
الشباب والرياضة … على رأس أولويات خطة التنمية الشاملة للدولة
في إطار الجهود المبذولة من قبل أجهزة الدولة لبناء دولة حديثة مستندة إلى مفاهيم البناء والتنمية الشاملة، يظهر بوضوح النجاح الهائل للمسيرة التنموية الفريدة التي شهدتها مصر في مختلف الميادين خلال العقد الأخير. وكان في القلب من عملية التنمية الشاملة بناء الانسان عموما، والشباب على وجه الخصوص؛ فأصبح الشباب في صدارة أولويات واهتمامات القيادة السياسية، هذه تُعَدُّ الفئة العمرية من أهم الأصول التي تشكل ركيزة أساسية للمستقبل. كذلك تُعَدُّ الرياضة في مجتمعنا المصري والعربي لغة تواصل تجمع الناس، وتسهم في بناء جيل قوي وصحي. لذا يمكن القول، أن جهود الدولة في تطوير الشباب وتعزيز الرياضة ليست مجرد إلتزام سطحي، بل هي استراتيجية شاملة تستند إلى رؤية طموحة لبناء مجتمع حديث ومستدام.
ففي الآونة الأخيرة، أضحت قضايا الشباب ومتطلباتهم جزءًا أساسيًا من أجندة العمل الوطني، حظي الشباب بنصيب كبير من دعم واهتمام الدولة، باعتبارهم شريكًا أساسيًا وإحدى القوى الرئيسية في بناء مصر الحديثة، فهم يعتبروا شريحة اجتماعية حيوية وعامل أساسي في بناء مستقبل الأمم. وقد تجلى ذلك واضحًا في جهود الدولة لتعزيز دور الشباب وتوفير الفرص لهم في ساحة العمل الوطني، حيث تم تسليط الضوء على أهمية دور الشباب وتصدرت قضاياهم واحتياجاتهم جدول أعمال التنمية الوطنية. فتحول الشباب من فئة مهمشة لا تحظى بأي اهتمام إلى شريك أساسي في اتخاذ القرارات وإدارة أجهزة الدولة الحيوية، وإتاحة المجال أمامهم في ساحة العمل الوطني، بعد عملية تمكين سياسي، إداري، ثقافي، عملي، واقتصادي أتاحتها الدولة للشباب.
فقد كانت الفلسفة والاستراتيجية الوطنية للدولة المصرية قائمة على تمكين الشباب سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا، وذلك من خلال مشاركتهم الفعّالة في الحياة العامة. وفي هذا الصدد، تبنت الدولة سلسلة من الخطط والبرامج والمشروعات القومية المتنوعة والمتجددة التي تقدم الأنشطة الشبابية والرياضية لجميع فئات المجتمع، لتلبية احتياجات الشباب ومواكبة متغيرات المجتمع؛ بهدف تعزيز مكانة مصر على الساحة الدولية في مجالي الشباب والرياضة.
طفرة غير مسبوقة
خلال العقد الأخير استطاعت وزارة الشباب والرياضة تحقيق طفرة غير مسبوقة سواء على مستوى الإنشاءات أو التطورات التي شهدتها مراكز الشباب أو البطولات والأرقام الفردية والجماعية. فقد تم تطوير البنية التحتية بتكلفة 22 مليار جنيه خلال الفترة من 2014-2023، فطالت يد التطوير إنشاء 4295 ملعبا خماسيا وقانونيًا تم تطويره بمراكز الشباب والأندية الرياضية، وإنشاء وتطوير 12 مدينة شبابية و14 ستادا و14 صالة مغطاة و30 مركزا للابتكار و191 إنشاء وتطوير حمام سباحة بمنشآت الوزارة و3 سلاسل نادي النادي، وجار إنشاء وتطوير 1039 مركز شباب ضمن مبادرة حياة كريمة بالمرحلة الأولى، منها 266 مركز شباب جديد، كما يجرى تطوير 719 والانتهاء من 552 مركزا.
كما تم انشاء وتطوير واستكمال 14 ناديًا رياضيًا و4 أندية لمتحدي الإعاقة، كما تم تطوير المركز القومي لتدريب الفرق القومية بالمعادي وتطوير مركز شباب الجزيرة وإنشاء مركز شباب الجزيرة 2. وجار تنفيذ قرابة 70 ملعبًا خماسيًا وقانونيًا بمراكز الشباب، و9 معسكرات شبابية، و 5 حمامات سباحة جار إنشاؤها بمحافظات الصعيد والدلتا. كذلك جاري تطوير مدرسة الموهوبين بالإسماعيلية، ومركز التدريب الكشفي البحري بأسيوط، ونزل شباب المنيا، وإنشاء المدينة الشبابية بالسويس.
وقد بلغ حجم الاستثمارات الحكومية المباشرة 13.7 مليار جنيه، وحجم الدعم المنصرف لرعاية النشء والشباب 1.6 مليار جنيه، القيمة الاستثمارية لمشروعات BOT بمراكز الشباب 3 مليارات جنيه، والقيمة الاستثمارية لمشروعات BOT بالأندية الرياضية 6 مليارات جنيه. كما بلغت القيم الاستثمارية للمشروع القومي لتطوير الاستادات الرياضية 3.9 مليار جنيه، والقيم الاستثمارية لشركات مزاولة الخدمات الرياضية 3.3 مليار جنيه، وقدرت تقديرات استثمارات القطاع الخاص في الأندية الصحية واللياقة البدنية بحوالي 7 مليارات جنيه، فيما بلغت عوائد السياحة الرياضية حوالي مليار جنيه. تطوير البنية التحتية ووصولها إلى مستويات عالمية ساهم في استضافة مصر لـ 324 بطولة عالمية وقارية خلال الفترة (2015 – 2022)، ففي عام 2019، ضم مؤشر المدن للتأثير الرياضي 6 دول مصرية، لتتصدر مصر الدول الافريقية في الترتيب والتقييم، والدول العربية في الترتيب. ما يدعم الصورة الذهنية الإيجابية عن مصر لدى الرأي العام الإقليمي والأجنبي، فضلا عن مساهمتها في دفع حركة الاقتصاد الوطني من خلال جذب الاستثمارات الخارجية والسياحية.
وفي هذا الشأن، قامت الدولة بإنشاء جيل جديد من المنشآت الرياضية الذكية، كالمدينة الأولمبية بالعاصمة الإدارية الجديدة، التي قام بتفقدها اليوم السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأقيمت المدينة على مساحة 468 فدان، وبها ستاد سعة 92 ألف مقعد، وبها صالتين مغطاة بإجمالي سعة 23 ألف مقعد، كذلك يوجد بها مجمع ملاعب تنس وسباحة وسكواش، كذلك صالات منافسات الرماية والفروسية.
كذلك أقيمت المدينة الرياضية بالعاصمة الإدارية الجديدة، على مساحة 92 فدان، وبها صالة مغطاة سعة 7500 مقعد، كذلك 14 ملعب خماسي وقانوني، ومجمع ملاعب تنس وسباحة وسكواش، إلى جانب 3 صالات أنشطة منهم صالة لذوي الهمم.
وإيمانا من الدولة أن مصر تعج بالمواهب، خاصة أن القيادة السياسية تؤمن أن إعداد الأبطال الرياضيين مسئولية مشتركة بين الدولة والمجتمع والأسرة. لذا حرصت الدولة على تدشين المشروع القومي لاكتشاف المواهب الكروية الناشئة “كابيتانو مصر”، في 13 محافظة في المرحلتين، تم خلالهم اختبار قرابة 46 ألف لاعب. كما تم تنفيذ مشروع بحثي لاستكشاف أفضل الحلول لاستخدام التكنولوجيا الحديثة في عملية اختيار وتطوير أداء أبطال الرياضة المصرية.
الاهتمام بالشباب والرياضيين كان له انعكاس قوي على زيادة أعداد المصريين على منصات التتويج، فاعتلى الأبطال المصريين منصات التتويج العالمية بعد حصد 2800 ميدالية متنوعة بين “ذهب، وفضة، وبرونز” بالبطولات والدورات والدولية والعالمية والقارية والعربية، وعلى مستوى الأبطال البارالمبيين تم تحقيق 584 ميدالية متنوعة بين “ذهب، فضة، برونز” حصل عليها 350 لاعبا بارالمبيا.
كل ذلك كان له بالغ الأثر في تواجد مصر في التصنيفات العالمية، حيث تصدرت المركز الأول في التصنيف العالمي لـ4 اتحادات، وجاءت مصر ضمن أفضل 10 مراكز بالتصنيف العالمي لـ11 اتحادا أولمبيا، وتصدر 15 لاعبا مصريا في الألعاب الفردية التصنيف العالمي.
وبخلاف تطوير البنية التحتية، كان هناك اهتمام بالغ بتطوير النشء، وزيادة الوعي لدى الشباب، لذا وقعت وزارة الشباب والرياضة 16 بروتوكولا بهدف تنمية مهارات النشء والشباب في مختلف المجالات، وكان من أبرزها بروتوكول تعاون “رواق الأزهر”، وتعاون مع روتاري مصر، رعاية روابط الرياضية للاتحاد المصري للتايكوندو، مذكرة تفاهم بين الوزارة وهيئة تير دي زوم السويسرية، بروتوكول تعاون مشترك بين وزارة الشباب وقطاع الاعمال، توقيع بروتوكول تعاون بين الاتحاد المصري للرياضات الإلكترونية وجارينا.
منطلقات التطوير
خطى الدولة لتطوير البنية التحتية الرياضية والاهتمام بالشباب والنشء، كأساس للتنمية المجتمعية، انطلقت من عدة ثوابت أساسية، أبرزها مبادئ الدستور المصري لعام 2014، خاصة المادة 82، التي تعزز رعاية الدولة للشباب والنشء وتعمل على اكتشاف وتنمية مواهبهم في العديد من الجوانب. واستنادًا إلى استراتيجية التنمية المستدامة “رؤية مصر 2030” والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقت عام 2021، كذلك تفعيل مبادئ الأمم المتحدة “شباب 2030” وتضمينها في الدستور المصري لعام 2014.
فكانت فلسفة جهود الدولة خلال العقد الماضي، تتمثل في تمكين الشباب سياسيًا، اقتصاديًا، اجتماعيًا، ثقافيًا، صحيًا، ورياضيًا، كما ترتكز على التفاعل مع الشباب وتعزيز مشاركتهم، وتعزيز الصحة واللياقة البدنية، وتمكينهم اقتصاديًا من خلال التدريب والتوظيف.
فيما سعت الدولة أيضًا إلى احترام حقوق الشباب وتعزيز مشاركتهم في الحياة المدنية والسياسية، بالإضافة إلى دعم مشاركتهم في العمل الإنساني والتطوعي. وتؤكد الدولة على أهمية الرياضة كقضية “أمن قومي”، وتعتبرها وسيلة أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030، باعتبارها عامل رئيس في الحفاظ على صحة ولياقة الشباب – الفئة المجتمعية الأكبر والأكثر تأثيرًا – وبناء شخصية المواطن المصري وتعزيز مستويات التشغيل والتنمية الاقتصادية.
الاستراتيجية الوطنية المصرية للشباب والنشء، ترجمت إلى 5748 برنامج ونشاط، مثلت 137.7 مليون فرصة استفادة للنشء والشباب والرياضيين، بمتوسط 15.3 مليون فرصة سنويًا. وكان من أبرز المبادرات التي تم تدشينها في هذا الصدد، مبادرة دراجتك صحتك (20 ألف دراجة)، مبادرة دراجتك دخلك (3600 دراجة)، مبادرة دراجتك مشوارك (2200 دراجة)، مبادرة أولمبياد الطفل المصري، مبادرة ألف بنت ألف حلم.
هذا إلى جانب مبادرات لتشجيع الشباب على الانطلاق لسوق العمل، لذا تم تنفيذ نحو 51 ملتقى توظيف استفاد نحو 33.6 ألف شاب بفرصة عمل، بخلاف برامج ريادة الاعمال للشباب. على الجانب الأخر، حرصت الدولة على تعزيز المشاركة السياسية للشباب والنشء، لذا تم إطلاق عدة مبادرات وبرامج تدريبية في هذا الصدد، كبرلمان الشباب والطلائع، وبرنامج الدبلوماسية الشبابية، وهو ما كان له مردود قوي في حرص الشباب المصري على المشاركة في العملية الانتخابية الأخيرة، وهو ما يبرهن على وعيه الكامل وإدراكه لمختلف التحديات المحيطة بالدولة.
ختامًا، فقد قامت الدولة خلال العقد الأخير في مجال الشباب والرياضة بتحقيق عدة خطى حثيثة للوصول للريادة الرياضية بالمنطقة، ومازال أمام الدولة المصرية رؤية متكاملة وطموحة حتى 2030، من أجل الارتقاء بالرياضة المصرية كقوى ناعمة، وتعزيز أثر الرياضة على الجانب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أيضًا؛ لتحقيق أهداف الوطن المستدامة.
باحث أول بالمرصد المصري



