القضية الفلسطينية

إسرائيل وما وراء “البروباجندا”… مظلومية مدعاة وحقائق محجوبة

قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي، إثر عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر الماضي، بشن سلسلة من الهجمات والمجازر الإنسانية على قطاع غزة، مدَعية أنها تدافع عن نفسها ضد الحركة التي عكفت على تصنيفها بالإرهابية. وفي هذا الإطار، سمحت تل أبيب لنفسها بانتهاك القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة الداعية للسلام، في عمليات استهداف للمدنيين العزل غير المسلحين، واستهدافات طالت المنازل والكنائس والمساجد والمستشفيات التي تضم بين جنباتها الجرحى والنازحين. وعلى الرغم من ذلك، تلقت إسرائيل دعمًا غير مسبوق من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي أعلنت صراحةً أنها تدعمها قلبًا وقالبًا وتحذر كل من ينوي المساس بها بأي شكل كان، وأعلنت عن استعداد الجيش الأمريكي للتدخل إذا ما حاولت أطراف أخرى تمديد رقعة الصراع، في إشارة إلى إيران. 

صراع طويل الأمد لا يزال متناميًا

يعمل الاحتلال الإسرائيلي على تصدير صورة لحظية للصراع في محاولات لحجب الدافع الرئيس وراء عمليات المقاومة الفلسطينية، فالرؤية الحقيقية تتعدى إطار معاداة السامية الذي تحاول إسرائيل ترسيخه وتعود إلى اقتلاع شعب كامل من أرضه والاعتداء عليه لمدة 75 عامًا. هذه الرواية التي تعود إلى عصر الاحتلال البريطاني لفلسطين، التي كانت مأهولة حينها بأغلبية عربية وأقلية يهودية، والذي انتهى بوعد بلفور.

وحتى يومنا هذا، كانت القدس مسرحًا لعدة أعوام من الاضطرابات، وتصعيدات متتالية للعنف من جانب الاحتلال. وكذلك شنت إسرائيل العديد من الهجمات على الأراضي الفلسطينية وخاصة داخل قطاع غزة، ناقضة بذلك العديد من اتفاقيات السلام التي تم توقيعها بينها وبين الدول العربية. وتأتي اتفاقية أوسلو للسلام على رأس هذه الاتفاقيات التي تم توقيعها في 1993 بين رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، في محاولة للاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، من خلال إنشاء حكم ذاتي محدود في بعض مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة.

وعلى الرغم من إعلان انسحاب القوات الإسرائيلية وفق خطة الانسحاب الأحادي الجانب من القطاع في عام 2005 وإخلاء المستوطنات فيه، إلا إنها فرضت حصارًا مطبقًا عليه، ونفذت عمليات عسكرية متواصلة في القطاع نتج عنها سقوط آلاف الشهداء والجرحى، فضلًا عن استخدامها خلالها الأسلحة المحرمة دوليًا مثل الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب، إضافة إلى استخدام كمية هائلة من المتفجرات. 

مظلومية مدعاة

قامت إسرائيل بالتلاعب في الأخبار المنشورة على القنوات الإخبارية والتحكم الصارم والدقيق فيما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن التطورات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بحيث يتم تعليق وتقييد أي منشور يوجه اتهامات لإسرائيل، بل وقامت بحظر أكثر من حساب على هذه المواقع. علاوة على ذلك، تم الكشف عن تعرض عدد ليس بقليل من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي لتهديدات قاطعة من قبل جهات إسرائيلية، تأمرهم إما بحذف أي محتوى يدعم فلسطين ويكشف الحقيقة التي يحاولون إخفاءها خلف “البروباجاندا” الدعائية الزائفة بمقابل مادي، إما تحمل العواقب الوخيمة التي قد تطالهم إن استمروا في النشر. 

وبغرض حشد الرأي العام الغربي ضد القطاع المحاصر، قاموا بتجنيد العديد من الصحف والقنوات –إن لم يكن أغلبهم– لعرض هذه الأخبار المزيفة ودعم الجيش الإسرائيلي في حالة من التضليل العمدي. وبدأت هذه العمليات خلال ثلاثة أيام من هجوم حماس، حيث عمد الجيش الإسرائيلي إلى تنفيذ جولة إعلامية في مستوطنة “كفار عزة” لاطلاع الصحفيين على الوضع في هذه المستوطنة الإسرائيلية، وادعى مسؤولون إسرائيليون العثور على جثة 40 رضيعًا، على الأقل، برؤوس مقطوعة ومحروقين هناك. ونقل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه الشائعة فورًا للرئيس الأمريكي جو بايدن سعيًا منه لانتشار الخبر، حيث ادعى الأخير رؤيته لهذا المشهد، هذا ما نفاه البيت الأبيض والصحف الأمريكية وأحد الصحفيين الذين شاركوا في هذه الحملة والمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي. وكذلك قامت مراسلة لإحدى القنوات الأجنبية في مقطع للأخبار تدعي فيه شن هجمات جديدة على إسرائيل من قبل حماس، ما لم يحدث بالفعل. 

وكذلك قامت بعض الدول الغربية بمنع التضامن مع فلسطين، ومنها فرنسا التي حظرت المظاهرات الداعمة لفلسطين بدعوى أن هذه التجمعات “من المرجح أن تؤدي إلى إخلال بالنظام العام”، معلنة عقوبات تصل إلى السجن من خمسة إلى سبعة أعوام. إضافة إلى بريطانيا التي جرمت مجرد التلويح بالعلم الفلسطيني واستهدافها المظاهرات التي تتضامن مع القضية. ليس فقط بشكل جماعي بل أيضًا بشكل فردي، إذ اتخذت هذه الدول قدرًا من الإجراءات التأديبية تجاه عدد من المشاهير من الممثلين ولاعبي كرة القدم الذين صرحوا علنًا دعمهم للقضية الفلسطينية وإدانتهم للأعمال الإسرائيلية العنيفة داخل القطاع. ووصل الأمر لبعض الدول إسقاط الجنسية عن حامليها من المشاهير ومنهم من ادعوا أنه إرهابي، إضافة إلى الأضرار التي وقعت على بعضهم من قبل الشركات التي يتعاقدون معها، والتي اتجهت مباشرة نحو فسخ هذه العقود معهم.

وعليه، اعتمدت آلة الحرب الإسرائيلية على “الإسلاموفوبيا” ومعادة السامية كسلاحين لتوجيه الرأي العام العالمي، لشيطنة المقاومة وتوجيه الأنظار الدولية لهؤلاء “الضحايا” الإسرائيليين الذين يعانون من هجمات حماس العنيفة والمتكررة. هذا ما أثر على عدد ليس بقليل من المواطنين حول العالم، ما جعلهم يتجهون إلى نشر الذرائع ونسبها للفلسطينيين. وذلك عن طريق مقاطع فيديو، تصحبها نبرة معادية تمامًا للفلسطينيين وللإسلام، وعرض أشخاص متنكرون بشكل واضح عن طريق استخدام أدوات التجميل “المكياج” للظهور كضحايا قصف أو حرب. واستخدمت هذه المقاطع كدليل قطعي لإدانة الفلسطينيين، والحث على عدم تشتت العالم بهذه العمليات التمثيلية الواضحة. هذا ما تم إثباته لاحقًا بإعلان بعض القنوات أنها مقاطع قديمة من السينما واستخدمت حاليًا في غير سياقها الحقيقي. وهو ما أدى إلى بعض حوادث العنف ضد المسلمين، وفي مقدمتها واقعة قتل طفل فلسطيني أمريكي مسلم عمره 6 سنوات وإصابة أمه في الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية هجوم ذي صلة بالحرب القائمة بين إسرائيل وحماس من قبل رجل أمريكي عمره 71 عامًا.

مظلومية حقيقية

بينما يسعى الكيان المحتل وبجانبه الحكومات الغربية لتصدير هذه الصورة المزيفة للعالم وزرع قناعات وهمية لدى الشعوب الغربية لضمان تحول أنظارهم عن الضحايا الفلسطينيين وقضيتهم، اتخذ الجيش الإسرائيلي من هجوم حماس ذريعة لسحق القطاع والعودة لاتخاذ خطوات صريحة نحو لتصفية القضية الفلسطينية، وفي هذا الصدد، استخدمت إسرائيل أكثر من 12 ألف طن من المتفجرات، بما يعادل قوة القنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما اليابانية، منها ما هو محرم دوليًا بحكم القانون الدولي. حيث ألحقوا الضرر بما يزيد عن نصف المنازل في القطاع، وقاموا بتدمير نحو 28 ألف منها بشكل كامل بحيث لا يصلح للسكن فيما بعد. 

كذلك استهدفوا المنشآت الدينية والطبية في حالة من التدابير الغاشمة التي تجسد اللاإنسانية في أبهى صورها، حيث خرجت العديد من المستشفيات من الخدمة بسبب نقص المستلزمات الطبية والتعنت في دخول المساعدات ونفاد الوقود، مما اضطر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) إلى إعلان توقف عملياتها في المنطقة. وأسفر الصراع حتى الآن عن أكثر من مليون و400 ألف نازح، من بينهم أكثر من نصف مليون امرأة، بالإضافة إلى استشهاد وإصابة الآلاف بشكل غير إنساني ومعظمهم من النساء والأطفال جراء عمليات القصف بالقذائف الفتاكة، فضلاً عن قطع المياه والطعام والكهرباء والطاقة كليًا عن غزة. 

ولم يقتصر رد الفعل الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة فقط وإنما امتد إلى الضفة الغربية حيث قامت آليات عسكرية بتنفيذ عمليات اقتحام في نابلس، واعتقال عدد من الفلسطينيين الذي عبروا عن رفضهم للممارسات الإسرائيلية سواء عن طريق التظاهر أو حتى عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وتم بالفعل القبض على قرابة 70 شخصًا، وكذلك استهداف مناطق في جنوب لبنان، ومطاري حلب ودمشق في سوريا.

مصالح دفينة

تشير التطورات الخطرة التي يشهدها قطاع غزة إلى توجه إسرائيلي واضح لدفع الفلسطينيين إلى التهجير القسري تجاه جنوب القطاع ومن ثم إلى سيناء المصرية، وهو الأمر الذي رفضته الدولة المصرية بشكل واضح منذ اللحظة الأولى في كافة تحركاتها السياسية والدبلوماسية على المستويين الدولي والإقليمي، وتأكيدها بشكل مستمر على أن حل القضية الفلسطينية يكمن في التوصل إلى تسوية سياسية قائمة على حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وتكون عاصمتها القدس الشرقية، وليس على حساب دول الجوار أو الأراضي المصرية. 

ويأتي الضوء الأخضر المقدم من الولايات المتحدة والدول الأوروبية لإسرائيل للقيام بعدوانها الغاشم على قطاع غزة في إطار الحفاظ على المصالح السياسية المتبادلة، إذ يشكل دعم إسرائيل عاملًا مهمًا في كثير من السياسات الخارجية لعدة دول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي ستشهد انتخابات رئاسية في شهر نوفمبر 2024، وسعي الرئيس الحالي جو بادين إلى الفوز بولاية رئاسية جديدة، وبالتالي يمكن تفسير الدعم غير المحدود من واشنطن إلى تل أبيب الذي لم يقتصر على الجانب السياسي فقط وإنما امتد ليشمل تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية.  ختامًا، تسعى إسرائيل من خلف ادعاءاتها وتقمصها لدور الضحية إلى توفير الدعم الدولي اللازم لتبرير المجازر التي تقوم بها في قطاع غزة والتي ترقى إلى مرتبة جرائم الحرب يعاقب عليها القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وبالتبعية الهرب من أي مسائلة قانونية دولية بسبب المجازر التي ارتكبتها تجاه المدنيين الأبرياء من أبناء فلسطين، ولكن يمثل تبني المجتمع الدولي على المستوى الرسمي والإعلامي ومنصات التواصل الاجتماعي المظلومية المدعاة للجانب الإسرائيلي وإغفال المظلومية الحقيقة للجانب الفلسطيني تحديًا كبيرًا أمام كشف تلك الجرائم والمجازر أمام العالم. 

Website |  + posts

باحثة بالمرصد المصري

ميرنا أسامة

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى