
دلالات عقد النسخة الثانية من مؤتمر “تعزيز الاستجابة الإنسانية لغزة” الدولي في القاهرة
تستضيف القاهرة النسخة الثانية من مؤتمر دعم وتعزيز “الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة” الدولي، وذلك تحت عنوان “عام على الكارثة الإنسانية في غزة: احتياجات عاجلة وحلول مستدامة”، بمشاركة مجموعة من وزراء وممثلي عدد من الدول الإقليمية والدولية ومنظمات دولية وهيئات الأمم المتحدة المعنية. يأتي المؤتمر في وقت بالغ الأهمية، حيث تدخل الحرب شهرها الثاني من عامها الثاني في ظل استمرار العمليات العسكرية التي أدت إلى تدهور الوضع الإنساني إلى أدنى مستوى، حيث أصبح وصول المساعدات الإنسانية محصورًا بيد إسرائيل، التي تتحكم في دخولها، مما يجعلها غير كافية لتلبية احتياجات المتضررين في قطاع غزة. وبالتالي يبرز أهمية الدور المصري في الوقت الحالي في الدعوة لهذا المؤتمر الدولي من أجل الاتفاق على آلية دولية لإنفاذ المساعدات بضغط دولي على إسرائيل. في ذلك الإطار تسعى الورقة إلى تسليط الضوء على دلالات عقد المؤتمر الدولي من حيث التوقيت والقضايا التي سيناقشها وأيضًا أهميته السياسية والإنسانية.
المحاور والأهداف الأساسية للمؤتمر
من المهم الإشارة إلى أن النسخة الأولى من المؤتمر عُقدت في الأردن في يونيو 2023، والتي خرجت بمجموعة من النتائج تمثلت في الدعوة إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، والإفراج عن جميع الرهائن والمدنيين المحتجزين بشكل غير قانوني، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق، فضلًا عن دعم الأونروا في تقديم خدماتها الأساسية، وتكثيف الجهود الدبلوماسية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وتحقيق حل الدولتين وفقًا للمعايير الدولية، كما تم التأكيد على ضرورة معالجة الأولويات الإنسانية في غزة وتعزيز الدعم المالي واللوجستي للأونروا والجهات الإنسانية.[1]
وتهدف النسخة الثانية من المؤتمر الدولي إلى حشد الدعم الدولي لتوفير المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة، وذلك للتخفيف من معاناتهم المتزايدة. كما يسعى المؤتمر إلى رفع القيود الإسرائيلية المفروضة على مرور المساعدات من خلال الضغط عليها دوليًا. وسيُبرز المؤتمر ضرورة أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، مع التأكيد على الدور الأساسي لوكالة الأونروا في هذه الجهود.[2]
سيشهد المؤتمر مشاركة إقليمية ودولية واسعة، حيث سيتواجد فيه وزراء الخارجية من دول المنطقة، بالإضافة إلى ممثلين عن الأمم المتحدة ووكالاتها المعنية بالقضية الفلسطينية، وعلى رأسها الأونروا، ومن المرتقب أن يتناول المؤتمر عدة محاور رئيسية، تشمل:
- بحث سبل تعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة.
- التأكيد على ضرورة وقف فوري لإطلاق النار والإفراج عن الرهائن والمحتجزين.
- تسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون أي قيود.
- البحث عن أفق سياسي من خلال التأكيد على حل الدولتين.
دلالات استضافة مصر للنسخة الثانية لمؤتمر الاستجابة الإنسانية الطارئة في غزة
يعكس انعقاد المؤتمر الوزاري في مصر حرصها المستمر على تحمل مسؤولياتها تجاه القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تضطلع بدور تاريخي في دعمها، ويؤكد أولوياتها في التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية في غزة، كما يمكن القول بأنه من خلال استضافة النسخة الثانية من هذا المؤتمر، تبرز دلالات متعددة تعكس الدور المحوري الذي تلعبه مصر في دعم حقوق الشعب الفلسطيني، والتي يمكن تناولها على النحو التالي:
أولًا: التحرك المصري في توقيت بالغ الأهمية: يأتي انعقاد المؤتمر في القاهرة في توقيت بالغ الحساسية، إذ يشهد قطاع غزة تدهورًا حادًا في الوضع الإنساني، حيث أكدت تقارير الأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي أن الأعمال العدائية المستمرة تُعرِّض المدنيين في غزة لخطر جسيم، مع تفاقم أزمة الجوع وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق، فضلًا عن نقص حاد في المأوى لآلاف النازحين، والتي تتزامن هذه الأوضاع مع بداية فصل الشتاء، مما يزيد من معاناة السكان المدنيين، بالإضافة إلى تحكم إسرائيل في وصول المساعدات كمًّا وكيفًا.[3]
يأتي المؤتمر أيضًا في ظل التراجع النسبي للاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية بسبب الأزمات في الساحات المجاورة مثل لبنان وسوريا، بالإضافة إلى التحولات السياسية الداخلية في إسرائيل التي تميل إلى اليمين المتطرف بشكل متزايد بعد تغيير حقب وزارية هامة، كان لابد من تحرك مصري ضاغط على إسرائيل وداعٍ للمجتمع الدولي لإيجاد حلول عاجلة لهذا الوضع المأساوي. ويُعتبر التحرك المصري في هذا التوقيت ليس فقط لتجميع الصف العربي وتوجيه الضغط الدولي على إسرائيل لوقف التصعيد، بل أيضًا لتأكيد دعم المجتمع الدولي لحقوق الفلسطينيين وحشد الجهود لوقف تدني الأوضاع الإنسانية في غزة، في وقت تعرقل فيه الحكومة الإسرائيلية عمل الأونروا وتدعم الاستيطان في غزة.
ثانيًا: جهود سياسية مصرية متجددة لحلحلة جمود المفاوضات: يأتي المؤتمر بالتزامن مع التحركات السياسية المصرية الأخيرة المتمثلة في استضافة قيادات الحركات الفلسطينية من حماس وفتح خلال الأيام الماضية، بهدف بحث آليات “إدارة قطاع غزة في اليوم التالي” للحرب[4]، بالتزامن أيضًا مع إجراء محادثات مع إسرائيل لإعادة فتح معبر رفح الحدودي مع غزة، كجزء من الجهود المتواصلة لتدفق المساعدات إلى القطاع، والتي قد تكون خطوة أكبر نحو اتفاق أوسع لوقف القتال هناك، حيث في حال التوصل إلى اتفاق فإنه سيتم إعادة فتح معبر رفح مطلع الشهر الحالي، وسيكون جزءًا من مقترح جديد تتم مناقشته لوقف الحرب في غزة لمدة 60 يومًا. تعكس هذه التحركات الرؤية الاستراتيجية لمصر التي تقوم على تعزيز الحلول السياسية التفاوضية كأداة رئيسية لتسوية الأزمات الإقليمية، وتؤكد إيمانها العميق بأن السلام يتطلب إرادة سياسية حقيقية من الأطراف المعنية.
ثالثًا: استمرار الدور المصري الإغاثي لقطاع غزة: يأتي هذا المؤتمر كانعكاس لالتزام مصر بدورها الإغاثي البارز في قطاع غزة كأحد أبرز الجهود الإقليمية الإنسانية، حيث تُعد مصر أكبر المساهمين في تقديم الدعم الإنساني للقطاع منذ بداية العدوان الإسرائيلي، فقد وفرت مصر أكثر من 87% من المساعدات التي وصلت إلى غزة، بما في ذلك 72% من حجم المساعدات البرية التي قدمتها 50 دولة مجتمعة على مدار عشرة أشهر، حتى فرضت إسرائيل السيطرة على معبر رفح من الجانب الفلسطيني في مايو 2024، ما أعاق دخول المزيد من المساعدات.
ولم تقتصر الجهود المصرية على المساعدات البرية فحسب، بل قامت أيضًا بتفعيل جسر جوي إنساني بالتعاون مع الأردن لتوفير الإمدادات بشكل منتظم، خاصة إلى شمال غزة الذي يعاني من صعوبات كبيرة في وصول المساعدات. تشمل المساعدات المصرية أيضًا توفير الأدوية والمستلزمات الطبية والوقود والمياه، حيث تم إدخال 10868 طنًا من الأدوية، و10235 طنًا من الوقود، و129329 طنًا من المواد الغذائية، إضافة إلى 26364 طنًا من المياه.
يسلط هذا الدور الإغاثي الضوء على التزام مصر الثابت بمسؤولياتها الإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني، في مواجهة العراقيل التي تعيق وصول المساعدات الدولية، مما يعكس فاعليتها كمحور رئيس في دعم غزة وإغاثة سكانها في ظل الظروف القاسية، كما يبرز ذلك من خلال تسليط الضوء على سبل تعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة كأحد أبرز المحاور الأساسية للمؤتمر المرتقب عقده اليوم.
رابعًا: الضغط على إسرائيل من أجل نفاذ المساعدات: انطلاقًا من دور مصر المستمر في دعم نفاذ المساعدات الإنسانية، وإدراكًا منها لحجم الكارثة الإنسانية التي يعاني منها سكان قطاع غزة، خاصة في الشمال المحاصر من قبل الجيش الإسرائيلي، تؤكد مصر باستمرار في كافة المحافل الدولية على ضرورة حشد الدعم الدولي والتعاون الإقليمي والدولي للضغط على إسرائيل لوقف عرقلة مرور المساعدات الإنسانية. لم تقتصر جهود مصر على الدعوة في الساحات الدولية فحسب، بل امتدت لتشمل الضغط المباشر من خلال الدعوة لعقد مؤتمر دولي بهدف التوصل إلى آلية فعالة لضمان تدفق المساعدات.
ويتمثل ذلك كما سبق الذكر في محادثات تجري حاليًا بين الجانبين المصري والإسرائيلي للتوصل إلى اتفاق بشأن آلية لإعادة فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني، مما يعكس التزام مصر العميق بتخفيف المعاناة الإنسانية في غزة وضمان وصول المساعدات بشكل مستمر.
خلاصة القول، يُعد انعقاد المؤتمر الدولي “دعم وتعزيز الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة” في القاهرة في 2 ديسمبر 2024 حدثًا بالغ الأهمية في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، حيث يعكس الدور المحوري لمصر في مساعيها المتواصلة لدعم القضية الفلسطينية على الأصعدة السياسية والإنسانية والتأكيد على أن مصر تقود أيضًا جهودًا دبلوماسية حثيثة لفتح قنوات للمفاوضات وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، في ظل سيطرة إسرائيل على معابر القطاع. كما تسعى مصر من خلال هذا المؤتمر إلى حشد الإرادة الدولية للضغط على إسرائيل وإيجاد آلية فعالة لرفع القيود عن المساعدات الإنسانية، وتعزيز استجابة المجتمع الدولي للأزمة، وأخيرًا يمثل المؤتمر فرصة لتأكيد التزام مصر الثابت بحل سياسي عادل يستند إلى حل الدولتين، والتأكيد على أن القضية الفلسطينية هي مفتاح الاستقرار في المنطقة.
[1] وكالة الأنباء الأردنية، بيان صادر عن رؤساء مؤتمر الاستجابة الإنسانية الطارئة في غزة في ختام أعماله، 12 يونيو 2024، https://www.petra.gov.jo/Include/InnerPage.jsp?ID=283369&lang=ar&name=news
[2] الجمهور، الاستجابة الإنسانية بغزة، 4 محاور لمؤتمر دولي ينطلق بالقاهرة غدًا لدعم فلسطين، 1 ديسمبر 2024، https://shorturl.at/8cMUD
[3] القاهرة الإخبارية، الأمم المتحدة: نزوح 130 ألف فلسطيني شمال غزة وتدهور الأوضاع في الضفة، 1 ديسمبر 2024، https://shorturl.at/NKDhj
[4] وكالة يافا، اجتماع جديد بين “فتح” و “حماس” في القاهرة اليوم لبحث إدارة غزة، https://shorturl.at/GPRSF
باحثة بالمرصد المصري



