المساعدات الدولية.. ما بين الحرب في غزة والحرب في أوكرانيا
أظهرت ردود الفعل الدولية على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة “ازدواجية المعايير” لدى دول العالم وخاصة دول الغرب؛ فبينما أدان الفاعلون الدوليون من دول ومنظمات السياسات الروسية تجاه أوكرانيا بعد الحرب التي بدأت في 24 فبراير 2022 وضجت وسائل الإعلام الغربية بالحديث عن انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها موسكو، لم تستطع الدول الغربية إدانة الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة بل أيدوا إسرائيل فيما قالت إنه حقها في الدفاع عن نفسها بعد عملية “طوفان الأقصى”، متجاهلةً بذلك الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة حاليًا، والاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية الحالية والسابقة على الضفة الغربية والقدس.
لم تقتصر ردود الفعل الدولية فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا فقط على الإدانة أو التأييد عبر خطابات وبيانات رسمية، حيث تم التعبير أيضًا عن هذا التأييد لأوكرانيا في شكل مساعدات ضخمة سواء إنسانية أو عسكرية أو مالية. ذلك في حين أن عددًا محدودًا للغاية من الدول هو الذي أرسل مساعدات إلى مطار العريش الدولي لتقديمها إلى المواطنين الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة.
أولًا: مقارنة بين الوضع الإنساني في غزة والوضع في أوكرانيا
في أوكرانيا البالغ تعداد سكانها نحو 43 مليون نسمة -قبل الحرب- بلغ تعداد القتلى من المدنيين بعد أكثر من 500 يوم نحو 9614، وعدد الأطفال القتلى نحو 550، والجرحى حوالي 17 ألف من بينهم حوالي 1180 طفل، بحسب التقديرات الرسمية (حتى سبتمبر 2023). فيما بلغ عدد اللاجئين نحو 8 ملايين لاجئ في أوروبا (18% من إجمالي السكان) و5 ملايين نازح في الداخل الأوكراني (11.6% من إجمالي السكان).
وفي قطاع غزة الذي لا يجاوز تعداد سكانه 2.4 مليون نسمة، تخطى تعداد الشهداء خلال 31 يومًا فقط من بدء الصراع في 7 أكتوبر الماضي أكثر من 10010 شهداء بينهم أكثر من 4000 طفل و2500 امرأة، حيث إن 70% من ضحايا العدوان هم من النساء والأطفال والمسنين، ووصل تعداد الجرحى إلى أكثر 25000 بينهم أكثر من 9600 طفل.
وبلغ عدد النازحين في غزة مليون و500 ألف (70% من سكان القطاع)، فيما قالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” إنها لا تستطيع توفير الأمان للنازحين لديها بسبب الضربات الإسرائيلية التي لا تفرق بين مدني ومقاتل وتستهدف البنى التحتية كافة لدى القطاع، والذي بات على مشارف كارثة محققة مع خروج نحو 16 مستشفى عن الخدمة أي أكثر من ثلث المستشفيات بالقطاع.
وتجدر الإشارة إلى أن الأرقام السابقة تشير فقط إلى عدد الشهداء والجرحى منذ بدء الهجوم على قطاع غزة في أكتوبر الماضي، هذا بالإضافة إلى الآلاف من الشهداء والمصابين الذين سقطوا طوال السنوات الماضية بسبب السياسات غير الإنسانية والانتهاكات المستمرة التي تمارسها دولة الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين العُزل.
ثانيًا: مقارنة بين المساعدات الموجهة إلى أوكرانيا وقطاع غزة
1 – المساعدات الدولية الموجهة لأوكرانيا:
انهالت المساعدات على أوكرانيا مع إطلاق روسيا لأولى ضرباتها وبدء تقدم القوات؛ فقد قدمت الولايات المتحدة دعمًا غير مسبوق، يشمل ذلك الدعم العسكري والمالي والإنساني، وفي مختلف القطاعات. وتجدر الإشارة إلى أن أوكرانيا استأثرت بنصيب الأسد من المساعدات الخارجية الأمريكية وأصبحت أكبر متلقٍ لها، بعدما لم تحتل دولة أوروبية المركز الأول في تلقي مساعدات واشنطن منذ الحرب العالمية الثانية.
وبلغ حجم المساعدات التي قدمتها الإدارة الأمريكية الحالية إلى كييف منذ بداية الحرب حتى أكتوبر 2023 أكثر من 76.8 مليار دولار وفقًا لمعهد كيل للاقتصاد العالمي. ولا يشمل هذا الرقم كل الإنفاق الأمريكي المرتبط بالحرب، مثل المساعدات المقدمة لحلفاء واشنطن والمتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية. وانقسمت المساعدات إلى 3.9 مليارات دولار (5%) مساعدات إنسانية، و26.4 مليار دولار (34%) مساعدات اقتصادية، و18.3 مليار دولار (24%) مساعدات أمنية، و23.5 مليار دولار (31%) مساعدات عسكرية، و4.7 مليارات دولار (6%) منح وقروض لشراء الأسلحة والمعدات العسكرية.
فيما قام الاتحاد الأوروبي بتقديم 7.6 مليارات يورو كمساعدات إنسانية لأوكرانيا، وحوالي 33 مليار يورو كمساعدات مالية على شكل قروض وإعانات. وقدمت بعض الحكومات الأوروبية مساهمات مالية أكبر لأوكرانيا مقارنة بحجم اقتصاداتها، كما قامت إستونيا التي تساهم بمقدار 1.5% من ناتجها المحلي الإجمالي لمساعدة كييف، فيما قدمت لاتفيا 1.3% من ناتجها المحلي وليتوانيا 1.2% من ناتجها المحلي.
وبالنسبة إلى المساعدات الألمانية، فقد قدمت برلين حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 2.7 مليار يورو، وشملت حزمة المساعدات 30 دبابة “ليوبارد 1″، و15 دبابة مضادة للطائرات من طراز “جيبارد”، و200 طائرة مسيرة للاستطلاع، و4 أنظمة إضافية مضادة للطائرات من طراز “ايريس-تي”.
أما الحكومة التركية فقد قدمت مساعدات عسكرية بقيمة 50 مليون دولار تهدف إلى تلبية احتياجات الجيش الأوكراني، وخاصة شراء الأسلحة. وقررت الحكومة الأسترالية تخصيص حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 12 مليون دولار، وشملت حزمة المساعدات: معدات إزالة الألغام، وأجهزة الأشعة السينية المحمولة، وطابعة معدنية ثلاثية الأبعاد، وأنظمة مضادة للطائرات بدون طيار طورتها شركات أسترالية، وطائرة تابعة للقوات الجوية الملكية الأسترالية إلى ألمانيا لدعم جهود المساعدة الإنسانية والعسكرية الدولية في أوكرانيا.
وعن المساعدات الفرنسية، فقد خصصت باريس 100 مليون يورو كمساعدات مالية وإنسانية لأوكرانيا، بهدف توفير استجابة لاحتياجات السكان المتضررين من النزاع، ووعدت الحكومة بإرسال مزيد من المساعدات في وقت لاحق.
أما على الجانب العربي، كان من أبرز الدول التي قدمت مساعدات هي السعودية والإمارات؛ حيث قدمت الرياض 410 ملايين دولار وزعت كالتالي: 10 ملايين دولار من مركز الملك سلمان للإغاثة، و400 مليون دولار قسمت إلى جزئين: 100 مليون دولار مساعدات إنسانية لكييف، و300 مليون دولار مشتقات نفطية.
أما على جانب المساعدات الإماراتية، فقد بلغت المساعدات 100 مليون دولار لإغاثة اللاجئين والمدنيين المتضررين من الأزمة. وكانت الإمارات أعلنت في 22 مارس 2022 تقديم 5 ملايين دولار لأوكرانيا استجابة لنداء الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الأوكرانيين، كذلك في 23 ديسمبر 2022 أرسلت مساعدات على شكل مولدات كهربائية (2500) مولد.
وقدمت الحكومة القطرية مساعدات إنسانية لمركز استقبال اللاجئين الأوكرانيين في مولدوفا، وأعلنت خلال مؤتمر المانحين لأوكرانيا تقديم مبلغ بقيمة 5 ملايين دولار من صندوق قطر للتنمية؛ لمساعدة اللاجئين. فيما أرسلت الكويت طائرات محملة بمساعدات إغاثية وزنها 33.5 طنًا وبقيمة مليوني دولار، بما فيها 250 ألف دولار لليونيسف تلبية لنداء الأمم المتحدة. وأعلنت البحرين تقديم مساعدات إغاثية للاجئين المدنيين الفارين من أوكرانيا بقيمة مليون دولار استجابة للنداء العاجل الذي أطلقته الأمم المتحدة لتمويل العمليات الإنسانية للأمم المتحدة في أوكرانيا.
2 – المساعدات الدولية الموجهة لغزة:
بالنسبة لغزة المحاصرة من قبل إسرائيل، فإن مصر هي التي قادت جهود الدعم والإغاثة لسكانها، ولا يزال التعنت الإسرائيلي يحول دون وصول الكثير من المساعدات إلى القطاع القابع تحت الحصار ويعاني انقطاعًا شبه كامل للكهرباء ونقصًا حادًا في الوقود الذي بات على وشك النفاد، مع صعوبات بالغة في الوصول لمصادر مياه نظيفة وغذاء كافٍ.
ومحاولة من مصر لإيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، دعت وزارة الخارجية المصرية في وقت سابق خلال أكتوبر جميع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية الراغبة في تقديم مساعدات إنسانية وإغاثية إلى الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؛ تخفيفًا عنه واستجابةً لمعاناته نتيجة القصف الإسرائيلي العنيف والمتواصل، وحددت مطار العريش الدولي لاستقبال هذه المساعدات الإنسانية الدولية من الأطراف والمنظمات الدولية المختلفة.
ومنذ ذلك الوقت تسعى مصر إلى توفير الاحتياجات الإنسانية اللازمة لسكان قطاع غزة والفلسطينيين بصورة عامة، والتي بلغت حتى الآن 7094 طنًا منها 5900 طن من مصر وحدها والباقي من الدول الأخرى، وتم تسليم 6000 طن وصلت لغزة بالفعل عبر معبر رفح.
واستجابةً لدعوة الخارجية المصرية؛ وصلت أول طائرة مساعدات من المملكة الأردنية الهاشمية، وذلك لتسليمها إلى الهلال الأحمر الفلسطيني بقطاع غزة، وتمثلت المساعدات في 822 كرتونة أدوية عبارة عن (12 طنا) من الهيئة الخيرية الأردنية.
وتبع ذلك استلام شحنة مساعدات تركية عبارة عن 3 طائرات مساعدات موجهة لقطاع غزة محملة ب 203 أطنان، وتم نقلها إلى مستودعات جمعية الهلال الأحمر المصري في مدينة العريش. وأيضًا استقبل مطار العريش طائرة مساعدات طبية من منظمة الصحة العالمية، لتسليمها إلى قطاع غزة، وكانت الطائرةٌ تحمل 78 طنًا من الإمدادات الصحية.
فيما أرسلت الإمارات طائرتين عبارة عن 22 طنًا من المساعدات الطبية وأدوات النظافة الشخصية بالشراكة مع من منظمتي الغذاء العالمي واليونيسيف. وقامت قطر بإرسال طائرتين عسكريتين تحملان مساعدات إنسانية إلى الشعب الفلسطيني، وتتبع الطائرتين للقوات المسلحة القطرية، وحمولتهما تصل إلى 124 طنًا من المساعدات الإنسانية. وقدمت تونس مساعدات تقدر بنحو 12 طنًا وشملت معدات طبية ومضادات حيوية وأدوية إنعاش وتخدير ومستلزمات طبية وحليب للأطفال. وأرسلت الكويت طائرة محملة بـ42 طنًا من المستلزمات الغذائية والطبية. وأعلنت السعودية حملة شعبية لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بلغ حجم التبرعات بها حتى 4 نوفمبر نحو 79.288 مليون دولار، ولكن لم يتم إرسال أي منها حتى الآن إلى القطاع.
وعلى الجانب الدولي؛ أرسلت روسيا 27 طنًا من المساعدات الإنسانية، وضمت المساعدات الإنسانية الروسية الدقيق والسكر والأرز والمكرونة، وتم تسليمها إلى ممثلي جمعية الهلال الأحمر المصري لإرسالها إلى قطاع غزة يوم 21 أكتوبر، وأرسلت طائرتين محملتان بـ60 طنًا من المواد الغذائية والإغاثية يوم 5 نوفمبر.
فيما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن تقديم الولايات المتحدة الأمريكية 100 مليون دولار من المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، ووفرت هذه المساعدات من خلال شركاء موثوق فيهم، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية دولية. وأرسلت فرنسا مساعدات لصالح قطاع غزة تبلغ 33 طنًا من المواد الغذائية والمستلزمات الطبية يوم 30 أكتوبر، ثم أرسلت 14.4 أطنان من المواد الغذائية والخيام والمواد الإغاثية يوم 5 نوفمبر. فضلًا عن إرسال الدنمارك طائرة لصالح اليونيسيف تحمل 50 طنًا من المستلزمات الطبية والأدوية.
أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي فقد أعلن تقديم مساعدات بقيمة 75 مليون يورو وفق بيان رئيسة المفوضية. وقامت أسبانيا برفع مساعداتها الإنسانية لقطاع غزة إلى مليون يورو (1.06 مليون دولار). وأرسلت اليونان طائرة نقل عسكرية محملة بالإمدادات الأساسية، بما في ذلك الغذاء ومياه الشرب والأدوية.
فلسطين | أوكرانيا | الدول التي قدمت مساعدات |
100 مليون دولار | 76.8 مليار دولار | الولايات المتحدة |
75 مليون يورو45 طنًا | 7.6 مليارات يورو | الاتحاد الأوروبي |
203 أطنان | 50 مليون دولار | تركيا |
1.06 مليون دولار | 12 مليون دولار | أستراليا |
44.4 طنًا | 100 مليون يورو | فرنسا |
– | 410 ملايين دولار | السعودية |
22 طنًا | 100 مليون دولار | الإمارات |
124 طن | 5 ملايين دولار | قطر |
42 طنًا | 33.5 طنًا | الكويت |
ثالثًا: العدوان على غزة يعكس ازدواجية معايير حقوق الإنسان:
يكشف فارق المساعدات المقدمة لأوكرانيا عن غزة والحجم الكبير الذي قُدم لأوكرانيا مقارنة بما قُدم لغزة رغم أن الكارثة الإنسانية في الأخيرة أكبر بكثير، وأيضًا المواقف الدولية تجاه الحربين؛ ازدواجية المعايير لدى تلك الدول في التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان، حيث يغض الكثير من الدول والمنظمات الدولية الطرف عن جرائم إسرائيل وتصمت إزاء ما ترتكبه من جرائم في حق الشعب الفلسطيني منذ عقود، بينما تتحرك بحزم أمام انتهاكات أخرى.
في وقت سابق، فور وقوع الحرب الأوكرانية، تحركت كل الآليات الدولية لفرض عقوبات اقتصادية على روسيا وتقديم الدعم العسكري والإنساني لأوكرانيا، لكن عندما تكرر المشهد في قطاع غزة، اكتفت بتقديم بيانات خجولة لا ترقى لوقف معاناة شعب بأكمله يتعرض للقتل اليومي، وتقديم مساعدات محدودة للغاية على الرغم من أن الوضع الإنساني أخطر وعدد الضحايا في قطاع غزة بعد مرور شهر فقط على بدء تلك الحرب أكبر بكثير من الوضع في أوكرانيا بعد مرور ما يناهز العامين.
وبتتبع المواقف الدولية وردود الأفعال يمكن ملاحظة أن المساعدات الموجهة لأوكرانيا تفوق بأكثر من 20 ضعفًا المساعدات المقدمة لغزة، فعلى سبيل المثال قدمت الإدارة الأمريكية 76 مليار دولار لأوكرانيا كمساعدات إنسانية ومالية وعسكرية، في حين قدمت فقط 100 مليون دولار كمساعدات إنسانية لقطاع غزة، وقدم الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا ما يقرب من 6 مليارات يورو كمساعدات إنسانية لأوكرانيا فقط فضلًا عن المساعدات العسكرية والمالية الأخرى، في حين تم قدم مساعدات بقيمة 75 مليون يورو لقطاع غزة.
وتبرز الأرقام السابقة حقيقة أن حقوق الإنسان ما هي إلا شعارات تستخدم عندما تخدم المصالح الغربية، وتعطل في الوقت الذي تتعارض فيها مع هذه المصالح. وتجدر الإشارة إلى أن موقف الغرب كان سببًا في دفع إسرائيل إلى ارتكاب مجازر أكبر تحت ذريعة الدفاع عن النفس، وسمح كذلك بمحاصرة أهل غزة وقطع كل مقومات الحياة عنهم.