهاية الخدمة
ومن المزايا المهمة التي ينتظرها العاملون في قانون العمل الجديد مكافأة نهاية الخدمة، حيث من المقترح أن يستحق العامل عن مدة عمله بعد سن الستين مكافأة بواقع أجر نصف شهر عن كل سنة من السنوات الخمس الأولى من الخدمة، وأجر شهر عن كل سنة من السنوات التالية لها، وذلك إذا لم تكن له حقوق عن هذه المدة، وفقًا لأحكام تأمين الشيخوخة، والعجز، والوفاة المنصوص عليها في قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات.
دفع القطاعات الإنتاجية
لم يكن للمجهودات السابقة أن تحقق أثرها المرجو دون دفع عملية الإنتاج بحد ذاتها، وهو ما يضمن وجود علاقة تفاعلية بين عناصر معادلة العمل والتشغيل التي تتوزع بين أصحاب الأعمال والموظفين والجهات الرسمية، على اعتبار أن تلك الأخيرة هي المنظم والرقيب بسوق العمل، لذلك ارتأت الدولة ضرورة تقديم مختلف التيسيرات وتذليل العقبات أمام الكيانات الإنتاجية. هذا ما دفعها إلى اتخاذ عشرات الخطوات الرامية إلى دعم مناخ الاستثمار بمختلف مناطق الجمهورية، ولقد كان بعضها تشريعيًا وتنظيميًا فيما كان بعضها الآخر عمليًا، وتذكر الفقرات التالية مجموعة من أبرز تلك الخطوات:
- أصدرت الحكومة في 2017 قانون الاستثمار رقم 72، الذي يعد أداة ناجحة لإجراء إصلاحات تشريعية هيكلية في مجال الاستثمار عامة.
- تشكيل اللجنة الوزارية لفض منازعات الاستثمار في 2015 بعضوية 6 وزراء وعدد من المسؤولين لإنهاء كافة أشكال منازعات الاستثمار التي تواجه رجال الأعمال.
- إطلاق خريطة مصر الاستثمارية في 2018 والتي احتوت على 1000 فرصة استثمارية متنوعة وقت تدشينها.
- تطوير وافتتاح 15 مركزًا لخدمات المستثمرين في عدد من المحافظات، منها القاهرة والجيزة والإسكندرية وبورسعيد والاسماعيلية وجنوب سيناء وسوهاج وأسيوط وقنا.
- تشغيل 10 مناطق استثمارية بعموم البلاد، وتستضيف تلك المناطق حاليًا 1269 مشروعًا قائمًا، وتوفر 86 ألف فرصة عمل.
- تشغيل 9 مناطق حرة بنطاق أقاليم الدلتا والقاهرة الكبرى والقناة وجنوب الصعيد.
- تقديم حوافز تفضيلية بنسب خصم متفاوتة من تكاليف الاستثمار في حال تنفيذ المشروع الاستثماري بمناطق تنموية محددة داخل الجمهورية.
على جانب آخر، دشنت الدولة مبادرات غير مسبوقة للإسراع بمعدلات علاج المشكلات التي تعانيها المؤسسات الإنتاجية من القطاع الخاص، وهو ما كان في مضمونه قفزًا فوق حواجز البيروقراطية غير المتماشية مع حاجة القطاع الخاص للتعجيل بعمليات الاستثمار والإنتاج مما سينتج عنه تشغيل أعداد كبيرة من العمال والموظفين ومن لك المبادرات:
- مبادرة أبدأ
- مبادرة مصنعك جاهز بالتراخيص
- تخصيص الأراضي الصناعية بالصعيد مجانًا
- مبادرة إدارة الأزمات الصناعية بالمشاركة بين المستثمرين والهيئة العامة للتنمية الصناعية
ختامًا، يمكن القول إن الدولة المصرية تولي اهتمامًا متصاعدًا بملف العمل؛ وذلك لإدراكها لأهمية المورد البشري في تطوير الاقتصاد الوطني، فالعمالة الوطنية المدربة والخبيرة والمدربة هي أحد مرتكزات تطوير القطاعات الإنتاجية المختلفة، ويعد توافر اليد العاملة الماهرة أحد عوامل جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى اقتصاد الدولة، لذلك هناك توقعات بأن يشهد ملف العمل في مصر حالة متصاعدة من التطوير خلال السنوات الست القادمة وصولًا إلى عام 2030، للارتقاء مكانة العامل المصري.
باحث ببرنامج السياسات العامة