
إنفاق متصاعد: الحماية الاجتماعية في مشروع الموازنة الجديدة
تؤثر أنظمة الحماية الاجتماعية وتصميمها ونطاق تغطيتها في تشكيل التماسك الاجتماعي والعدالة الاجتماعية وهيكلية سوق العمل ومكافحة الفقر والتخفيف من حدته، إضافة إلى القدرة على مواجهة الصدمات الاقتصادية في أي مجتمع.
وقد أعدت الحكومة المصرية مشروع موازنة للعام المالي 2023/2024 في ظل ما تواجهه مصر من تحديات اقتصادية من: ارتفاعات متلاحقة ومتتالية للأسعار، وبلوغ معدلات التضخم لمعدلات غير مسبوقة، مما يضع ضغوطًا متزايدة على القوة الشرائية للأفراد، ويسهم في ضغوط اجتماعية؛ هذا إلى جانب مجموعة من التحديات الخارجية التي تواجه مصر من: ارتفاعات متلاحقة لأسعار النفط، وتذبذب حركة التجارة الدولية، وتحديات أمنية وسياسية في المنطقة، مما يتطلب إجراءات لتعزيز الاقتصاد المصري وتحقيق النمو المستدام.
وإيمانًا من القيادة السياسية بضرورة التخفيف عن كاهل المواطنين وتمكين الفئات الأولى بالرعاية، والتوسع في شبكات الحماية الاجتماعية؛ فقد وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي برفع مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية في موازنة العام الجديد من ٣٥٨,٤ مليار جنيه إلى ٥٢٩,٧ مليار جنيه بنسبة زيادة ٤٨,٨٪ للتخفيف عن المواطنين في ظل الموجة التضخمية العالمية.
مخصصات الحماية الاجتماعية في الموازنة المصرية:
تمثل الموازنة العامة للدولة بمثابة خارطة الطريق نحو تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام، بما يحقق “خفض معدلات الفقر” و”تحسين مستوى الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة وتحديث البنية الأساسية”.
فقد تم تخصيص ١٢٧,٧ مليار جنيه بالموازنة الجديدة لدعم السلع التموينية مقارنة بنحو ٩٠ مليارًا للسلع التموينية خلال العام المالي الحالي. ويشير الشكل التالي إلى تطور الإنفاق على السلع التموينية خلال 6 سنوات خلال الفترة (2016/ 2017-2023/2024) والذي ارتفع فيه الدعم من 41.1 مليار جنيه عام 2016/ 2017 ليصل إلى نحو 127.7 مليار جنيه.

وكذلك خُصص ١١٩,٤ مليار جنيه لدعم المواد البترولية، و٦ مليارات جنيه للتأمين الصحي والأدوية بزيادة ٥٨,٢٪ عن العام المالي الحالي، و١٠,٢ مليارات جنيه لدعم الإسكان الاجتماعي بمعدل نمو سنوي ٣١,٥٪ مقارنة بـ ٧,٨ مليارات جنيه.
وقد وُجه كذلك برفع مخصصات معاش الضمان الاجتماعي لنحو ٣١ مليار جنيه بمعدل نمو سنوي ٢٥٪ مقارنة بنحو 11.2 مليار جنيه خلال عام 2016/ 2017، و٢٠٢ مليار جنيه مساهمات صناديق المعاشات بمعدل نمو سنوي ٦٪ مقارنة بـ ١٩١ مليارًا خلال العام المالي الحالي وبنحو 105.4 مليار خلال عام 2016/ 2017؛ بما يضمن توفير السيولة المالية اللازمة لخدمة أصحاب المعاشات والمستحقين عنهم والمؤمن عليهم والوفاء بكامل الالتزامات تجاههم، فضلًا عن تحمل الخزانة العامة للدولة ٨ مليارات جنيه لعلاج المواطنين على نفقة الدولة بمعدل نمو سنوي ١٤,٣٪.

ويتضمن مشروع موازنة مصر للعام المالي 2023/2024 أيضًا تنفيذ المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» واستكمال المرحلة الأولى، وبدء المرحلة الثانية لتطوير قرى الريف المصري؛ تحقيقًا للتنمية الشاملة والقضاء على الفقر متعدد الأبعاد لتوفير حياة كريمة مستدامة لـ ٦٠٪ من المصريين، والارتقاء بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي والبيئي للأسر المستهدفة من خلال توفير المزيد من فرص العمل المنتجة.
ومن بين الإجراءات التي ستتخذها الحكومة لتحقيق هذا الهدف هي: توسيع شبكة الطرق الريفية، وبناء مدارس ومستشفيات ومراكز صحية، وتحسين خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي في المناطق الريفية.
ويأتي ذلك في إطار التزام الحكومة بتحسين مستوى المعيشة وتقليل الفوارق الاجتماعية بين المناطق الحضرية والريفية في مصر، وتعزيز النمو الاقتصادي في المناطق الريفية، وتوفير فرص العمل وتحسين الظروف المعيشية للسكان في تلك المناطق.
وتعمل الدولة كذلك على اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة التي من شأنها دعم القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية؛ فتم تخصيص ١٩,٥ مليار جنيه لمبادرة دعم سعر الفائدة في التسهيلات الائتمانية لأصحاب الأنشطة الصناعية والزراعية لتحفيزهم ودفعهم للتوسع في الإنتاج، وتخصيص ٢٨,١ مليار جنيه لدعم وتنشيط الصادرات بمعدل نمو سنوي ٣٦٨,٣٪ خلال موازنة العام المالي المقبل مقارنة بـ ٦ مليارات جنيه خلال العام المالي الحالي لبرنامج «دعم المصدرين».
ختامًا، يمكن القول إن برامج الحماية الاجتماعية التي تتبناها مصر كانت محل إشادة من قبل العديد من المؤسسات الدولية وفي مقدمتها البنك الدولي الذي تشير تقديراته إلى أن برامج الدعم المباشر أو التمويلات النقدية «تكافل وكرامة ومعاش الضمان الاجتماعي» أسهمت فى تقليل معدلات الفقر، وساعدت كثيرًا فى الوصول للمستحقين، على نحو يسهم في إرساء دعائم العدالة الاجتماعية.
ذلك علاوة على أن مصر، وفقًا لتقرير منظمة العمل الدولية، تُعد الأعلى أفريقيًا وعربيًا في الإنفاق على الحماية الاجتماعية، وقد بلغ حجم الإنفاق خلال عام 2022 على برامج الحماية الاجتماعية، باستثناء الرعاية الصحية ٩,٥٪ من الناتج المحلي الإجمالي؛ مما يؤكد حرص الحكومة على التوسع في برامج الحد من الفقر وتعزيز شبكة الحماية الاجتماعية.
باحثة ببرنامج السياسات العامة