
مشروعات البنية التحتية.. ضمانة مصر لجذب الاستثمار
عانى الاستثمار المحلي والأجنبي خلال العقود الماضية من وجود العديد من المعضلات البنيوية التي اضطرته إلى تقليص تواجده على الساحة المصرية، فسلاسل الإمداد الوطنية لم تكن متقدمة بالقدر الكافي للتعامل مع حركة المواد الخام والبضائع التامة، كما أن حجم الطاقة المتوفرة لم يكن كبيرا لكفاية حاجة مختلف المصانع والمعامل والإنتاجية بما تحتية من الآلات.
سعت الدولة المصرية من جهتها وعلى مدار العقد الماضي إلى تحسين هذا الوضع لذلك بدأت في تشييد المئات من المشروعات التنموية بمختلف القطاعات الاقتصادية والخدمية، وكان الهدف الأساسي من وراء تلك المشروعات هو تسهيل وتمهيد الأرضية الصالحة لضخ المزيد من الاستثمارات الإنتاجية التابعة للقطاع الخاص، حيث يطمح العديد من المستثمرين ومديري الأعمال لاختراق السوق المصري الواعد، ولا تكفي صفحات أي مقال أو دورية لذكر المعلومات الكاملة حول تلك المشروعات التنموية الغير مسبوقة لكن من المهم أن يتم التطرق لمجموعة من أبرز نماذجها.
أولاً: الطرق البرية
سعت الدولة المصرية منذ عام 2014 إلى إحداث نقلة في ملف النقل البري في عموم البلاد، لذلك أطلقت خطة شاملة لتطوير الشبكة القومية للطرق، حيث كان مستهدفًا إنشاء أو تطوير قرابة 75 طريقًا بأطوال 7000 كم من الإنشاءات الجديدة تمامًا، علاوة على تطوير وازدواج 10000 كم طرق أخرى وذلك حتي نهاية عام 2024م.
ولقد تم بالفعل إنهاء أكثر من 50 مشروعًا، فيما يتوقع أن يتم الانتهاء من باقي المشروعات خلال الأشهر القريبة القادمة. ولقد قامت جميع مشروعات الطرق تلك على فلسفة هادفة إلى تحقيق الربط الكامل بين مختلف أقاليم البلاد، وهو ما يسهم بدوره في ربط مناطق الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي في الداخل المصري بالموانئ البحرية والجوية والبرية، ليسهم ذلك في تسهيل وانسياب حركة نقل البضائع والمنتجات، لتتحول مصر بذلك إلى مركز عالمي للتجارة والتداول واللوجستيات.
وتسهم شبكة الطرق القومية المحدثة كذلك في تيسير تنقل الأفراد، وهو ما يساعد على إنجاح الجهود التنموية التي بُذلت خلال التسعة سنوات الماضية بمختلف أنحاء المعمورة؛ فقد سعت الدولة خلال تلك الفترة إلى تشييد نحو 25 مجتمعًا عمرانيًا جديدًا، بالإضافة إلى إدخال تطويرات على المدن القائمة سواء كانت قديمة في الوادي والدلتا، أو جديدة على حواف الصحراء، وهو ما أدى إلى مضاعفة حجم العمران المصري بنسبة 100% تقريبًا ليصل إلى نسبة 14% من إجمالي مساحة مصر.
ومن أبرز مشروعات الطرق التي نفذتها مصر خلال الفترة الماضية نجد مشروع محور 30 يونيو الذي بلغ طوله الكلى 210 كم، وتكلف أكثر من 8.5 مليارات جنيه. ولقد شُيد هذا المحور بالأساس لربط أربعة من أهم الأقاليم التنموية في مصر وهي: إقليم قناة السويس، وإقليم الدلتا، وإقليم القاهرة، وإقليم البحر الأحمر، ومن المتوقع أن يسهم المحور بشكل مباشر وغير مباشر في زيادة المعمور المصري بما يخلقه من فرص تنموية جديدة. ويُتوقع ان يسهل عملية إعادة التوزيع السكاني في تلك الأقاليم الأربعة بشكل متوازن، فضلًا عن دوره الأصيل في ربط عدد من المشروعات القومية الكبرى كالعاصمة الإدارية ومحور تنمية قناه السويس ومشروع التنمية الشاملة لسيناء.
نجد أيضًا من مشروعات الطرق المهمة مشروع تطوير طريق القاهرة- أسوان الصحراوي الغربي، الذي بدأت أعمال المرحلة الأولى لتطويره في 2014؛ إذ سيربط الطريق ما بين العاصمة المصرية القاهرة ومعبر أرقين عند خط الحدود الدولية مع السودان بإجمالي طول 1155كم، ومن المخطط أن يتكلف الطريق 26 مليار جنيه، وسيكون بمثابة قناة ربط سريعة ما بين كافة محافظات الصعيد والقاهرة، فزمن الرحلة المقطوعة بالسيارة على هذا الطريق بين مدينة أسوان والقاهرة لا تتجاوز عشرة ساعات، في حين أنها قد تستغرق ضعف الوقت عن طريق القاهرة أسوان الزراعي القديم. وأسهم هذا المشروع كذلك في تحقيق التعهد المصري بالمشاركة في تنفيذ المشروع القاري المأمول والمعروف باسم طريق القاهرة-كيب تاون، والذي يتوقع أن يجتاز القارة الأفريقية من شمالها إلى جنوبها بطول إجمالي يفوق التسعة آلاف كيلو متر.
ولم تغفل الدولة المصري أهمية تنفيذ شبكة من المحاور العرضية على مجرى نهر النيل، وذلك لتقليص المسافات البينية بين نقاط العبور إلى 25 كيلومترًا؛ وذلك لتقليل زمن مسير السيارات لحين الوصول لأقرب نقطة عبور، ولتسهيل حركة النقل بما يخدم المشروعات التنموية في ربوع البلاد. وحرصت الدولة على أن تكون تلك المحاور العرضية متكاملة مع شبكة الطرق القومية بشرق وغرب النيل، وهو ما يساعد على الحصول على أكبر قدر من الاستفادة منها، لذلك تم التخطيط لإنشاء 21 محورًا جديدًا على النيل، منها: محور تحيا مصر بنطاق القاهرة الكبرى، ومحور طلخا الجديد بمحافظة الدقهلية، ومحور بني مزار بمحافظة بني سويف، ومحور قوص بمحافظة قنا، ومحور كلابشة بأسوان
ثانياً: شبكة القطارات السريعة
وضعت الدولة خطة لتشييد شبكة جديدة من السكك الحديدية السريعة, والتي ستبلغ عند الانتهاء من تشييدها ما اجماليه 1825كم من السكك, وتستهدف الدولة المصرية من تنفيذ هذا المشروع الطموح عدد من الفوائد, فالخط الأول والذي سيمتد من ميناء السخنة إلى العلمين الجديدة سيمثل محور ربط بين البحرين الأحمر والمتوسط, وهو ما سيعزز من فاعلية حركة التجارة العالمية المارة بقناة السويس, وسيمثل ايضاً داعما لها وقت الأزمات, كما سيساهم القطار السريع في تخفيض زمن الرحلة بين السخنة والعلمين من خمسة ساعات بالسيارة إلى حوالي الساعة ونصف فقط, فضلاً عن دوره في غير المباشر في تنمية العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العالمين الجديدة.
وسيساعد الخط الثاني من مشروع القطار السريع والذي سيمتد بين مدينة السادس من أكتوبر شمالاً الي أسوان جنوباً بطول 925 كم، في خلق محور نقل جديد غرب النيل مار بأغلب المدن الجديدة بصعيد مصر، وهو ما سيساهم في زيادة اتصالها بمحافظتها الام من جهة وبالعاصمة المصرية من جهة أخرى، مما سيساعد علي زيادة تعميرها، والي جانب كل هذا سيساعد الخط الثاني من شبكة القطارات السريعة على دعم حركة السياحة الثقافية في مصر، وذلك عن تسهيل التواصل بين المواقع السياحية المختلفة على امتداد محافظات وادي النيل.
وينتظر أن يساعد الخط الثالث وهو اخر مراحل شبكة القطارات السريعة حتى الآن، في تسهيل التواصل بين منطقة غرب النيل عند الأقصر مرورا بمدينة قنا وصولا إلى الغردقة عاصمة السياحة بالبحر الأحمر وهو ما سيسهل على المواطنين في تلك المناطق السفر بشكل آمن، بعيدا عن استخدام الطرق الجبلية الوعرة التي أدت لوقوع المئات من الحوادث الدامية.
وسيساهم هذا الخط في تعزيز حركة التجارة والصناعة بجنوب البلاد حيث سيسهل القطار السريع حركة الاستيراد والتصدير بين موانئ البحر الأحمر من جهة ومحافظات الصعيد من جهة أخرى، فيما سيؤدي انشاء الخط الثالث إلى إحداث حالة من التكامل بين نمطي السياحة الشاطئية والثقافية عن طريق ربط الأقصر واسوان بمدن محافظات البحر الأحمر المختلفة.
الموانئ البحرية
شهدت البلاد أيضا طفرة في ملف تطوير وتشييد الموانئ البحرية والبِنَى التحتية التابعة لها. فقد تم، وما زال يجري العمل على تطوير 12 ميناء تجاريًّا من أصل 15، هي إجمالي الموانئ التجارية الموزعة على القُطر المصري، لتسجل أربعة من بين تلك الموانئ الاثني عشر (وهي: الإسكندرية، والدخيلة، ودمياط، وشرق بورسعيد) تنفيذ مشروعات استثمارية تتجاوز 41 مليار جنيه في عام 2019.
ويعتبر مشروع تطوير ميناء دمياط أحد أهم نماذج تطوير الموانئ المصرية حيث تبلغ تكلفة مشروعاته حوالي 1,9 مليار جنيه. وفي المرحلة الأولى من التطوير، سيتم تحويل ميناء دمياط إلى مركز تجاري عالمي لحاويات الترانزيت في البحر الأبيض المتوسط، والذي سيتبعه بعد ذلك إنشاء ممرات لوجستية تصل إلى مناطق التصنيع المختلفة في مصر عن طريق شبكة السكك الحديدية.
ومن أهم المشروعات التي جرى تنفيذها بميناء دمياط: إنشاء محطة متعددة الأغراض (رصيف بطول 681 مترًا وعمق 17 مترًا، بتكلفة أكثر من 1.3 مليار جنيه)، وتعميق الممر الملاحي وحوض الدوران إلى 16 مترًا بتكلفة 189 مليون جنيه. ويتقدم العمل في تنفيذ مشروعات بإجمالي تكلفة 9,4 مليارات جنيه، ومن أهمها: إنشاء محطة الحاويات الثانية بتكلفة 4,5 مليارات جنيه، وبناء وتوريد 4 قاطرات قوة شد 60 طنًا بتكلفة 832 مليون جنيه، وتعديل وتطوير منطقة الحاجز الغربي بالميناء (إنشاء حاجز أمواج غربي مستجد بطول 3600 متر وإنشاء امتداد للحاجز الشرقي بطول 1565 مترًا) بتكلفة 1.9 مليار جنيه.
وكذلك تم تعميق الخط الملاحي بالميناء وحوض الدوران إلى 18 مترًا بتكلفة 1140مليون جنيه، إضافة إلى إنشاء محطة الحاويات “تحيا مصر 1“؛ لخدمة حركة الصادرات المصرية. وذلك لمواكبة الزيادة في حركة الحاويات المتداولة بالموانئ المصرية نتيجة المشروعات التنموية الضخمة في البلاد والتي ستحول ميناء دمياط إلى مركز لحاويات الترانزيت في البحر المتوسط.
ومن المتوقع أن تبدأ المحطة 2 الجديدة في ميناء دمياط عملياتها خلال هذا العام 2024، وستبلغ طاقتها التشغيلية الإجمالية النهائية 3.3 ملايين حاوية نمطية، وستكون بمثابة مركز نقل استراتيجي مخصص لشركة Hapag-Lloyd في شرق البحر المتوسط.
وتم تطبيق نظام التراكي الآني (JIT) Just In Time بإجمالي (1426) حتى 22/12/2020، والبدء في تنفيذ المنظومة الآلية باستخدام كروت RFID لتسجيل خروج الشاحنات من بوابات الهيئة على الشركات التابعة لها آليًا وتم إلغاء البوليصة الورقية لزيادة المراقبة والحصر داخل الميناء. كذلك البدء في تنفيذ المنظومة الآلية لعمل المخازن التابعة للهيئة (قطع غيار – مخزن الخدمات البحرية – مخزن المعدات البرية).
وتم زيادة المعامل الخاصة بالفحص في ميناء دمياط من 9 معامل إلى 13 معملًا، ويتم تطوير الميناء وفًقا لاحتياجات الرسائل والأصناف التي يستقبلها. وذلك بالتوازي مع أعمال تطوير المعامل المركزية بالموانئ المصرية وتشمل: القاهرة، وبورسعيد، والدخيلة، ودمياط، والإسكندرية، وفق استراتيجية أعدتها هيئة الرقابة على الصادرات والواردات في الفترة من 2018 إلى 2020، والتي صدق عليها مجلس الوزراء بتكلفة بلغت 360 مليون جنيه.
ومن المقرر أن يكون هناك عدد 7 معامل مركزية جاهزة بحلول الأول من يوليو القادم، حيث ستسهم هذه المعامل في تسريع إجراءات الفحص والإفراج، وتفادي نقل العينات للفحص خارج الموانئ. واستطاعت هيئة ميناء دمياط الحصول على جائزة أفضل ميناء تجارى في مجال التحول الرقمي لعام 2020 وذلك خلال احتفالية اليوم البحري العالمي 2020 التي أقيمت تحت شعار (نقل بحرى مستدام لكوكب مستدام).
الاستثمار الخاص يتنامى
شهدت الاستثمارات الخاصة على مدار العشرين عامًا الماضية حالة من الصعود والهبوط المتكرر؛ فمع اهتمام الدولة المصرية بتحفيز دخول القطاع الخاص بقوة إلى الأسواق في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، استطاعت الاستثمارات الخاصة بحلول عام 2005 أن تكون هي رائدة الحركة في الاقتصاد الوطني، لكن فترة التوترات السياسية والأمنية التي شهدتها الدولة المصرية بعد 2011 كانت سببًا في حدوث تراجع بمعدلات تطوير البنية التحتية وتنامي الاستثمار الخاص.
مع حلول عام 2016، تبنت الدولة برنامجًا قوميًا شاملًا لتحسين حالة الاقتصاد الوطني، هذا ما دفعها إلى ضخ مئات المليارات من الجنيهات بالمشروعات العامة، وهو ما أدى إلى تقدم استثمارات القطاع العام على القطاع الخاص لأول مرة منذ عشر سنوات، لكن القطاع الخاص عاد خلال 2018 ليتصدر المشهد؛ وذلك لثقة المستثمرين الأجانب في عملية نمو الاقتصاد المصري، حتى ضربت جائحة كورونا مختلف دول العالم في 2020، وهو ما تسبب في هبوط الاستثمار الخاص الأجنبي، لكن استثمارات القطاع الخاص أخذت في العودة الهادئة مرة أخرى خلال 2021، وتبين الإحصاءات الرسمية صورة ذلك؛ فارتفع عدد شركات القطاع الخاص الجديدة في مصر خلال العام الفائت ليصل إلى أكثر من 28 ألف شركة برأس مال إجمالي قارب على 84 مليار جنيه مصري.
ولقد كان ملاحظًا خلال الفترة الاخيرة أن القطاعات التي تمكنت من جذب المستثمرين الأجانب والمحليين على حد سواء هي: السياحة، والفنادق، وتجارة التجزئة، والعقارات، واستخراج الغاز الطبيعي؛ وذلك لاعتماد نجاح تلك القطاعات على البنية التحتية الحديثة التي نفذتها الدولة خلال السنوات والأشهر القريبة الماضية، هذا ما ساعد على رفع نسبة مساهمة استثمارات القطاع الخاص بالناتج المحلي الإجمالي لتبلغ 73.3%.
ختاما، يمكن الإيجاز بان تطوير مشروعات البنية التحتية على اختلاف أنواعها كان ضروري ولازم لسهيل تواجد وتعظيم حجم الاستثمار سواء كان محليا ام أجنبيا، فلا يمكن لأي مؤسسة انتاجية أو خدمية أن تتمكن من الإنتاج بدون مرافئ لاستيراد المواد الخام وتصدير المنتجات، كما لا يمكن للمصانع أن تنقل احتياجاتها وعمالتها بدون شبكات الطرق الممهدة والسريعة، كما يمكن تداول البضائع بدون خطوط السكك الحديدية الرابطة بين مختلف أقاليم الدولة
باحث ببرنامج السياسات العامة